مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أين كنت يوم الأحد في حدود الساعة الثامنة مساءً؟

امرأتان تطالعان نصا مكتوبا على ورقة
كارول شولر في دور المحققة تيسا أوت (إلى اليسار)، وأنا بيري تسورخر في دور المحققة إيزابيل غرانجون (إلى اليمين) في أول حلقات مسلسل "تات أورت Tatort" (أي "موقع الجريمة")، التي تدور أحداثها في مدينة زيورخ. Srf/sava Hlavacek

يوم الأحد 29 نوفمبر 2020 أكمل مسلسل "تات أورت" أو "موقع الجريمة" عامه الخمسين، ليُصبح بذلك أطول دراما بوليسية تعرض على شاشات التلفزيون في العالم. وقد شاركت سويسرا في هذا الإنتاج العالمي المشترك والفريد ما يقرب من نصف تلك المدة، إلا أن هذا لم يخلُ من انعطافات و"محاولات اغتيال".

“تصوير مسلسل “تات أورت” Tatort (موقع الجريمة) بسويسرا بدون التعرض لنقد لاذع؟ بلى، هذا في الإمكان”. لم تستطع بوابة “واتسونرابط خارجي” الإخبارية السويسرية إخفاء دهشتها في التاسع عشر من أكتوبر الماضي، بعد يوم من عرض الحلقة رقم 1140 في التلفزيون.

بالتأكيد، بدأت هذه الحلقة بصوت لعلعلة رصاص، لا بل بالأحرى بجثة متفحمة وباشتباك بين بعض المتظاهرين الشباب وبين الشرطة.

فنظراً للاحتجاجات الشعبية العنيفة التي سادت الشوارع مؤخراً في جميع أنحاء العالم ـ بدءً من الولايات المتحدة الأمريكية، مروراً بهونغ كونغ، ووصولا إلى روسيا البيضاء ـ فإن الموضوع يعتبر حديثاً وآنياً، إلا أن مشاهد العنف كانت في واقع الأمر لقطات حقيقية، صورت بزيورخ في ثمانينيات القرن العشرين.

هكذا بدأت تلك الحلقة، التي حملت عنوان “زيورخ تحترق”، مع لقطات أصلية تم دمجها مع لقطات لإحدى المحققتين الجديدتين في طريقها إلى موقع الجريمة. ما هو إذن الرابط بين جثة متفحمة وجمجة مريبة مع مشهد زيورخ الذي تَصَدَّره حليقي الرؤوس في ثمانينيات القرن العشرين؟

لقد أظهرت وسائل الاعلام مراراً وتكراراً احتفاءً بـ “موقع الجريمة” الجديد في المسلسل الشهير، إلا أن النقاد قد تباروا في نقد هذه الحلقة بالذات أكثر من غيرها. لقد تعلق الأمر هذه المرة بمدينة سويسرية جديدة، مع محققين جدد، بعد أن جرى التصوير من قبل في كل من مدينتي برن ولوتسيرن.

نموذج لا مثيل له

لا يوجد مثيل لظاهرة مسلسل “تات أورت” (موقع الجريمة) في العالم الأنجلوساكسوني. ففي ثلاثين يوم من أيام الآحاد على مدار العام ـ أي حوالي مرة كل أسبوعين ـ تبدأ في الساعة الثامنة وخمس دقائق مساءً في قناة التلفزيون العمومي السويسري الناطق بالألمانية (SRF)، وبعدها بعشر دقائق في كل من ألمانيا والنمسا واقعة قتل مدتها تسعين دقيقة.

أما الفريد في هذا الأمر فهو أن وقائع القتل تحدث في مدن مختلفة، ويُجري التحقيق في أطوارها محققون شتى، فحالياً يوجد 23 فريقاً مختلفاً من المحققين. وتقوم قناة التليفزيون العمومي السويسري الناطق بالألمانية (SRF) بالإشراف على حلقتين في العام، بينما تقوم هيئة الإذاعة والتلفزيون النمساوية بالإشراف على حلقتين أو ثلاثة، أما الباقي فموزع على تسع محطات تليفزيونية محلية في ألمانيا. ثم هناك مسألة اللغة المستخدمة، وسنأتي على ذكرها لاحقاً.

يعتبر مسلسل “تات أورت” (موقع الجريمة) أطول مسلسل بوليسي يُعرض على شاشات التلفزيون في العالم. وبمناسبة مرور خمسين عاماً على انطلاقه، يشترك محققون من مدينتي ميونخ ودورتموند بتصوير حلقة مزدوجة، من المقرر عرضها في 29 نوفمبر و6 ديسمبر 2020.

انخفض متوسط عدد المتفرجين لكل حلقة في المعدل من 25 مليون شخص في سبعينيات القرن العشرين، ليصل إلى حوالي 9 ملايين. وبرغم ذلك لا يزال مسلسل “تات أورت” يعتبر أكثر حدث تليفزيوني شعبيةً في ألمانيا. أما الحلقات السويسرية فيشاهدها عادةً حوالي سبعة ملايين متفرج ألماني (فقد جذبت حلقة “زيورخ تحترق” 7،45 مليون مشاهد).

هنا تجدر الإشارة إلى عمل تليفزيوني مشابه، وهو “يوروكوبس” أو الشرطيون الأوروبيون (1992 – 1998) الذي يحظي بإنتاج عالمي مشترك، إذ شاركت في إنتاجه سبع محطات تلفزيونية أوروبية.

لا تزال المقدمة الأصلية التي وضعت عام 1970 مستخدمة حتى الآن، وكذلك الموسيقى الأصلية (بغض النظر عن بعض التغييرات الطفيفة التي أجريت في عامي 1979 و2004)، على مقطوعة كلاوس دولدينغر “المركب”.

أما فولفغانغ بيترسن، الذي قاد الأوركسترا لمقطوعة “المركب”، فقد قاد الأوركسترا ست مرات في مسلسل “تات أورت”، ومن بينها الحلقة المثيرة للجدل عام 1977، التي ظهرت فيها ناستاسيا كينسكي ابنة الخامسة عشر عاماً آنذاك مكشوفة الصدر. والتي لا تزال ثاني أكثر حلقة من حيث عدد المشاهدين.

كما ظهر روجر مور في عام 2002 كضيف شرف للمسلسل.

أما الحلقة السويسرية التي حملت عنوان “الموسيقى تموت أخيراً” (2018)، فقد صورت على دفعة واحدة. إلا أنها كانت كذلك الحلقة الأقل مشاهدة في ذلك العام.

“يتخذ مسلسل تات أورت (موقع الجريمة) نموذجاً لا مثيل له: وهو استخدام فرق تحقيق من مدن مختلفة، يتم تغييرها مساء كل أحد”، كما يوضح شتيفان برونر، الذي شارك في كتابة حلقة “زيورخ تحترق”. “حيث تتاح لنا الفرصة لأن نرافق المحققين عبر العديد من السنوات وأن نتقدم معهم في العمر”.

إنه يدرك التحدي الذي يتمثل في خدمات البث الإلكتروني ومسلسلاته البوليسية، والحلقات المجمعة التي تشمل ثمان أو عشر حلقات. وكذلك برامج مثل “الجسر”، و”القتل”، و”المفتشون الحقيقيون” التي تعتبر حقاً أفلاماً من عشر ساعات، والتي يتهافت عليها المشاهدون رجالاً ونساءً. إلا أن برونر يصر على أنه يوجد بخلاف ذلك مجال لمسلسلات من عدة حلقات متصلة، وأخرى تقليدية ذات حلقات منفصلة، مثل مسلسل “تات أورت”، “كولومبو”، أو “بويروت”، ذلك لأن كلا الشكلين يُلبّي احتياجات مختلفة للمشاهدين.

“من المؤكد أن المسلسل المكون من عدة حلقات يتيح فرصة للتوغل أكثر في الشخصيات. لكن قد لا يرغب المرء في الاستمرار في مثل هذه الرحلات الذهنية الطويلة. فمسلسل مثل “تات أورت” ثابت على مبدئه: هو كالصديق القديم، الذي يمكنك الاعتماد عليه، والذي تقابله كل أحد، لكنك قد تتغاضى عن المقابلة في واحد من أيام الآحاد، إذا أردت ذلك”.

هذا ما يفعله الكثير من الناس حقاً، كمشاهدة المسلسل مثلاً في مطعم “بيكولو جاردينو” (أي الحديقة الصغيرة) بمدينة زيورخ، والذي يعرض حلقات “تات اورت”منذ سنوات للعامة.

جريء بصورة كبيرة

إن رضى أغلب المشاهدين حالياً عن انتقال مسرح الجرائم إلى مدينة زيورخ، بدلاً من مدينة لوتسيرن كما كانت في السابق، يقابله الطريق الطويل الذي قطعه المسلسل حتى وصل إلى مدينة زيورخ.

إذ تولت محطة تليفزيون شمال ألمانيا (NDR) تصوير أولى حلقات المسلسل والتي اتخذت من شمال ألمانيا مسرحاً للأحداث، وبُثت هذه الحلقة في التاسع والعشرين من شهر نوفمبر 1970. وتبعتها أولى الحلقات النمساوية بعد ذلك بأقل من عام. حيث أن الهدف من المسلسل ليس أن يكون ذا طابع بوليسي فقط، بل من شأنه كذلك عرض التاريخ والأجواء المحلية، عن طريق تصوير العادات، والتقاليد والخصائص اللغوية.

ففي حلقة “زيورخ تحترق” على سبيل المثال يتعرف المشاهدون الألمان على الاحتجاجات الشبابية التي وقعت في ثمانينيات القرن الماضي، وعلى المهلة التي تسقط بعدها جريمة القتل في سويسرا بالتقادم (ثلاثون عاماً)، وأنّ ضاحية “زيورخ بيرغ” هي منطقة راقية وباهظة، حيث يبلغ ثمن فنجان القهوة فيها أكثر من خمس فرنكات. فضلاً عن ذلك فإن أحد المحققين الجدد لديه لكنة فرنسية، وهو تذكير للمشاهدين بأن السويسريين لا يتحدثون جميعاً اللهجة الألمانية السويسرية.

المزيد
عشرات الشبات يجلسون فوق الأرض

المزيد

قبل 40 عاما، هبّت رياح مايو 68 على سويسرا.. أيضا

تم نشر هذا المحتوى على وقد أدت حركة جيل الـ “بـيبي بوم” ضد قساوة عقد الخمسينات، على خلفية انفراج اقتصادي ووضع دولي مُتوتر، إلى حدوث ثورة اجتماعية وثقافية. السلمية، ورفض السلطة، والذرة، والاستهلاك، والثورة الجنسية أو الثقافية، والحياة المجتمعية أو العودة إلى الطبيعة، تلك عناصر شعار “المنعُ ممنوع” الذي طال سويسرا أيضا. يقول المؤرخ هانس أولريخ يوست: “إن التاريخ الممتد…

طالع المزيدقبل 40 عاما، هبّت رياح مايو 68 على سويسرا.. أيضا

وقد انضمت سويسرا لفريق مسلسل “تات أورت” لاحقاً، وتحديداً في تسعينات القرن العشرين، حينما اضطر المحقق هوفالد ابن مدينة برن ومساعده كارلوتشي إلى التحقيق في واقعة ترتبط بصفقات أسلحة مشبوهة في العاصمة السويسرية، وكذلك وقائع قتل أحد موظفي وزارة الخارجية وموت ابنة هوفالد نفسه.

ثلاث رجال وجهاز كاميرا في موقع تصوير مسلسل
جرى تصوير أولى حلقات مسلسل “تات أورت” السويسرية في شهر إبريل 1990 بالعاصمة برن. من اليسار إلى اليمين: المخرج أورس إيغر، كارلوتشي (أندريا تسوغ) وهوفالد (ماتياس غنيدينغر). Keystone

لقد لفتت هذه الحلقة الأنظار، ليس فقط لأنها كانت أكثر انتاج تلفزيوني سويسري كلفةً، بل كذلك (وهنا تكمن المفاجأة) لأن هوفالد كان متورطاً في قتل ابنته، بل إنه انتحر أيضا في نهاية الحلقة.

“إنني أرى أنها جرأة لا مثيل لها من السويسريين أن يقدموا محققاً مُداناً في أول حلقة”، على حد قول أحد كتاب السيناريو لحلقات “تات أورت” النمساوية.

لاحقاً، استُبدل هوفالد بمحقق آخر، وبعد 12 واقعة قتل، تم بث المسلسل عام 2002 لآخر مرة من مدينة برن. وكان السبب المعلن رسمياً هو التمويل. ولقد رجت المحطة الأولى بالتليفزيون الألماني العمومي (ARD) التليفزيون السويسري (الذي كان يحمل آنذاك اسم تليفزيون سويسرا) بلا طائل أن يضاعف إنتاجه ليصل إلى حلقتين في العام. إلا أن التليفزيون السويسري لم يستجب، بل وانسحب كذلك.

الموت الرحيم

إلا أن السويسريين غيروا رأيهم في 2010، حيث عادوا إلى رابطة “تات أورت” مرة أخرى وقاموا بإنتاج حلقتين في العام من مدينة لوتسرن الساحرة.

لكن البداية كانت غير موفقة. حيث كان مقرراً أن تذاع الحلقة الأولى في إبريل 2011، إلا أن قناة التلفزيون العمومي السويسري الناطق بالألمانية (SRF) قامت بسحبها لأسباب تتعلق بالجودة. “إن الفيلم لا يطابق معاييرنا. فمسلسل “تات أورت” هذا يجعلنا نبدو بصورة سيئة”، على حد قول ناتاليا فابلر، المديرة الثقافية بالقناة آنذاك. وقد ألقت باللوم على السيناريو النمطي والأداء غير الجيد للممثلة اليونانية الإيطالية الأصل، والمولودة بسويسرا صوفيا ميلوس، والتي عملت لمدة ست سنوات في مسلسل “سي اس آي: ميامي”.

رجل وامرأة وفي الخلفية مياه بحيرة
فلوكيغر (شيتفان غوبسر)، ولانّينغ (صوفيا ميلوس) أثناء قيامهما بتصوير مشهد من المسلسل في موقع مُطل على بحيرة “لوتسيرن” في عام 2010. Keystone

ولم يجدِ نفعاً إرسال بعض المشاهد بتلميحات سلبية حول حزب الشعب السويسري اليميني، وهو ما نفته قناة التليفزيون العمومي السويسري الناطق بالألمانية (SRF). لذلك تم سحب الحلقة، وجرى تعديلها، ممَّ أدى إلى إلقاء بعض السياسيين اليساريين تهماً تتعلق بالرقابة، ومن ثمَّ جرى بث تلك الحلقة في أغسطس.

وبعد حلقة واحدة تم الاستغناء عن ميلوس؛ أما الثنائي الجديد من مدينة لوتسرن فقد قام بالتحقيق في 16 واقعة قتل، إلى أن طالتهم أيضاً المقصلة في عام 2018. وقد بثت حلقتهم الأخيرة في أكتوبر 2019، والتي نالها الكثير من النقد السلبي.

إنها “رصاصة الرحمة”، كما وصفت صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” (تصدر بالألمانية من زيورخ) هذا القرار القاضي بإنهاء حلقات “تات أورت” بمدينة لوتسرن. “لقد كانت حلقات لوتسرن تبدو كمعضلة لا حل لها”، كما استطردت في مقالها.
“لقد بدت النسخة السويسرية متثاقلة؛ ولم يكن الأمر يتعلق بفريق التحقيق شتيفان غوبسر / ديليا ماير، أكثر مما كان يتعلق بالسيناريوهات غير السلسة، والإيقاع شديد الملل. لقد كانت تلك الأفلام القصير تركز على مشاهد بحيرة لوتسرن أكثر مما كانت تركز على القصة البوليسية نفسها”.

الأنماط المكررة في مقابل الواقعية

إنه عدم التوازن بين الواقعية القاتمة وأنماط “مرحباً في سويسرا”، الذي كثيراً ما انزلقت فيه حلقات مسلسل “تات أورت” السويسرية، بحسب رأيّ شارلوت تايله، الصحفية التي نشأت في ألمانيا والتي تعيش اليوم في زيورخ.

“قد يقول بعض المشاهدين: آه، إنها حلقة من حلقات “تات أورت” من سويسرا ـ أريد أن أرى بعض الجبال وأن أحلم قليلاً وليس أن تسير بي الكاميرا فقط في شوارع زيورخ القذرة. لكن المشكلة أن النقاد والسويسريين أنفسهم ليس لديهم رغبة في مثل هذه النوعية من الأفلام. إنهم يريدون المزيد من الواقعية”.

كانت نسبة مشاهدة ثنائي لوتسيرن هي الأسوأ من بين فرق محققي “تات أورت” في السنوات الأخيرة. (بينما كانت الحلقات التي صورت في مدينة مونستر الألمانية هي الأكثر شعبية). فهل كان هذا أحد أسباب إعادة إطلاق النسخة السويسرية من المسلسل من زيورخ؟

“لقد أصبح الهدف الأول ابتداءً من الآن هو عرض جرائم شيقة ومثيرة على الشاشة”، على حد تصريحات أورس فيتسه، مدير التصوير لدى قناة التلفزيون العمومي السويسري الناطق بالألمانية (SRF)، في العام الماضي. بهذا نسعى إلى غلق صفحة مسلسل “تات أورت” في لوتسيرن، حيث أصبح الأهم هو إدماج موضوعات اجتماعية أكثر أهمية (مثل موضوع اللاجئين أو القتل الرحيم) في الحبكة الدرامية. فالجرائم سوف تكون في المستقبل منبثقة أكثر من الشخصيات، وبالتالي سوف تصبح أكثر ارتباطاً بالواقع”.

الوصول إلى زيورخ

وهكذا جاء الانتقال إلى زيورخ. وتتساءل السيدة تايله، لماذا احتاجت قناة التلفزيون العمومي السويسري الناطق بالألمانية (SRF) كل هذا الوقت، كي تنقل الأحداث من لوتسيرن إلى زيورخ، “حيث يعيش المحتالون من جميع أنحاء العالم ـ خاصة المحتالون الأثرياء ـ”.

كما ترى الصحفية أن العديد من المنظمات ـ التي يسيل لها لعاب أي كاتب للروايات البوليسية ـ تتخذ من كبرى مدن سويسرا مقراً لها: مثل اتحاد كرة القدم العالمي (فيفا)، والمقر الأوروبي الرئيسي لشركة غوغل، والعشرات من البنوك السرية الخاصة، ومعامل المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ (ETHZ).

في سياق متصل، يؤكد شتيفان برونر أن التحدي الذي يواجه كتاب مسلسل “تات أورت” يتمثل في عرض المدينة من خلال الشخصيات الرئيسية والأحداث. “إلى أي شيء ترمز المدينة؟ ما هي أهم ملامحها المميزة؟ وما هي جوانبها المظلمة؟ ولأن زيورخ تعتبر أغلى موقع صور به مسلسل “تات أورت”، لذلك فقد اخترنا لها كموضوع رئيسي “الرأسمالية المتأخرة والصراع الطبقي”.

على أية حال، فإن حلقات “زيورخ تحترق” تبدو أكثر مهنية من حيث التصوير الفيلمي، سواء فيما يتعلق بالتجهيزات أو الإضاءة، وانتهاءً بالتصوير الجوي للمدينة بالطائرات بدون طيار ولدار أوبرا زيورخ ليلاً.

مشكلة اللغة

ولكن برغم من تطور السيناريو والتكنولوجيا على مر السنوات بكل تأكيد، إلا أن شيئاً لم يتغير في اللغة نفسها. فحلقات “تات أورت” السويسرية يتم تصويرها باللهجة الألمانية السويسرية، التي لا يفهمها المشاهدون في ألمانيا والنمسا المُجاورتين إلا بصعوبة بالغة.

