
مئات اللاجئين السودانيين في القاهرة يغتنمون فرصة العودة إلى ديارهم مجانا

في محطّة القاهرة المركزية، ينتظر مئات السودانيين وسط حرّ شديد مع أكياس وأطفال حولهم، قطارا يقلهم إلى بلادهم التي تعصف بها الحرب منذ أكثر من سنتين.
لم تنته الحرب بعد لكن في ظلّ مشقّة الحياة في مصر ومع استعادة الجيش السيطرة على مناطق رئيسية في السودان، قرّر لاجئون كثيرون أن الوقت حان للعودة.
وتكشف خديجة محمد علي (45 عاما) وهي تجلس في إحدى عربات القطار المتقادمة ومعها بناتها الخمس “والله شعور لا يوصف”.
وتعبّر عن “فرح بالرجوع لديارنا وبيتنا” قبل ان تسلك طريق العاصمة الخرطوم التي ما زالت ترزح تحت وطأة نزاع أسفر عن مقتل عشرات الآلاف وهجّر أكثر من 14 مليونا.
وخديجة محمد علي هي ضمن الدفعة الثانية من المشاركين في برنامج طوعي للعودة أطلقته السلطات المصرية مع توفير نقل مجاني من القاهرة إلى الخرطوم وبينهما أكثر من ألفي كيلومتر بالقطار والحافلة.
انطلقت الدفعة الأولى قبل أسبوع في سياق هذا البرنامج الذي هو ثمرة تعاون بين الهيئة القومية للسكك الحديد الوطنية في مصر وشركة أنظمة الصناعات الدفاعية (DIS) المملوكة للدولة السودانية والتي تغطّي التكلفة الكاملة للرحلة، بما فيها تذاكر القطار ثمّ الحافلة من مدينة أسوان في جنوب مصر إلى العاصمة السودانية.
ويسعى الجيش السوداني إلى إعادة اللاجئين لتعزيز سيطرته على المناطق المستعادة حديثا من جهة، ولما تعكسه هذه الخطوة من عودة الحياة إلى طبيعتها من جهة أخرى.
وكلّ إثنين، ينطلق قطار من الدرجة الثالثة زود مكيّفات هواء من القاهرة في رحلة تمتدّ 12 ساعة إلى أسوان قبل أن ينقل ركابه إلى الحدود بين البلدين بالحافلة.
وعند الساعة 11,30 بالتحديد، يهدر محرّك قطار قديم في المحطّة إيذانا بالانطلاق وسط صيحات النساء فرحا.
لكن، في حين يعود البعض إلى الديار، ما زال كثيرون يهربون من السودان الذي تمزّقه الحرب والمجاعة.
وبحسب تقرير صدر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في حزيران/يونيو، عبر أكثر من 65 ألف سوداني إلى تشاد في خلال شهر تقريبا.
وازدادت هذه السنة رحلات الهجرة عبر ليبيا، وهي من أخطر مسالك العبور إلى أوروبا، بحسب مركز الهجرة المختلطة.
– أكثر من مليوني عائد –
اندلعت الحرب في السودان في منتصف نيسان/أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الحليف السابق للبرهان.
وكانت المعارك بداية في الخرطوم قبل أن تتّسع رقعتها بسرعة، متسبّبة بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة.
وفي فترة سابقة من العام، أعلن الجيش السوداني استعادة السيطرة بالكامل على الخرطوم، ما فتح أبواب العودة للاجئين.
والأسبوع الماضي، قام رئيس الوزراء المعيّن حديثا كامل إدريس بأوّل زيارة له إلى العاصمة منذ بدء الحرب، متعهّدا عودة المؤسسات الوطنية التي ستصبح أقوى من السابق، بحسب تعبيره.
وتتوقّع الأمم المتحدة عودة أكثر من مليوني شخص إلى الخرطوم الكبرى بحلول نهاية العام، بالرغم من أن عدد العائدين يبقى رهنا بتطوّر الأوضاع وتحسّن الأمن والبنى الأساسية العامة.
وما زالت الخرطوم مدينة متصدّعة، في ظلّ تداعي بناها التحتية وشحّ خدماتها الصحية وغياب الكهرباء في مناطق كثيرة منها.
– “سوف أنتظر” –
لكن “إن شاء الله البلد شوية شوية سيتعافى”، على ما تقول مريم أحمد محمد (52 عاما) التي تعود إلى أم درمان المدينة المقابلة للخرطوم على ضفاف النيل مع ابنتيها.
وتقرّ لوكالة فرانس برس “على الأقلّ نرجع لديارنا مع أهلنا وأصحابنا”.
وبالنسبة إلى كثيرين، ليس قرار العودة مدفوعا بالأمل بل يأتي بالأحرى نتيجة المشقّات في البلدان المجاورة مثل مصر.
وتضمّ مصر حوالى 1,5 مليون لاجئ سوداني يواجهون صعوبات في الاستفادة من النظم القانونية والرعاية الصحية والتعليم، بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
قبل 10 أشهر، فرّت هيام محمد أحمد (34 عاما) مع عائلتها إلى مصر. غير أنها تريد اليوم العودة إلى ديارها بالرغم من أن الخدمات تبقى شبه معدومة فيها.
تقول “الحياة كانت غالية جدّا هنا. لم نقدر على تحمّل نفقات الإيجار والمدارس”.
والأمر سيّان بالنسبة إلى إلهام خلف الله التي أمضت سبعة أشهر مع أولادها الثلاثة في مصر وعانت من ضيق المعيشة.
تعود إلى ولاية الجزيرة في وسط البلد التي استعادها الجيش في أواخر العام الماضي وتعدّ “أفضل من الخرطوم من حيث الخدمات وأكثر أمنا”.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، توجّه حوالى 71 % من العائدين إلى الجزيرة جنوب شرقي العاصمة، في حين رجع أقلّ من 10 % منهم إلى الخرطوم.
وخارج محطّة القاهرة، ينتظر عشرات على مقاعد أملا بتوافر تذاكر.
وتقول مريم عبدالله (32 سنة) التي فرّت من السودان قبل سنتين مع أطفالها الستة ” قالوا لي إن العدد اكتمل لكن طلبوا مني البقاء على سبيل الاحتياط”.
وتضيف “سوف أنتظر. نريد الرجوع إلى ديارنا لنعمّر بيتنا ولأدخل أولادي المدرسة”.
ماف/م ن/ب ق