مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل يمكن للذكاء الاصطناعي وللديمقراطية المباشرة أن يتعايشا جنباً إلى جنب؟

كلب الروبوت
كلب الروبوت، خوارزمية سويسرية جديدة، تم تدريبها على شم خطاب الكراهية عبر الإنترنت. stophatespeech.ch

يعتبر البعض أن الذكاء الاصطناعي يشكل خطراً على الديمقراطية، بينما يراه آخرون فرصة عظمى. هنا يوضح بعض الباحثين والخبراء كيف تستخدم الخوارزميات والبيانات الضخمة في سويسرا ـ وما حدود استخداماتها.

تشهد سويسرا كل ثلاثة أشهر اقتراعات. وقبل الاستفتاءات يحتدم الجدل؛ كما تصبح النبرة في كثير من الأحيان خشنة، خاصةً في الفضاء الإلكتروني. فالإهانات، والكراهية الصريحة، بل وكذلك التهديد بالقتل ليست أمراً نادراً. إنها مشكلة تمس الديمقراطية، مثلما تقول صوفي آخرمان، رئيسة أكبر اتحاد نسائي في سويسرا، والمعروف باسم “آليانس إف” (تحالف النساء”. “من الأهمية بمكان إدارة نقاشات قوية، ولكن بموضوعية. إلا أن الكراهية على الإنترنت تعوق تعدد الآراء”، كما توضح السيدة آخرمان. “إن الناس يخافون من تلقي رسائل مفعمة بالكراهية، لذلك فإنهم يؤْثرون عدم إبداء رأيهم.” فقبل الاقتراع بشأن مبادرة المبيدات ومياه الشرب عام 2021 على سبيل المثال، وصل لبعض الساسة الكثير من الرسائل الإلكترونية المحملة بالكراهية، مما جعلهم يحجمون عن الظهور علانيةً، على حد قولها. لكن هذه الظاهرة لا تقتصر على سويسرا وحدها: فعلى مستوى العالم، تزداد باطراد التصريحات بالعداء والتهديد للساسة، لا سيما إذا كانوا من النساءرابط خارجي والأقليات.

لهذه الأسباب قام اتحاد “آليانس إف” باختراع إحدى الخوارزميات الخاصة بخطاب الكراهية. واسمها “بوت دوغرابط خارجي” أو (كلب الروبوت) ذلك لإن هذه الخوارزمية تشبه الكلب في أنها تستطيع تتبع رسائل الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي وتحديد المنشورات. لاحقاً، تقوم مجموعة من المتطوعين بالرد على كل رسالة على حدها. والفكرة هي: ألا يظل خطاب الكراهية على الشبكة العنكبوتية بلا معارضة، ومن ثمَّ يمكن أن يدار الحوار بموضوعية.

لا تزال خوارزمية “بوت دوغ” في مرحلة الاختبار. لكن التجارب الأولى كانت واعدةً: فـ الباحثون من المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخرابط خارجي الذين يقومون بمصاحبة المشروع، وجدوا أن الإجابات التي تناشد التعاطف مع المعنيين بخطاب الكراهية، قد أظهرت نجاحاً خاصاً. فجمل مثل “إن منشورك يؤذي مشاعر المسلمين للغاية”، قد جعل أصحاب خطاب الكراهية يعتذرون ويحذفون منشورهم.

من المزمع أن تبدأ خوارزمية “بوت دوغ” في العمل رسمياً على الإنترنت بحلول شهر يوليو. وكل من لديه الرغبة، يمكنه المشاركة في المشروع، كما تؤكد السيدة آخرمان. وسواء كان ذلك بتقييم التعليقات ومساعدة الخوارزمية الآخذة في التعلم أن تتعرف بذلك بصورة أدق على تلك التعليقات التي تحتوي على كراهية. أو بأن يرد على خطابات الكراهية المحددة.

المزيد
رأس روبوت شبيه بالبشر

المزيد

هل الذكاء الاصطناعي بالذكاء الذي نتصوره فعلا؟

تم نشر هذا المحتوى على غالبًا ما تتخذ الحواسيب قرارات مهمّة بالنسبة لنا، فهل يجب أن نسمح لها بذلك؟ من المحتمل أن تكون الإجابة بالنفي لأن الذكاء الموجود في الآلات ليس سوى مجرد وهم.

طالع المزيدهل الذكاء الاصطناعي بالذكاء الذي نتصوره فعلا؟

التعاون بين الخوارزميات وبين الإنسان

في هذا الصدد نوضح أن خوارزمية “بوت دوغ” ليست سوى مثال على الكيفية التي من خلالها يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز الديمقراطية. ويعتقد ديرك هيلبينغ الذي يعمل كأستاذ للعلوم الاجتماعية الحاسوبية، بوجود إمكانات هائلة للديمقراطية الرقمية. وهو يذكر مثلاً الميزانية التشاركية، أي أن يتمكن المواطنين والمواطنات من اتخاذ قرار بشأن كيفية إنفاق ميزانية المدينة أو البلدية.

وفي حي فيبكينغن بمدينة زيورخ تم بالفعل اختبار هذا النهج، حيث قام السكان من خلال منصة رقمية باتخاذ قرار بشأن حدائق المدينة وإنشاء منتزه للتزلج باللوح، وإقامة مهرجان للأكلات الشعبية ـ وسيتم دعم كل مشروع بمبلغ 40000 فرنكاً.

في سياق متصل، نذكر هنا فكرة أخرى تتعلق بالديمقراطية الرقمية: حيث يمكن للمدن والأقاليم من جميع أنحاء العالم أن تشترك معاً في شبكة واحدة لإقامة مسابقة رياضية حول أفضل حلول للاقتصاد المستدام، والحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أو التعايش السلمي ـ أي أنه نوع من أولمبياد المدن. بعد ذلك تصبح الحلول والبيانات الخاصة بها مصدراً مفتوحاً، أي تصبح متاحة للجميع بالمجان، حيث يمكن أن تصبح أساساً لنماذج من الذكاء الاصطناعي. “أعتقد أننا نتجه نحو إنشاء نمط لمجتمع تشاركي رقمي”، يقول السيد هيلبينغ. أي أنه مجتمع قائم على التعاون بين الذكاء الاصطناعي وبين الإنسان. مثلما هو الحال في مشروع “بوت دوغ”، حيث تجابه إحدى الخوارزميات الكراهية في الإنترنت بالتعاون مع متطوعين.

إن الإمكانات التي يتيحها الذكاء الاصطناعي للديمقراطية المباشرة هائلة. لكن التطبيقات التي تدار بواسطة البيانات فقط “لها أيضاً قدرة تدميرية كبيرة على أنماط المجتمعات القائمة على الديمقراطية ودولة القانون وحقوق الإنسان”، كما يصرح السيد هيلبينغ.

المزيد
smartphone

المزيد

التطلع إلى الحُكم من خلال الهاتف الذكي

تم نشر هذا المحتوى على العُمّال الآليون، الذكاء الاصطناعي، السيارات ذاتية القيادة، التعهيد الجماعي، التمويل الجماعي، سلسلة الكتل، عُملة بيتكوين، الثلاجات الذكية، الثلاجات المُختَرَقة، المَساق الهائل المفتوح عبر الإنترنت (أو “موك” إختصاراً)، الكتب الإلكترونية، الطائرات المُسيَّرة (بدون طيار)، والهواتف الذكية – لا شك أن آثار الرقمنة واضحة جداً من مُجرد النظر إلى المصطلحات المُحدَّثة التي دخلت إلى اللغة الإنجليزية. وبالكاد…

طالع المزيدالتطلع إلى الحُكم من خلال الهاتف الذكي

ليست جميعها ذات أهداف نبيلة

ذلك لأن الخوارزميات تحدد باضطراد أية معلومات سوف تصلنا، وأي منتجات سوف نراها، وبأي سعر. بل إنها تحدد ما نراه من العالم وما هي المشكلات التي سنعتبرها ذات أهمية. من خلال ذلك يتم توجيه فكرنا السياسي وسلوكنا الانتخابي أيضاً، على حد قول السيد هيلبينغ. وقد ظهر هذا جلياً أثناء سباق انتخابات الرئاسة الأمريكية التي فاز بها دونالد ترامب عام 2016، حيث استخدم فريقه خوارزميات البيانات الضخمة، لوضع محتوى يتناسب مع الجمهور الذي كان يخاطبه. “لقد أمطرناهم بوابل من المدونات، والمواقع الإلكترونية، والمقالات، والفيديوهات، والدعاية، حتى رأوا العالم بالصورة التي كنا ننشدها. وحتى قاموا بانتخاب مرشحنا”، تقول بريتني كايزر في الفيلم الوثائقي الذي عرضته شبكة نتفليكس بعنوان القرصنة الكبرى، فيما يتعلق بعملها أثناء المعركة الانتخابية. لقد عملت السيدة كايزر لدى شركة كامبريدج أناليتيكا، التي قامت قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية بالسطو على 87 مليون حساباً على الفيسبوك، وأحدثت أكبر فضيحة لسرقة بيانات عرفت حتى الآن.

بصورة مشابهة، تم توجيه خطاب يستهدف الناخبين أثناء حملة الانتخابات الرئاسية الثانية لباراك أوباما عام 2012. حيث جمع فريق أوباما أكبر كمية ممكنة من البيانات وقام بإرسال رسالة شخصية لكل ناخب.

أما النسبة للمدى الذي تساهم به هذه الطرق القائمة على الذكاء الاصطناعي في نجاح هذا المرشح أو ذاك، فإنه من الصعب الجزم بها. إلا أن هيلبينغ وزملائهرابط خارجي يرون في هذه الطرق خطراً عظيماً. خاصةً تأثير الجمع بين الخطاب المُستهدِف واستخدام “البيانات الضخمة” على استحثاث سلوكنا، ومشاعرنا واهتماماتنا، مما قد يؤدي إلى نشأة سلطة شمولية، على حد قول السيد هيلبينغ. فالاستحثاث هو أحد مصطلحات علم النفس ويعني حث الناس على فعل شيء، أو دفعهم نحو اتجاه بعينه.

الذكاء الاصطناعي والصراع الانتخابي في سويسرا

جدير بالذكر أن الذكاء الاصطناعي يحتاج في المقام الأول إلى شيء واحد: بيانات. وكلما زاد ما يحصل عليه منها، كلما عمل بصورة أفضل. في سويسرا تعتبر حماية البيانات والخصوصية ثروة نفيسة. فهل من الممكن استخدام بعض هذه الوسائل في الصراع الانتخابي هنا، مثل تلك المستخدمة في الولايات المتحدة؟ هل يمكن للأحزاب السويسرية أن توجه خطابها للناخبين والناخبات باستخدام ما يعرف بالاستهداف متناهي الصغر؟

إن لوكاس ليمان الباحث في جامعة زيورخ في عدة مجالات من بينها الكيفية التي يمكن بها قياس الرأي العام باستخدام التعلم الآلي، يعتقد بأن هذا الأمر لا يمكن حدوثه في سويسرا. فليس لدينا في سويسرا وضع مشابه لذلك الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية، على حد قوله. وهذا يعود لعدة أسباب من بينها أن مثل هذه البيانات الخام التي استخدمتها الحملات الانتخابية لكل من ترامب وأوباما، غير موجودة في سويسرا. “فلديهم في الولايات المتحدة لكل مواطن ومواطنة تقريباً ملف بيانات. بينما يختلف الوضع في سويسرا عن هذا كليةً”، بحسب تصريحاته.

نشير هنا إلى عمل السيد ليمان أثناء دراسته لفترة قصيرة في إحدى شركات الموضة بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث لم تكن فقط بنوك المعلومات الخاصة بالعملاء متاحة له، أي أسماؤهم وعناوينهم وتواريخ ميلادهم، بل تمكن أيضاً من معرفة دخلهم السنوي التقديري، وعدد أطفالهم، وأي نوع من السيارات يركبون، وهل يسكنون بالإيجار أم في بيت مملوك لهم. “في الولايات المتحدة يمكن شراء مثل هذه البيانات ببساطة ويمكن استخدامها لأغراض سياسية. أما في سويسرا، فعلى حد علمي، أن مثل هذه البيانات لا تستخدم في الحملات السياسية، أو على الأقل ليس بعد”، مثلما يقول.

فهل القول الفصل هنا يكمن في كلمة “ليس بعد”؟ وهل ستطرح مثل هذه البيانات قريباً للبيع في سويسرا؟ وفقاً لتصريحات السيد هلبينغ من المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، فإن تحويل العالم كله إلى مجموعة من البيانات قد تقدم أكثر بكثير مما يدركه أغلب الناس.

وكمثال على ذلك يذكر مركز الأمن السيبراني التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، ومقره مدينة جنيف، والذي تشارك فيه منظمات وشركات من جميع أنحاء العالم، من بينها شركة أمازون، وماستركارد، وهواوي، وتيكنولوجيس. فهناك “يجري تجميع كميات هائلة من البيانات”، يقول هلبينغ. وتلك البيانات التي يتم تجميعها هناك، تستخدم بمباركة الأمم المتحدة، لعدة أسباب من بينها تطبيق أجندة 2030 للتنمية المستدامة.

“قد يحمل الأمر في طياته نية حسنة، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو، كيف سيتم التطبيق وما الذي قد يفعل بهذه البيانات عدا ذلك”، يتساءل السيد هلبينغ. “فبسبب مشاركة عدد كبير من الشركات هنا، يظل الخطر قائماً، أن تتفوق المصالح التجارية على الصالح الاجتماعي.”

المزيد من الشفافية

ختاماً، وللحيلولة دون تحول الذكاء الصناعي إلى خطر على الديمقراطي، يجب الآن بالفعل سن قوانين ولوائح، مثلما يحذر الخبراء.

إلا أن سن قواعد ناجحة يحتاج إلى معرفة دقيقة حول الكيفية التي تعمل بها الخوارزميات. وهنا تكمن المشكلة. فمنصات مثل فيسبوك تعتبر صندوقاً أسود، كما تقول أنا ميتسينر، مديرة المؤسسة السويسرية لمراقبة الخوارزميات والمعروفة باسم “لوغاريتم واتش”: “إننا لا نعلم، على وجه الدقة كيف تعمل الخوارزميات. كما أننا لا نعلم بالتحديد أي البيانات التي يتم جمعها وبشأن من.”

فالذكاء الاصطناعي المسؤول عن محتويات وسائل التواصل الاجتماعي، يعتبر سراً شديد الخفاء. ولمعرفة كيفية عمل الخوارزميات في المعارك الانتخابية، قامت مؤسسة “لوغاريتم واتش” بالتعاون مع جريدة “زود دويتشه تسايتونغ” (تصدر بالألمانية من ميونخ) بمشروع بحثيرابط خارجي. حيث دعتا مئات من المتطوعين إلى التبرع ببيانات تتعلق بحسابهم على إنستغرام، وذلك قبيل الانتخابات البرلمانية الألمانية عام 2021. فقد كان على المتطوعين متابعة حسابات جميع الأحزاب. وقد قام مكون إضافي على محرك البحث بتسجيل أين وكيف ظهرت محتويات هذه الحسابات في ملف أخبار المستخدم أو المستخدمة، ومن ثم قاموا بإرسال هذه المعلومات إلى مؤسسة “لوغاريتم واتش”.

وقد أظهرت الدراسة التحليلية ما يلي: لقد وضِعَت محتويات حزب البديل لألمانيا، اليميني المتطرف، في أعلى ملف الأخبار على منصة إنستغرام، متقدما على غيره من الأحزاب. أما السبب وراء ذلك، فلم يستطع البحث التوصل لإجابة حوله.

من الواضح أن شركة ميتا (فيسبوك سابقاً)، والتي تضم أيضاً إنستغرام، لم يرُق لها هذا البحث: إذ قامت تلك الشركة العملاقة بتهديد مؤسسة “لوغاريتم واتش”، بـ “اتخاذ خطوات رسمية”، إن ما لم يتم إيقاف المشروع. وعلى إثر ذلك أوقفت عملية التبرع بالبيانات قبل موعدها. إذن، و”طالما أن هذا النوع من البحث ليس ممكناً، فلن نستطيع التصريح بقولٍ معمق حول أثر المحتويات التي تمر عبر الذكاء الاصطناعي إلى المنصات المختلفة على المجتمع، وخاصة على تكوين الرأي السياسي، وبالتالي بصورة مباشرة جداً على الديمقراطية”، بحسب ما تعتقده السيدة ميتسنر.

المزيد
لوحة تعرض رسما قديما

المزيد

الاسم الرمزي: “كابيل3.0 “. هل يتم التحكم في عقلك؟

تم نشر هذا المحتوى على الباحثة فيرينا تريد ضمان انتخابات متوازنة في سويسرا. ولكن عندما يتعرض مشروعها الجديد للذكاء الاصطناعي لانتقادات شديدة، فإنها تفهم ما هو على المحك.

طالع المزيدالاسم الرمزي: “كابيل3.0 “. هل يتم التحكم في عقلك؟

تحرير سابرينا فايس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية