The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
الديمقراطية السويسرية
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

كيف تضمن سويسرا استقلالية البنك المركزي مقارنةً بالولايات المتحدة؟ 

مصرف وطني
يقع مقر البنك الوطني السويسري في ساحة برن الفيدرالية، على بعد خطوات قليلة من القصر الفيدرالي. Keystone / Peter Schneider

يكفل الدستور استقلالية البنك الوطني في سويسرا، وهو ما يختلف عن النموذج المتبع في الولايات المتحدة الأمريكية. فما مصدر مبدأ استقلالية البنك الوطني؟ وما مكانته على الصعيد الدولي؟ 

يُعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوضوح عن رأيه في قرارات البنك المركزي الأمريكي. وهو لا يكتفي بالضغط على البنك عبر تصريحاته العلنية، بل عيَّن ستيف ميران، أحد أقرب مستشاريه الاقتصاديين، مؤقتًا كأحد المحافظين السبعة لنظام الاحتياطي الفدرالي (FED)، وهو نظام البنك المركزي الأمريكي.  

تثير سياسة ترامب مخاوف الكثير من الخبراء والخبيرات. وردًا على سؤال من سويس إنفو (Swissinfo.ch)، تقول كارولينا جارجيا، الأستاذة في جامعة إسكس البريطانية: “تقوِّض مثل هذه القرارات مبدأ استقلالية البنك المركزي. لكن للأسف، لا يختلف هذا عن تأثير الإجراءات الأخرى النائلة من المؤسسات، والمعايير الديمقراطية والتكنوقراطية الأخرى”. 

ويضمن الدستور الأمريكي استقلالية القضاء، لكن لا يوجد به ما يخص استقلالية البنك المركزي.  

مصدر استقلالية البنك المركزي 

تعتبر استقلالية البنك المركزي مبدأ حديثا. فقد ظهرت ردًا على زيادة التضخم بعد نهاية نظام بريتون وودز، الذي كان يربط سعر الدولار بالذهب. وانتشر مبدأ استقلال البنوك المركزية في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وفي سويسرا، ترسّخت استقلالية البنك المركزي في الدستور منذ عام 1999. 

اقرأ أيضًا مقالنا التاريخي حول تعويم الفرنك السويسري في سويسرا:

المزيد
رجلان يمسكان بسماعة الهاتف داخل بورصة مالية

المزيد

تاريخ

عندما قامت سويسرا بتعويم الفرنك..

تم نشر هذا المحتوى على في عام 1973، تَم التخلي نهائياً عن معيار الذهب، وفقدت أسعار الصَرف استقرارها بالتالي. ولكن كيف كانت تداعيات هذا القرار على اقتصاد سويسرا وسياستها المالية؟

طالع المزيدعندما قامت سويسرا بتعويم الفرنك..

يعمل هانز كُون محاميًا، وكان يشغل منصب رئيس الخدمات القانونية في البنك الوطني السويسري (SNB)، من عام 2001 إلى عام 2014. ويقول: “في الثمانينات، كانت العديد من البنوك المركزية بمثابة أقسام تابعة لوزارات المالية. لكن بعد 20 عامًا، أصبح معظمها يحظى بهياكل مستقلة إلى حد ما”. 

فما السبب وراء هذا التغير؟ الدراسات الاقتصادية. ويوضح كُون قائلًا: “لقد كشف عدد كبير من الدراسات الاقتصادية الميدانية عن العلاقة السلبية بين عدم استقلالية البنوك المركزية، والتضخم”.  ويعني ذلك عمل البنوك المركزية المستقلة على استقرار الأسعار، بعيدًا عن الحكومات التي قد تمارس سياسات قصيرة النظر، وحتى في حالة تغير الأوضاع السياسية. 

وأكدت جاريجا هذه العلاقة السلبية في أحد مقالاتها العلمية المنشورة مؤخرًا. 

ما مدى انتشار مبدأ استقلالية البنوك المركزية فعليًا؟ 

تُظهر البيانات التي جمعتها جاريجا بشأن استقلالية البنوك المركزية في المقارنة العالميةرابط خارجي مدى التفاوت في انتشار مبدأ استقلالية البنوك المركزية على الصعيد الدولي. فدول مثل الهند واليابان وأستراليا لديها بنوك مركزية غير مستقلة من الناحية القانونية.  

ولاحظت جاريجا في دول مثل بيلاروسيا، وفنزويلا، وتركمانستان، وكذلك في دول ديمقراطية، مثل الإكوادور، “قيودًا واضحة” على هذه الاستقلالية منذ أوائل الألفينات. كما تراجعت، وفقًا لهذه البيانات، استقلالية البنك المركزي أيضًا في الصين، وإندونيسيا. 

محتويات خارجية

انتقادات ديمقراطية لاستقلالية البنك المركزي  

في خضم الأحداث التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية، تتعالى بعض الأصوات المنتقدة لمبدأ استقلالية البنك المركزي باعتباره غير ديمقراطي.  

ومن بين هذه الأصوات، لِيَا داوني، الباحثة في نظريات السياسة، التي تشكك في فرضية أن استقلالية البنك المركزي تؤدي إلى استقرار الأسعار. فهي تعتبر الدلائل الميدانية بخصوص هذا الأمر “متباينة أكثر من المعتاد”. كما أن قاعدة البيانات الخاصة بالدراسات التي يُستند إليها كثيرًا محدودة. علاوة على ذلك، ترى داوني أن حجج الاستقلالية تعني بالتالي أن “السياسة المالية شيء فريد” خلافا لكل المجالات الأخرى. كما تعتبر أن السياسة المالية المعقدة ليس مبررًا لمنح الخبراء والخبيرات “استقلالية عن المجال السياسي”. 

وتعتقد داوني أنّ استقلالية البنك المركزي تُقوِّض “صحة الديمقراطية” على المدى البعيد. فمن وجهة نظرها، السياسة المالية يجب أن “تُنفذ من خلال بنك مركزي يضم العديد من الخبراء والخبيرات، وكذلك ممثلين وممثلات عن المصالح المختلفة”. ولكن، “تحت رقابة السلطة القضائيّة الفعَّالة”. 

 ورغم ذلك، ترى داوني أنّ إجراءات ترامب كانت “غير ديمقراطية بكل تأكيد”. فكان عليه، على حدّ قولها، عرض الأمر على الكونغرس، لو أراد توجيه السياسة المالية نحو الديمقراطية.   

أمريكا
لا يكف دونالد ترامب عن انتقاد جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي. في نهاية سبتمبر 2025، نشر الرئيس الأمريكي رسماً كاريكاتورياً يظهره وهو يطرده من منصبه. EPA/JIM LO SCALZO

وتشير داوني إلى تناقض تركيز السلطة في يد شخص واحد مع الدستور أيضًا، موضحة: “لقد منح واضعو.ات الدستور الأمريكي صلاحيات الميزانية، وكذلك سلطة سك العملات وتنظيمها، إلى السلطة القضائية بشكل صريح، وليس إلى السلطة التنفيذية”. 

ما هو الوضع في سويسرا؟  

تُنظم استقلالية البنك المركزي الأمريكي على مستوى القوانين بالولايات المتحدة. أما في سويسرا، فصوَّت نحو60% من الناخبين والناخبات لصالح دستور فدرالي جديد عام 1999. وتعني هذه النتيجة كذلك موافقةً صريحة أو ضمنية، على استقلالية البنك الوطني السويسري. وتنص المادة 99 من الدستور على ممارسة البنك الوطني، “كبنك مركزي مستقل، سياسة نقدية، ومالية، ونقدية تخدم المصلحة العامة للبلاد”. ويقع على عاتق السلطات السويسرية “التعاون، والرقابة” على الإدارة الخاصة به.  

ويتوجب طرح كل تعديل دستوري للاقتراع الشعبي في سويسرا. فحتى في حالة تغير الأوضاع السياسية، سيكون من الصعب على الحكومة الفدرالية، والبرلمان المساس باستقلالية البنك المركزي مقارنة بالولايات المتحدة. ويتحدث إرنست بالتنشبرغر، الخبير الاقتصادي، ردًا على سؤالنا، عن “عقبة سياسية وديمقراطية أكبر بكثير”. بل يرجح وجود عامل أكثر أهمية، هو “الالتزام الذاتي”. إذ يشعر الشعب والبرلمان، بالالتزام تجاه مبدأ استقلالية البنك المركزي. 

ويشرف على عمل البنك الوطني السويسري مجلس مكوّن من 11 عضوًا وعضوة. ويُعد البنك الوطني السويسري شركة مساهمة، تملك الكانتونات أغلب أسهمها. ويتم انتخاب خمسة أعضاء وعضوات من مجلس الإدارة الخاص بالبنك من قبل الجمعية العامة، بينما يتم تعيين ستة آخرين من قبل الحكومة الفدرالية. 

ويتوجب على أعضاء وعضوات مجلس البنكرابط خارجي  أن تتوفّر لديهم.هن خبرات في مجالات العلم، والاقتصاد، والسياسة، بالإضافة إلى امتلاك خلفية اقتصادية. ويضم المجلس الحالي، على سبيل المثال، أستاذًا في المالية، ورئيسة أكبر النقابات السويسرية. وبصفته جهازًا رقابيًا، يقترح مجلس البنك على الحكومة أسماء جديدة لعضوية مجلس الإدارة في حالة التغيير، ثمَّ تختارها الحكومة لمدة ستة أعوام. وهي مدة أطول من مدة البرلمان التشريعية.  

هل البنك الوطني السويسري مؤسسة ديمقراطية؟  

هل يُعد البنك الوطني إحدى مؤسسات الديمقراطية السويسرية؟ يقول كُون: “إنها سلطة هائلة، تلك التي تنص عليها المادة 99. لكن طريقة تطبيقها منظمة قانونيًا. فهناك مساءلة. كما أنها علاقة تبادلية، تتطلب فهمًا وموازنة”.  

ويشير كُون إلى أن استقلالية البنك الوطني تحظى بشكل خاص بـ “قبول واحترام واسعيّ النطاق”، مضيفا: “إنه احترام كبير، وأحيانًا يفوق الحد. أشعر بقدر من التحفّظ الشديد، لأن الناس لا يفهمون الموضوع جيدًا”. 

غير أن البرلمان الفدرالي يشهد طلبات مساءلة منتظمة خاصة بالبنك الوطني. وقدمت رابطة الشركات السويسرية (Economiesuisse) نهاية عام 2024، تحليلها لـ “لحظات ترامب السويسرية”.   

ووفقًا لهذا التحليل، قدمت جميع الأحزاب طلبات مساءلة تتعلق بالبنك الوطني نهاية عام 2014. إلا أن أغلبها جاءت من ممثلي.ات تيار اليسار. على سبيل المثال، تناولت 15% من تلك الطلبات التكليف الممنوح للبنك الوطني. بينما ناقش ثلث طلبات المساءلة استخدامات الميزانية. وتوجهنا إلى رابطة الشركات السويسرية بسؤال عن عدد طلبات المساءلة التي حالفها الحظ، لكن لم تكن لها إجابة. 

ويعتقد كُون أن الوضع يختلف، حينما يتناقش البرلمان مع الرأي العام السياسي حول طرق استخدام أرباح البنك الوطني، ويضيف “ليس تناول البنك المركزي بالنقاش محظورًا، لكن لا يجب التدخل في مهمته الأساسية. وإذا ما سعى أعضاء البرلمان وعضواته إلى مناقشة أسعار الفائدة، فسيكون ذلك أمرًا حسّاسًا”. 

المزيد
استثمارات المصرف الوطني السويسري في شركات التكنولوجيا الأمريكية

المزيد

التجارة العالمية

رهان سويسري على التكنولوجيا الأمريكية: استثمارات البنك الوطني السويسري تتجاوز 167 مليار دولار

تم نشر هذا المحتوى على رغم سمعته المحافظة، باتت استثمارات المصرف الوطني السويسري في شركات التكنولوجيا الأمريكية من بين الأكبر عالميًّا، بعد أن بنى محفظة أسهم تعادل خُمس ناتج الاقتصاد السويسري السنوي.

طالع المزيدرهان سويسري على التكنولوجيا الأمريكية: استثمارات البنك الوطني السويسري تتجاوز 167 مليار دولار

يشير كُون إلى أنّ “البنك الوطني السويسري متين وصلب بالقياس على الولايات المتحدة”. فلا يوجد لدى البنك المركزي الأمريكي مجلس يمكنه اقتراح مرشحين ومرشحات. وإذا ما أرادت الحكومة السويسرية تغيير القيادات، بسبب موقفها الناقد للبنك الوطني السويسري، فلن يتمّ ذلك إلا ببطء. 

تبعات دولية لما يحدث في الولايات المتحدة 

يعتقد كُون أن “تغيير القيادات يحدث بسرعة نسبية في الولايات المتحدة”، والسبب في ذلك هو تجاهل الأعراف الاجتماعية. ويستدرك في حديثه قائلاَ: “قد تتسبّب بعض الأطراف السياسية التي ربما لا تشعر بالالتزام بهذه الأعراف، في أضرار لهذه الهياكل الهشة، سريعًا”. ويرى أنّ ستيف ميران، لا يحظى بالكفاءات الاقتصادية اللازمة والمنصوص عليها في القانون، على عكس اثنين آخرين من محافظي البنك المركزي الذين عينهم ترامب. 

ويجد هانز كُون، رئيس الخدمات القانونية في البنك الوطني السويسري (SNB) السابق، صعوبة في التنبؤ بتداعيات تصرفات ترامب. لكنه “واثق من أنّ العقل سيغلب”. فبحسب اعتقاده، ستتمسّك الكثير من الدول بمبدأ استقلالية البنوك المركزية. ويُرجع سبب تفاؤله إلى عدم مراهنة الدول الأخرى على الرسوم الجمركية كأداة انتقامية. كما ليس دونالد ترامب أول رئيس دولة يمارس ضغطًا على البنك المركزي. فعلى سبيل المثال، ضغط شينزو آبي على بنك اليابانرابط خارجي عام 2013.   

لكن عندما تمارس الحكومة الأمريكية ضغوطًا على البنك المركزي، فإنّ لذلك بعدًا اقتصاديًّا عالميًّا. يقول كون: “الدولار هو العملة المرجعية على مستوى العالم. وإذا انهارت قيمة العملة المرجعية، فستكون المخاطر كبيرة”. 

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: بنيامين فون فيل

هل تثقون بقدرة بلادكم على الصمود في وجه أعداء الديمقراطية؟

الديمقراطيات تواجه تحديات من الداخل والخارج. كيف تقيّمون مؤسسات بلدكم؟

17 إعجاب
58 تعليق
عرض المناقشة

تحرير: دافيد أويغستر  

 ترجمة: هالة فرَّاج  

مراجعة: أحمد محمد 

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية