The Swiss voice in the world since 1935

الأمم المتحدة على مفترق طرق: هل تفقد جنيف دورها كمركز للحوكمة العالمية؟

الأمم المتحدة
تجمع نحو 500 موظف.ة من المتعاونين مع الأمم المتحدة في جنيف في الأول من مايو، يوم عيد العمال، للتنديد بموجات التسريح الحالية والمستقبلية في وقت تعاني فيه الأمم المتحدة من صعوبات خطيرة. Keystone / Salvatore Di Nolfi

في الوقت الذي تمرّ فيه منظّمة الأمم المتّحدة بأزمة ماليّة حادّة، يسعى أمينها العام، أنطونيو غوتيريش، إلى إعادة هيكلتها بشكل  شامل وجذري. وتثير الحلول المقترحة، وأبرزها نقل الموظفين والموارد ودمج الوكالات، قلق العاملين والعاملات في هذه المنظّمة، كما تطرح تساؤلات حول موقع جنيف في الحوكمة العالمية.  

تحت أشعّة الشمس الحارقة، بدت وجوه الحشود المجتمعة في ساحة الأمم في جنيف يوم الخميس الأوّل من مايو قاتمة، حيث شارك المئات من موظفي المنظّمة وموظّفاتها (حوالى 500) في تظاهرة غير مسبوقة، دعت إليها النقابات بمناسبة عيد العمّال.   

ويقول أحد الموظّفين العاملين في المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين (HCR) منذ سنوات طويلة، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: “الأجواء في العمل ثقيلة للغاية، ويسود خوف كبير بين الموظفين”، وقد أبدى خشيته من فقدان وظيفته في وقت قريب.  

وحمل الموظفون والموظفات الدوليون.ات لافتات كُتب عليها “موظّفو الأمم المتّحدة ليسوا سلعة”، استنكارًا لموجات التسريح الكبيرة التي تطالهم.هن، في حين تواجه الأمم المتّحدة صعوبات شديدة.    

وترجع بعض أسباب هذه التحرّكات إلى أزمة مالية تمرّ بها المنظّمة بعد تأخّر عدد من الدول عن تسديد اشتراكاتها المستحقة، وتقليص الدعم المالي من جانب بعض الجهات المانحة الرئيسية، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة، وبعض الدول الأوروبية، ومنها المملكة المتّحدة.   

>> لمعرفة المخاطر التي يمكن أن تواجه جنيف الدولية، وحالة عدم اليقين التي تتسبب فيها تخفيضات الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة والبلدان الغربية الأخرى، ومن يمكن أن يعوّضها، إقرأ.ي مقالنا التالي:

المزيد
مساعدات

المزيد

انحسار التمويل يهدد هُوِيَّة جنيف الدولية: من يُعوّض غياب الولايات المتحدة؟

تم نشر هذا المحتوى على سيكون لتخفيضات ترامب للمساعدات الخارجية آثار تتجاوز جنيف الدولية، لتمتد إلى نطاق الحوكمة العالمية. فهل تنجح المنظمات الدولية في ضمان استمرارية برامجها؟

طالع المزيدانحسار التمويل يهدد هُوِيَّة جنيف الدولية: من يُعوّض غياب الولايات المتحدة؟

خطّة الإصلاحات  

وإزاء هذا الوضع، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مبادرة “الأمم المتحدة 80” (ONU80) في شهر مارس؛ خطّة تشمل إصلاحات تهدف إلى تعزيز فعاليّة الأمم المتّحدة، لاسيما من خلال خفض النفقات.  

ويقول أحد الموظّفين في منظّمة العمل الدولية (OIT)، الذي كان موجودًا في ساحة الأمم المحاذية للمقر الأوروبي للأمم المتّحدة بجنيف:” عمدت منظّمة العمل الدوليّة إلى إلغاء وظيفة واحدة من كلّ 10 وظائف”، مشيرًا إلى عدم تجديد المشاريع التي تموّلها الولايات المتحدة.  

ووفقا لنقابات موظّفي الأمم المتحدة، تُعتبر آلاف الوظائف مهدّدة. وقد يتعيّن على المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين، التي تعتمد على التمويل الأمريكي بنسبة 40 %، إلغاء 30% من قوّتها العاملة على المستوى العالمي، التي بلغت حوالي 18،000 شخص في عام 2021. وفي كلمة أمام الدول الأعضاء يوم الاثنين 12 مايو، قدّم الأمين العام تحديثًا عن التقدّم المحرز في العمل، وبعض الأفكار التي يجري النظر فيها؛ مثل دمج الوحدات داخل أمانته العامة، ونقل الوظائف التي تشغلها حاليًا في نيويورك وجنيف، أغلى مركزين للأمم المتحدة، إلى مدن أقلّ تكلفة. 

وفي هذا السياق، أقرّ أنطونيو غوتيريش قائلاً: ”نحن نعلم أنّ بعض هذه التغييرات ستكون مؤلمة لأسرة الأمم المتّحدة“، داعيًا الدول الأعضاء إلى التحلّي بالشجاعة، لأنّ أيّ إعادة هيكلة شاملة تشترط موافقة الجمعية العامة.      

وتؤكّد المعطيات الأخيرة بعض المقترحات التي تسرّبت إلى وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة، وتتحدّث عن دمج عدد من الوكالات التابعة للمنظّمة في أربع إدارات رئيسية، بالإضافة إلى دمج وكالات تتداخل مهامها، مثل الهيئة العليا لشؤون اللاجئين (HCR) والمنظمة الدولية للهجرة (OIM)، ومقرّهما في جنيف.   

جنيف ونيويورك
يرى بعض المراقبين والمراقبات أن مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة ”UN80“ ليست مجرد إجراءات اقتصادية فحسب، بل هي أيضاً وسيلة لفصل صورة الأمم المتحدة عن صورة مدن غربية مثل نيويورك وجنيف. KEYSTONE

“غياب رؤية واضحة”  

«”هناك بعض المقترحات الطموحة“، كما يحلّل البروفيسور أخيم وينمان، مدير الشراكات الاستراتيجية في معهد جنيف للدراسات العليا. ولكنّ الأولويّة، بشكل عام، هي خفض التكاليف وتحسين الكفاءة… كما يوضّح. إلّا أنّ “ما ينقص هو رؤية واضحة تحدّد كيف ستُمكّن هذه الإصلاحات الأمم المتّحدة من الاستعداد لمواجهة التحديات المقبلة”.  

وتجدر الإشارة إلى أنّ المقترحات المذكورة لا توضّح، كيفية تعامل الأمم المتّحدة بشكل أفضل مع التحديات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي أو الحوكمة السيبرانية، على سبيل المثال.   

يضيف وينمان: “تركّز المبادرة على نقل منظّمات وطواقم عمل خارج نيويورك وجنيف”، معتبرًا أنّ بعض البلدان، مثل الصين، ودول الخليج، والبرازيل، وفرنسا، أو ألمانيا، قد ترى فيها ” دعوة إلى انتقاء المنظّمات التي ترغب هذه الدول في استضافتها على أراضيها”.

وردّا على هذا التخوّف، أشار أحد الدبلوماسيين الأوروبيين إلى “عدم وجود انطباع لديه عن سعي عدد من الدول إلى استقطاب وكالات تتخّذ من جنيف مقرًا لها، حاليًا”. ويعتبر أنّ وكالات الأمم المتحدة استقرّت في جنيف لرغبتها في أن تكون جزءًا من”منظومة متكاملة”. ويضيف أنّه رغم كلّ ذلك، لا بدّ من التفكير في إمكانية نقل “الوظائف الإدارية غير المباشرة” إلى مدن أقلّ تكلفة. وتشمل هذه الوظائف أقسام الشؤون المالية، وتكنولوجيا المعلومات، أو حتى الموارد البشرية مثلًا.    

لكن لا يلقى هذا التبرير قبولًا لدى العاملين والعاملات في المنظمة الدولية. وتقول موظّفة منها:” سبق لبعض الوكالات أن نقلت موظفيها وموظفاتها ومراكزها إلى بلدان أخرى، لكن لم يجد ذلك نفعًا؛ إذ ينبغي أن تنقل الوظائف إلى مواقع تقع ضمن منطقة زمنيّة قريبة، ويتعيّن على الموظّفين والموظّفات الجدد التمتع بمهارات لغويّة، وأن يتمّ تدريبهم.هن، وأن يحصل الموظف.ة المفصول.ة على تعويضاته.ها. وأشكّ في أن يحقّق هذا المقترح أيّ فائدة مالية تُذكر، إذا أجرينا كلّ هذه الحسابات”. 

>> يستكشف بودكاست “من داخل جنيف”السياسة العالمية والقضايا الإنسانية، والمساعدت الدولية. وتقدم هذا البرنامج الصحفية إيموجين فولكس. لمزيد الإطلاع والمشاركة أنقر على الربط (البرنامج باللغة الإنجليزية)

أيّ مستقبل ينتظر جنيف الدولية؟  

يعتبر بعض المراقبين أنّ مبادرة الأمين العام لا تقتصر أهدافها على الجوانب الاقتصادية،  بل هي أيضًا وسيلة لفصل صورة الأمم المتحدة عن صور عواصم غربية مثل نيويورك وجنيف، لصالح وجهات أخرى؛ نيروبي عاصمة كينيا. 

إلّا أنّ مدينة جنيف العالمية تتمتّع بمكانة رفيعة، وتشكّل مصدرًا لعائدات اقتصادية مهمّة للمنطقة، ولسويسرا بشكل عام، وستخسر كثيرًا إذا تراجعت مكانة هذا الموقع.       

وأعربت وزارة الخارجية السويسرية، في اتصال مع موقعنا، عن “ترحيبها” بالجهود الرامية إلى تعزيز كفاءة الأمم المتحدة، ولكنّها أوضحت أنّ ” نقل الوظائف من بلد إلى آخر يجب أن يساهم في تعزيز فعالية عمل المنظمات الدولية”، وألا يكون لمجرد ” خفض التكاليف بشكل سريع فقط. ومن المهم تجنّب أي تجزئة غير مجدية لمقرّ المنظمات الدولية، بما في ذلك تجنّب ازدواجية المكاتب”.   

+ لمعرفة كل شيء عن مجالات النشاط والوظائف والفوائد الاقتصادية العرضية لجنيف الدولية، اقرأ مقالنا حول هذا الموضوع:

المزيد

وفي أوائل شهر مايو الجاري، أعلنت الحكومة السويسرية عن تقديم 39مليون فرنك سويسري لمنظّمة الأمم المتّحدة للطفولة اليونيسف (UNICEF)، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة (ONU Femmes)، وصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) لعام 2025.   

وتؤكّد الحكومة السويسرية، من خلال تجديد مساهماتها، أنّها تبعث “رسالة قوية داعمة لجنيف الدولية”، في وقت “يتعيّن على المنظّمات التكيّف مع وضع جيوسياسيّ غير مستقرّ يتّسم بالأزمات المتكرّرة”.  

يُذكر أنّ مدينة جنيف تقدّم العديد من المزايا ونقاط القوة للأمم المتحدة، نظرًا لتوفّر البنى التحتيّة المهمّة؛ منها قصر الأمم قيد الترميم، والحضور الدبلوماسي لـ183 دولة من الدول الأعضاء الـ193، بالإضافة إلى عدد كبير من المنظّمات غير الحكومية، والجامعات والشركات الخاصّة.  

ويقول أخيم وينمان:” لا أعتقد أنّ جنيف ستفقد مكانتها كمركز محوري للحوكمة العالمية في المستقبل القريب. وترتبط الأسئلة التي تُناقَش بقضايا عالمية؛ سواء كانت في المجال الإنساني، أو الصحي، أو متعلّقة بالسلام، أو المناخ. وتكمن قوّة مدينة جنيف في احتضان الخبرات الفنيّة والمعارف الهائلة المتمركزة فيها، وتُعتبر استثنائيّة ومختلفة عن نيويورك، حيث تتخذ المناقشات طابعًا سياسيًا أكثر”.       

تحرير: فيرجيني مانجين

ترجمة: ناتالي سعادة

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: دوريان بوركهالتر

أي مستقبل ينتظر القطاع الإنساني في ظل تقلص الدعم الدولي؟

أقدمت عدة دول – من بينها الولايات المتحدة وسويسرا – على تقليص ميزانياتها المخصصة للمساعدات، مما أدخل القطاع الإنساني في أزمة وجودية. وفي ضوء هذا الوضع، ما السبل التي ينبغي للعاملين والعاملات في المجال الإنساني استكشافها؟ رأيك يهمّنا!

6 إعجاب
7 تعليق
عرض المناقشة

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية