في المجر جشع التطوير العقاري يقضم بحيرة بالاتون على حساب الرواد والسكان
تعدّ بحيرة بالاتون الأكبر في أوروبا الوسطى، كما تعتبر بمثابة “البحر المجري” الذي يجذب العائلات كلّ صيف. لكن شواطئها ومواقع التخييم التي يمكن الوصول إليها بحُرية يتم استبدالها تدريجا بالمساحات المخصخصة.
واقعٌ يُشعر السكان المحليين بالإحباط، وخصوصا أنّه يعكس مدى تأثير رئيس الوزراء القومي فيكتور أوربان المتهم باحتكار قطاعات كاملة في الاقتصاد مع دائرته المقرّبة، منذ توليه السلطة قبل 14 عاما.
يبيع بيتر كارباتي المثلّجات في ميناء بالاتونفولدفار منذ حوالى 40 عاما، وكان شاهدا على التحوّلات التي طرأت على الكيلومترات الـ235 التي تشكّل ضفاف البحيرة، وتمثّلت ببناء فنادق خمس نجوم ومجمّعات سكنية.
من أمام الكشك الذي يملكه، يستنكر السبعيني “الجشع الذي يقضم البحيرة تدريجا ويقودها إلى الخراب”. ويقول “هذا ما يقلقنا”.
ويشير إلى أنّ المجلس البلدي “يهدر” الأموال على مشاريع عقارية “سخيفة”، لافتا الى أنّه وافق على نقل متجره لإفساح المجال أمام من يصفه بأنّه “رجل أعمال كبير في نظام أوربان”.
يتوجّه 2,8 مليون زائر، غالبيتهم من المجرّيين، إلى البحيرة كلّ عام. ولكن الإحصاءات تُظهر تراجعا في عدد الزوار الذين باتوا هناك في حزيران/يونيو، على الرغم من زيادة إجمالي الإنفاق على خلفية تحسين المكان وارتفاع الأسعار.
– 50 عقارا –
أحصت منظمة “كي مونيتور” (K-Monitor) التي تعنى بمكافحة الفساد أكثر من 50 عقارا مملوكا لرجال أعمال مقرّبين من أوربان.
وبينما تمكّنت وكالة فرانس برس من التواصل هاتفيا مع صهر رئيس الحكومة ايستفان تيبورتش، غير أنّها لم تتمكّن من التحقّق من الوضع الحالي للأصول التي يملكها.
واستنكر تيبورتش “ادعاءات مضلّلة” تتعلّق به، موضحا أنّه قام في الماضي باستثمارات حول البحيرة، لكنّه أكد أنّه لم يعد يملك أي شيء هناك.
من جهتها، تقوم الحكومة بتوزيع الأموال لمشاريع التنمية السياحية. ولا تتردد في المصادقة على تشريعات جديدة للسماح ببناء مشاريع مثيرة للجدل، حسبما يؤكد كارولي هيرينيي، رئيس جمعية تناضل من أجل الحفاظ على المنطقة.
على شاطئ شعبي، يظهر ميناء غير مكتمل البناء بسبب معركة قضائية. أوقفت المحاكم بناءه مرّتين، مشيرة إلى عدم استطلاع آراء الناس بهذا الشأن وعدم وجود دراسة للأثر البيئي. غير أنّ المجلس البلدي الذي يديره حزب فيدس الحاكم غيّر الأنظمة المحلية، ما أفسح المجال أمام إمكان استئناف أعمال البناء.
تشكو لاسلون سابو وهي مدرّسة تبلغ 46 عاماً، من “هذا الميناء الذي يحجب الرؤية”. وتقول إنّه المكان “حيث نمضي مواسم الصيف منذ سنوات وحيث كبُر الأطفال”، مضيفة أنها وقّعت عريضة للاحتجاج على بنائه.
ولم تجب البلدية على أسئلة وكالة فرانس برس بهذا الشأن.
– “أريستوقراطية جديدة” –
يحذر هيرينيي من أنّه “إذا تمكنّا من تغيير القانون كما نشاء، فلن يكون هناك شاطئ آمن في بالاتون”.
ويرى في التحوّلات الحالية “إرادة سياسية قوية لخلق اريستوقراطية جديدة”، كما كان الحال قبل مئة عام عندما بدأ المكان يتحوّل إلى موقع شعبي.
اعتبرت بحيرة بالاتون مكانا مفضلا لقضاء العطلات في الحقبة الشيوعية، أي خلال عهد الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف والرئيس الكوبي فيدل كاسترو، وشهدت تشييد العديد من المباني على الطراز السوفياتي. ولكن بعد الانتقال الديموقراطي في التسعينات، تعهّدت السلطات وضع حد لحمى شراء وبناء العقارات… وسرعان ما تبدل المشهد في الاعوام الاخيرة.
في بلدة كيستيلي التي توصف بأنّها عاصمة بالاتون، مُني حزب فيدس الحاكم بهزيمة في صناديق الاقتراع للمرة الأولى منذ العام 2006.
وتعهّد رئيس البلدية الجديد جيريلي توث (54 عاما) وهو خبير اقتصادي، الإصغاء الى الاعتراضات وضمان “تنمية مستدامة”.
وعندما يتولى منصبه في تشرين الأول/أكتوبر، فإنّ مهمّته الأولى ستكون رمزية، إذ سيزيل البوابة التي أقامها أحد المتعهدين العقاريين لعرقلة وصول الناس إلى الشاطئ المحلّي. وبات هذا السلوك غير القانوني شائعا على ضفاف بحيرة بالاتون.
روس/ناش/ب ق