مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سجال انتخابي حول توزيع أرباح البنك الوطني

مبنى البنك الوطني السويسري في وسط العاصمة الفدرالية برن Keystone

أظهر استطلاع للرأي أجرته هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية أن 61% من الناخبين سيصوتون بنعم للمبادرة الداعية إلى توجيه جزء من أرباح المصرف الوطني لفائدة المتقاعدين.

هذه النتيجة أثارت مخاوف الحكومة والكانتونات والبنك الوطني والأوساط الاقتصادية الرافضين بشدة للمبادرة.

مرة أخرى، يقلِـب الناخبون السويسريون الطاولة على الساسة ووسائل الإعلام وصناع القرار بشكل عام. فعلى الرغم من الرفض الواضح للحكومة الفدرالية ولأحزاب اليمين والوسط المشاركة في الائتلاف الحاكم ولأغلبية النواب في غرفتي البرلمان ومن التحذيرات المتوالية الصادرة عن كبار المسؤولين في المصرف الوطني والساسة والاقتصاديين، إلا أن نتائج أول سبر للآراء نُـشرت قبل شهر من موعد التصويت، أحدثت صدمة في برن.

النتيجة أفادت بأن 61% من الذين تم استجوابهم، أعلنوا أنهم سيصوتون بنعم يوم 24 سبتمبر القادم على المبادرة الشعبية المعروفة اختصارا باسم “كوزا” « COSA » والداعية إلى تحويل أرباح البنك الوطني (باستثناء مليار فرنك يوزّع على الكانتونات) إلى صندوق التأمين على الشيخوخة والعجزة والباقين على قيد الحياة.

ومع أن خُـمس المستجوبين لا زالوا متردّدين في الاختيار بين القبول والرفض، إلا أن المراقبين للساحة السياسية السويسرية يعتقدون بأن حظوظ الموافقة على المبادرة لا زالت قوية.

أصل القضية

وفيما يتّـجه السِّـجال الانتخابي حول هذه المبادرة إلى الاحتدام، يؤكّـد المؤيدون لها (الذين تعززت صفوفهم في الأيام الأخيرة بانضمام حزبين صغيرين إليهم، هما “الديمقراطيون السويسريون” و”المسيحيون الاجتماعيون”)، أن هدفهم الرئيسي يتمثل في ضمان الخدمات المستقبلية لهذا الرُّكن الأساس في نظام التقاعد السويسري.

ففي سويسرا، يمثل التأمين على الشيخوخة والعجز والباقين على قيد الحياة، أساس الرعاية الاجتماعية للمسنّـين. ونظرا لتنامي نسبة المسنّـين، مقارنة بإجمالي عدد السكان (في عام 2020 ستصل النسبة إلى 20%، أما في عام 2040، فقد تتجاوز 25%)، كان من المفروض أن يتم البحث عن حلول جذرية لتفادي عجز صناديق التأمين.

هذه القضية تحوّلت منذ عدّة أعوام إلى بَـند ثابت في الأجندة السياسية السويسرية وتعدّدت الحلول المقترحة لتجاوز هذه المعضلة، مثل التّـرفيع في سن التقاعد أو تقليص قيمة مِـنح الشيخوخة أو التّـرفيع في نسبة الأداء على القيمة المضافة.

حُـجج المؤيّـدين

في 9 أكتوبر 2002، أطلقت “لجنة حماية التأمين على الشيخوخة والعجز والباقين على قيد الحياة” مبادرة تُـعرف اختصار باسم COSA بدعم من اليسار وبعدد من الممثلين عن تيار الوسط، تدعو إلى الاستفادة من الأرباح السنوية، التي يحققها المصرف الوطني السويسري.

ويقول الحزب الاشتراكي، الذي يدعم المبادرة بقوة، إن متوسط أرباح المصرف الوطني في الفترة الممتدة ما بين عامي 1998 و2005 بلغ 3،3 مليار فرنك سنويا. وفي الوقت الحاضر، يتم توزيع هذه الأرباح على الكنفدرالية (الثلث) وعلى الكانتونات الـ 26 (الثلثين).

لذلك، تدعو المبادرة المعروضة على تصويت الناخبين إلى الاستمرار في دفع مليار فرنك من أرباح المصرف الوطني السنوية إلى الكانتونات، شريطة تحويل بقية الأرباح مباشرة إلى صناديق المعاشات. ويؤكّـد أصحاب المبادرة أنها ستتيح الحفاظ على التوازنات المالية للصناديق وعلى ضمان دفع العلاوات لمستحقيها وعدم المس منها إلى عام 2015.

كما تذهب اللجنة المؤيدة لمبادرة COSA إلى أن موافقة الناخبين عليها ستمثل رسالة واضحة ضدّ أي خُـطط مستقبلية للترفيع في سن التقاعد وستسمح بتجنُّـب “حرب الأجيال” بين السكان النشطين المدعوين إلى دفع المزيد من مداخليهم لتمويل التأمينات الاجتماعية وبين المسنين المستفيدين من العلاوات.

المعارضون لا يستسلمون

على الجهة الأخرى، تشمل جبهة المعارضين للمبادرة طيفا واسعا من أصحاب القرار السياسي والاقتصادي في الكنفدرالية، تمتدّ من الحكومة إلى البرلمان (حيث رفضها مجلس النواب بـ 124 صوت مقابل 62 ومجلس الشيوخ بـ 36 صوت مقابل 7) مرورا بالكانتونات والمصرف الوطني.

ويرى كل هؤلاء أن المبادرة لن تكون قادرة على الإيفاء بوعودها. فهي لا تتضمن أي مصدر تمويل جديد لصناديق المعاشات وتكتفي بإعادة توزيع أموال ستُـخصم من موارد الكنفدرالية والكانتونات.

إضافة إلى ذلك، تؤكّـد الحكومة أنها ستؤدّي – في حال موافقة الناخبين عليها – إلى نتائج عكسية لأنها لن تؤدّي إلا إلى تأخير مراجعة عميقة لنظام التأمين على الشيخوخة والعجز والباقين على قيد الحياة، وهي مسألة ضرورية في كل الحالات.

أما الأخطر من كل ما سبق في نظر المعارضين، فهي العلاقة المباشرة التي تُـحدثها مبادرة COSA للمرة الأولى في سويسرا بين تمويل السياسة الاجتماعية في البلاد والمصرف الوطني. ويرى هؤلاء أن ما سيترتّـب عنها من ضغط على المصرف الوطني من أجل توزيع فوائد أكبر، يهدّد بالإضرار باستقلالية ومصداقية مؤسسة الإصدار الرئيسية في البلاد، وهو ما ينعكس سلبا، برأيهم، على الاقتصاد السويسري وعلى استقرار العملة الوطنية.

المواجهة تحتدم

مع اقتراب موعد التصويت، يبذل المعارضون جهودا حثيثة من أجل إقناع الناخبين المتردّدين برفض المبادرة ويستعملون من أجل ذلك كل الوسائل المتاحة.

ويذكّـر هؤلاء أنه سبق للبرلمان الفدرالي أن قرر تحويل 7 مليار فرنك كسبتها الكنفدرالية من بيع فائض الذهب لدى البنك الوطني إلى صناديق التأمين على الشيخوخة والعجز والباقين على قيد الحياة، في حال رفض الناخبين لهذه المبادرة.

فهل ستنجح جبهة المعارضة في إقناع المتردّدين والحؤول دون موافقة الأغلبية على هذه المبادرة؟ سؤال لن يُـعرف الجواب عنه قبل يوم الأحد 24 سبتمبر القادم.

سويس انفو – مارزيو بيتشا

(ترجمه وعالجه كمال الضيف)

سمح فك الارتباط بين الفرنك السويسري والذهب للبنك الوطني السويسري بالتوفر على مخزون مالي يتجاوز بكثير الموارد الضرورية للسياسة النقدية.

في بداية صيف 2005، تم توزيع هذا المخزون الذي قُـدِّرت قيمته بحوالي 21 مليار فرنك، لتحقيق أهداف ذات منفعة عامة بنسبة الثلث على الكنفدرالية (7 مليار) وبنسبة الثلثين على الكانتونات (14 مليار).

المبادرة التي أطلقتها لجنة حماية التأمين على الشيخوخة والعجز والباقين على قيد الحياة، لا تتّـجه إلى مخزون الذهب لدى البنك الوطني، لكنها تدعو في المقابل إلى استعمال جزء كبير من الأرباح السنوية التي يحققها لتمويل المعاشات للمستحقين.

تقترح الحكومة والبرلمان، المعارضان للمبادرة، مشروعا بديلا يقضي بتحويل 7 مليار فرنك توفّـرت بفضل بيع فائض الذهب لدى البنك الوطني إلى صناديق التأمين على الشيخوخة والعجز، شريطة رفض المبادرة.

يعتقد أصحاب المبادرة أنه سيكون بالإمكان تحويل مبلغ يتراوح ما بين مليار وملياري فرنك إلى صناديق المعاشات في كل عام.
في المقابل، يقول رئيس البنك الوطني جون بيير روت “إن أرباح المصرف لن تتجاوز في نهاية المطاف أكثر من مليار فرنك في العام”، وهو المبلغ المقرر أصلا لفائدة الكانتونات، ما يعني أن صناديق المعاشات لن تحصل على شيء تقريبا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية