مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التغيير الممنوع

جندي إسرائيلي يُشرف من أعلى دبابته في موقع عسكري قرب كيبوتز ميفالسيم على مناطق فلسطينية في شمال قطاع غزة يوم 2 يوليو 2006 swissinfo.ch

تُـحرّك إسرائيل عدّتها وعتادها، وترسل جنودها المدجّـجين إلى غزة ومناطق الضفة، تعتقل الوزراء والنواب والمسؤولين...

الدولة العبرية تشن هذه الأيام حربا ليست كالحرب، تفرض حصارا على الحصار القائم أصلا، وتدخل معركة تعرف أن معيار النصر فيها لا يلتزم بالقوة ولا العدد .. لكنها تخوضها.

تُـحرّك إسرائيل عدّتها وعتادها، وترسل جنودها المدجّـجين إلى غزة ومناطق الضفة، تعتقل الوزراء والنواب والمسؤولين، تشن حربا ليست كالحرب، تفرض حصارا على الحصار، وتدخل معركة تعرف أن معيار النصر فيها لا يلتزم بالقوة ولا العدد، لكنها تخوضها.

تدك مدفعية الاحتلال الثقيلة أرض غزة العارية إلا من حرارة الصيف الممزوجة برطوبة البحر. وإذ تُـصر المقاومة الفلسطينية على استفزاز آلة الحرب الإسرائيلية الصمّـاء، تضطرب الأجواء الداخلية وتنقلب معادلة الخطوات المحسوبة، فتخرج حركة حماس المتخبّـطة بأزمة الحُـكم بتغيير طال انتظاره، لكن خفت حماسته وبردت حرارته.

في لحظة مشحونة غاضبة تائهة، تُـعيد ساحة الصراع الإسرائيلي تشكيل ذاتها على صورة لا تقترب إلا من مجهول، ولا تُـشبه الإ دورة ويلات جديدة. هكذا هي صورة الوضع الفلسطيني الإسرائيلي عقب عملية كرم أبو سالم أواخر شهر يونيو، حيث قتلت المقاومة العساكر الإسرائيليين المستحكمين في أبراج ومدرعات، وانسحبت ومعها الجندي الأسير.

مرة أخرى، تبتعد الصورة عن أصلها وتغادر الأزمة عُـمقها، وترتَـدّ إلى جنباتها المتطرفة. يأخذ الإسرائيليون في القوة، يمدّون في طُـغيانها، ويقف الفلسطينيون حيارى وماهم بحيارى، لكن ثقل الضغوط وتعدد صانعي القرار، يتركُـهم وقد غشيتهم نوبة من هلع.

المفاجأة المتوقعة

ربما كان في الاحتمال خروج المواجهة عن السيطرة، لكن نوعية العملية غير المسبوقة في معكسر كرم أبوسالم، أخذت جميع الأطراف بغتة. حكومة إسرائيلية من خارج العيار العسكري، برئيس وزراء مدني، ووزير دفاع جاء من ساحات النقابات العمالية واليسار الإسرائيلي المهزوم.

وعلى مدار الأسابيع التي تلت تولي ايهود اولمرت وعمير بيريتس مقاليد الحكم في الدولة العبرية، اطلقت يد الجيش الإسرائيلي في كل مكان. جيش على رأسه رئيس أركان يُـدعى داني حالوتس ويلقّـب بغراب الاغتيالات عن طريق الجو والبحر، صاحب الغارات الجوية بالمتفجّـرات ذوات الأطنان.

قاد حلوتس سلاح الجو السابق، الذي لا يرمش له جفن، وجد ضالّـته المنشودة وراح يوسّـع نطاق غاراته على قطاع غزة، اغتيالات تتبعها اغتيالات، تتخلّـلها مجازر ضحاياها عائلات، أطفال ونساء وشيوخ.

على الجهة الفلسطينية، حكومة شلّـت قدرتها على الحركة، وجمهور أضناه الحصار المالي والاقتصادي، إضافة الى القيود المفروضة على الحركة، ورئاسة لا تملك من أمرها شيئا، تحاول جاهدة الحفاظ على بقايا سطلة وتحقيق انفراج فيما اصطلح عليه الحوار الوطني.

وفي مقابل ذلك كله، ضغوط متتالية، محلية وإقليمية ودولية، لدفع الحكومة الفلسطينية التي ترأسها حركة حماس، لتلبية شروط اللجنة الرباعية الخاصة بالاعتراف بإسرائيل والاتفاقات الدولية والشرعية العربية المتعلقة بمبادرة السلام العربية. كانت كل الضغوط تدفع بالفلسطينيين إلى الحائط.

لا ضيق إلا وبعده فرج

لم يكن في الأفق ما يَـشي باحتمال رفع الضغوط، ولا حتى بتخفيفها، بل إن الآلية الجديدة، التي كانت الرباعية قد أقرتها للتو عشية عملية كرم أبو سالم، تقول إن القضية الفلسطينية في طريق تحويلها إلى مجرد قضية “إنسانية”، بعد أن اعتبرت الرباعية أنه يمكن مساعدة الفلسطينيين بعيدا عن حكومتهم في مسائل تتعلّـق بالشؤون الإنسانية.

كان الفلسطينيون في حصار جديد، مطالب منهم أن يقدموا على مذبح السياسة الدولية “قرابين” جديدة، لكن حماس المسلمة المتدنية كانت تُـصر في خُـطب الجمعة أن الله ولي المؤمنين وأن لا ضيق إلا وبعده فرج، حتى استطلاعات الرأي لم تنل من شعبية حماس ولا من شعبية رئيس الوزراء الخطيب المفوّه.

وفي كواليس اجتماعات الحوار الوطني في غزة، ثمة أصوات مغايرة ترفعها حماس ومعها مندويون من فصائل منظمة التحرير. كانت ثمة محاولة جادّة للخروج عن الصحار السياسي والاقتصادي والمالي، الإسرائيلي والدولي. كانت حماس تتهيّـأ بالفعل لتغيير جذري مُـحتمل، تأكّـد بعد أيام في وثيقة الأسرى من خلال الاعتراف الضمني بإسرائيل.

وافقت حماس على إقامة دولة فلسطينية في حدود 1967، وإن ضمّـنت مقدمة الاتفاق أن “الحقوق لا تسقط بالتقادم ولا اعتراف بشرعية الاحتلال”، فإن ذلك لم يغير من الأمر شيئا، لا في الصيغة الفضفاضة في المقدمة، ولا عند الإسرائيليين الذين اعتبروا الأمر مجرد “شأن فلسطيني داخلي”.

كانت ساعة معركة كرم أبو سالم قد دقّـت، لم تشفع عبارات وثيقة الأسرى حول الاعتراف الضمني بإسرائيل في التأثير بمسألة الجندي الأسير. مضت إسرائيل بجيشها إلى الحدود، ونصبت مدفعيتها. كانت حكومة اولمرت قد بدأت في ترتيب خُـطّـتها الأحادية الانزوائية الجديدة.

بعد أن اعتقلت الوزراء والنواب، دكت مقرات مجلس الوزراء والداخلية، ربما لأن رئيس جيشها حلوتس مشغول أو فرغ للتو من إعداد مخطط التخلص من السلطة لتحقيق مقولة رئيس وزرائه حول عدم وجود شريك فلسطيني يُـمكن التفاوض معه.

وفي غضون ذلك كله، كان في حماس من هو من خارج الحكومة ومن هو من خارج سيطرة القرار الفلسطيني، هو من يمضي في خطة الجندي الأسير نحو مجهول آخر.

هشام عبدالله – رام الله

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية