خبراء القانون في سويسرا منقسمون بشأن ختان الذكور
أدى القرار الذي اتخذته اثنتان من المؤسسات الإستشفائية في سويسرا بتعليق ممارسة ختان الأطفال في أعقاب قرار معارض لهذه الممارسة اتخذته محكمة في المانيا، الى إثارة نقاش حاد بين خبراء القانون في سويسرا.
وكان مستشفيا الأطفال في كانتونيْ زيورخ وسانت غالن قد أعلنا التوقّف عن القيام بهذه العمليات بعد قرار محكمة مقاطعة كولونيا الألمانية في الشهر الماضي، والتي اعتبرت بأن عملية الختان الديني قد ترقى الى مستوى التشويه الجسدي الذي قد يُعاقب عليه القانون الجنائي.
وقال الناطق باسم مستشفى الأطفال في زيورخ: “إننا لا نقوم إلا بعملية او عمليتيْ ختان في الشهر، لذلك بإمكاننا اتخاذ الوقت الكافي لتقييم الأوضاع واتخاذ القرار المناسب”، مضيفا بأن “الختان لأسباب طبية سوف لن يتأثر بقرار التعليق المؤقت”. وأوضح: “بأننا نتابع تقييم الأوضاع القانونية في سويسرا، كما نقيم المتطلبات الأخلاقية والمهنية، إذ هناك بعض الحالات المعقدة التي تطالب فيها والدة الطفل بإخضاعه للختان، لكن الوالد يرفض ذلك”.
لكن الطوائف الدينية في سويسرا، بما في ذلك الطائفة اليهودية والطائفة المسلمة اللتان تعتبران الختان تقليدا دينيا، قد أدانت قرار المستشفييْن، واعتبرته مساسا بحرية الدين والمعتقد. وقال مارسيل نيغللي استاذ القانون الجنائي بجامعة فريبورغ في حديث ل swissinfo.ch: “بأن ردود فعل المستشفيين كان مبالغا فيها”، وتساءل لماذا تم إصدار هذا القرار في رد فعل على حكم قضائي اتُخذ في المانيا، وسوف لن يكون له أي تأثير قانوني في سويسرا.
وأضاف: “حتى لو أن القوانين في ألمانيا وسويسرا متشابهة وأنها تقوم على اساس مبدأ أن الإجراءات الطبية يجب الا تُلحق ضررا بصحة الشخص الذي تمارس عليه، فإن قرار محكمة ألمانيا ليس أهم بالنسبة لسويسرا من قرار يُتخذ في الصين او في الارجنتين”، على حد قوله. لكن البروفسور مارتين كيلياس، المتخصص في علم الإجرام بجامعة زيورخ فيقول بأن قرار المحكمة الألمانية “لم يكن إلا النقطة التي استفزّت النقاش الذي ظل كامنا لفترة”. وقال: “المستشفيان اتخذا القرار الصحيح بتعليق عمليات الختان” .
وقال كيلياس في حديثه ل swissinfo.ch: “اعتقد أن القرار سيفتح النقاش من جديد، وأن هناك العديد من النقاط التي يجب مراعاتها. إذ بغض النظر عن القانون الجنائي، هناك تساؤل عما إذا كانت المستشفيات ترغب في مواصلة القيام بهذه الممارسات؟ ويمكنني تصور بأن المستشفيات قد تجيب بانه من وجهة نظرنا، هذا يمثل انتهاكا لمعايير أخلاقيات مهنة الطب”.
فوائد صحية؟
على الرغم من كون الختان المطبق تقليديا يمثل جانبا من القناعات الدينية، أظهرت العديد من الدراسات التي أُنجزت في السنوات الأخيرة بأن هذه العملية قد تكون لها فوائد صحية أيضا. فقد قالت منظمة الصحة العالمية: ” أنها تقوم بجمع دلائل تشير الى أن ختان الذكور يعمل على تخفيض إمكانية الإصابة بأمراض نقص المناعة المكتسبة لدى الذين يمارسون الجنس بين جنسين مختلفين بنسبة 60%، وأنها تعمل على الترويج لبرنامج ختان الذكور البالغين في افريقيا للوقاية من الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة.
وقال نيغللي: “بإمكانكم الوقوف من خلال الدراسات التي تمت على أن عملية الختان تُحسِّن من الوضع الصحي للأشخاص المعنيين، فهم يمثلون أقل قابلية للإصابة ببعض الأمراض المنقولة. وهي لا تعمل على تعريض حياة الشخص للخطر مقارنة مع عملية ختان الفتيات”
وقال إذا ما تم الحكم على أن الختان قد يرقى الى مستوى الإصابة بجروح لأغراض لا تعمل على تحسين الوضع الصحي للشخص، فيمكن قول نفس الشيء بالنسبة للعمليات التجميلية التي تتطلب عمليات جراحية. وأضاف نيغللي: “إنني أستغرب من أن يكون بإمكانك القيام بما ترغب فيه مالم يكن ما تقوم به يكتسي طابعا دينيا”.
لكن كيلياس قال: “إن الأمر يعود للمريض لكي يحدد ما إذا كانت العمليات التجميلية لها تأثيرات نفسية مباشرة، لذلك لا ارى في هذه الظروف كيف أن عمليات تجميلية قد تخلق مشكلة قانونية من منظور القانون الجنائي”.
حقوق متعارضة
ويرى كيلياس أنه على الرغم من كونه ليس خبيرا طبيا ، فإنه يعتبر بأن مسألة التبرير الصحي لعملية الختان، تثير الجدل. وقال إن النقطة الرئيسية في النقاش هي أن الطفل ليس في وضعية تسمح له باتخاذ القرار بنفسه حول ما إذا كان يقبل الخضوع للعملية من منظور ديني او تجميلي.
إذ يقول: “لو كانت عملية الختان تتم عند بلوغ الطفل السادسة عشرة أي سن اتخاذ قرار تقرير مصيره من حيث التوجه الديني، عندها لن يطرح أحد هذا النقاش. لكن العملية تطبق على أطفال في سن مبكرة، وهو ما يدفعني لاعتبار أن هناك تعارضا لا محالة بين حقوق الطفل، وحق حرية الدين، والمعتقد للوالدين”.
ويقدم نيغللي دلائل على أن الوالدين ملزمين بحقوق وواجبات تفرض عليهما العمل لصالح مصلحة طفلهما. ومن ضمن ذلك اتخاذ قرار الختان نيابة عن الطفل. لأن عملية الختان عملية بسيطة، ولا تعمل على تعريض حياة الطفل للخطر، وهو ما تظهره الإحصائيات التي تشير الى أن العملية تحسن الأوضاع الصحية”.
اما فيما يتعلق بمسالة حرية الدين والمعتقد، فيشير كيلياس الى أن التاريخ علمنا بأن المعتقدات في الأديان المختلفة عرفت تطورا وتغيرات على مر الأجيال، وأنه يجب تشجيع ذلك فيما يتعلق بقضية الختان أيضا. وقال “إن من حق المجتمعات الديمقراطية و المتفتحة أن تفرض بعض المعايير والقيم، وهذا ما نفعله بدوافع أخرى. فقد اصبحنا نجرِّم أكثر فأكثر العقاب البدني للأطفال، ولكن ما يصعب علي قبوله هو أن احترام القانون الجنائي هو الذي سيحمي الطفل بينما لا نبالي بالمرة بهذا التشويه الدائم لأعضائه التناسلية”.
قالت محكمة كولونيا الالمانية في قضية طفل نقل الى الطبيب في وضعية نزيف بعد تعرضه لعملية ختان، إن هذه الممارسة تعمل على إلحاق أضرار جسدية ويجب ألا تطبق على أطفال صغار السن بل على ذكور كبار بإمكانهم اتخاذ قرارهم بأنفسهم.
وسارع سياسيون وممثلو مختلف الطوائف الدينية في ألمانيا الى مطالبة الحكومة بإصدار قانون يضمن باستمرارعملية الختان بدوافع دينية في البلاد بدون التخوف من التعرض للعقاب. وقال ناطق باسم المستشارة الألمانية انجيلا ميركل بأن الحكومة ستتحرك قريبا لتبديد هذه المخاوف التي أحدثها قرار المحكمة.
قال ستشفان سيبرت الناطق باسم ميركل “إن الأمور واضحة بالنسبة للكل في الحكومة من اننا نرغب في ان تكون لدينا في ألمانيا حياة دينية يهودية ومسلمة. وإن تطبق عمليات ختان بطريقة مسؤولة يجب ان يستمر إمكانية تطبيقها في هذا البلد بدون التعرض لعقاب”.
وفي اعقاب اتخاذ المحكمة لهذا القرار في شهر يونيو، سارعت مستشفيات في النمسا وسويسرا الى اتخاذ قرار تعليق تطبيق عمليات الختان، في انتظار القيام بتقييم من الناحية القانونية والأخلاقية.
تقضي الطقوس الدينية اليهودية بضرورة ختان الأطفال ابتداء من بلوغهم اليوم الثامن بعد الولادة. ويعتبر اليهود أن الختام امتثال لأمر من الخالق.
وفي الإسلام تمارس عملية الختان على نطاق واسع ولكن السن التي تتم فيه تختلف باختلاف المذهب. وتعود لتعاليم النبيين إبراهيم ومحمد ولكنها ليست مذكورة في القرآن.
تساهم عملية الختان الطبي للذكور في التقليل من أخطار نقل مرض نقص المناعة المكتسب إيدز او السيدا من المرأة للرجل بحوالي 60%.
وقد أوصت كل من منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز بعملية الختان الطوعي للذكور كاستراتيجية إضافية هامة للوقاية من مرض نقص المناعة المكتسب وبالأخص في المناطق التي تكثر فيها حالات الإصابة بالمرض وتقل فيها عمليات ختان الذكور.
وقد شرعت اربعة عشر دولة في شرق وغرب افريقيا في تطبيق برامج لتعميم عملية ختان الذكور.
عملية الختان الطبي تعمل على اقتصاد نفقات العلاج من مرض نقص المناعة المكتسب لدى مصابين جدد، وعلي تخفيض عدد الأشخاص المحتجين الى العلاج من مرض الإيدز.
كما أن عملية ختان الذكور تؤمّن للشخص مدى الحياة وقاية جزئية من مرض الإيدز، وكذلك من أمراض منقولة جنسيا. ويجب النظر لذلك على أنه جزء من حزمة الإجراءات الوقائية من مرض الإيدز ويجب اعتمادها الى جانب باقي إجراءات الوقاية الأخرى.
(نقله من الإنجليزية وعالجه محمد شريف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.