مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أزمة تُـهدّد كيَـان الجزائر

سعى بوتفليقة إلى كسب تأييد باريس في معركته ضد رئيس حكومته السابق علي بن فليس من أجل الرئاسيات المقبلة swissinfo.ch

تهدد الأزمة السياسية بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ورئيس وزرائه السابق علي بن فليس استقرار المؤسسات الحاكمة في الجزائر.

وبسبب تنافس الرجلين على منصب الرئيس، قد يُحل البرلمان ويستقيل بوتفليقة. ولربما يتدخّـل الجيش لفرض تسوية والرئيس الذي يريد

اشتدت الأزمة بين حزب جبهة التحرير الوطني ورئاسة الجمهورية عندما قام وزير الخارجية عبد العزيز بلخادم، زعيم ما يُعرف بالحركة التصحيحية داخل حزب جبهة التحرير الوطني، برفع دعوى قضائية ضد قيادة الجبهة يُؤكد فيها أن زعامة علي بن فليس لا يُوافق عليها كل المناضلين، وأن هناك انقساما داخل الحزب.

وعلى هذا الأساس لا يُـعتبر شرعيا تنظيم أي مؤتمر يٌُرشح على أساسه علي بن فليس باسم جبهة التحرير في الانتخابات الرئاسية بعد ستة أشهر.

بدا ظاهريا ليلة الخميس الماضي، 1 أكتوبر، أن أمرا ما دُبِّـر بليل، لأن محكمة الجزائر التي قبلت دعوى وزير الخارجية وأنصاره فتحت أبوابها لزوار من نوع خاص في ساعة متأخرة من الليل في مخالفة عجيبة لطريقة عمل المحاكم الجزائرية التي توصف بالكسل والبيروقراطية.

ومهما كان الأمر، فقد اعتبرت وزارة الداخلية قرار المحكمة شرعيا، وأعلن وزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني أن جبهة التحرير ممنوعة من تنظيم الاجتماعات والمؤتمرات في كامل الجزائر، وأنها ممنوعة بشكل خاص من تنظيم مؤتمرها الاستثنائي يوم 4 أكتوبر، وهو موعد كان مقررا أن يُعلن فيه بن فليس مُرشحا باسم جبهة التحرير.

اجتمعت قيادة جبهة التحرير بعد سماع الخبر على عجل. ثم بدا الأمر و كأنه لعبة شطرنج ينتظر كل طرف فيها خطأ يقع فيه الخصم.

فعندما أصدرت محكمة الجزائر قرارها بمنع جبهة التحرير من عقد المؤتمرات والاجتماعات، كان رئيس المحكمة غائبا ولم يُحط علما بالموضوع وتابعه كبقية الجزائريين عبر شاشات التلفزيون، وعلم بن فليس وباقي قيادات جبه التحرير بهذا الأمر، واعتبروه خطأ كبيرا وقع فيه بوتفليقة ووزير الخارجية عبد العزيز بلخادم.

سيناريو الفوضى

ولاستغلال هذا الخطأ، سُرب الخبر إلى الصحافة التي وصفته بـ “الفضيحة والعار الجديد في جبين العدالة الجزائرية”. ولأن قرار المحكمة نصَّ على أن وزير الداخلية أكّـد أن المؤتمر الاستثنائي في 4 أكتوبر ممنوع، لم يبق أمام بن فليس سوى يوم 3 أكتوبر كي يتحرك وبأقصى سرعة.

كانت الخطوة الثانية إعلان انسحاب 7 وزراء من الحكومة وتركيز كل جهود جبهة التحرير في الحرب الطاحنة داخل البرلمان والعمل على ضمان الاستقرار داخل الحزب الذي لم ينف أن ضربات بوتفليقة المتتالية لا تؤلم ولا تصيب صاحبها بالدوار.

أما الخطوة الثالثة، فكانت دعوة مندوبي الجبهة في الولايات الجزائرية الثمانية والأربعين بأقصى سرعة ممكنة للحضور إلى مقر الحزب بالعاصمة، ومن لا يستطيع الحضور عليه أن يبعث بتوكيل خاص يسمح باستعمال صوته لانتخاب أو لترشيح علي بن فليس في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وقد اندهش المتتبعون أمام سرعة تحضير لقاء المندوبين والمناضلين، وعندما حل مساء يوم الجمعة 3 أكتوبر، علقت لافتات كُـتب عليها “المؤتمر الاستثنائي”، وكأن جبهة التحرير في عجلة من أمرها كي تستبق وزير الداخلية ورئيس الجمهورية اللذين لا يريدان للمؤتمر أن ينعقد، ولا لبن فليس أن يترشح.

وبالموازاة مع الاندهاش من سرعة الجبهة في التنظيم ودعوة الأنصار، شك بعض المراقبين في أن لعبة الشطرنج هذه ليست من النوع الذي يضم متنافسين اثنين فقط، بل شعر البعض بأن هناك طرفا ثالثا سُمح له أو سمح لنفسه بالمشاركة.

فعندما كانت جبهة التحرير تنظم مؤتمرها الاستثنائي “على عجل”، انتظر الصحفيون أن تقتحم قوات الشرطة، مقرها بأعالي العاصمة لتنفذ قرار العدالة وأوامر وزير الداخلية، غير أن هذا لم يحدث.

ولا يشك أحد في أن أوامر العدالة بمنع مؤتمر الجبهة نابعة من الأساس من رغبة بوتفليقة في تحييد علي بن فليس، وعندما لا تُطبق أوامر رئيس الجمهورية ويتم تجاهل العدالة وتستمر قوات الأمن في مكانها مخالفة توجيهات وزير الداخلية بطريقة أو بأخرى، ظن البعض أن شكلا من أشكال الانقلابات السياسية تكون الجزائر قد عاشته في صمت عجيب لم يشعر به أحد.

فقد يكون بوتفليقة قد تلقى إشارة تدعوه إلى الهدوء، جاءته من المؤسسة العسكرية أو أن وزير الداخلية يزيد زرهوني قد تلقى ضربة تحت الحزام من قبل زملائه القدامى في الجيش الجزائري.

ليس هناك دليل على هذه الاحتمالات، لكن الذي بدا بشكل واضح هو تمكن لاعب دون آخر من تحريك بيادقه، فيما بقي الآخر مسمرا مكانه لا يستطيع فعل شيء.

بطبيعة الحال، لا يعني تمكن بن فليس من تنظيم المؤتمر الاستثنائي أن الجيش قد ساعده لأن هناك احتمالا قويا آخر يتمثل في أن أوراقا عديدة هي الآن بيد الأمين العام لجبهة التحرير الوطني يفتقد إليها الرئيس الجزائري.

وقد علمت سويس إنفو من مصادر مطلعة يوم الجمعة 3 أكتوبر، أن الرئيس الجزائري غضب ليلة الخميس أشد الغضب عندما سحب بن فليس وزراءه، وعبر للمقربين منه أنه يريد الاستقالة ومغادرة البلاد، ولأن رغبته هذه قد تدخل البلاد في دوامة سياسية هائلة، بذل المقربون من الرئيس مجهودات حثيثة لإقناعه بأن تفكيره في الانسحاب غير مفيد، وأنه لا زال يملك أوراقا رابحة تمكنه من الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

الورقة الفرنسية؟

من بين هذه الأوراق، زيارة خاطفة قام بها الرئيس إلى العاصمة الفرنسية باريس، الهدف منها هو الحصول على دعم الرئيس الفرنسي جاك شيراك.

وبالإمكان وصف خطوة عبد العزيز بوتفليقة بطلب المساعدة من باريس حتى يواجه خصمه بن فليس، هجوما قويا قد يؤثر على الوضع الداخلي للبلاد، لكن ألا يمكن اعتبار خطوة بوتفليقة ضربة رمح في الضباب؟ لأن فرنسا لا يمكنها الخوض عمليا وبشكل ظاهر في مستنقع الحياة السياسية الجزائرية، ولاسيما في معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة.

هذا ما هو معروف من المواقف الفرنسية، كما أنه لم تظهر أية علامات تشير إلى أن فرنسا أبدت رأيا ما لمساندة بوتفليقة أو بن فليس، لأن لمسة فرنسا “بالذات” في السياسة الداخلية الجزائرية من المستحيل عدم الانتباه إليها.

انتهى يوم الجمعة 3 أكتوبر بحدثين هامين، هما عودة بوتفليقة من باريس بنتائج “مجهولة الماهية” ونجاح المؤتمر الاستثنائي لجبهة التحرير الوطني وترشيح بن فليس لخوض سباق الانتخابات الرئاسية.

غير أن هذه النتائج وضعت البلاد على فوهة بركان أو على كف عفريت، حسب الاختلاف في وجهات النظر. فهناك من يعتقد أن رد فعل الرئيس سيكون عنيفا جدا، بحيث سيدفع جبهة التحرير إلى ارتكاب الأخطاء المتتالية كي يحل البرلمان وتتأجل الانتخابات الرئاسية أو أن وزارة الداخلية ستعمل المستحيل لدفع المجلس الدستوري إلى رفض ترشح بن فليس بحجة أن المؤتمر الذي زكاه غير شرعي.

الخلاف حول هذه المسألة قانوني، ولأن بن فليس كان يوما ما محاميا فقد عمل أن يأخذ اجتماع مندوبي جبهة التحرير في مقر جبهة التحرير شكل المؤتمر الاستثنائي، غير أنه في نظر القانون مجرد تجمع لبعض المناضلين والأنصار.

وبذلك، يمكن تسمية لقاء المناضلين تجمعا أو مؤتمرا حسب القناعة والهدف، ثم إن بن فليس قد يترشح بصفة المواطن العادي لا باسم جبهة التحرير كي يفوت الفرصة على وزير الخارجية الذي يمكن أن يؤكد أن جبهة التحرير لا مرشح لها، لأن انتخاب القيادة مشكوك فيه من الأساس.

في نفس السياق، تبين أن عبد العزيز بلخادم يريد تجميد أرصدة جبهة التحرير في البنوك، ويريد إقناع العدالة بهذا الأمر. وعلى هذا الأساس، تداخلت الاختلافات السياسية والشخصية والقانونية لتصب الزيت على النار أو لتؤكد تفوق طرف على الآخر، حسب الاختلاف في وجهات النظر أيضا.

كل الوسائل مقبولة؟

ووسط هذا المسلسل السريع، لم تجد الطبقة السياسية من تعليق سوى التنديد باستعمال العدالة لأغراض سياسية وقوى موقف الأحزاب الداعية إلى التعقل داخل جبهة التحرير لأن أزمتها الداخلية قد تتحول إلى كارثة حقيقية تهدد الأمن الوطني.

الحقيقة أن التنافس بين بوتفليقة وبن فليس غطى على حظوظ متنافسين كثيرين على منصب رئيس الجمهورية وتشكل تصور لدى الرأي العام أن الرئيس الجزائري المقبل، إن لم يكن بوتفليقة فهو بن فليس أو العكس.

وضع لا يخدم بطبيعة الحال عبد العزيز بوتفليقة الذي ينتمي إلى جيل مقتنع بفكرة “مرشح الإجماع الوطني”، تبعا لأسلوب الرئيس الراحل هواري بومدين الذي كان يفوز بنسبة 99%.

سيُـصبح الصراع بين الرجلين صعبا جدا داخل البرلمان. فالجميع يلعب على الخيط الرفيع الفاصل بين حل البرلمان وإبقائه مسرحا يستشف منه الرأي العام سياسة كل طرف.

كما يملك بوتفليقة قوة الجهاز الإداري الذي يسير حسب أوامره بما أن أطرافا أخرى لا يمكنها التدخل لمساعدة بن فليس لدرجة أن قوة كل طرف لم تعد ظاهرة، وإنما يشعر بها البعض دون البعض وكأنها على شكل قوة مغناطيسية ادعى البعض أنه شم رائحتها رغم أن جاذبية المغناطيس لا رائحة لها، وادعى البعض أنه اشتم رائحة البارود أو اشتبه في سماع صوت المزنجرات.

علما أن هناك من الواقعيين من يرى أن الأمر واضح وبسيط. فالصاعد إلى قمة الجبل، ليس كالنازل منها، والداخل إلى النفق ليس كالخارج منه، ويبقى السؤال المحير، هل الرئيس الجزائري والأمين العام لجبهة التحرير في وسط الجبل، حتى نعرف من هو النازل والصاعد، أم أنهما في سفح الجبل والفارق بين الصاعد و النازل خطوة واحدة؟

وهل هما في مدخل النفق والفارق بين الخارج والداخل منه يبينه اتجاه الرأس نحو المخرج والمدخل؟ يبدو حسب تتبع وجهات نظر الكثير من المراقبين أن بن فليس متفوق على بوتفليقة بالنقاط، لكن ورغم قصر قامة بوتفليقة، إلا أنه قال للصحافة الفرنسية “أنا أطول من نابليون بسنتيمترين”.

جملة لها دلالتها في بلاد لا يشبه شتاؤها شتاء روسيا التي أعيت جيوش نابليون. فطول النفس ضروري لربح معركة الرئاسة الجزائرية رغم أن الخطط معروفة مسبقا.

هيثم رباني – الجزائر

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية