مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الخليجيون بين التوجس والخوف

لم تهدأ المظاهرات الشعبية في البحرين منذ بداية الحرب على العراق Keystone

فرضت الحرب الأمريكية البريطانية على العراق واقعا جديدا على المجتمعات الخليجية يختلف تماما عن الواقع الذي ساد المنطقة إبان حرب تحرير الكويت.

فكل دول مجلس التعاون تأوي على أراضيها قواعد وتسهيلات عسكرية أمريكية تساهم في الحرب، لكن المجتمعات تنظر إلى الأمور من منظور مختلف.

يبدو واضحا أن “حرب الخليج الثالثة” مختلفة تماما عن حرب تحرير الكويت في عيون الشارع الخليجي.

فباستثناء الكويتيين الذين يؤيدون تأييدا كليا الحرب الأمريكية البريطانية ولم يطووا صفحة الاجتياح العراقي لبلدهم عام 1990وأحقادهم المتراكمة ضد الرئيس العراقي صدام حسين، ينظُـر بقية الخليجيين بعين التعاطف، الذي لا تخطئه العين هذه المرة إلى العراق، سواء من خلال وسائل الإعلام ومواقفها في البلدان الخليجية الخمس، أو من خلال حركة المجتمع الأهلي الذي يبذل وسعه لإيصال صوته الداعم للعراقيين معنويا وماديا في وجه قوات التحالف.

ومن أبرز ملامح التعاطف التي ظهرت مع الأيام الأولى للحرب محاولة بلورة حركة تضامن شعبية وإغاثة جماعية عن طريق الجمعيات الخيرية الخليجية، التي اجتمعت في الدوحة للتنسيق، وكان لافتا حضور إحدى الجمعيات الخيرية الكويتية في ذات الاجتماع.

وفي قطر، التي تستضيف قاعدة العيديد الجوية وقاعدة السيلية، حيث القيادة المركزية الأمريكية التي تخطط للحرب على العراق، تتعدد مظاهر المساندة الشعبية، والتي لامست حدود الرسمي منها عندما بادرت شركة اتصالات قطر (كيوتل) الأسبوع الماضي بإجراءات لتخفيض سعر المكالمات الدولية باتجاه العراق.

وقال وليد السيد، رئيس العلاقات العامة بـ (كيوتل)، “إن هذا القرار يأتي تجاوبا مع مناشدة المواطنين العراقيين المقيمين في قطر ليتمكنوا من الاتصال بذويهم والاطمئنان عليهم في ظل ما يواجهه العراق وشعبه من محنة هذه الأيام”.

كما بدأ القطريون في ترويج أرقام هاتفية داخل العراق عن طريق رسائل الهاتف الجوال. وتقول إحدى هذه الرسائل “لمساندة شعب العراق، يرجى الاتصال بالترقيم الدولي للعراق وبغداد ثم إضافة أرقام عشوائية”

وأفاد بعض المواطنين في قطر، بأنهم اتصلوا فعلا بأرقام عشوائية داخل العراق وتحدثوا إلى فئات مختلفة من العراقيين، محاولين شد أزرهم ورفع معنوياتهم.

تواجد أمريكي وغضب شعبي

وفي البحرين، التي تضم قيادة الأسطول الخامس الأمريكي، لم تهدأ حركة المظاهرات في الشارع منذ انطلاق الحرب، بل تعدى الأمر حدود التعاطف مع العراق إلى محاولات للهجوم على مقر إقامة القوات الأمريكية وإلحاق الضرر بها، كنوع من الاحتجاج المعلن والعنيف على الحرب ضد العراق.

كما سمحت السلطات في إمارة دبي بتنظيم مسيرة شعبية تظاهرت ضد الحرب ورفعت شعارات مساندة للعراق، فيما يسود الغليان المملكة العربية السعودية التي كانت تعتبر إلى وقت قريب أحد الحلفاء الاستراتيجيين الرئيسيين للولايات المتحدة في الخليج. ولا يُـفَوّت المواطنون السعوديون مناسبة للتعبير عن سخطهم وعن تعاطفهم مع الشعب العراقي بعد أن ناصبوه العداء خلال أزمة احتلال الكويت.

وليس عصيا على الملاحظة أن موقف الرأي العام الخليجي من الحرب الثالثة قد صاغته وعبرت عنه وسائل الإعلام المحلية في كل الدول الخليجية بلا استثناء.

وحين يستنجد المراقبون بحقيقة عدم وجود إعلام مستقل بالمعنى الكامل للكلمة في أغلب هذه الدول، فإنهم يستنتجون بسهولة أن الإعلام يعكس إلى درجة ما الرأي الرسمي لأنظمة الحكم في دول مجلس التعاون الخليجي من الحرب، عدا مواقفها السياسية المعلنة قبل الحرب، رغم أن أيا من دول مجلس التعاون الست لا تخلو من وجود قواعد عسكرية أمريكية تقدم تسهيلات مباشرة للقوات الأمريكية البريطانية بشكل أو بآخر.

ورغم أن اغلب المواطنين الخليجيين يحاولون تجاوز نقطة القواعد العسكرية بينهم ممتطين أعذارا شتى، ويحاولون إغماض العين عن التسهيلات التي تقدمها بلدانهم للأمريكيين والبريطانيين، منطلقين دون هذه العقدة إلى فضاء الوقوف العلني مع العراق، فإن البعض الآخر يجرؤ على انتقاد ذلك ويطالب بإغلاق القواعد وطرد العسكريين الأجانب من شبه الجزيرة العربية، لكن الأمر لا يصل إلى درجة من الجدية التي يمكن أن تصبح مصدرا لانزعاج الأنظمة أو الحكام

الإعلام الفضائي

وتلعب القنوات الفضائية العربية، وخاصة قناة “الجزيرة” دورا مهما في التنفيس عن الضغط الذي يشعر به المواطن الخليجي حيال انفصام الواقع أمامه، بل أن بعض هذه القنوات أثارت بأدائها المتعاطف مع العراق تناقضا بين الخليجيين من جهة، والكويتيين من جهة أخرى بلغ مداه، عندما طالب بعض أعضاء البرلمان الكويتي بفتح تحقيق في المشاركة المالية الكويتية في رأسمال قناة “العربية” الحديثة، والتي يملكها مستثمرون سعوديون وكويتيون ولبنانيون.

وفيما يشعر الكويتيون بابتعادهم تلقائيا عن بقية الخليجيين، يتملك هؤلاء مزيجا من الشفقة والحنق والازدراء بالموقف الكويتي الذي يعتبرونه “نشازا” بسبب التأييد الكويتي المطلق للحرب على العراق، لكنهم يحاولون البحث عن أعذار للكويتيين الذين التاعوا كثيرا من الغزو العراقي عام 1990، دون أن يخفف ذلك من الجفاء الذي بدا واضحا من خلال تناقض تبرزه وسائل الإعلام المختلفة بطرق شتى، وليس آخرها إبراز بعض الكويتيين كمستفيدين عبر ازدهار تجارة الحرب، مثلما نوهت إلى ذلك صحيفة الوطن السعودية بنشرها تحقيقا عن كويتيين يؤجرون سيارات وشاحنات للقوات الأمريكية والبريطانية.

ويعتقد مراقبون أن إفرازات الحرب الدائرة على العراق قد تستلزم وقتا لإصلاح الأضرار في التواصل مع الكويتيين، كما قد تظهر تبعاتها في شكل انفصام ثقافي متعدد الأبعاد على أجيال خليجية صاعدة ترى أمامها واقعا وتسمع نقيضه، بل أن بعض الشوارع الخليجية تجد نفسها متفقة في التعاطف مع العراق ومفترقة في تقييم مواقف حكوماتها، عدا الأعطاب السياسية التي لحقت ببعض العلاقات الثنائية، وأبرزها بين قطر والمملكة العربية السعودية نتيجة تغيرات في القرب من الولايات المتحدة، وانحياز كل شارع إلى موقف حكومته.

فيصل البعطوط – الدوحة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية