مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اتفاق مصالحة أم مصلحة؟

يأمل الكثيرون أن يصلح اتفاق بون ما افسده الدهر وأن يضيق هوة الخلافات القبلية في افغانستان Keystone

قد تبدو قمة بون بالنسبة للعديد من المراقبين خطوة تاريخية وفي الطريق الصحيح نحو انعاش البلاد واعادة اعمارها وكذلك بالنسبة للعديد من الأشخاص والمجتمعات الانسانية التي تتمنى لهذا الشعب الأفغاني الأمن والاستقرار والخلاص من محنته التي رافقته عبر تاريخه الدموي المرير.

وان كان لايختلف أحد حول هذه التطلعات لكن الضليعين بالشؤون الأفغانية لم يظهروا بعد هذا الحماس والأمل بانفراج قريب مالم يتم التماس تطبيق ماتم التوصل اليه في بون على أرض الواقع .

فبعد ثمانية أيام من المباحثات المضنية والجدال والمشاحنات والانفعالات والضغوط الخارجية حصل التحالف الشمالي على حصة الأسد كما كان متوقعا وأبقى ثلاثة حقائب هامة الداخلية ،الخارجية والعسكرية وهي اشارة واضحة الى أن الأطراف العرقية من الأقليات الطاجيكية والأزبكية سيدة الموقف بينما الأغلبية من البشتون حصلوا على تسع حقائب وزارية أهمها رئاسة الحكومة وغياب دور فعال للأمم المتحدة سيعيد للأذهان الاتفاقيات السابقة بوساطة دولية مماثلة ومن ثم انفراد طرف بالسلطة دون الآخر.ومايدعو للتفاؤل هنا أن الولايات المتحدة تدعم الاتفاق اذ أن المعادلة الجديدة والتنافس الدولي يتطلب استقرار أفغاني لضمان مرور أنابيب النفط والغاز عبر أراضيها من جمهوريات آسيا الوسطى”الشرق الأوسط الجديد”.

على الصعيد الداخلي

من التساؤلات التي تطرح نفسها هنا المدة الزمنية التي سيتمكن من خلالها الفصائل الأفغانية المتناحرة تطبيق الاتفاق والمدة الزمنية للالتزام بما تم الاتفاق عليه؟ وفي حين أعرب قادة التحالف عن التزامهم التام بنتائج القمة واستعدادهم لنقل السلطة من الرئيس برهان الدين رباني الى الحكومة الجديدة كان هناك انشقاق واضح بين الرئيس رباني وأنصاره حيث سيكون من الصعب عليه التنازل عن السلطة دون مقابل بسبب الضغوط والتهديدات الأمريكية بالتخلي عن مطالبه والتنازل عن السلطة .

ولم تخف حركة الطالبان معارضتها الشديدة لهذا الاتفاق واعتبرتها حكومة مفروضة من الخارج ولاتمثل طموحات الشعب الأفغاني وستقوم هذه الحكوم بسحب السلاح من المجاهدين واحالة أنصار الطالبان وبقية الفئات المعارضة الى محاكم عسكرية للتحقيق معهم كمجرمي حرب .

المجتع الأفغاني مقسم بشكل عرقي جلي وشريحة كبيرة منه لم تمثل في بون خاصة اذا ما اخذنا بعين الاعتبار أن حميد كارزاي المرشح لرئاسة الحكومة ينتمي الى قبيلة “بوبولزاي” التي تصنف تقليديا المنافس الرئيسي لقبيلة “جالزاي” التي تشكل عصب حركة الطالبان.

أضف الى ذلك الانقسام داخل التحالف الشمالي ذاته رغم أن الفصائل داخل التحالف اتحدت في حربها ضد الطالبان الى انها منقسمة على نفسها وبدأ الشرخ يظهر خلال الاستيلاء على الأقاليم والمدن الأفغانية ولمن ستخضع سيطرتها، وبالتالي فان دور الأمم المتحدة يجب ألا يقتصر تواجد قوات حفظ السلام الدولية على العاصمة الأفغانية كابول والمناطق المحيطة بها وترك العنان للولايات المتحدة وحلفائها ببسط سيطرتها على باقي المناطق واقامة القواعد العسكرية بحجة مطاردة أنصار الطالبان وأعضاء تنظيم القاعدة .

ويرى العديد من المراقبين الدوليين أن الاتفاق كان شاملا ونجاحه يعتمد بشكل أساسي على تطبيقه ومنع الاقتتال، من قبل قوات حفظ السلام الدولية، بين أعداء الماضي وأخوة الغد.

وعلى الصعيد الاقليمي؟

مما لاشك فيه أن دول الجوار روسيا ، باكستان، طاجكستان، تركمنستان، أزبكستان وايران وكذلك الهند ستحاول أن تلعب دورها من خلال ممارسة الضغوط على الأطراف الأفغانية التي تدعمها والملك المخلوع ظاهر شاه جاء ليلعب دوره في ادارة اللعبة الجديدة وعيون واشنطن على ابن الشاه الايراني في محاولة لتحجيم دور الحكومة الايرانية الحالية والاطاحة بها لاعادة الملكية الى ايران.

كذلك هناك التقارب الأمريكي الأوربي مع روسيا لاستسثمار دول آسيا الوسطى وابتزاز النفوذ الروسي في المنطقة من خلال امتداد حلف الناتو لأبواب موسكو، ثم مراقبة التنين الصيني عن كثب.

التحديات

يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة في ضمان تطبيق الاتفاق بغض النظر عن الدوافع والأسباب ومد يد العون للرئيس كارزاي وأولى التحديات للحكومة الأفغانية ستكون :

1-الحفاظ على الوحدة الداخلية ومنع انقسام البلاد.
2- اعادة اعمار أفغانستان واعطاء الأولوية للتعليم والصحة .
3- اعطاء المرأة حقها في بناء المجتمع وصناعة القرار.
4-حماية حقوق الانسان والحريات و التحضير لانتخابات ديمقراطية.

وستكون جميع الأنظار متوجهة الآن الى كابول: فهل سيرتقي هؤلاء القادة الأفغان الى المستوى المطلوب لتحقيق طموحات الشعب الأفغاني والخروج من دوامة التماس المساعدات الانسانية ونظرة المسكين المغلوب على أمره الى مستوى بناء الأمة وتسخير طاقات شعبه في هذا الاتجاه ؟؟؟

هذا ما ستثبته الأشهر القليلة القادمة ان كانت حكومة انقاذ وطني أم حكومة مفروضة من الخارج؟ أفغانستان مليئة بالمفاجآت …. فلننتظر ونراقب.

د.وائل عواد – نيودلهي – الهند

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية