مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اتفاق سلام جنوب السودان تحت التهديد

نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه، مع جورج قرنق رئيس الجبهة الشعبية لتحرير جنوب السودان بعد توقيع اتفاق سلام في 9 يناير 2005 في نيروبي بكينيا Keystone

فى سابقة ذات مغزى تحدث كل من على عثمان طه نائب الرئيس السودانى وجون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى أعضاء مجلس الأمن عن جديتهما فى تطبيق اتفاق نيفاشا للسلام.

وأكد الطرفان على أن سلام الجنوب مرتبط عضويا بالاستقرار وإنهاء التهميش ورفع المظالم فى ربوع السودان الأخرى، لاسيما إقليم دارفور.

يستقطب إقليم دارفور اهتماما دوليا واسع المدى، وتنذر تطوراته بمواجهة قانونية وسياسية بين الخرطوم والأمم المتحدة على خلفية الطريقة التى ستتم بها محاسبة المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان التى شهدها الإقليم فى العامين الماضيين.

هذه العلاقة العضوية بين النجاح فى تطبيق اتفاق نيفاشا من جهة، وبين احتواء الأوضاع المتدهورة أمنيا وإنسانيا فى دارفور من جهة أخرى، لا تقل أهمية عن احتواء التوتر المتصاعد فى شرق البلاد، ولا عن بناء قاعدة إجماع، أو على الأقل، توافق وطنى عام يتمسك بمبدأ الحوار والتفاوض والتسويات السياسية للمظالم التاريخية والتهميش، وينبذ اللجوء إلى القوة والسلاح. وهو شرط يبدو صعب المنال فى ضوء التطورات الجارية على اكثر من صعيد داخلى وإقليمى.

فبالرغم من الجهود السياسية التى بذلت طوال العام المنصرم تحت راية الاتحاد الافريقى فى العاصمة النيجيرية أبوجا، يظل التقييم العام أن الوضع فى إقليم دار فور لم يصل بعد إلى حالة نضج سياسى تسمح بترجيح التسوية السياسية قريبا، ولو على غرار مبادئ اتفاق نيفاشا نفسه فى تقسيم الثروة والسلطة، والتى أكد عليها نائب الرئيس السودانى فى كلمته أمام مجلس الأمن الدولى.

بل على العكس من ذلك فإن إصرار حركتى التمرد على منبر تفاوضى خاص بعيدا عن الرعاية الأفريقية يعيد الأمور إلى نقطة الصفر، ويطيح بالهدوء الأمنى الهش الذى وصل إليه الإقليم مؤخرا بعد عناء شديد، كما يفتح الباب أمام مزايدات كبرى إقليمية ودولية، فى وقت تزداد فيه حرارة مطالبات الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية بتوقيع عقوبات على حكومة الخرطوم باعتبارها فشلت فى تلبية كل مطالب القرارات الدولية السابقة، فضلا عن المطالبة بمحاكمة المتورطين فى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان فى الإقليم وفقا لما انتهى إليه تقرير لجنة تقصى الحقائق الدولية.

خلاف لا يلغى عقوبات محتملة

والصحيح هنا، أن هناك خلافا حول من يتولى محاكمة هؤلاء ومنهم قادة بارزون فى حركتى التمرد، هل المحكمة الجنائية الدولية كما يطالب الأوربيون؟ أم تشكيل محكمة خاصة على غرار محكمة أروشا فى تانزانيا والتى حاكمت مجرمى الحرب فى رواندا 1994؟، وهل تكون أمام القضاء السودانى كما تصر على ذلك الحكومة؟

وهذا الخلاف يبدو حاكما الآن بين الدول الرئيسة فى مجلس الأمن، ولكنه لا يمثل فى حد ذاته فرصة للإفلات من العقاب كما يتصور البعض، بل قد يكون مدعاة لتوقيع عقوبات ذات طبيعة خاصة وفقا للقسم السادس من ميثاق الأمم المتحدة، فى وقت سوف يستقبل فيه السودان أنواعا عدة من القوات الدولية والمراقبين الأفارقة والمنظمات الإنسانية لغرض العمل فى كل من الجنوب والغرب على السواء، وبما يعيد تشكيل التوازن السياسى السودانى على نحو كبير.

إن الضغط السياسى والمعنوى المتولد عن تطورات الوضع فى دارفور يؤدى فى واقع الأمر إلى ما هو اكثر من مجرد تشتت الجهود السياسية للحكومة، والمفترض أنها تواجه تحدى تركيز هذه الجهود نحو بناء قاعدة توافق وطني عام لبناء السلام فى الجنوب ونشر الديمقراطية فى كل الأنحاء.

ولكنها لا تجد سوى حالة انتظار وترقب وقدر من اللا حماس من العديد من القوى السياسية السودانية التى تعمل فى الداخل، وتعتبر نفسها غير معنية بقوة بتطبيق اتفاق نيفاشا، نظرا لأنه فى الأول والأخير اتفاق ثنائى لم تشترك في التوصل إليه بأى حال. ولذلك فإن جزءا من الحوار السياسى الداخلى بين الحكومة وهذه القوى قد يبدو وكأنه نوع من المساومات غير المعلنة لغرض إفساح مساحة اكبر لهذه القوى فى اللجان الخاصة بصياغة الدستور وبتشكيل الحكومة الانتقالية ولجان إعادة النظر فى هياكل الوزارات والإدارة بشكل عام.

مساومات غير معلنة

إن الضغط السياسى والمعنوى المتولد عن تطورات الوضع فى دارفور يؤدى فى واقع الأمر إلى ما هو اكثر من مجرد تشتت الجهود السياسية للحكومة، والمفترض أنها تواجه تحدى تركيز هذه الجهود نحو بناء قاعدة توافق وطني عام لبناء السلام فى الجنوب ونشر الديمقراطية فى كل الأنحاء.

ولكنها لا تجد سوى حالة انتظار وترقب وقدر من اللا حماس من العديد من القوى السياسية السودانية التى تعمل فى الداخل، وتعتبر نفسها غير معنية بقوة بتطبيق اتفاق نيفاشا، نظرا لأنه فى الأول والأخير اتفاق ثنائى لم تشترك في التوصل إليه بأى حال. ولذلك فإن جزءا من الحوار السياسى الداخلى بين الحكومة وهذه القوى قد يبدو وكأنه نوع من المساومات غير المعلنة لغرض إفساح مساحة اكبر لهذه القوى فى اللجان الخاصة بصياغة الدستور وبتشكيل الحكومة الانتقالية ولجان إعادة النظر فى هياكل الوزارات والإدارة بشكل عام.

وتنطلق هذ المساومات بشكل عام من مبدأ أن القدرة على تغيير اتفاق نيفاشا وما فيه من نسب للمشاركة فى هياكل السودان الجديد غير ممكنة، وان الممكن وحسب هو مجال أوسع نسبيا فى اللجان المختلفة المعنية بتطبيق بعض بنود الاتفاق. فيما يتطرف البعض من هذه القوى السياسية معتبرا انه غير معنى أصلا بإنجاح عملية سياسية قائمة بصورة أو بأخرى على إبقاء واستمرار حكومة هى من بقايا نظام الإنقاذ المطلوب قطع رأسه تماما، وإسقاط ما يعرف بمشروعه الحضارى كاملا.

وبالرغم من أن الموالين للحكومة يعتبرون هذا الموقف الانتظارى اللا مبالى، جزءا من استهداف السودان الواحد ككل، ويخدم أعداء السلام والوحدة الطوعية، وأن المتمسكين بهذا الموقف يعيشون فى أوهام الماضى، فإن حالة السيولة السياسية تبدو الأكثر هيمنة على التحركات السودانية الداخلية، وبما يقلل كثيرا من إمكانية بناء التوافق الوطنى العام، ولو بين ما يعرف بأحزاب وقوى السودان الشمالية العاملة فى الداخل. ويبدو الأمر عسيرا بدرجة اكبر إذا ما كان التوافق العام المطلوب يفترض تسويات كبرى مع القوى المعارضة فى الخارج، التى تنتظم تحت مظلة التجمع الوطنى.

تفاقم مشكلة شرق السودان

ولا يقتصر تحدى تركيز الجهد السياسي لبناء سودان مختلف على حكومة الخرطوم وحسب، فمعارضيها الشماليين يواجهون التحدى نفسه، وإن بتفاصيل مختلفة.

فحسب تفاصيل الاجتماع الأخير للتجمع الوطنى الديمقراطى المعارض فى أسمره، والذى يمثل مظلة عامة للقوى السودانية التى واجهت وما تزال نظام الإنقاذ فى السنوات الخمسة عشرة الماضية، فإن موقف حركتى التمرد فى الغرب إضافة إلى حركتى البجا والأسود الحرة اللتين تنتميان إلى شرق السودان يمثل عبئا من نوع جديد.

فهاتان الحركتان الأخيرتان العاملتان فى شرق البلاد فهمتا درس نيفاشا بأنه يتيح للقوى الحاملة للسلاح المفاوضات المباشرة مع حكومة الخرطوم بغية الحصول على مزايا وعوائد اكثر، ومن هنا تبلورت لديهما قناعة بأن أوضاع شرق السودان يجب أن يكون لها منبر تفاوضى خاص بها.

وبينما يريد التجمع الوطنى بقيادة السيد محمد الميرغنى أن يكون هذا المنبر مرتبطا بعمل التجمع والاتفاق المزمع توقيعه مع الحكومة فى غضون فبراير الجارى، ترى حركتا البجا والأسود الحرة أن لا وصاية للتجمع على هكذا منبر تفاوضى محتمل.

جبهة لكل المهمشين

الأمر على هذا النحو ليس مجرد خلاف سياسى داخلى بين أعضاء التجمع الذى حافظ على وجوده الهش طوال عقد ونصف، ولكنه يصيب جهود التجمع الخاصة بالاتفاق مع الحكومة فى الصميم، وهو الاتفاق الذى سيسمح بعودة التجمع إلى الداخل للمساهمة فى العملية السياسية الخاصة بتطبيق نيفاشا.

ويبدو الأمر اكثر سلبية فى ضوء الموقف الذى يتبناه كلا التنظيمين البجا والأسود الحرة من حيث إصرارهما على عدم وقف القتال ضد القوات الحكومية، والنظر إلى اتفاق نيفاشا باعتباره يخص الجنوب وحسب، وأن لا علاقة له بالسلام المنشود فى السودان ككل، وان ما فيه من نسب لتقسيم الثروة والسلطة تحمل إجحافا بحقوق القوى السياسية والجماعات السودانية الأخرى، فضلا عن إعلانهما نية تشكيل جبهة موسعة من كل القوى السودانية التى تعتبر نفسها مهمشة وتسعى إلى نفض هذا التهميش عن نفسها.

وإذا ما نجح هذان التنظيمان فى تشكيل مثل هذه الجبهة فسيكون تطورا ضاغطا إضافيا على أية جهود تبذل لتطبيق اتفاق نيفاشا، فى وقت تقل فيه عناصر النجاح الأخرى.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

تواجه الحكومة السودانية خلافا حول محاكمة المتهمين بإرتكاب مخالفات جسيمة في ملف حقوق الإنسان في دارفور طبقا لتقرير لجنة تقصي الحقائق الأخير.
كما تشكل الضغوط المختلفة من الشمال والشرق عبئا ثقيلا على الحكومة السودانية قد تؤدي إلى اندلاع أعمال عنف في أنحاء متفرقة من البلاد حيث تشكو الحكومة السودانية من تشتيت جهودها لحل أزمة دارفور بشكل سلمي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية