مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ضبابية الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط

لئن احتلت العراق، فإن القوات الأمريكية لم تنجح بعد 5 أشهر في احتواء الوضع وإعادة الاستقرار Keystone

تبدو الاستراتيجية الأمريكية الأوروبية محدودة الأفق والإمكانيات في منطقة الشرق الأوسط.

فانهيار الوضع الأمني في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي العراق يضاعف مخاطر اتساع الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واحتداد المواجهة بين قوات التحالف والمقاومة العراقية.

خطا الاتحاد الأوروبي حذو إسرائيل والولايات المتحدة في نهاية الأسبوع الماضي، عندما استجاب وزراء الخارجية لدعوات تل أبيب وواشنطن لإدراج حركة المقاومة الإسلامية “حماس” ضمن قوائم المنظمات الإرهابية.

وتزيد الخطوة الأوروبية في تقريب غالبية وجهات النظر الأوروبية من الموقف الإسرائيلي، لكنها لن تساعد على تعزيز موقف السلطة الفلسطينية على الساحة الداخلية.

وتطالب الولايات المتحدة وإسرائيل السلطة بتفكيك حركة المقاومة المسلحة، واتخاذ كافة الإجراءات الأمنية لحمل المنظمات الفلسطينية على إلقاء سلاحها. ويمثل هذا الموقف أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت رئيس الوزراء محمود عباس إلى تقديم استقالته.

وتستخدم إسرائيل إفرازات الوضع الفلسطيني في الأيام الجارية لانتزاع تنازلات سياسية مهمة من جانب الاتحاد الأوروبي. وهدد ارييل شارون الاتحاد الأوروبي بحرمانه من أي دور في عملية السلام في حال لم يدرج حركة المقاومة الإسلامية “حماس” ضمن القوائم الإرهابية التي وضعتها البلدان الأوروبية بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001.

وكانت بعض البلدان الأوروبية، مثل فرنسا والسويد وبلجيكا، رفضت الخطوة السياسية التي قدمتها بريطانيا بدافع الحرص على ضمان وحدة الصف الفلسطيني وعدم شق صفوفه، إلا أن الخطوة الأخيرة قد تزيد في توسيع الشرخ الذي بدأ يشق الفلسطينيين.

الطريق المسدود

وفي الأثناء، فإن خطة التسوية المعروفة بخارطة الطريق، قد عادت إلى مربعها الأول. وفي ظل الصمت الأمريكي والتفهم الأوروبي، تضاعف القوات الإسرائيلية هجوماتها ضد قيادات وأنصار المقاومة الفلسطينية المسلحة، ولم تتردد في استهداف أكبر رموزها الشيخ أحمد ياسين، فيما النقاشات تجري حامية حول إدارة الأجهزة الأمنية واقتسام الصلاحيات بين الرئيس الفلسطيني المنتخب ورئيس الوزراء المعين.

ويزيد تدهور الوضع في الأراضي المحتلة في درجات إرباك المنطقة على نطاق واسع من قطاع غزة إلى إيران، مرورا بانهيار الوضع الأمني في العراق، حيث تبدو الفواتير التي تسددها الولايات المتحدة كل يوم باهضة الثمن، فيتساقط جنودها تحت ضربات المقاومة والعمليات الانتحارية التي تهدد بإغراق البلاد في أتون الاضطراب الدائم.

وقد فشلت الولايات المتحدة في تأمين أدنى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء الصالح للشرب، مما يثير نقمة السكان المدنيين، بالإضافة إلى مفارقة شح محطات التزود بالطاقة في بلد يمتلك ثاني الاحتياطات النفطية في العالم.

وتزيد أعمال المقاومة المسلحة والعمليات التي تستهدف محطات الضخ وأنابيب النفط في تعقيد الوضع الاقتصادي، وتبعد شبح الناقلات التي تنتظر المؤسسات الأمريكية والأخرى التابعة للبلدان الحليفة، ملأها بالخام العراقي وتصديره نحو الأسواق العالمية.

وبات من الواضح أن القوات الأمريكية البريطانية قد عجزت عن تأمين الوضع، وأنها لن تنجح في استعادة الاستقرار. ولاحظ مراقبون أن وزير الدفاع الأمريكي دوناليد رامسفيلد قد عدل نسبيا خلال زيارته الأخيرة عن أسلوب المفاخرة وعن تجاهله موقف الدبلوماسية الدولية.

ويكرر المسؤولون الأمريكيون الدعوات في اتجاه المجموعة الدولية من أجل أن تتولى دورا أكبر في مهمات تأمين الوضع الذي يتحول إلى مستنقع بالنسبة للقوات الأمريكية. وإذا هي فاخرت بانتصارها على قوات الرئيس العراقي صدام حسين وطرده من الحكم، فإنها قد فشلت إلى حد الآن في إثبات واحدة من المبررات التي قدمتها لتأكيد قناعتها بشن الحرب على العراق.

فاتورة باهضة

وتواجه الولايات المتحدة وبريطانيا أزمة ثقة دولية لأنهما لما تعثرا على أي دليل يؤكد مزاعم امتلاك العراق بعض أسلحة الدمار الشامل، كما أن شرائح كبيرة من الشعب العراقي قد انقلبت على قوات التحالف الدولي، وأصبحت تحملها مسؤوليات تدهور الوضع الأمني، وتدني مستوى الخدمات الاجتماعية إلى ما دون مستوياتها في ظل نظام الرئيس صدام حسين.


وأمام اتساع المأزق والخوف من غرق قواتها في مستنقع جديد قد يضطرها يوما ما إلى الانسحاب مع ما سيترتب عن الهزيمة من عواقب سياسية تعود بالفائدة على مرشحي الحزب الديموقراطي في حملة الانتخابات الرئاسية، تلتفت الولايات المتحدة مدعومة من بريطانيا نحو المجموعة الدولية للمساهمة بتوفير قوات إضافية والمشاركة في إعادة إعمار البلاد وتوفير الموارد المالية اللازمة.

وتذكر تقديرات أولية بأن مسار إعادة إعمار العراق سيكلف مبلغا يفوق المائتي مليار دولار لن تقدر الخزانة الأمريكية على تأمينها من دون مساهمة أوروبية وعربية.

لذلك، اضطر الرئيس بوش إلى الإقرار بضرورة طي صفحة الماضي والعودة إلى الأمم المتحدة، ودعا في خطابه فجر يوم الاثنين إلى تجاوز الخلافات التي شقت الحلفاء في الفترة التي سبقت تفجير الحرب على العراق، وبشكل خاص بين واشنطن ولندن من جهة، وباريس وبرلين وموسكو من ناحية أخرى. وأكد بوش على “ضرورة تجاوز الخلافات، حتى لا تتحول إلى عائق يحول دون تنفيذ التزامات الوضع الراهن”.

وتمثل مقترحات بوش بالعودة إلى مجلس الأمن وإرسال المجموعة الدولية قوات إضافية إلى العراق، ودعوة مجلس الحكم الانتقالي إلى وضع رزنامة صياغة دستور جديد ومواعيد انتخاب المؤسسات التشريعية، محاولة لوضع استراتيجية جديدة بعد الضبابية التي طغت على السياسة الأمريكية في العراق طوال الفترة التي تلت انتهاء المعارك قبل خمسة أشهر.

نور الدين الفريضي – بروكسل

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية