مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ملف القدس بين ردَ فاتر وغياب مُـلفت

قوات الأمن تتصدى للمشاركات في مظاهرة نسائية انتظمت يوم الخميس 3 أكتوبر في القاهرة احتجاجا على قرار الكونغرس الداعي إلى تحويل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس Keystone

جاء رد العرب والمسلمين على قرار الكونغرس الامريكي الإعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل فاترا فيما ظل ما يسمى بالشارع العربي مغيبا عن الحدث.

وعلى الرغم من بيانات الشجب والإستنكار والتأسف التي صدرت عن رؤساء وملوك وأمراء في بعض العواصم العربية إلا أن الموضوع لم يُـثـر ردّ فعل موحد وصارم

اعتبرت مصادر عربية واسلامية توقيع الرئيس الامريكي جورج بوش على مشروع قانون موازنة وزارة الخارجية الذي يعتبر القدس عاصمة لاسرائيل بالضربة الكبرى لمسار العملية السلمية المتعثرة أصلا واهانة دينية ومعنوية لاكثر من مليار ومائتي مليون مسلم في جميع انحاء العالم.

مصادر اخرى اشارت الى ان هذا القانون يشكل اكبر تحدّ يواجه العالمين العربي والاسلامي لما ينطوي عليه من مضامين قانونية ملزمة للادارة الامريكية.

فقد استغلت عناصر الضغط واللوبي الصهيوني في الكونغرس الامريكي رغبة الادارة الامريكية وخاصة صقورها، التي تقرع طبول الحرب ضد العراق بشدة هذه الأيام، لتمرير اخطر قرار يمكن ان يقره برلمان او سلطة تشريعية في اي جهة في العالم.

ويبدو أن قوى الضغط هذه قد اختارت رغبة الرئيس بوش وحاشيته في تأجيج الصراع في الشرق الاوسط تبدا بتوجيه ضربة عسكرية مؤلمة للعراق بوضع شرط واحد هو الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل لتحصل الادارة على موافقة الكونغرس على موازنة وزارة الخارجية.

وهنا يقفز إلى الواجهة اكثر من مشهد كان العالم العربي فيه الضحية بدءا من اتفاقيات ” سايكس – بيكو” مرورا بوعد بلفور وانشاء الكيان اليهودي في فلسطين وما تلا ذلك من قصص تم تمريرها بضغوط وشروط كان العرب أول وآخر من يدفع ثمنها من جيوب ابنائه الفقراء أصلا او من الارض العربية الخالية من حياة.

وحتى هذا القانون الذي تزامن مع حديث اسرائيل عن امكانية انهيار الجزء الجنوبي من المسجد الاقصى، لم يحرك العرب ولا مئات الملايين من المسلمين المنتشرين على ساحات المعمورة كلها.

ارتباط أزلي

ولما كان العرب والمسلمون لا يريدون ان يفهموا الامور الا من خلال ما تقوله امريكا وجاهة وصراحة، فقد قامت الادارة الامريكية بعملية “التفافية” قللت ردة الفعل العربية العرمرية التي كادت أن تحرك الاساطيل وتامر الجيوش بالاستعداد.. لتقول:”ان واشنطن لا تزال ترى ان وضع القدس متروك لمحادثات الوضع النهائي بين السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية” .. ليعود قادة العرب ومعهم حملة النياشين والاوسمة من قادة الجيوش الى حالة التراخي والهوان ليقولوا:”لا.. ان الموقف الامريكي ما يزال على حاله وأن القدس عربية اسلامية وأن القرار الامريكي الاخير لا يغير شيئا في الواقع”.

أما اسرائيل التي استقبلت التطور الجديد بالفرح الشديد والتهليل والتطبيل، فقد حصلت على ما تريد وما خططت له لعشرات السنين الماضية. فما ان حانت الفرصة حتى ضغطت القوى المؤيدة لها في واشنطن لاستصدار القرار من الادارة الامريكية بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل.

ولما كان ارتباط المسلم بالقدس – مسرى الرسول وأولى القبلتين – جزءا من عقيدته، فان مسؤولي العالم العربي والاسلامي حريصون على عدم اثارة غضب هذا الانسان المسلم. لذلك تم تحويل ردود الفعل الى أقوال لا قيمة لها من قبيل “ان القدس باقية في القلوب والضمائر”، وان “القرار لن يغير من ارتباط المسلمين بقبلتهم الاولى” ومهما حاول الغزاة فان “القدس ستبقى ارثا اسلاميا حضاريا على مر العصور”.

ولتخفيف ردة الفعل الشعبية، يتحدث علماء مسلمون عن أن الصليبين عندما جاءوا الى القدس جعلوها حظائر لخيولهم وغيروا ملامح المدينة ومساجدها وقببها بل اصبحت اهم معالم المدينة اسطبلات للدواب، وها هم غادروا المدينة وعادت قبة الصخرة المذهبة الى الاسلام وتم اعادة ترميم كل شيء فيها، وعادت اسلامية كما كانت اول مرة.

لم يأت بجديد

من جانب آخر، يقول احد الساسة العرب ان اعلان الادارة الامريكية القدس عاصمة لاسرائيل اعلان صريح بتحويل قضية فلسطين والشرق الاوسط من صراع اقليمي عسكري سياسي الى قضية دينية يواجهها القول ان هذا العصر هو عصر اسرائيل واليهودية وان التمدد الاسرائيلي حتى النيل والفرات آت وان المسألة في ذلك انما هي مسألة وقت لا اكثر.

فالتركيز على ضرب العراق لا يعني سلامة أنظمة عربية اخرى، واستفراد امريكا بالعراق لا يعني ابدا ان حكاما آخرين لن يكونوا مطلوبين مستقبلا ويؤكد ساسة ومراقبون عرب “ان النفط واسرائيل وامنها واستقرارها هما اكبر عاملين يحركان البوارج الامريكية ومقاتلاتها ونافثات الصواريخ العابرة للقارات”.

ولما كانت ردود الفعل العربية والشارع العربي على اخطر قضية تمس عقيدتهم اختزلت في اصدار بيانات الشجب والاستنكار والتذكير بالشرعية الدولية وقرارات مجلس الامن وضرورة تطبيق الاتفاقيات والتفاهمات والتشديد على عدم المساس بوضع القدس النهائي الا من خلال المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، فان اسرائيل -ومن ورائها امريكا- تقرأ بين السطور وتقيس مدى الحياة التي تنبض بها مشاعر المسلمين والعرب في هذا الجزء من العالم لتضع تصورها المستقبلي لشكل الدول او الدويلات التي ستنشأ قريبا بعد الهجوم على العراق.

رهان .. خاسر؟

فقد قال متحدث فلسطيني ان القرار الامريكي يعتبر اهانة للعالمين العربي والاسلامي كان يمكن تحاشيه بشتى الطرق. أما قطر التي تترأس الدورة الحالية لمنظمة المؤتمر الاسلامي فقد استنكرت القرار واعتبرته مخالفة صريحة لقرارات مجلس الامن الدولي الخاصة بالقدس.

واعتبرت مصر القرار مؤشرا آخر على ان امريكا تنظر بعين واحدة الى مصلحة اسرائيل فقط، فيما ابدت الكويت اسفا من هذا التشريع وشدد الاردن على ضرورة عدم المساس بالقدس ومستقبلها الا من خلال محادثات الوضع النهائي. أما القيادات الفلسطينية فتوجهت الى مجلس الامن الدولي ومنظمة المؤتمر الاسلامي والجامعة العربية مطالبة هذه الجهات للانعقاد وتحمل المسؤولية.

ويقول مسؤول عربي “الديباجة جاهزة والفنادق الفخمة جاهزة والطائرات التي ستنقل الزعماء العرب جاهزة واذا اجتمع العرب أم لم يجتمعوا فان النتيجة واحدة”. ويقول آخر:”القرار لم يات بجديد ولكنه اقر واقعا”.

أما المراهنة على الشارع العربي فقد اصبح في نظر عدد من “الواقعيين” رهانا خاسرا. ويستشهدون بما حدث مؤخرا في عاصمة دولة عربية دعت فيها احزاب المعارضة لمسيرة حاشدة بمناسبة دخول انتفاضة الأقصى عامها الثالث. فقد احتشد حوالي مائتي شخص يلبسون بدلاتهم الانيقة وتلف اعناقهم ربطات من ماركات عالمية معروفة وساروا لدقائق معدودة وكانهم يمشون في .. جنازة!

حمدان الحاج – عـمّـان

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية