السينما السودانية الجديدة تسجّل حضورها في مهرجان فينترتور الدولي للأفلام القصيرة
بعد عامين من تسليطه الأضواء على السينما العربية من خلال عرض 49 فيلمًا من ثماني دول عربية، عاد مهرجان فينترتور الدولي للأفلام القصيرة إلى منح قدر من الإهتمام في دورته الحادية والعشرين إلى السينما السودانية العائدة وإلى بعض الأعمال العربية المستقلة من لبنان وفلسطين وسوريا.
كما في مثل هذا الوقت تقريبًا من كل عام تفتح مدينة ڤنترتور السويسرية ذراعيها للوافدين من داخل سويسرا ومن خارجها وتضيء شاشات صالاتها بإبداع صنّاع السينما من مختلف أنحاء العالم، وذلك في إطار مهرجانها الدولي للأفلام السينمائية القصيرة. هذا العام، انطلقت الدورة الحادية والعشرون للمهرجان مساء السابع من نوفمبر الحالي في احتفالٍ كبير جرى على قاعة وأروقة مسرح المدينة تخلله عرض لمجموعةٍ من الأفلام وحوارات مع المنظمين وبعض الضيوف.
دامت دورة المهرجان ستة أيام جرى خلالها عرض 225 فيلمًا من حوالي خمسة وخمسين بلداً من القارات الخمس وتنوعت بين الروائي والوثائقي والرسوم المتحركة فكان نصيب الأفلام العربية منها اثني عشر فيلمًا لسينمائيين من أربعة بلدانٍ عربية أبرزها السودان الذي شارك بثمانية أفلام في إطارٍ خاص.
حراك سينمائي جديد في السودان
إدارة المهرجان عمدت إلى هذا الإطار الخاص للتعريف بصناعة السينما السودانية وما شهدته من تطورات في السنوات الماضية بعد عقود من انحسار النشاط السينمائي ساهمت فيه أسباب كثيرة اختلط فيها السياسي بالاقتصادي والإجتماعي حتى بلغ ذروته بعد إنقلاب العام 1989 حيث اضطر أصحاب الصالات، بعد حظرٍ متكرر للتجوال الليلي لفترة طويلة، إلى إغلاق صالاتهم وتحويلها إلى نشاطات أخرى، لكن حراكًا سينمائيًّا جديداً بدأ منذ العام 2008 تحت مظلة معهد غوتة الألماني في الخرطوم أثمر تأسيس “سودان فيلم فاكتوري”رابط خارجي (Sudan Film Factory) بإدارة السينمائي السوداني طلال عفيفي المولود في ألمانيا، والتي أخذت على عاتقها، بدعم من المعهد، تدريب جيل الشباب على مختلف الفنون السينمائية. ثم تكلل هذا الجهد في العام 2014 باستقلالها عن معهد غوتة، وتُوّجَ بانطلاق مهرجان السودان للسينما المستقلة رابط خارجيالذي يستعد لإطلاق دورته السنوية الخامسة في يناير 2018.
في العام 2014 أيضًا جاءت «المبادرة السويسرية لدعم السينما في السودانرابط خارجي» والتي مهّد لها المخرج السويسري-المصري أحمد عبد المحسن لتعطي دفعًا جديداً لحركة النهوض السينمائي في السودان.
المديرة التنفيذية لـكلّ من “سودان فلم فاكتوري” Sudan Film Factory ولمهرجان السودان للسينما المستقلة، المخرجة إيلاف الكنزي التي كانت حاضرة في مهرجان ڤنترتور الدولي للأفلام القصيرة قالت عن المبادرة السويسرية بأنها «ساهمت على المستوى المعرفي بإقامة مجموعة ورش عمل في مجالات مختلفة مثل كتابة السيناريو والتصميم والإنتاج». وأشارت الكنزي إلى وجود «سلسلة من الأنشطة التي ستثمر قريبًا، والتي يمكن الحديث عنها في حينه، وذلك مثل مشروع إنتاج أفلام سودانية طويلة وإعادة فتح بعض دور السينما».
وعن طبيعة الأعمال المختارة من قبل المهرجان، قالت الكنزي: «إنها أفلامٌ حديثة صُنعت من وجهات نظرٍ مختلفة لِمخرجين من الجنسين يعيشون في السودان ومُهاجرين عادوا إليه أو ما زالوا يعيشون خارجه»، وبيَّنت بأن «موضوعات الأفلام عكست إلى حد كبير تنوع وثراء المجتمع السوداني وإنها قد تساعد في تشكيل صورة واقعية نسبيًّا عن السودان»، حسب رأيها.
دعم للسينما المستقلة
كِيْليان ليليَنْفَيلد، عضو «المبادرة السويسرية» والمشرف على إعداد البرنامج السوداني في مهرجان ڤنترتور قال لـ swissinfo.ch: «وضعنا الأفلام المختارة في إطارين، الأول تحت عنوان “صناعة السينما في السودان: جيل جديد“، وقد ضم ستة أفلام عكست التنوع لدى الجيل السينمائي الصاعد في السودان. وهنا لم يجرِ اختيار الأفلام على أساس المحتوى فقط، بل على أساس الحرفيّة والجودة أيضًا. لكن ما كان يهمني كثيراً في هذا الإطار هو ما استطاع صناع الأفلام فعله بما هو متوفر لديهم من إمكانيات وكيفية صناعة فيلم في بلادٍ لا يمتلك فيها المعنيّون إلا وسائل محدودة وتجربة متواضعة».
ثم استأنفَ قائلاً: «أما الإطار الثاني فقدَّمَته “المبادرة السويسرية” وعُرض فيه فيلمان كانا قد حصلا هذا العام على الجائزتين الأولى والتشجيعية في مهرجان السودان للسينما المستقلة. وهنا تُلحظ صناعةٌ يمكن إلحاقها شكلاً ومضمونًا بالصناعة الحرفية المألوفة في الهياكل التجارية».
وعن السينما المستقلة التي يسعى مهرجان ڤنترتور لدعمها وتوسيع انتشارها قال ليليَنْفَيلد: « إنها تعني إنتاج أفلام من خارج السياقات الصناعية والتجارية المعهودة. وفي الغالب يجري التمويل بشكلٍ مباشر من قبل أفراد أو استديوهات صغيرة برأس مالٍ خاص وبسيط حيث يتميز الإنتاج المستقل بأنه لا يخضع لمتطلبات وشروط رأس المال الصناعي المتمثل بالإستديوهات الكبيرة، ويتمتع على المستوى الإبداعي بمزيد من الحرية».
يذكر أن الفيلمين هما «نيركوك» للمخرج محمد كردفاني (19 دقيقة)، والذي فاز بجائزة “الفيل الأسود” التي يمنحها مهرجان السودان للسينما المستقلة تكريمًا للمخرج السوداني الراحل حسين شريف (1934-2005) وفيلم «إيمان» للمخرجة ميا بيطار(44 دقيقة) وهي لبنانية الأصل تقيم عائلتها في السودان منذ ثلاثة أجيال.
أما الأفلام السودانية الستة فهي على التوالي: «ستوديو» للمخرج أمجد أبو العلاء (8 دقائق)، «أسبوع ويومان» للمخرجة مروى زين (20 دقيقة)، «نعم للمخضّرات» للمخرج خالد سالم (6.5 دقيقة)، «رجل الربابة» للمخرج ماريو مابور (18 دقيقة)، «تَسامي» للمخرج طارق سليمان (7.5 دقيقة) و «في البحث عن الهب هوب» للمخرجة إسراء الكوقلي (11 دقيقة).
إسهامات عربية أخرى
من لبنان، عرض مهرجان فينترتور في إطار المسابقة الدولية فيلمًا قصيراً باللغة الإنجليزية للفنان اللبناني لورنس أبو حمدان بعنوان «Rubber Coated Steel» (22 دقيقة) يتناول حقيقة استخدام الإسرائيليين للرصاص المعدني المغطى بالمطاط ضد المدنيين الفلسطينيين تحت تسمية «الرصاص المطاطي». وقد حصل الفلم، الذي هو من انتاج ألماني وتوزيع بريطاني، على تنويه لجنة تحكيم المسابقة الدولية في المهرجان. وكان الفنان أبو حمدان، وهو محلل صوتي بالإضافة إلى اشتغاله في السينما، قد استخدم تقنياتٍ خاصة في تحقيقات سمعية أجراها لصالح المنظمة الدولية للدفاع عن الأطفالرابط خارجي في مقتل اثنين من اليافعين الفلسطينيين بالرصاص المطاطي المزعوم.
في أُطُرٍ أُخرى، عرض المهرجان فيلمين للمخرج الفلسطيني المقيم في الدنمارك مهدي فليفل وفيلمًا آخر للمصور السوري عيسى توما. «رجل عائد»، وثائقي مدته 30 دقيقة، إنتاج 2016 و«رجل يغرق»، روائي مدته 15 دقيقة، إنتاج 2017، كانا فِلمَي الفلسطيني مهدي فليفل اللذَيْن يشتركان في تناول محنة الشباب الفلسطيني ومحاولات بعضهم للتخلص من الأوضاع الضاغطة والميئوس منها في المخيمات الفلسطينية والبدء بمغامرة ركوب البحر إلى اليونان للبحث عن لجوء أفضل في أوروبا، لكن في «رجل عائد» يعود «رضا» إلى مخيم عين الحلوة وهو مصابٌ بالإدمان على المخدرات بعد قضاء ثلاث سنوات في اليونان لم يوفق خلالها بالوصول إلى دولة أوروبية أخرى. مع ذلك، ورغم كل الظروف الضاغطة من حوله في المخيم، يقرر الزواج استمراراً للحياة. أما في «رجل يغرق» فيروي لنا فليفل قصة شاب فلسطيني يافع في اليونان يضطر في سبيل تأمين لقمته وسد جوعه إلى القيام بمهمة سرقة علنية يكلفه بها عربي آخر ثمَّ يتعرّف على رجل يوناني يدفعه إلى انحرافات أخرى.
كان «رجل عائد» قد حصل على الجائزة الأولى لمهرجان ڤنترتور في دورته العشرين في العام الماضي وجائزة «الدب الفضي» في مهرجان برلين، بينما عُرض «رجل يغرق» هذا العام في إطار منافسة الأفلام القصيرة لمهرجان كان الدولي.
أما فيلم السوري عيسى توما فقد كان بعنوان «9 أيام من نافذتِي في حلب»، وهو وثائقي أخرجه توما بالإشتراك مع مخرج ومخرجة هولنديَّيْن، فيعرض للمشاهد في أقل من ثلاث عشرة دقيقة بدايات الحرب في حلب حيث قام توما بتصوير التبدلات السريعة التي كانت تطرأ في الشارع الذي يُطل عليه من نافذة بيته. وقد عُرض الفيلم في مهرجانات أوروبية عديدة وحاز على الجائزة الأوروبيةرابط خارجي وجائزة مهرجان لندن للأفلام القصيرة.
جدير بالذكر أن مهرجان فينترتور الدولي للأفلام القصيرة كان قد منح الإهتمام في دورته التاسعة عشرة قبل عامين للأفلام العربية، فعرض 49 فيلمًا من ثماني دول عربية توزعت على الشكل التالي: سوريا 12 فيلماً، لبنان 12 ـ العراق 7، فلسطين 7، المغرب 5، مصر 4، وفيلمًا واحداً لكل من الجزائر والأردن.
مهرجان ڤِنْتَرْتور الدولي للأفلام القصيرة في سطور
انعقدت الدورة الأولى للمهرجان في خريف العام 1997 في مدينة ڤنترتور، وهي ثانية المدن الكبيرة في كانتون زيورخ وسادستها في سويسرا. يبلغ عدد سكانها 112 ألفًا 25% منهم أجانب، وتشكل مع الأرياف المحيطة بها تجمعًا سكانيا يبلغ تعداده حوالي 140 ألفًا، كما هي مركز لمقاطعة إدارية تحمل ذات الاسم ويبلغ عدد سكانها 166 ألفًا. تضم ڤنترتور 16 متحفًا وست مكتبات عامة والعديد من المسارح وصالات السينما ومركز تدريب وإعداد المسرح المتنقل في كانتون زيورخ كما تضم جامعة زيورخ للفنون، بالإضافة إلى العديد من المؤسسات التعليمية الأخرى والمراكز الثقافية.
توزعت الأفلام المشاركة في الدورة الحادية وللعشرين للمهرجان على الشكل التالي: 17 فيلمًا في مسابقة الفيلم السويسري، 34 فيلمًا في المسابقة الدولية، 13 فيلمًا في مسابقة الجامعات السويسرية الخمسة المتخصصة بتدريس الفنون، و158 فيلمًا عُرضت في أُطر وبرامجَ أخرى مختلفة.
بلغ مجموع الجوائز الممنوحة 79 ألف فرنكًا سويسريًّا بينها 17 ألفًا تقدمت بها هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية SRG SSR التي تتفرع منها swissinfo.ch
تعتبر الأفلام الروائية القصيرة الفائزة في المسابقة الدولية أو في مسابقة الفيلم السويسري تلقائيًّا أفلامًا مرشحة للمشاركة في مسابقة الأوسكار.
سلط المهرجان ضوءه هذا العام على السينما في بلدان جنوب آسيا فشهد مشاركات من أندونيسيا والفلبين وتايلاند وفيتنام وماليزيا وكمبوديا وميانمار وتايوان وسنغافورة، واحتفى بالمخرجة التايلندية Pimpaka Towira وعرض لها ستة أفلام.
في الجانب الأوروبي، سلط المهرجان الأضواء على السينما اليونانية ونتاجات الجيل السينمائي الجديد فيها.
خصص المهرجان عروضًا للاطفال ابتداءً من عمر السادسة ولليافعين البالغين 12 وللشباب البالغين 16 عامًا.
اِحتفى المهرجان بالمخرج السويسري «فريدي مورر» وعرض أفلامه التي أنتجها وأخرجها في ستينيات القرن الماضي فأثارت حينها جدلاً واسعًا في المجتمع السويسري وفي الصحافة السويسرية حيث أتت في خضم حركات التغيير التي سادت العالم وفي ظل التظاهرات الطلابية التي عمَّت أوروبا آنذاك.
شهد المهرجان ورشات عمل تدريبية وتبادل خبرات ومحاضرات في مجال العلاقة بين الكتابة السينمائية والإخراج.
سجل المهرجان خلال أيامه الستة 17 ألف دخول لقاعات العرض واستضاف أكثر من 650 زائراً من صنّاع السينما والمهتمين بشؤونها من داخل سويسرا وخارجها.
فاز بجائزة المنافسة الدولية لهذا العام، البالغة 12 ألف فرنك سويسري والمقدمة من هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية SRG SSR الفيلم الوثائقي السويسري «خط أسود» «Ligne noire» للمخرج السويسري مارك أوليكسا والمخرجة الإيطالية فرنسيسكا سكاليسي، وهذه هي المرة الثانية في تاريخ المهرجان التي يحصد فيها فيلم سويسري جائزته الدولية الأولى. أما جائزة أفضل فيلم سويسري فقد ذهبت إلى المخرجة السويسرية لَورا مورا-راڤاود (لوزان) عن فيلمها الروائي «Blackjack».
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.