مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لماذا ارتكب كريدي سويس كل هذه الإخلالات؟

يتّفق المحلّلون على نطاق واسع، على حقيقة ثابتة مفادها أن أصل العلة فيما حدث لبنك "كريدي سويس" يكمُنُ في أنه مصرف دولي فقد الاتصال بجذوره السويسرية، يُدار من طرف أشخاص يفضلون تحقيق الأرباح على حساب تجنّب المخاطر.


أولريش كورنر، الرئيس التنفيذي لمصرف كريدي سويس
يقود أولريش كورنر، الرئيس التنفيذي لكريدي سويس، عملية إعادة هيكلة كبرى للبنك. © Keystone / Michael Buholzer

لقد كانت النتيجة خسائر مالية هائلة وعملية إعادة هيكلة للمصرف اقتضت  تسريح 9000 موظف.

ماذا حدث؟

لقد لاحقت الفضائح، الواحدة  تلو الأخرى، مصرف “كريدي سويس”، وشملت التجسّس على موظف سابق، وإدانة جنائية بالسماح لتجار المخدرات بغسل الأموال، والتورط في قضية فساد في موزمبيق، وانتهاك رئيس مجلس الإدارة لقواعد الإغلاق خلال جائحة كوفيد – 19 وتسريب شامل لبيانات العملاء إلى وسائل إعلامية.

+ التبعات المالية المترتبة على مصرف كريدي سويس عام 2022

لقد تضررت مصداقية المصرف بشكل كبير نتيجة تدهور قيمة الاستثمارات في كل من شركة المال البريطانية “غرينسيل كابيتول” وصندوق “”أرشيغوس كابيتول”  Archegos Capital Management الأمريكي، اللذان شهدا انهياراً في عام 2021.

ومن غير المرجّح أن يتم استرداد أموال العملاء المستثمرة في “غرينسيل” بالكامل والتي تبلغ 10 مليارات دولار (9.2 مليار فرنك). وعلى الرغم من أن كريدي سويس لم يكن المصرف الوحيد الذي تكبّد خسائر فادحة من قبل “أرشيغوس” Archegos، إلا أن خسائره بلغت أكثر بكثير من خسائر منافسيه (5.5 مليار دولار).

وانتقدت الجهات التنظيمية المالية السويسرية أداء المصرف لتجاهله عمداً لأكثر من 100 علامة تنبيه وتحذير  كانت تنذر بحدوث الأسوأ، حيث تم استدراجه إلى حافة الهاوية سعياً وراء تحقيق أرباح وهمية.

محتويات خارجية

كيف حدث ذلك؟

بعد حدوث أي أزمة، يُعتبر اللجوء إلى الإدراك المتأخر بغية تحديد وفهم ثقافة مخاطر التدمير الذاتي هو الجزء السهل من المسألة. لكن من الصعب شرح كيف آلت الأمور إلى ما آلت إليه، لا سيما وأن العديد من المحللين يؤكدون أن المخاطر كانت جليّة.

وفي هذه الظروف، فإن أصابع الاتهام تشير إلى إدارة المصرف:

في هذا الصدد، يعتبر أوزفالد غروبل، الرئيس التنفيذي السابق لمصرف كريدي سويس، أن الأحوال ازدادت وبالاً في المصرف منذ تم استبداله في عام 2007 برئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية الأمريكية، برادي دوغان.

وفي شهر أكتوبر 2022، صّرح غروبل لصحيفة “بليك” الشعبية الواسعة الانتشار قائلاً: “كان [الاستثمار المصرفي] هو النشاط التجاري الوحيد الذي يثير اهتمام دوغان. لقد قام بتوسيع نطاق الاستثمارات هناك، لأن الحوافز المالية كانت أكثر أهمية. ولم تكن الخدمات المصرفية الخاصة والشركات التي تركز على القيام بالأعمال التجارية في سويسرا على قائمة أولوياته”.

وبالرغم من أن الذي تعاقبوا على منصب دوغان بعد رحيله في عام 2015، أوصوا بمزيد من المسؤولية في إدارة المخاطر، إلا أن توصياتهم – كما يبدو – لم توضع موضع التنفيذ.

وكان كبار مسؤولي إدارة المخاطر ورقابة الامتثال الذين تم تعيينهم بعد فترة من مغادرة دوغان للمصرف، هم من بين صفوف الموظفين الإداريين الذين تم تسريحهم من الخدمة في خضم الأزمة المالية الأخيرة.

في المقابل، يُلقي معلقون آخرون باللائمة على أورس رونر، الذي ترأس المصرف خلال الفترة الممتدة بين عاميْ 2011 و2021.

التداعيات

كانت المحصلة النهائية خسائر مالية متزايدة، وانخفاض سعر السهم، ونزوح العملاء الأثرياء، والوتيرة السريعة التي تآكلت خلالها مصداقية المصرف.

محتويات خارجية

في الواقع، يُعتبر كريدي سويس جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد السويسري لدرجة الاعتقاد بأنه “أكبر بكثير من أن يفشل” (Too big to fail) من قبل الجهات التنظيمية المالية في الكنفدرالية.

لكن هذا المصرف له أيضاً قيمة أخرى مهمة، أقل وضوحاً؛ فقد تأسس المصرف في عام 1856 من قبل الصناعي الشهير ألفريد إيشر، من أجل المساهمة في تمويل شبكة السكك الحديدية في سويسرا التي تُعتبر أحد الركائز الأساسية للنهضة الصناعية في البلاد.

وقد يفسر هذا الأمر سبب قيام العديد من المعنيين في سويسرا، بإلقاء اللوم فيما يواجهه المصرف من المشاكل الحالية، على التجاوزات المالية الأنجلو – سكسونية التي أضعفت جذوره السويسرية.

المزيد

المزيد

صيرفة سويسرية

تم نشر هذا المحتوى على يُدقـق المصور الفوتوغرافي البريطاني مارك هانيلي النظر في لغز مُحيّر. وتقودنا رحلته إلى لُـبّ سرّ مكنون يتعلق بحوالي 7000 مليار دولار. ذلك أن سويسرا تمسك بحوالي ثلث الأصول المالية والثروات المودعة في الخارج على مستوى العالم في ظل حماية تحصّنها سلوكيات محافظة وقوانين صارمة.

طالع المزيدصيرفة سويسرية

إنعاش المصرف؟

أطلق فريق الإدارة الجديد في مصرف كريدي سويس عملية إعادة هيكلة جذرية من شأنها التخلص من أجزاء من وحداته التجارية الأكثر خطورة، وتقليص الوظائف، واجتذاب رأس مال إضافي، خاصة من الشرق الأوسط.

+ اقرأ المزيد عن خطة إعادة هيكلة كريدي سويس

في هذا الإطار، تعهد القيّمون على مصرف كريدي سويس في أكتوبر 2022، بأن “المصرف سيعتمد على ريادته في إدارة الثروات وكذلك على امتيازات المصارف السويسرية”.

وصرّح الرئيس أكسل ليمان قائلاً : “سنظل مركزين تماماً على قيادة التحول في ثقافتنا المصرفية، مع العمل على تعزيز عمليات إدارة المخاطر والرقابة لدينا”.

لكن ثقة السوق في كريدي سويس انهارت بعد أشهر فقط من حملة إعادة الهيكلة، مما أدى إلى اندفاع محموم لبيع المصرف إلى يو بي اس.

تم تحديث هذه المقالة في مارس 2023 لتعكس التطورات الجديدة التي شهدتها مسيرة كريدي سويس.

فبراير 2020: اضطر الرئيس التنفيذي تيدجان تيام إلى التنحي في خضم فضيحة حول قيام المصرف بتعيين محققين خاصين للتجسس على مسؤول تنفيذي سابق.

مارس 2021: انهيار أسهم “غرينسيل كابيتال”  Greensill Capital و” أرشيغوس كابيتال”  Archegos Capital Management ، مما أدى إلى تكبّد المصرف خسائر بمليارات الدولارات.

أبريل 2021: الرئيس طويل العهد أورس روهنر (2011-2021) يتنحى، بعد أن أعلن عن نيته الانتقال من المصرف قبل عام من ذلك.

أكتوبر 2021: تغريم المصرف بدفع 475 مليون دولار لدوره في فضيحة فساد في موزمبيق أطلق عليها اسم احتيال “سندات التونة”.

يناير 2022: اضطر رئيس مصرف كريدي سويس أنطونيو هورتا-أوسوريو إلى الاستقالة لخرقه قواعد الإغلاق الخاصة بجائحة كوفيد – 19 أثناء زيارته لبطولة ويمبلدون للتنس.

فبراير 2022: الكشف عن التسريب المسمّى “أسرار سويسرا” من قِبَل أحد مُسرّبي البيانات بشأن تفاصيل 18000 حساب عميل تم تقديمها إلى وسائل إعلامية.

يونيو 2022: كريدي سويس هو أول مصرف محلي كبير تُصدر بحقه إدانة جنائية بتهمة غسل الأموال في سويسرا، متعلقة بشبكة تهريب مخدرات بلغارية.

يوليو 2022: تم إجبار الرئيس التنفيذي توماس غوتشتاين على الاستقالة واستبداله بأولريش كورنر.

أكتوبر 2022: أعلن كورنر والرئيس أكسل ليمان عن إلغاء 9000 وظيفة وضخ 4 مليارات فرنك لصالح مالية المصرف.

فبراير 2023: سجل كريدي سويس خسارة بقيمة 7.3 مليار فرنك سويسري لعام 2022.

مارس 2023: في ظل استمرار تهاوي قيمة الأسهم وسحب العملاء للمليارات من الفرنكات في كل يوم، دفعت الحكومة باتجاه الحل المتمثل في استحواذ مصرف يو بي اس عليه.

تحرير: ريتو غيزي فون فارتبورغ 

ترجمة: جيلان ندا  

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية