القضاء الجزائري يحكم على الكاتب بوعلام صنصال بالسجن خمس سنوات مع النفاذ

أصدرت محكمة الدار البيضاء للجنح بالجزائر الخميس حكما بالسجن خمس سنوات مع النفاذ في حق الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال الموقوف منذ تشرين الثاني/نوفمبر في خضم أزمة دبلوماسية خطيرة بين الجزائر وباريس.
وجاء في منطوق حكم القضية، وفق ما أفاد مراسل لوكالة فرانس برس، “حكمت المحكمة حضوريا ابتدائيا على صنصال بوعلام بالسجن النافذ 5 سنوات وغرامة مالية 500 الف دينار” أي حوالى 3500 يورو.
ويبقى امام الكاتب 10 ايام لاستئناف الحكم امام المجلس القضائي.
وكانت النيابة طالبت خلال المحاكمة التي جرت في 20 آذار/مارس ضعف هذه العقوبة، 10 سنوات سجنا وغرامة مليون دينار (700 يورو) بتهم “المساس بوحدة الوطن وإهانة هيئة نظامية”.
وأوقف صنصال في الجزائر بعد تصريحات أدلى بها لصحيفة فرنسية قريبة من اليمين المتطرف، وتبنى فيها طرحا مغربيا بأن قسما من أراضي المملكة اقتطع في ظل الاستعمار الفرنسي وضمّ للجزائر.
وجاء توقيفه في 16 تشرين الثاني/نوفمبر وسط أزمة دبلوماسية تسبّب بها إعلان باريس الصيف الماضي تأييدها تطبيق الحكم الذاتي في الصحراء الغربية، وهو موقف يلتقي مع طرح مغربي حول هذا الإقليم.
والصحراء الغربية مستعمرة إسبانية سابقة مطلة على المحيط الأطلسي تصنفها الأمم المتحدة ضمن “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي”، ويسيطر المغرب على 80 في المئة من أراضيها، ويدعو الى حكم ذاتي فيها. وتطالب جبهة “بوليساريو” المدعومة من الجزائر باستقلالها.
عقب الإعلان عن الحكم، دعا محامي صنصال، الفرنسي فرنسوا زيميراي، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلى “الإنسانية” من خلال العفو عن الروائي، لأن “سنّه وحالته الصحية تجعل كل يوم من السجن أكثر قسوة”، كما قال.
كما أعربت فرنسا عن أسفها لإدانة الكاتب، داعية السلطات الجزائرية إلى إيجاد حل “سريع، إنساني ومشرّف لهذا الوضع”، بحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان.
ودخل الكاتب (80 عاما بحسب ناشره) الذي يعاني من مرض السرطان، قاعة المحكمة غير مقيّد اليدين برفقة عناصر من الشرطة، وظهر حليق الرأس ومرتديا بزة خضراء، ثم أخذ مكانه في القاعة قبل ان يناديه القاضي ليسمع الحكم.
سأله القاضي “هل سمعت الحكم؟”، فردّ بالنفي. فطلب منه القاضي الاقتراب منه وأعاد له النطق بالحكم باللغة الفرنسية، بحسب مراسل وكالة فرنس برس. ثم غادر القاعة مع عناصر الشرطة.
– “الحس السليم” –
ونفى الروائي خلال المحاكمة أي نية للإضرار ببلده، معتبرا أنه “مجرد تعبير عن الرأي، كما يفعل أي مواطن جزائري”، ومشيرا إلى “عدم إدراكه لما قد تحمله بعض عباراته من مساس بالمؤسسات الوطنية”، بحسب ما أوردت صحيفة “الشروق” الجزائرية التي حضرت المحاكمة.
قبل النطق بالحكم، رأى محللون أن مصير صنصال قد يلعب دورا حاسما في تهدئة أكبر أزمة دبلوماسية في العلاقات بين الجزائر وباريس منذ عقود، من خلال “إدانة مخففة أو مع وقف التنفيذ لأسباب طبية” أو حتى عقوبة سجن “يتبعها عفو رئاسي” في نهاية رمضان.
ويقول المحلّل في مركز البحث في شؤون العالم العربي والمتوسط في جنيف حسني عبيدي أن تبون يتمنى “نتيجة سريعة ومشرفة”. وبمجرّد حلّ قضية صنصال، يرى أنه سيكون لدى ماكرون مساحة أكبر للتحرك لاستعادة السيطرة على ملف العلاقات مع الجزائر الذي يحتكره وزير داخليته برونو روتاليو، بحسب رأيه.
وفي تعليقه على الحكم تمنى ماكرون أن يتمكن الكاتب من “استعادة حريته” وأن “يتلقى العلاج” . وقال “أعلم أنني أستطيع الاعتماد على الحس السليم والإنسانية لدى السلطات الجزائرية لاتخاذ مثل هذا القرار” في إشارة إلى احتمال اصدار الرئيس الجزائري عفوا لصالح الكاتب.
وبات صنصال غير المعروف على نطاق واسع في فرنسا قبل هذه القضية، يحظى بتضامن واسع بين الفرنسيين. وتجمّع الثلاثاء مئات الأشخاص في باريس للمطالبة بالافراج عنه، بينهم شخصيات من اليمين المتطرف مثل مارين لوبان وإريك زمور.
ورأت مارين لوبن في الحكم الخميس أنه “بالنظر إلى عمره وحالته الصحية، هذا حكم بالسجن مدى الحياة”، معتبرة بوعلام صنصال “رهينة النظام الجزائري الذي يستخدمه لإرضاخ فرنسا”.
وقالت ماتيلد بانو من حزب اليسار الراديكالي “فرنسا الأبية” عبر منصة “أكس”، إن “جريمة الرأي يجب ألا يكون لها وجود. نحن نطالب مرة أخرى بإطلاق سراحه فورا”.
قبل سجنه، كان صنصال الذي شغل مناصب مسؤولية رفيعة المستوى في الحكومة الجزائرية سابقا، صوتا ناقدا للسلطة، لكنه كان يزور الجزائر بشكل عادي وكتبه تُباع فيها من دون قيود.
وتعتبر الجزائر نفسها ضحية لحملة من اليمين واليمين المتطرف الفرنسي الذي يكثف الدعوات لمعاقبة الجزائر، أو حتى قطع العلاقات معها. ويقود وزير الداخلية الفرنسي برونو روتاليو الذي يقوم بحملة لرئاسة حزب الجمهوريين اليميني، هذه المعركة.
وهدّد روتاليو الذي يعتبر نفسه صديقا لصنصال، بـ”ردّ متدرج”، بعدما رفضت الجزائر استقبال مؤثرين جزائريين طُردوا في كانون الثاني/يناير من فرنسا بعد تهديدهم معارضين على الإنترنت.
وأشار الوزير الفرنسي أيضا إلى الجزائر بعد هجوم دام في 22 شباط/فبراير في فرنسا نفذه جزائري فرضت عليه السلطات مغادرة ترابها، ورفضت الجزائر مرات عدة استعادته.
بور-ع د/رض