رسم تمثيلي

المزيد

الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانش والانجليزية: بأيّ لغة يتحاور السويسريون فيما بينهم؟

رغم نزوع البعض إلى التبسيط، يظل المشهد الثقافي في البلاد مُتشابكا ومُتداخلا لغويا ومُتغيّرا باستمرار.

طالع المزيدالألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانش والانجليزية: بأيّ لغة يتحاور السويسريون فيما بينهم؟

ونتيجة لذلك يتم دبلجة حلقات “تات أورت” السويسرية للتلفزيون الألماني والنمساوي ـ عدا أول عشر دقائق! حيث تجري الدبلجة سطراً بسطر، كي يبدو الممثلون السويسريون وكأنهم يتحدثون الألمانية الفصحى ـ بدون أن تبدو حركة الشفاه شاذة عن الإيقاع بصورة تشتت المشاهد. إلا أن الدبلجة تبدأ بعد عشر دقائق، على أمل أن يكون الجمهور قد أصبح بعدها متحمّسا لمشاهدة باقي الحلقة.

وقد يبدو هذا حلاً وسطاً يتميز بالذكاء، إلا أنه لم يلقَ استحسان جميع المشاهدين. فحينما غاص موقع swissinfo.ch في وسائل التواصل الاجتماعي بعد عرض حلقة “زيورخ تحترق”، وجد في الكثير من التعليقات نقداً للدبلجة، حيث طالب البعض بعرض النسخة الأصلية مع ترجمة تحريرية للحوار.

“لكن الأفلام المترجمة تحريرياً بلغتها الأصلية قلما تجد قبولاً من المشاهدين في التلفزيون الألماني”، كما يوضح لارس ياكوب من القناة الأولى بالتلفزيون الألماني العمومي (ARD). “لذلك فإن الأفلام الأجنبية التي يجري الحوار فيها بلغة أجنبية أو بلهجة يصعب فهمها، لا تُعرض في القناة الأولى بالتلفزيون الألماني العمومي (ARD) مصحوبة بترجمة، بل يتم دبلجتها”.

المزيد

المزيد

“ربما يتعيّن استخدام أسلوب الرسائل القصيرة في دبلجة الأفلام..”

تم نشر هذا المحتوى على في التقرير التالي، تتطرق swissinfo.ch إلى المخاوف القائمة من احتمال انقراض عرض الأفلام في صيغتها الأصلية، مصحوبة بعناوين جانبية مُترجمة. في حديث مع swissinfo.ch، قال ليو باومغارتنر، رئيس فرع شركة وارنر بروس في سويسرا: “كنت أعتقد قبل عامين، أنه إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه، فإننا سوف لن نشاهد أية أفلام تحمل عناوين جانبية…

طالع المزيد“ربما يتعيّن استخدام أسلوب الرسائل القصيرة في دبلجة الأفلام..”

وصحيح أن السيدة تايله ترى اللغة عائقاً ـ حيث “توجد الكثير من اللحظات، التي يضيع فيها المرء مع الترجمة، ممَّا لا يخدم الواقعية” ـ ولكنها ترى أن نقاط الضعف الموجودة في بعض الحلقات السويسرية تتعدى مسألة اللغة، “إلا أن اللهجة الألمانية السويسرية لن تجعل الأمور أكثر سهولة بكل تأكيد”.

أما الحلقة الثانية التي صورت من مسلسل “تات أورت” في زيورخ، فهي جاهزة للعرض بالفعل ـ إذ تم تصوير الحلقتان قبل تفشي جائحة كوفيد – 19. ومن المتوقع أن تُعرض في ربيع 2021، حيث تدور الأحداث حول مقتل مدير أحد مصانع الشكولاتة. أما النقاد فقد شحذوا أقلامهم بالفعل استعداداً للبث.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

اكتب تعليقا

يجب أن تُراعي المُساهمات شروط الاستخدام لدينا إذا كان لديكم أي أسئلة أو ترغبون في اقتراح موضوعات أخرى للنقاش، تفضلوا بالتواصل معنا

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية