مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا كَنَموذجٍ يُحتَذى به: طريق تشيلي نحو المَزيد من الديمقراطية المُباشرة

رجل يحمل ملصقا انتخابيا
جماهير في انتظار وصول غابرييل بوريك إلى "قصر المونيدا" في العاصمة التشيلية. بالأعلام واللوحات والصور، يحتفلون بالرئيس التشيلي الجديد في حفل التنصيب الذي انتظم يوم 11 مارس 2022. Vanessa Rubilar Quintana

يُطالب الشعب الشيلي بالمَزيد من الديمقراطية وبِقَدَر أقَلّ من المَركَزية. وعند كتابة الدستور الجديد للبلاد، نَظَر العَديد من أعضاء الجمعية التأسيسية إلى سويسرا كَنَموذجٍ يُحتذى به. لكن بَعضَ الأطراف في هذه البلاد ترى أن مشروع الدستور الجديد إنما تجاوز الهَدَف.

عادَت بوليت بيريسفيلرابط خارجي إلى سويسرا منذ حوالي شهرين. عند حديثها معنا، تَشِع السيدة الشيلية البالغة من العمر 38 عاماً، والتي يَنحَدِر أسلافها من سويسرا بالبَهجة. كانت بيريسفيل جُزءاً من العملية الدستورية في شيلي؛ حيث عمَلَت هناك لمدة عام كَمُستَشارة لـمارغريتا فارغاس، إحدى المَندوبين الذين تَمّ انتخابهم للجمعية التأسيسية عن السُكان الأصليين. وطيلة هذا الوقت، كان الدستور الفدرالي السويسري هو الرفيق الأكثر ولاءً لـ بيريسفيل. وكما تقول السيدة التي تُحَضِّر لنيل درجة الدكتوراه في جامعة زيورخ: “بإمكان شيلي أن تَتَعَلَّم الكثير من الديمقراطية السويسرية”.

امرأة تجلس على كرسي
المحامية والخبيرة القانونية بوليت بيريسفيل، في صورة التقطت لها خارج المقصف بجامعة زيورخ. Thomas Kern/swissinfo.ch

قامت شيلي خلال الأشهر الإثني عشر الماضية بإعادة صياغة دستورها بالكامل. ولتحقيق ذلك، نظر أعضاء الجمعية التأسيسية إلى جميع أنحاء العالم، بما في ذلك سويسرا. وكان الشعب الشيلي قد كلَّف من خلال استفتاء شعبي أجري في أكتوبر 2020 جمعية دستورية مُنتَخبة مباشرة مكونة من 155 عضواً بِمُهِمّة وَضع دستور جديد للبلاد. وكان اهتمام العديد من المندوبين مُنصَبّا بشكل خاص على المزيد من الديمقراطية، وتكريس اللامركزية، وتعايُش الشعوب الأصلية المُختلفة مع مُجتمع الأغلبية الشيلية.

وفي تصويت إلزامي سوف يُجرى في 4 سبتمبر المُقبل، سوف تكون الكلمة الأخيرة للشعب الشيلي مرة أخرى لقبول أو رَفض المُسودة النهائية للدستور الجديد. استطلاعات الرأي تتوقع نَتيجة مُتقاربة. لكن أستاذ القانون الشيلي خافيير كوزو، الذي يشغل كرسياً في جامعة أوتريخت، لا يشغل باله بذلك  كثيراً. وبرأيه، فإن العملية الدستورية الشيلية هي “خطوة نحو المَزيد من الديمقراطية في كِلتا الحالتين. الشعب الشيلي يُريد المزيد من المشاركة في عملية صنع القرار، وهنا فإن دولاً مثل سويسرا هي مثال نَموذَجي”.

ولد من رَحم “اضطرابات” اجتماعية

في أكتوبر 2019، خَرَجَ عددٌ كبيرٌ من سكان شيلي إلى شوارع العاصمة سانتياغو احتجاجاً على الحكومة اليمينية آنذاك بقيادة سيباستيان بينيرا والنظام الاقتصادي النيوليبرالي. وعلى الرغم من استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة ضد المتظاهرين، وما حَدَث من انتهاكات لحقوق الإنسان، إلّا أن الحكومة الشيلية فَشلت في إنهاء التظاهرات. في أعقاب ذلك، طالب العديد من الشيليين بصياغة دستور جديد باعتباره مخرجاً للأزمة السياسية، ولإعادة تأسيس البلاد، مع المَزيد من الحقوق الاجتماعية والمُشاركة الديمقراطية. وفي 15 نوفمبر من العام نفسه، قَرَّر تحالفٌ عريض من النواب أخيراً البَدء بعملية دستورية.

كان غابرييل بوريتش، الرئيس الحالي لشيلي، قد أيَّد اقتراح العملية الدستورية بصفته عضواً في مجلس النواب في ذلك الوقت، كما أكد في يوم الانتهاء من مسودة الدستور الجديد أن شيلي “اختارت المَزيد من الديمقراطية ” في خِضَم أزمتها السياسية.

من جهته، فإن الباحث القانوني والمتخصص في القانون الدستوري خافيير كوزو واثق تماماً من أن “المشاركة الديمقراطية الأكبر غالباً ما تعني استقراراً سياسياً أكبر ايضاً”. وهو يشير إلى دولٍ في أمريكا اللاتينية مثل أوروغواي، وكذلك إلى سويسرا أيضاً. وكما يقول الاستاذ في قسم القانون العام والمؤيد للدستور الجديد: “سوف تكون هناك سيطرة أكبر، كما سَيَتَوَجَّب على مَن هُم في السُلطة إيلاء المَزيد من الاهتمام للرأي العام”.

بحسب كوزو، يتضمن الدستور الشيلي الحالي عدداً من الموروثات من عهد الحكم الديكتاتوري لأوغستو بينوشيه (1973-1990). وهو متأكد من أن الطريقة الوَحيدة لشطبه من الذاكرة هي وَضع دستور جديد. ووفقا لأستاذ القانون، فقد أَجمَعَ عُموم المُجتمع التشيلي على ذلك.

وكما يقول، كان الناس يشعرون بأنهم مُستبَعدون من المُشاركة السياسية، ولم تَعُد عملية انتخاب البرلمانيين والرئيس كافية بالنسبة لهم. فَضلاً عن ذلك، فإن شيلي دولةً شديدة المركزية، يعيش نصف سكانها تقريباً في العاصمة سانتياغو، وتَدفع جميع الشركات الكبرى تقريباً ضرائبَها هنا، رغم تواجد أكبر مواقع الإنتاج الخاصة بها في أجزاء أخرى من البلاد. وبِحَسب كوزو “كان سكان هذه المناطق يشعرون بالعُزلة”. كذلك لم تتوصل شيلي إلى طريقة لِحَلّ النزاعات القائِمة مع مُجتمعات السُكّان الأصليين لسنوات. وقد طُرِدَ هؤلاء من أراضيهم فيما مضى، كما قُمِعَت ثقافتهم.

المزيد

في نَظَر المؤيدين، يمثل الدستور الجَديد مُحاولة لإصلاح كل ذلك. وهذا – من بين أمور أخرى – من خلال إلقاء نظرة على سويسرا، كما تؤكد كاميلا زاراتي، التي انتخبَت في الجمعية التأسيسية كَمُمَثِّلة عن مدينة فالبارايسو الساحلية. وكما تقول الناشطة البيئية: “لقد ألهَمَتنا تجارب التَعَدُّدية اللغوية والبِناء الفدرالي والديمقراطية المُباشرة في سويسرا كثيراً”. من ناحية أخرى، نَظَر المندوبون إلى مثال الإكوادور في مَجال تحقيق حماية أكبر للبيئة.

من خلال الدستور الجديد، سوف تتعرف شيلي على أدوات مُختلفة للديمقراطية المباشرة. وهكذا مثلاً، يجري التخطيط لإجراء مُبادرات واستفتاءات تشريعية. وفي حين توجد هناك ثلاثة عناصر أساسية للديمقراطية المباشرة في سويسرا، فإنها ستكون أربعة في شيلي مُستقبلاً.

المبادرة الشعبية لتعديل الدستور:

الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها الشعب اقتراح تشريعات جديدة بشكل مُباشر هي من خلال مبادرة شعبية على المستوى الدستوري. وبإمكان المواطنين الذي يحق لهم الانتخاب في كلا الدستورين، اقتراح تعديل دستوري يتم التصويت عليه من قبل الشعب. في سويسرا يتم طَرح الاقتراح للتصويت على مُستوى البلاد بِمُجَرَّد أن يتمكن المبادرون من تَجميع توقيعات 2% من الناخبين الذين لديهم حق الانتخاب على مدار ثمانية عشر شهراً لفائدة دعم الاقتراح. بالمقارنة، نرى أن العقبة أعلى من ذلك بكثير في مشروع الدستور الشيلي الجديد، حيث يتعين على 10% من المؤهلين للتصويت التوقيع على المبادرة المُقتَرَحة في غضون 180 يوما.

الاستفتاء الاختياري:

في سويسرا، وفي مسودة الدستور الشيلي الجديد أيضاً، يحق لأي مواطن الطَعن أو الإعتراض على أي قانون يسنّه أو يعدّله البرلمان الفدرالي، شريطة جَمع التوقيعات اللازمة في غضون الموعد النهائي المُحدد لذلك. في سويسرا، يتطلب هذا الإجراء الحصول على توقيعات 1% من الناخبين المؤهلين للتصويت في غضون المائة يوم الأولى الموالية لتاريخ نَشر القانون المُعتَرَض عليه في المجلة الرسمية للكنفدرالية. بالمُقارنة، لا يضع الدستور الجديد في شيلي حَداً زمنياً لذلك؛ ويكفي أن يقوم 5% من الناخبين المؤهلين فقط بِدَعم الاستفتاء المُقتَرَح عن طريق التوقيع.

مع ذلك، لا يجوز في شيلي إجراء استفتاء على القوانين المُنَظِمة لِميزانية الدولة والضرائب.

الاستفتاء على التعديلات الدستورية

في سويسرا، يتم اجراء استفتاء دائماً في حال أراد البرلمان إدخال أي تعديل على الدستور، مهما كان طفيفاً. وهذا ينطبق أيضاً على انضمام البلاد إلى المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي. وفي الدستور الشيلي الجديد، يمكن للبرلمان إجراء تغييرات على الدستور شريطة الحصول على أغلبية الثلثين. مع ذلك، يجب على الشعب أن يصوت على أي تعديل دستوري في حال لم يوافق سوى أربعة أسباع أعضاء البرلمان فقط على هذا التعديل.

المبادرة التشريعية

يمنح مشروع الدستور الشيلي الجديد المواطنين الحَق في جمع الأصوات لِاقتراح قانون جديد. وبِمُجَرَّد جَمع التوقيعات المطلوبة، يتوجب على البرلمان النَظَر في الاقتراح. ولكي يحدث ذلك، يتعين على 3% من الناخبين المؤهلين للتصويت التوقيع على المبادرة في غضون 180 يوماً. وبالتالي، لا تنفرد السلطتين التنفيذية والتشريعية بالحق في تقديم مبادرات تشريعية، ولكن  يحق ذلك للمواطن أيضاً وبشكل مباشر. مع ذلك، لا يُسمَح بِطَرح مُبادرات تشريعية في مواضيع تخطيط الموازنة المالية، والضرائب، وتقييد الحقوق الأساسية. وهذا النوع من المبادرة التشريعية غير موجود في سويسرا.

من المُقرَّر أن تُمنَح أقاليم البلاد الستة عشر استقلالية أكبر بِشَكل مَلحوظ مُقابل الدولة المركزية، كما سيتم تشكيل “مجلس الأقاليم”، على غرار مجلس الدّويلات (أو مجلس الشيوخ) في النموذج السويسري. وفي هذه الهيئة الاستشارية والمتكافئة والمتعددة القوميات للتمثيل الإقليمي، والتي تتمثل مهمتها في المشاركة في صياغة قوانين التوحيد الإقليمي وممارسة السلطات الأخرى الممنوحة لها بموجب هذا الدستور، سيتم تمثيل الأقاليم بِعَدَدٍ متساوٍ من النواب بِغَضّ النظر عن عدد سكانها. وسوف يتم تحديد العدد الدقيق من خلال إصلاح تشريعي وشيك.

بالإضافة إلى ذلك، وَوُفقاً لمشروع الدستور، سوف تُعتَبَر شيلي من الآن فصاًعدا دولة مُتَعَدِّدة القوميات. ويتعرض هذا الاقتراح لانتقادات حادة من الطَرف المُقابل لأنه يتناقض مع فكرة وجود شعب واحد يعيش معاً في دولة واحدة. ويرى مشروع الدستور الجديد، أن الأمم المُختلفة – أي الشعوب الأصلية والسكان الشيليون – يجب أن يعيشوا في دولة مُشتركة.

هذا المفهوم طُبِّق بالفِعل في الدستورين الجديدين لبوليفيا وإكوادور. “لكننا مع ذلك، كنا نعود إلى مثال سويسرا مراراً وتكراراً؛ ففيها أيضاً قَرَّرت شعوبٌ مُختلفة العَيش معاً، والحفاظ على لغاتها وعاداتها المختلفة بنفس الوقت”، تقول زاراتي. وبحسب عضوة الجمعية التأسيسية، فإن حقيقة إمكانية التعامل بِعِدّة لغاتٍ في الحياة اليومية وفي السياسة، ونَجاح ذلك دون حدوث مشاكل كبيرة كما يتضح، كان مثالاً مُلهِماً للغاية.

يتناول مشروع الدستور الشيلي التوجه الأساسي للدولة في 144 صفحة و388 مادة. وبهذا الحجم، فإن الدستور الشيلي واسع النطاق للغاية وفقاً للمعايير الدولية. يمنح الدستور مساحة بارزة للمباديء والقرارات النسوية، وهو ما يمكن أن يقال بالنسبة للحقوق الاجتماعية،وحقوق الشعوب الأصلية، وحماية البيئة أيضاً.

تتضمن مسودة الدستور الجديد في أجزائِها المُختلفة القضايا المتعلقة بالمرأة، مثل المُساواة بين الجنسين، وأعمال الرعاية، وحَقّ النساء في تقرير مَصير أجسادهن، وبالتالي حقوقهن في الإجهاض أيضاُ. وهكذا نجد مثلاً، أن العمل المنزلي وأعمال الرِعاية تُذكَر عدة مرات وتُمنَح حماية خاصة من الدولة. وكما جاءَ في مشروع الدستور، يجب أن تكون هياكل جميع مؤسسات الدولة قائمة على المساواة بين الجنسين، كما يتعين على الدولة الإلتزام بِمُراعاة النوع الاجتماعي في إجراءاتها. لكن كيفية تنفيذ ذلك لم تتضح بعد.

يمنح مشروع الدستور الجديد الشعوب الأصلية عدداً من الحقوق الجديدة المُختلفة. ويسمح لهم ذلك بِمُمارسة درجة من الحكم الذاتي الإقليمي، وإنشاء مَحاكمهم الخاصة على المستوى المحلي، كما يتوفرون على حصة ثابتة في مُختلف هيئات الدولة. وينص مشروع الدستور الجديد أيضاً على وجوب احترام وتعزيز جوانب ثقافة السكان الأصليين، مثل اللغة، والطب، وأساليب الحياة. ويمكن العثور على العديد من هذه العناصر أيضاً في دساتير بوليفيا، أو نيوزيلندا، أو الإكوادور. بدورها، تمنح الولايات المتحدة الأمريكية السكان الأصليين درجة مُعينة من الاستقلال داخل المحميات أيضاً.

البيئة والمناخ أيضاً لهما فصل خاص بهما، حيث يعترف مشروع الدستور الجديد بالبيئة ويتعامل معها بوصفها موضوع خاضع لحكم القانون. كذلك، يُمنَح القطاع العام السيطرة على الموارد وإمدادات المياه، وهو ما يمثل نهاية مرحلة الخَصخَصة الكاملة للمياه في شيلي. ومن المُفترض قيام سُلطة مُستقلة عن الحكومة مُنشأة خصيصاً، بِمُراقبة الحكومة والجهات الفاعلة الخاصة في مسألة حماية البيئة، والدفاع عن مصالح الطبيعة أمام القضاء أيضاً.

يتضمن النص الدستوري الجديد أيضاً عدداً من الحقوق الاجتماعية الأساسية الجديدة، مثل الحق في التعليم المجاني حتى المرحلة الثانوية، والحق فيالصحة، والبيئة النظيفة، و السكن الكريم. وتعطى الدولة دوراً مركزياً في إعمال الحقوق الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، من المُقَرَّر إنشاء صندوق تأمين صحي عام وشامل.

إصلاح أخطاء الماضي

عندما سَمِعَت بيريسفيل، التي عَمِلَت سابقاً في المَحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أيضاً، عن العملية الدستورية الجديدة، وعن انتخاب نائبة معروفة عن شعب كاويسكار الأصلي في الجمعية التأسيسية، لَمْ تتردد البتة في تقديم مساعدتها كَمُستشارة، الأمر الذي قبلته مارغريتا فارغاس بامتنان.

درج وطوابق
تعيش بوليت بايريسفيل في زيورخ منذ عام 2015. وهي مواطنة تشيلية من أصول سويسرية وطالبة دكتوراه في مجال التاريخ القانوني الدولي. هذه الصورة التقطت لها في مكتبة معهد القانون التابع لجامعة زيورخ. Thomas Kern/swissinfo.ch

تقول بيرسفيل التي تَحمل الجِنسيتين التيشلية والسويسرية وهي تتحدث عن تجربتها في الجمعية:” كان عملي كمُستشارة لمندوبة من السكان الأصليين بِمثابة الأمنية التي تَحققت وهو ما أسعدني جداً”. وكانت بيرسفيل قد عملت بالفعل مع مجتمعات الشعوب الأصلية في الأمم المتحدة في جنيف.

تهتم بيرسفيل بشكل خاص بموضوع ظهور دول أمريكا اللاتينية. وكما تقول: “لقَد وُعِد السكان الأصليون بان نِضالهم ضد الإمبراطورية الاستعمارية الإسبانية لِنَيل الاستقلال سَيضَع حداً لعبوديتهم، لكن اضطهادهم استَمَر مع ذلك”. في حالة شيلي، كانت الدولة نفسها هي مَن إحتل مساحات واسعة من أراضي السكان الأصليين في القرن التاسع عشر، وقام بتوطين مهاجرين من أوروبا على هذه الأراضي – بما في ذلك من سويسرا. لقد حَدَثت هناك عمليات طَرد وإبادة جماعية.

“بالنسبة لي، كان الأمر يتعلق أيضاً بإقامة العَدل والمُشاركة في تأسيس دولة تَمنَح السكان الأصليين المَزيد من الحقوق”، تقول بيريسفيل. وبصفتها مُنحدرة من مستوطنين هي أيضاً، وكشخص دَرَسَ وسافر كثيراً في العالم، فإنها تتحمل مسؤولية خاصة. وفي حال تم اعتماد الدستور الجديد، فإنه سيكون أول دستور في شيلي تمت كتابته من قبل مَندوبين مُنتخبين ديمقراطياً.

الرضا ليس عاماً

مع ذلك، تظهر استطلاعات الرأي أن 40% على الأقل من السكان سيصوتون ضد الدستور الجديد. وبالنسبة للعديد من الُنُقاّد، فإن الجوانب التي تُعَزِّز تَوَسع دولة الرفاهية الاجتماعية تذهب إلى أبعد مما ينبغي. حول ذلك، وَصَفت مجلة ‘ذي إيكونوميست’ (بالإنجليزية: The Economist) – التي تقوم سياستها التحريرية على مبادئ التجارة الحُرّة والعولمة مشروع الدستور بـ “قائمة أمنيات” عددٍ من السياسيين اليساريين يستحيل تمويلها من ميزانية الدولة.

الانتقاد يتطرق أيضاً إلى طول الدستور، الذي يُعتَبَر بمواده الـ 388 شاملٌ جداً بالمقارنة الدولية. وهنا يعلق أستاذ القانون كوزو: “حيث لم تحقق الأحزاب اليمينية أقلية مُعَطِّلة في الجمعية التأسيسية، فقد كان رَفضها للدستور الجديد واضحاً بسرعة”. وقد فاجأ الحضور الكبير للنساء والسُكان الأصليين [في الجمعية] أجزاءً كبيرة من المجتمع الذي لا يزال مُحافظاً إلى الآن.

من جهتها، انتقدت السياسية خيمينا رينكون من الحزب الديمقراطي المسيحي هذا الوَضع في برنامج حواري شيلي بالقول: “لقد قامت الأغلبية اليسارية بِفَرضِ دستور ٍعلى بقية السكان”. وبرأيها، فإن مشروع الدستور ما هو إلّا “انتقام” ولا يمكن أن يؤدي إلى المزيد من التوافق والحوار.

التغييرات في الدستور الجديد تذهب إلى أبعد مما ينبغي حتى بالنسبة للعديد من أحفاد المستوطنين السويسريين أيضاً. ولا يزال العديد من هؤلاء المستوطنين يعيشون في أراضي السكان الأصليين، ويتعرضون للتهديد أحياناً من قِبَل الجماعات المُسلحة هناك. ويصل الأمر بين الحين والآخر إلى حوادث حريق مُتَعَمَّدة لا تخلو من قتلى أحياناً. بيريسفيل من جهتها تقول ان المستوطنين: “مُحافظون وخائِفون من فُقدان الامتيازات”. وبرأي المحامية، فإن عليهم بدلاً من ذلك التَعَلُّم من عملية التحول الديمقراطي التي حدثت في أوروبا على مدى السنوات السبعين الماضية.

صناديق اقتراع
في أكتوبر 2020، نظم استفتاء شعبي في تشيلي للحسم بين كتابة دستور جديد للبلاد من عدمه، وكان الفوز فيه لخيار صياغة دستور جديد. Vanessa Rubilar Quintana

المجتمع الشيلي مُنقسم للغاية والصراع على الدستور الجديد مُشحون بالعواطف. ولا يزال من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت عناصر الديمقراطية المُباشرة سَتَجلب المَزيد من الاستقرار السياسي للبلاد على الرغم من عَدم وجود إرادة لسياسة توافقية وحكومة قائمة على الانسجام.

في الأثناء، يأمل معارضو الدستور الجديد في رَفضه في الاستفتاء الذي سيجري يوم 4 سبتمبر. وهم يعولون على لجنة من الخُبراء لكتابة مسودة دستور ثانية بعد التصويت.

من ناحية أخرى، لا يراود النائبة زاراتي أدنى شَك في رَغبة الشَعب الشيلي بالمَزيد من المشارَكة في عَمَلية صُنع القرار. وكما تقول: “لَمْ أَرَ في حياتي قَطْ مثل هذا القَدَر الكبير من الاهتمام بالعملية سياسية”. وهي مُتأكدة تماماً من قبول الناخبين للدستور الجديد. وبِصِفتها مُمَثلة لِحركة اجتماعية، فإن رؤيتها للمستقبل هي “أن يتمكن الشعب الشيلي من الإدلاء برأيه مُباشرة في العملية السياسية دون المرور بالأحزاب والسياسيين”. وعقب اعتماد الدستور الجديد، سوف يمكن إجراء الاستفتاءات على القوانين القائمة لمدة أربع سنوات. ولدى زاراتي بالفِعل خطط واضحة بهذا الصدد، حيث تقول: “سوف نشرع بجمع التوقيعات اللازمة مباشرة بعد يوم الانتخابات، فهناك عدد من القوانين التي نريد التخلص منها”.

ولو كان الأمر متروكاً لـ بيريسفيل، لكان يتعين أيضاً الاحتذاء بسويسرا من ناحية تَنَوّع وسائل الإعلام. ففي نهاية المطاف: “تتطلب الديمقراطية الفَعّالة أيضاً التَعَدُّدية في وسائل الإعلام، وهذا غير موجود حالياً في شيلي”. وفي الوقت الراهن، تنتمي أكبر الصُحُف والقنوات التلفزيونية في البلاد إلى رجال أعمال يَمينيين يُرَوِجون لِرَفض مسودة الدستور الجديد في حملات علنية إلى حَدٍ ما.

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: رينات كونتسي

كيف يُمكن إنقاذ الديمقراطية؟

يشهد العالم أزمة شاملة ومركبة تعتبر الأخطر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي تؤثّر حتما على الأنظمة الديمقراطية. فكيف يُمكن جعلها أكثر قدرة على المقاومة؟

239 تعليق
عرض المناقشة


متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية