
أدلة بصرية تقلب رواية إسرائيل الرسمية حول هجوم مميت على مستشفى بغزة

من معيان لوبيل وديفيد جوتييه-فيلار ولينا مصري ونضال المغربي وريد ليفينسون وإم.بي بيل وميلان بافيتشيتش
(رويترز) – يتعارض تحليل أدلة بصرية أجرته رويترز ومعلومات أخرى تتعلق بهجوم شنته إسرائيل على مستشفى في غزة الشهر الماضي مع التفسير الإسرائيلي لما حدث في الغارة التي سقط فيها قتلى.
أسفر الهجوم على مستشفى ناصر في 25 أغسطس آب عن مقتل 22 شخصا، بينهم خمسة صحفيين. وقال مسؤول عسكري إن القوات الإسرائيلية خططت للهجوم باستخدام مقاطع التقطتها طائرة مسيرة أظهرت وجود كاميرا تابعة لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) كانت هي الهدف من الغارة. لكن الأدلة البصرية وغيرها من التقارير الخاصة برويترز تثبت أن الكاميرا الظاهرة في اللقطات تعود في الواقع إلى وكالة الأنباء وكان يستخدمها أحد صحفييها منذ فترة طويلة.
ويقول المسؤول العسكري الإسرائيلي الآن إن القوات تصرفت دون الحصول على موافقة القائد الكبير المسؤول عن العمليات في غزة. وأبلغ المسؤول رويترز عن هذا التجاوز بعد أن قدمت وكالة الأنباء نتائج تحقيقها إلى الجيش الإسرائيلي.
وبعد يوم واحد من قصف الدبابات الإسرائيلية لمستشفى ناصر، قال المسؤول إن المراجعة الأولية التي أجراها الجيش خلصت إلى أن القوات استهدفت كاميرا تابعة لحماس لأنها كانت تصورهم من المستشفى. وأضاف أن القوات انتابتها الريبة حيال الكاميرا لأنها كانت مغطاة بمنشفة، حينها اتخذ قرار بتدميرها.
وتظهر لقطة شاشة مأخوذة من لقطات تم تصويرها بطائرة مسيرة تابعة للجيش الإسرائيلي الكاميرا المغطاة بقطعة قماش ذات لونين على درج المستشفى. وأكد المسؤول العسكري لرويترز الأسبوع الماضي أن الكاميرا المغطاة بقطعة قماش كانت هي الهدف.
وخلص تحقيق رويترز إلى أن قطعة القماش التي تظهر في اللقطة لم تضعها حماس هناك. لقد كانت سجادة صلاة صحفي رويترز حسام المصري، الذي قتل في الهجوم. وكان المصري قد وضع كاميرته 35 مرة على الأقل منذ مايو أيار على نفس الدرج في مستشفى ناصر في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، لنقل البث الحي لعملاء رويترز الإعلاميين في جميع أنحاء العالم. ولطالما غطى كاميرته بسجادة الصلاة ذات اللونين الأخضر والأبيض لحمايتها من الحرارة والغبار.
ويقدم تحقيق رويترز الرواية الأشمل حتى الآن لتطورات الهجوم بما في ذلك تجاوز القوات الإسرائيلية لتسلسل القيادة، وأكدت رويترز بشكل قاطع أن الكاميرا المستهدفة كانت تابعة لها.
وفي وقت سابق ذكرت وكالة أسوشيتد برس، التي فقدت أحد صحفييها في هجوم المستشفى، أنها وجدت أدلة قوية على أن الكاميرا التي وصفتها القوات الإسرائيلية بأنها هدف الهجوم كانت لرويترز.
ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هجوم المستشفى بأنه “حادث مأساوي”. وقال مسؤول عسكري لرويترز إن المصري والصحفيين الآخرين الموجودين لم يكونوا هدف الهجوم ولم يشتبه في صلتهم بحماس.
وقال إسماعيل الثوابتة مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة والذي تديره حماس إن ما قاله الجيش الإسرائيلي عن أن الحركة كانت تصور القوات الإسرائيلية من مستشفى ناصر “ادعاء باطل يفتقر إلى أي دليل، ويهدف للتملص من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن مجزرة مكتملة الأركان”.
ورغم هذه الأمور التي تم الكشف عنها، ومرور شهر على الهجوم، لم يقدم الجيش الإسرائيلي شرحا وافيا لكيفية تطور الأمر ليصل إلى استهداف كاميرا رويترز ومقتل حسام المصري. كما لم يوضح الجيش الإسرائيلي بعد:
* لماذا لم يحذر طاقم المستشفى أو رويترز من نيته قصفالمستشفى؟ * ولماذا بعد إصابة الكاميرا في هجومه الأول، قصف الجيش الدرجمرة أخرى بعد تسع دقائق، مما أسفر عن مقتل صحفيين آخرين ومسعفينهرعوا إلى الموقع؟ * وما إذا كان قد أخذ في الاعتبار أن درج المستشفى الذي كانالمصري يصور منه وقت مقتله كان مكانا يستخدمه العديد من الصحفيينبانتظام لتسجيل اللقطات وإعداد التقارير خلال الحرب؟ * ومن وافق على الضربة؟ لم يفصح المسؤول العسكري عن الجهة التيأصدرت الأمر بالهجوم، على الرغم من عدم موافقة قائد المنطقة. إن غياب أي تفسير كامل لما حدث في مستشفى ناصر يمثل نمطا متبعا في الهجمات العسكرية الإسرائيلية التي أودت بحياة صحفيين منذ أن شنت إسرائيل هجومها المستمر منذ قرابة العامين بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023.
وتقول لجنة حماية الصحفيين إنها وثقت مقتل 201 صحفي وعامل في مجال الإعلام في غزة وإسرائيل ولبنان، حيث امتدت الحرب بعد وقت قصير من الهجوم الأولي. ويشمل هذا العدد 193 فلسطينيا قتلوا بنيران إسرائيلية في غزة، وستة قتلوا على يد إسرائيل في لبنان، وإسرائيليين اثنين قتلا في هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول.
وأفادت لجنة حماية الصحفيين بأن إسرائيل لم تنشر مطلقا نتائج أي تحقيق رسمي ولم تحاسب أي أحد على مقتل الصحفيين بنيران الجيش الإسرائيلي. وقالت سارة القضاة المديرة الإقليمية للجنة حماية الصحفيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إنه بالإضافة إلى ذلك، لم تدفع أي من هذه الوقائع إلى مراجعة جادة لقواعد الاشتباك الإسرائيلية ولم يؤد التنديد الدولي إلى أي تغيير في نمط الهجمات على الصحفيين خلال العامين الماضيين.
وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي “يعمل الجيش الإسرائيلي على الحد قدر الإمكان من تعرض المدنيين للأذى، بمن فيهم الصحفيون”. وأضاف “نظرا لاستمرار تبادل إطلاق النار، فإن البقاء في منطقة قتال نشط ينطوي على مخاطر بطبيعة الحال. يوجه الجيش الإسرائيلي ضرباته فقط نحو الأهداف العسكرية والعناصر العسكرية ولا يستهدف المدنيين أو الأهداف المدنية، بمن فيهم المؤسسات الإعلامية والصحفيون”.
* كاميرا في مرمى النيران
في فحصها لهجوم القوات الإسرائيلية في 25 أغسطس آب، راجعت رويترز أكثر من 100 مقطع فيديو وصورة من مكان الحادث، وأجرت مقابلات مع أكثر من 20 شخصا على دراية بالهجوم والأحداث التي سبقت وقوعه.
ومن بين تلك المصادر مسؤولان عسكريان إسرائيليان واثنان من الأكاديميين العسكريين الإسرائيليين اطلعا على الواقعة من مصادر عسكرية إسرائيلية.
في المجمل، قتل 22 شخصا في الضربتين من بينهم الصحفية مريم أبو دقة التي عملت لصالح أسوشيتد برس ووكالات أخرى ومعاذ أبو طه، وهو صحفي مستقل عمل مع عدة مؤسسات إخبارية من بينها رويترز. وكانت مريم والمصري من بين عدد من الصحفيين يتجمعون بشكل روتيني للتسجيل من مكان مرتفع وإعداد تقارير من منطقة خان يونس في غزة. وصور المصري في بثه المباشر الغارات الإسرائيلية وسيارات الإسعاف وهي تنقل الجرحى والقتلى إلى المستشفى، والدمار الذي لحق بالمنطقة المحيطة.
ونقلا عن التحقيق الأولي للجيش، قال المسؤول العسكري الإسرائيلي والأكاديميان العسكريان إنه قبل أيام قليلة من قصف 25 أغسطس آب، التقطت طائرة استطلاع مسيرة للجيش الإسرائيلي كاميرا في الطابق العلوي من الدرج الشرقي لمستشفى ناصر.
وقالوا إن الجنود حددوا الكاميرا على أنها تهديد لأن حماس تستخدم الكاميرات للتخطيط لهجمات. وردا على سؤال حول ما إذا كانت الحركة تستخدم الكاميرات، قال المسؤول في حماس إنها تفعل ذلك لتوثيق هجماتها على الجنود الإسرائيليين.
وتظهر لقطة شاشة مأخوذة من طائرة مسيرة قطعة قماش سميكة ذات لونين ملفوفة فوق الكاميرا. ويجلس خلفها شخص يرتدي غطاء رأس أبيض وملابس داكنة. ونشرت القناة 12 الإخبارية الإسرائيلية لقطة الشاشة لأول مرة في 25 أغسطس آب وقالت في ذلك الوقت إنها رصدت الكاميرا “التي عرضت قواتنا للخطر”.
وحصلت رويترز على لقطة الشاشة من رفائيل حيون، وهو مواطن إسرائيلي يقول إنه يراقب الوضع في غزة ولديه اتصالات على الأرض. وقال حيون إن لقطات الطائرة المسيرة التقطت حوالي الساعة 2:15 بعد ظهر يوم 21 أغسطس آب. وفي ذلك اليوم، وضع المصري كاميرا للتصوير من درج المستشفى بشكل متواصل بين الثامنة صباحا والساعة 6:14 مساء، وفقا لأرشيف رويترز للمقاطع المصورة.
ورفض حيون تحديد مصدر لقطة الشاشة أو كيفية حصوله عليها. لكن المسؤول العسكري الإسرائيلي أكد أنها مأخوذة من لقطات طائرة مسيرة سجلتها القوات الإسرائيلية قبل هجوم 25 أغسطس آب وتظهر الكاميرا التي استهدفتها القوات في القصف. ولم يقدم المسؤول، الذي قال إن معلوماته مستقاة من التحقيق الأولي للجيش الإسرائيلي، التاريخ الدقيق للقطة الشاشة لكنه قال إن الكاميرا شوهدت “مرارا لعدة أيام متتالية”.
وقال المسؤول العسكري الإسرائيلي لرويترز في 16 سبتمبر أيلول “الكاميرا التي ظهرت في الصورة هي التي هاجموها”.
* مسيرة ودرج وسجادة صلاة
أصبحت قطعة القماش التي تغطي كاميرا المصري محور اهتمام بعد الهجوم، أولا لأن الإسرائيليين أشاروا إليها كمبرر الضربة وثانيا لأنها قدمت الدليل الذي يبين لمن تعود الكاميرا.
في اليوم التالي للهجوم، أشار المسؤول العسكري الإسرائيلي إلى قطعة القماش على أنها “منشفة” وقال إن القوات ارتابت في أمرها.
وقال المسؤول إن المناشف يمكن استخدامها للتحايل على أجهزة الاستشعار الحرارية وأعمال المراقبة البصرية من السماء التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي. وأضاف أن القوات شاهدت “الكثير من السلوك المريب الذي تم تتبعه لأيام ومقارنته بالمعلومات الاستخبارية”، دون تقديم المزيد من التفاصيل.
إلا أن رويترز خلصت إلى أن قطعة القماش التي تغطي الكاميرا في لقطة الشاشة لم تكن منشفة بل سجادة صلاة المصري ذات اللونين الأخضر والأبيض. وظهرت في صورة التقطتها مريم أبو دقة في 13 أغسطس آب. وأظهرت الصورة، التي التقطتها مريم، المصري وهو يقف بجانب الكاميرا بنفس الدرج الذي استهدفه الجيش الإسرائيلي في المستشفى.
وأفاد ثلاثة من أعضاء فريق التصوير في رويترز بأن المصري اعتاد تغطية الكاميرا لحماية العدسات والإلكترونيات الخاصة بالمعدات من الحرارة الحارقة في غزة خلال شهر أغسطس آب. وقال عز الدين المصري شقيق مصور رويترز إنه غالبا ما كان يستخدم سجادة الصلاة لسماكة قماشها. وقال متحدث باسم رويترز إن إسرائيل لم تطلب من الوكالة عدم تغطية الكاميرا بمنشفة أو قطعة قماش أخرى.
وقال شهود إن الكاميرا في لقطة الشاشة لا يمكن أن تكون سوى كاميرا المصري. فلم يكن هناك في الأشهر القليلة الماضية أحد غيره يستخدم كاميرا فيديو كبيرة على حامل ثلاثي القوائم للتسجيل أو يغطي المعدات بسجادة الصلاة. وأضاف الشهود إن الصحفيين الآخرين يستخدمون الهواتف المحمولة.
وقال المسؤول العسكري إن ما زاد من شكوك الجيش الإسرائيلي حول الكاميرا وموقعها هو أن القوات شاهدت “منشفة” أخرى تغطي رأس شخص على مقربة.
في لقطة الشاشة المأخوذة من لقطات مسيرة الجيش الإسرائيلي، التي تظهر هدف القوات، يظهر شخص جالس بالقرب من الكاميرا بملابس داكنة وما يبدو أنه غطاء رأس أبيض. ويبدو أن هذا الشخص هو مريم أبو دقة في زي مشابه لما شوهدت به في أربع صور أخرى التقطت في الموقع نفسه، بما في ذلك صورة تعود ليوم 16 أغسطس آب وأخرى من يوم الهجوم.
في 21 أغسطس آب، وهو اليوم الذي سجلت فيه المسيرة اللقطات، كانت مريم تستخدم هاتفها لتسجيل بث مباشر من الدرج لصالح وكالة أسوشيتد برس.
وتعرف الصحفي برويترز محمد سالم، الذي غادر غزة في وقت سابق من هذا العام ويعرف مريم جيدا، على الشخص الذي ظهر في لقطة الشاشة وقال إنها مراسلة أسوشيتد برس. وقال سالم إنه تعرف على حجابها. كما أن المصري كان قد أخبر سالم أن مريم تسجل بالقرب منه على الدرج قبل أيام قليلة من الهجوم.
عندما قتل المصري في 25 أغسطس آب، كان يسجل من على درج المستشفى لساعتين تقريبا. ووضع الكاميرا في الطابق الرابع لنقل بث حي للمنطقة كما كان يفعل بشكل روتيني طوال الشهر. وقال سالم إن المكان المرتفع كان يسمح برؤية أفضل وإمكانية الوصول إلى الكهرباء واتصال أقوى بالإنترنت. ومن على الدرج، سجلت الكاميرا محيط المستشفى بما في ذلك الشارع المزدحم أمامه.
* مركز للصحفيين
يقول سالم “كنا نعتقد أن المستشفى آمن نسبيا، خاصة وأن الجميع يعرفون أن هناك صحفيين في هذا المكان ويستخدمونه بشكل يومي”.
وذكر المتحدث باسم رويترز أنه في الأيام الأولى للحرب، أوضحت الوكالة للجيش الإسرائيلي مواقع طواقمها في غزة ومنها مستشفى ناصر في محاولة لضمان عدم استهدافهم. لكن بعد مقتل كثير من الصحفيين في غارات الجيش الإسرائيلي، توقفت رويترز عن إعطاء إحداثيات دقيقة.
وقال المتحدث “ومع ذلك، إسرائيل على علم تام بأن رويترز وعددا من المؤسسات الإخبارية الأخرى تعمل من مستشفى ناصر، الذي كان أحد المراكز الرئيسية للتغطية من غزة”.
وقال شهود إن الجيش الإسرائيلي نشر طائرات مسيرة في السماء طوال فترة الهجوم. وقبل حوالي 40 دقيقة من الضربة الأولى بالدبابة، كان مصور رويترز حاتم خالد خارج المستشفى. وأرسل رسالة إلى زملائه في خان يونس على واتساب “كواد كوبتر الآن، بالضبط فوق مستشفى ناصر”.
في الساعة 10:12 صباحا، أي بعد حوالي أربع دقائق من الهجوم الأول، سجل الصحفي المستقل خالد شعث لقطات لطائرة مسيرة رباعية تحلق فوق المستشفى.
وقال أحمد أبو عبيد، وهو طبيب في قسم الطب الشرعي بمستشفى ناصر وأصيب في الضربة الثانية، إن المسيرة حلقت في الهواء بالقرب من مدخل المستشفى لأكثر من 10 دقائق. وأضاف أبو عبيد لرويترز “كانت تسجل وتصورنا وترى أننا جميعا أطباء ودفاع مدني وممرضون وصحفيون… لذلك رأونا وقرروا استهدافنا”.
وذكر أن بعض القتلى والمصابين في الهجوم كانوا في الطابق الأرضي، أي عدة طوابق تحت مكان سقوط قذائف الدبابات، وأصيبوا بشظايا.
واستهدفت القوات الإسرائيلية مرارا المستشفيات في غزة قائلة إن حماس تعمل من خلالها، وهو ما تنفيه الحركة.
وقال باحثان قانونيان لرويترز إن الهجمات على المستشفيات عادة ما تعد جرائم حرب. وأوضح توم دانينباوم الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة ستانفورد أن هناك استثناء محدودا عندما يستخدم المستشفى في “نشاط ضار بالعدو”.
وتابع قائلا إنه حتى عند تحقق هذا الاستثناء، يجب على المهاجمين التأكد من أن الضرر المتوقع على المدنيين ليس مفرطا مقارنة بالمكاسب العسكرية، ويجب عليهم أولا إعطاء إنذار للسماح للطرف الآخر بالتوقف عن إساءة استخدام المستشفى وإتاحة وقت معقول للامتثال.
وقال محمد صقر رئيس قسم التمريض في مستشفى ناصر إن الجيش الإسرائيلي لديه أرقام هواتف العاملين بالمستشفى وإنه يتصل دوريا بمدير المستشفى للسؤال عن عدد المرضى والإمدادات. وأضاف أن المستشفى لم يتلق تحذيرا من الهجوم.
وقال صقر لرويترز عبر رسالة نصية “لو كانوا حذرونا كنا منعنا هذه الكارثة”. وأكد المتحدث باسم رويترز أن الوكالة لم تتلق تحذيرا من الهجوم.
* قتل دون أسباب
ينضم المصري (49 عاما) ومريم أبو دقة (33 عاما) وثلاثة آخرون سقطوا قتلى في هجوم 25 أغسطس آب إلى قائمة طويلة من الصحفيين الذين قتلوا خلال الحملة العسكرية الإسرائيلية في أثناء تأدية عملهم وفي ظروف نادرا ما قدم الجيش الإسرائيلي توضيحات لملابساتها.
ولم تتلق رويترز حتى الآن تفسيرا لسبب إطلاق دبابة إسرائيلية في أكتوبر تشرين الأول 2023 قذيفتين على مجموعة أمكن بوضوح معرفة أنهم صحفيون في لبنان كانوا يصورون قصفا عبر الحدود.
وأدت القذيفتان إلى مقتل صحفي رويترز عصام العبدالله وإصابة ستة صحفيين آخرين. وقال مسؤول في الجيش الإسرائيلي لرويترز الأسبوع الماضي إن القضية لا تزال قيد الفحص بعد مرور ما يقرب من عامين على الهجوم.
وامتدت الأعمال القتالية إلى الحدود الإسرائيلية اللبنانية عندما بدأ حزب الله بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، وذلك بعد وقت قصير من هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023.
تعود قائمة عمليات قتل الجيش الإسرائيلي لصحفيين دون تقديم أسباب إلى ما قبل حرب غزة.
ففي مايو أيار 2022، قتلت مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة التي كانت ترتدي سترة مكتوبا عليها بوضوح كلمة صحافة في أثناء تغطيتها لمداهمة للجيش الإسرائيلي في مدينة جنين بالضفة الغربية.
وقالت السلطات الإسرائيلية في البداية إن مسلحين فلسطينيين على الأرجح هم المسؤولون عن الواقعة، ثم خلص الجيش الإسرائيلي لاحقا إلى أن هناك “احتمالا كبيرا” بأن تكون المواطنة الفلسطينية الأمريكية “أصيبت بنيران الجيش الإسرائيلي عن طريق الخطأ”، وقال الجيش الإسرائيلي آنذاك إنه لن يفتح تحقيقا جنائيا.
ونددت قناة الجزيرة في مايو أيار 2023 بمقتل مراسلتها ووصفته بأنه “الجريمة البشعة التي يراد من خلالها منع الإعلام من أداء رسالته”. وذكر متحدث عسكري لشبكة (سي.إن.إن) أن الجيش الإسرائيلي “يأسف بشدة” لمقتل شيرين. ولم يقدم الجيش الإسرائيلي رواية كاملة عن كيفية مقتلها.
وبعد مقتل العبدالله وشيرين، نفت إسرائيل إن تكون قواتها تستهدف الصحفيين عمدا.
لكن بيانات لجنة حماية الصحفيين تشير إلى أن إسرائيل اتهمت ما لا يقل عن 15 صحفيا وإعلاميا قتلتهم في قطاع غزة ولبنان منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 بأنهم أعضاء في جماعات مسلحة. وقالت اللجنة إنها لم ترصد حالة واحدة قدمت فيها إسرائيل أدلة موثوقة أو كافية لتبرير عمليات القتل.
ونفى المسؤول العسكري الذي تحدث إلى رويترز وصحفيين آخرين في اليوم التالي للهجوم على مستشفى ناصر مرارا استهداف الجيش الإسرائيلي لصحفيي رويترز وأسوشيتد برس. وقال “إنهما جزء كبير من السبب في أننا نحقق في هذا الحادث… لم تكن هناك نية لإيذائهما”.
وفي اليوم نفسه، نشر الجيش الإسرائيلي أسماء ستة رجال قال إنهم “إرهابيون” قتلوا في القصف على المستشفى، دون تقديم دليل.
وقال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة إن أحد الرجال الذين وردت أسماءهم في قائمة الجيش الإسرائيلي هو عمر أبو تيم، وقتل في مكان آخر وليس في هجوم 25 أغسطس آب.
وجاء في بيان صادر عن الدفاع المدني الفلسطيني إن أحد القتلى من كوادره. وتعرفت عليه رويترز في لقطات من 25 أغسطس آب يظهر فيها وهو يهرع إلى أعلى الدرج بعد الهجوم الأول ويساعد في توجيه طاقم الاستجابة للطوارئ. وبعد الهجوم الثاني، أمكن رؤية جثته تتدلى من حافة الطابق الرابع.
أما الرجل الثالث الذي أدرج الجيش الإسرائيلي اسمه في قائمة القتلى فهو أحد أفراد طاقم المستشفى، وفقا لمنشور على صفحة مستشفى ناصر على فيسبوك.
وكان رجلان آخران يزوران مرضى في المستشفى ويشاركان في جهود الإنقاذ عندما قتلا في الغارة الثانية، وفقا لأفراد أسرتيهما الذين قالوا إن الرجلين لا ينتميان لجماعات مسلحة.
ولم يتسن لرويترز العثور على تفاصيل عن الرجل السادس باستثناء تأكيد مقتله في هجوم 25 أغسطس آب.
* تجاوز تسلسل القيادة
في اليوم التالي للهجوم، قال المسؤول العسكري الإسرائيلي الذي تحدث إلى رويترز إن القوات التي كانت تنفذ عمليات قرب مستشفى ناصر رصدت كاميرا موجهة نحوهم في الأيام التي سبقت الهجوم وإنه تمت الموافقة على اتخاذ إجراءات “للقضاء على التهديد”. وفي بيان منفصل صدر في اليوم نفسه، قال الجيش الإسرائيلي إن القوات المشاركة في الهجوم تنتمي إلى لواء جولاني.
والتقطت تسجيلات المصري من قطاع غزة مجموعة واسعة من المشاهد أمام مستشفى ناصر، وأظهر بعضها أنشطة عسكرية على مسافة بعيدة.
في يومي 20 و21 أغسطس آب على سبيل المثال، التقطت الكاميرا حفارات وجرافة إسرائيلية تقوم بأعمال حفر في منطقة مهدمة على بعد 2.4 كيلومتر شمال شرقي المستشفى. وتظهر صور الأقمار الصناعية للمنطقة في هذين اليومين المعدات محاطة بخمس دبابات على الأقل لا يمكن تمييزها في لقطات المصري.
وقال المسؤول العسكري الإسرائيلي لرويترز إن القوات حددت هدف الهجوم بشكل صحيح، مشيرا إلى المراجعة الأولية التي أجراها الجيش الإسرائيلي لواقعة 25 أغسطس آب. ومع ذلك، ذكر المسؤول أن الجيش الإسرائيلي بدأ فحصا دقيقا للأخطاء المحتملة التي ارتكبت في شن الهجوم.
وأضاف “نبحث في هذا الحادث لفهم الخطأ الذي حدث في عملية التنفيذ والتحرك ضد هدف حقيقي كان يهدد القوات”.
وخلصت رويترز إلى حدوث تجاوز في تسلسل القيادة ضمن الإخفاقات.
وقال المسؤول العسكري إن قواعد الجيش الإسرائيلي تتطلب موافقة مسؤول برتبة كبيرة قبل إطلاق النار على هدف مدني إذا لم تكن القوات تتعرض للهجوم. وفي حالة مستشفى ناصر، كان على القوات الميدانية أن تحصل على موافقة من قائد القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي التي تتولى المسؤولية العامة عن جبهة غزة.
لكن المسؤول العسكري ذكر أن القوات لم تحصل على موافقة قائد المنطقة الجنوبية الميجر جنرال يانيف عاسور. وقال عاسور لرويترز خلال اتصال هاتفي إنه غير مخول للتحدث مع الصحافة.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي ثان إن الموافقة على الضربة يتعين أن تتضمن تقييما قانونيا للتأكد من أن طبيعة الهدف تتوافق مع القانون الدولي. ومثل هذه التقييمات ملزمة للقوات الإسرائيلية، ولا يفترض شن الهجوم دون هذا الإذن. وقال المسؤول إنه لا علم له إن كانت استشارة قانونية من هذا القبيل قد طُلبت أو أعطيت قبل الهجوم على مستشفى ناصر.
وبالإضافة إلى الأخطاء المحتملة في تنفيذ الهجوم، قال الجيش الإسرائيلي إنه سيراجع أيضا الذخيرة التي حصلت على الموافقة قبل الهجوم وكيفية صدور الموافقة.
وحصلت رويترز على صور لشظايا معدنية عثر عليها طبيب في مستشفى ناصر في ذلك اليوم. وقال خمسة خبراء ذخائر راجعوا صور الشظايا وصور الهجوم من أجل رويترز إن الشظايا تعود إلى قذائف دبابات إسرائيلية الصنع عيار 120 مليمترا.
واستخدمت قذيفة دبابة مماثلة في الهجوم العسكري الإسرائيلي الذي أودى بحياة مصور رويترز عصام العبدالله في لبنان.
وقال ويس برايانت، وهو مستشار كبير سابق ومحلل سياسات في وزارة الحرب الأمريكية (البنتاجون)، إن قذيفة الدبابة كانت اختيارا غير متناسب للذخيرة في قصف مستشفى ناصر نظرا لأن الجيش الإسرائيلي يقول إن هدفه كان الكاميرا وإنها كانت موجودة عند المستشفى أو داخله.
لكن برايانت الذي كان رئيس فرع تقييم الأضرار المدنية في البنتاجون ذكر أنه حتى مع استخدام سلاح يرجح أن يسقط عددا أقل من القتلى والمصابين دون قصد مقارنة بقذيفة دبابة، فسيظل عدد القتلى أو المصابين مرتفعا عند توجيه السلاح إلى درج مكدس.
ولم يفسر الجيش الإسرائيلي حتى الآن سبب استهداف الدرج للمرة الثانية خلال تجمع الصحفيين والمسعفين عليه.
وكان خالد مصور رويترز خارج المستشفى يستعد لبدء يوم عمله عندما وقع الهجوم الأول. وأمسك بكاميرته وهرع نحو المبنى ووثق المشهد وهو في طريقه، ثم صعد السلم للوصول إلى المصري. وعندما وجده كان المصري قد فارق الحياة بالفعل، والغبار يغطي جسده وملابسه ممزقة ومعداته لحقت بها الأضرار.
واصل خالد التصوير. وقال “لم أستطع فعل شيء لمساعدته سوى توثيق ما حدث”. ووصل المسعفون وبدأوا بنقل المصري ووضعوه في كيس أبيض.
وفي الساعة 10:17 صباحا حينما كان خالد والمسعفون ينزلون الدرج حاملين جثة المصري، قصف الجيش الإسرائيلي الموقع للمرة الثانية.
وأمكن رؤية قذيفتين تصيبان المستشفى بفارق جزء من الثانية بين الهجومين في لقطات حصلت عليها رويترز. وصور خالد الهجوم الذي أدى إلى إصابته. ويعاني خالد من فقدان السمع بسبب الانفجار، وسيحتاج إلى عملية جراحية أخرى لإزالة الشظايا.
(شارك في التغطية أنتوني دويتش ومايا الجبيلي وأندريا بوبيسكو وتمار أوريئيل بيري ورمضان عبد وجوليا بارافيتشيني وهانا كونفينو وإميلي روز – إعداد حاتم علي وبدور السعودي ورحاب علاء للنشرة العربية – تحرير دعاء محمد وأيمن سعد مسلم)