العراقيون العائدون من الهول “قنبلة موقوتة” بالنسبة لسكان نينوى
تثير عودة عشرات العائلات العراقية التي يشتبه بارتباطها بتنظيم الدولة الإسلامية من مخيم الهول في سوريا إلى الموصل مخاوف في صفوف سكان المنطقة إذ لا تزال ذكرى فظائع هذا التنظيم المتطرف ماثلة في الأذهان.
فتحت جنح الظلام ووسط حراسة أمنية مشددة، عبرت نحو مئة عائلة عراقية ليل الثلاثاء من مخيم الهول في سوريا، إلى العراق لتستقر في مخيم الجدعة الواقع جنوب الموصل.
وهي المرة الأولى التي يعاد فيها نازحون عراقيون من الهول الذي يضم أكثر من 60 ألف شخص بينهم أقارب لمقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية. وقال مسؤول في الإدارة المحلية الكردية في شمال شرق سوريا، إن العملية نظمت بموجب اتفاق بين بغداد والتحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الاسلامية الذي تقوده واشنطن، وتشكل “الموجة الأولى” على أن تليها دفعات أخرى.
وأعادت العملية إلى أذهان الكثير من سكان الموصل ذكرى فظائع تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على المنطقة مدة تزيد عن ثلاث سنوات.
يؤكد عمر البالغ 28 عاما والذي فقد والده على يد التنظيم المتطرف لوكالة فرانس برس أمام مقبرة تضمّ ضحايا التنظيم، “الرفض القاطع لأهالي القيارة” حيث يقع مخيم الجدعة “لعودة هؤلاء، فأفكارهم متشددة وداعمة للتنظيم”.
ويضيف “لا يمكن التعايش معهم” فيما لا يزال مصير نحو 200 من أبناء المنطقة مجهولا بعدما اعتقلهم التنظيم. وكانت القيارة إحدى أولى المناطق التي تحررت من براثن الجهاديين في منطقة الموصل.
يؤكد مدير ناحية القيارة صالح حسن الجبوري “هناك رفض شعبي كبير لعودتهم خاصة وأنهم كانوا من سكان مخيم الهول” الذي يضمّ عشرات آلاف النازحين من سوريين وعراقيين بينهم أفراد عائلات مقاتلي التنظيم.
لكنه يصر رغم تخوف السكان من تلك الخطوة على “استبعاد أن يكون لتلك العائلات تأثير أمني على المنطقة”.
ووصلت إلى الجدعة 90 عائلةً، وفق الجبوري، معظم أفرادها من النساء والأطفال ويقدّر عددهم بنحو 300، فيما يضمّ المخيم 7500 نازح، بينهم جهاديون.
– “قنبلة موقوتة” –
ويعود القلق الأساسي لخلو موضوع نقل هذه العائلات “من أي شفافية”، على ما يشرح عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان علي البياتي لوكالة فرانس برس.
ويقول إن مصدر الخشية الأول برأيه يتمثل بعدم وضوح “ما إذا كانت تلك العائلات قد خضعت لتدقيق أمني أو مساءلة خصوصاً وأن غالبية العائلات التي كانت في مخيم الهول تابعة لتنظيم الدولة الاسلامية وعليها ملاحظات أمنية كثيرة”.
ويرى البياتي أنه “كان ينبغي التأكد من عدم وجود أي تهمة ضدهم ومن عدم ارتكابهم أي جريمة ضد مدنيين في الحرب أو مشاركتهم فيها”، قبل إعادتهم، في حين يؤكد مدير ناحية القيارة إلى أن معظمهم من النساء والأطفال ولا يشكلون بالتالي خطراً.
في المقابل تؤكد السلطات العراقية على لسان وزيرة الهجرة ايفان فائق، بأن “الأجهزة الأمنية استأنفت التدقيق الأمني” بهؤلاء العائدين.
إلا أن ذلك لا يطمئن عمر الذي يتخوف من أن “القادم سيكون سيئاً لأنهم أصبحوا قريبين جداً علينا”. ويردف “بعضهم قنبلة موقوتة”.
لا تزال مسألة النازحين في العراق عالقة ومعقدة.
فبعد ثلاث سنوات من إعلان العراق هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، لا يزال هناك 1,3 مليون نازح، في مقابل 3,2 ملاينن في العام 2016، وفق الأمم المتحدة.
وكان التنظيم المتطرف اجتاح مساحات واسعة من العراق في 2014، وتسببت ممارساته وانتهاكاته لا سيما في حق الأقلية الايزيدية، ثم المعارك مع القوات الحكومية لطرده، بموجات نزوح.
– “هل الحكومة قادرة؟” –
ويقطن خُمس النازحين في مخيمات، فيما تستأجر الغالبية منازل رغم قلّة مداخيلها المالية.
ومنذ سنوات، يعلن العراق نيته إغلاق المخيمات، لكن السلطات سرّعت العملية بشكل كبير خلال الأشهر الماضية. ولم يعد نحو نصف سكان تلك المخيمات إلى المناطق التي يتحدرون منها، وفق منظمة الهجرة الدولية، رغم أن السلطات تقول إن حملة الإغلاق هذه تضمن عودة النازحين إلى بيوتهم.
ويشرح تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن “مخيمات النازحين أغلقت مؤخراً من قبل الحكومة العراقية، على الرغم من أن العديد من النازحين لا يملكون إمكانية العودة إلى مناطقهم”.
ويضيف أنه “كان من المخطط لبعضهم أن يعودوا إلى بيوتهم لكن أرغموا على التراجع بسبب رفض السكان المحليين لهم”.
رغم كل ذلك، تشدد وزيرة الهجرة ايفان فائق في حديث للإعلام الرسمي على أنه “سيتمُّ دمجهم في مجتمعاتهم ومناطقهم الأصلية عند عودتهم”.
يشكك عمر الحسيني وهو ناشط مدني من سكان مدينة الموصل ونزح خلال فترة سيطرة التنظيم عليها، بإمكانية الدولة العراقية فعلاً على إعادة دمج تلك العائلات.
ويقول لوكالة فرانس برس “على الحكومة العراقية التعامل بحذر مع هذه العائلات لأنها أمضت خمس سنوات في مخيم الهول، يجب إعادة تأهيلها ودمجها بالمجتمع”، لكن “هل الحكومة العراقية على استعداد وقادرة على دمج هؤلاء في المجتمع وحمايته منهم؟”.