لبنانيون يتهمّون اسرائيل بمنعهم عن إعادة إعمار قراهم المدمرة في الجنوب
حين بدأ المهندس طارق مزرعاني حراكا باسم النازحين من جنوب لبنان، للمطالبة بعودتهم الى منازلهم وإعادة بناء ما تهدم منها، تلقّى تهديدا مباشرا من اسرائيل، التي تعرقل غاراتها بعد عام من وقف إطلاق النار مع حزب الله، جهود إعادة الإعمار.
خلال الأشهر الأخيرة، لم تستثن الغارات الاسرائيلية الدامية لا الغرف الجاهزة ولا الجرافات والآليات المستخدمة في البناء، ما حال دون عودة مزرعاني إلى قريته الحدودية حولا منذ عامين، شأنه شأن 82 ألف شخص ما زالوا نازحين وفق الأمم المتحدة.
ويقول مزرعاني لوكالة فرانس برس “لم يعد أحد يتحدث بقضيتنا، وكأنما الحرب انتهت والناس عادت. لكن (…) بالنسبة لنا الحرب لم تنته”.
ويضيف “لا نستطيع العودة إلى قرانا، لا نستطيع أن نبني، ولا أن نتفقّد حتى بيوتنا”.
منذ وقف إطلاق النار الذي أنهى في 27 تشرين الثاني/نوفمبر حربا دامية بين حزب الله واسرائيل، تتعرض الحكومة اللبنانية لضغوط كبيرة من أجل نزع سلاح حزب الله، في وقت يربط المجتمع الدولي دعمه لبنان في إعادة الإعمار بتحقيق هذا المطلب.
ومع عجز لبنان بمفرده عن إطلاق عجلة إعادة الإعمار في القرى المدمرة، أسس مزرعاني “تجمّع أبناء القرى الحدودية الجنوبية”، رفعوا من خلاله الصوت للمطالبة بالعودة إلى قراهم وإعمارها وتأمين احتياجاتهم.
بالتوازي، عمل في الأشهر الأخيرة على إعداد خطط لإعادة بناء بعض المنازل التي سبق أن صمّمها في قريته والقرى المجاورة.
لكن في تشرين الأول/أكتوبر، حلّقت مسيّرات اسرائيلية في أجواء عدد من القرى الجنوبية. وبثّت عبر مكبرات صوت عبارة “الآن جاؤوا عليكم بقناع تاجر الأرض المهندس طارق مزرعاني… يستمرون في مؤامراتهم، لاحقوهم واطردوهم، حتى يعود الأمن ويتم الإعمار”.
ولم يجب الجيش الاسرائيلي على أسئلة وجهها له مكتب فرانس برس في القدس في هذا الصدد.
ينفي مزرعاني الادعاء الإسرائيلي، ويروي كيف انتقل للإقامة في بيروت بعد حالة القلق التي أثارتها التهديدات في أوساط عائلته وجيرانه.
ويوضح أن الاسرائيليين “يقصفون الغرف الجاهزة، ويمنعون الاقتراب من المنازل عند الحدود، كما أن إزالة الركام وتحرك أي آلية ممنوعان” مضيفا “أعلنوا أن لا إعمار قبل تسليم السلاح”.
على غرار قريته حولا التي طال الدمار جزءا كبيرا منها، سويّت معظم القرى المحاذية لاسرائيل بالأرض. ووثّقت منظمة العفو الدولية “تعرض أكثر من 10 آلاف منشأة لأضرار جسيمة أو للتدمير” بين مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2024 و26 كانون الثاني/يناير 2025، في تحقيق نشرته في آب/أغسطس.
وأشارت المنظمة إلى دمار واسع “متعمد” ألحقه الجيش الاسرائيلي في العديد من القرى الحدودية، وقع معظمه بعد وقف إطلاق النار.
ولا إحصاءات رسمية بعد حول حجم الدمار، في وقت قدّر البنك الدولي كلفة إعادة الإعمار بنحو 11 مليار دولار.
-“احترق كل شيء”-
خلال الأشهر الأخيرة، كثّفت اسرائيل غاراتها على منشآت وآليات تستخدم في عملية البناء كان أعنفها في 11 تشرين الأول/أكتوبر حين استهدفت عشر غارات اسرائيلية ستة معارض ضمّت أكثر من 300 جرافة وآلية في بلدة المصيلح قرب صيدا في جنوب البلاد.
وأكّد المسؤولون اللبنانيون أنها منشآت مدنية لكن الجيش الاسرائيلي قال إنه هاجم “بنى تحتية تابعة لحزب الله استخدمت لتخزين آليات هندسية مخصصة لإعادة إعمار بنى تحتية إرهابية في جنوب لبنان”.
ويكرر الجيش الاسرائيلي أنه لن يسمح لحزب الله بإعادة بناء قدراته وتهديد اسرائيل من جديد.
وسط الجرافات المتفحّمة في معرضه في المصيلح الذي أسسه قبل نحو 25 عاما، يكدّ أحمد طباجة (65 عاما) بيديه الملطختين بالسواد، في إنقاذ خمس آليات نجت من القصف الاسرائيلي، من إجمالي 120 آلية كانت في الموقع، متحسرا على خسارته التي لامست الخمسة ملايين دولار.
ويقول بينما ملامح التعب على وجهه “الكل يعلم أن آلياتنا مدنية ولا شيء عسكري هنا، معرضنا على طريق عام ودولي ولا شيء مخبأ”. ويجزم بانفعال “أنا بريء، لا علاقة لي بالأحزاب، أيا كان لونها”، موضحا انه لا يعتزم استئناف عمله بغياب “الضمانات والامان”.
على بعد نحو 15 كلم في بلدة قريبة، يتأمّل حسين كنيار (32 عاما) بأسى أنقاض معرض جرافات، أسّسه والده قبل أكثر من 30 عاما. ويروي كيف أن اسرائيل قصفته لمرتين، الأولى خلال حربها مع حزب الله والثانية بعد ترميمه في أيلول/سبتمبر.
ويقول الرجل “شاهدت كل شيء يحترق أمامي… كلفتنا الضربة الأولى خمسة ملايين دولار، والثانية سبعة ملايين دولار”.
بعيد الضربة، قال الجيش الاسرائيلي إنه قصف “موقعا لحزب الله” يضمّ آليات “مخصصة لإعادة إعمار قدرات” حزب الله “ودعم أنشطته”.
وينفي كنيار أي علاقة له بحزب الله ويؤكد أن المؤسسة “مدنية”.
-“لن نعود كما كنا”-
على وقع الغارات الاسرائيلية المتواصلة، تضغط واشنطن واسرائيل على السلطات اللبنانية لاستكمال عملية نزع سلاح حزب الله، بموجب قرار اتخذته الحكومة في آب/أغسطس وكلفت الجيش بتطبيقه.
في المقابل، يؤكد حزب الله رفضه تسليم سلاحه وأبدى رفضه لمحاولة استدراج لبنان لتفاوض سياسي مع اسرائيل، في حين أبدى الرئيس اللبناني جوزاف عون استعداده للتفاوض من أجل وقف الضربات الاسرائيلية على لبنان.
وتحت الضغط لتسليم سلاحه، يواجه حزب الله كذلك حملة لتجفيف مصادره المالية من داعمته طهران. وخلافا لما حصل بعد حرب عام 2006، لم يتولَّ الحزب هذه المرة إعادة بناء المنازل المدمَّرة بالكامل، بل تكفّل بدفع بدلات إيجار منازل وترميم بعضها.
في منزل ابنه قرب مدينة النبطية، يتحسّر محمّد رزق (69 عاما) على أشجار الزيتون التي لم يقطفها منذ ثلاثة مواسم في بلدته حولا وعلى مبنى تجاري يملكه تهدّم خلال الحرب.
ويقول “أعتقد أن الإعمار لن يحصل دون توافق، وما لم يحصل اتفاق لن نعود الى ما كنّا عليه قبل عام 2023”.
ويضيف “الحرب لم تنته، نحن نعتبر أنها انتهت حين نعود إلى بيوتنا”.
لو/لار/لين