المكتب الفدرالي للهجرة يعِـدُ بتطبيق صارم للقوانين الجديدة
التطبيق الصارم لقوانين اللجوء والأجانب ومكافحة الجريمة واعتماد سياسة فعالة لإدماج المهاجرين، هي العناوين الكبرى لبرنامج عمل المكتب الفدرالي للهجرة سنة 2008.
وأشاد إدوارد غنيسا، مدير المكتب الفدرالي خلال ندوة صحفية في برن، بالقوانين الجديدة المنظمة للهجرة والتي دخلت حيِّـز النفاذ في يناير 2008، وقال إنها “كفيلة بوضع حدٍّ للانتهاكات التي يرتكِـبها بعض الجانحين”.
وفُـهم ذلك، على أنه رفضٌ ضِـمني للمبادرة التي تقدّم بها حزب الشعب (يمين متشدد) هذا الأسبوع، والتي تدعو إلى تعديل دستوري يسمح بطرد الأجانب الذين يرتكبون مخالفات بشكل آلي، ومن دون الرجوع إلى القضاء.
ويؤكد المسؤولون في الجهاز الحكومي، أن هذه القوانين تضمَـن احترام الدستور وسيادة البلاد وتوفر الإطار القانوني والمبادئ التوجيهية الضرورية، لرسم سياسات تُـعزز الاندماج وتستجيب لتوصيات تضمّـنها تقرير حكومي صدر السنة الماضية، وأكّـد أن فئة هامة من المقيمين الأجانب، تواجه مصاعب كبرى للاندماج في المجتمع.
حوافز مُـغرية
وفي هذا السياق، عدّد ماريو غاتِّـيكر، نائب مدير المكتب الفدرالي للهجرة، الذي كان يتحدّث خلال اللقاء الصحفي، الإجراءات التي ستعتمدها الحكومة هذه السنة لتيْـسير عملية الاندماج، مشيرا إلى أن بعض هذه الإجراءات تحفيزي وبعضها الآخر زجري، وربط التقدم في هذا المستوى بتعاون الكانتونات والبلديات.
فعلى المستوى التحفيزي، أشار ماريو غاتيكر إلى أن “الأشخاص المقيمين بشكل مؤقت والذين تقدّر السلطات المحلية أنهم مندمجون بشكل مُـرضٍ، سيكون بإمكانهم الحصول على إقامة دائمة بعد خمس سنوات من دخولهم البلاد”.
كما أكّـد عزم الحكومة على “زيادة دعمها المالي لمشروعات الاندماج إلى 16 مليون فرنك، بعد أن كانت 14 مليون فقط، والتزامها بتخصيص 6000 فرنك لكل لاجئ أو أجنبي مقيم بشكل مؤقت، من أجل تعلم لغة وطنية أو الحصول على تدريب مِـهني يساعده على الانخراط في سوق العمل”.
لكن هذه الخطوات تظل، بحسب روزيتا فيبيّ، عالمة الإجتماع السويسرية المتخصصة في دراسات الهجرة، “قاصرة عن إحداث تغيير فعلي في الواقع، لأنها لا توفِّـر للأجانب نفس الفُـرص المتاحة للسكان الأصليين ولا تسمح لهم بالمشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية على قَـدم المساواة مع بقية المواطنين”.
وتنتقد دونيس غراف، المسؤولة على قضايا حقوق الإنسان بمنظمة العفو الدولية بسويسرا، حالات الطرد التعسّـفي، الذي يتعرض له الأجانب والإرهاب النّـفسي المسلّـط على عائلاتهم، وتقول: “مَـن مِـنّـا لم يرتكب أخطاءً في صِـغره، ولكن الزمن كان كفيلا بردِّنا إلى الصّـواب، ولماذا تُـعطى الفرص للشباب السويسري لتدارُك أخطائه، ولا تمنح تلك الفرصة للشباب ذوي الأصول الأجنبية”؟
عقد الاندماج
ولحمل الأجانب على الانفتاح على المجتمع المحلي وتبني ثقافته وقِـيمه، يحُـث المكتب الفدرالي للهجرة الكانتونات على اعتماد صيغة “عقد الاندماج”، وهو مقترح سبق أن تقدّم به الحزب الاشتراكي سنة 2006، لكن تنفيذه اقتصر حتى الآن، على عدد محدود من الكانتونات، كزيورخ وبازل وسولوتورن.
وبمقتضى هذا الإجراء، يلتزم المهاجرون من خارج البلدان الأوروبية بمتابعة دروس في اللغة والمشاركة في دورات تهدِف إلى التعريف بثقافة البلاد ونظامها الاجتماعي، وينص القانون على أن حضور تلك الدروس مُـلزم ومنتظم.
كما يترك هذا الإجراء الفرصة للأجانب الذين يواجهون الطرد التعسّـفي من البلاد، إما بسبب تصرّفاتهم المخالفة للقانون أو لأسباب خاصة، بمتابعة تلك الدورات، إذا أرادوا مراجعة قرار الطّـرد.
لكن فكرة فَـرض الاندماج من خلال عقد مُـلزم، أمر لا يقبل به مهدي المسعدي، الخبير في مجال العُـنف الحضري، “لأن الاندماج عملية متبادَلة، يشارك فيها المهاجرون والسكان الأصليون على حدٍّ سواء، ومن المهم أن ينفتح السويسريون عن الأجانب وأن يعترفوا لهم بالفضل في بناء هذه البلد ورفاهيته”.
حقيقة تُـشدد عليها أيضا دونيس غراف، التي ترى أن “سويسرا قد تأخّـرت كثيرا في إدماج الأجانب، وما يحصل اليوم من عنف واضطرابات، هي نتيجة حتمية لغِـياب التكافُـؤ في الفرص وتخلِّـي الدولة عن دعم الفئات الضعيفة”.
وليس المهم، بحسب مهدي المسعدي، “إتِّـباع نمط ثقافي بعينه، بل التعايش في سِـلم وأمن بين جميع الفئات، على أساس من الاحترام المتبادَل ومن التّـسامح”.
والملفت أن هذه الإجراءات لا تستثني الأشخاص القادمين من خارج أوروبا لإعطاء دورات دينية أو تعليم إحدى اللغات، كالتركية أو العربية. وفي هذا السياق، تعتزم الحكومة مستقبلا، دراسة الطلبات بدقّـة وعناية وتقييم مدى توفّـر المعايير القانونية اللازمة، لمنح ترخيص العمل وحق الإقامة.
“حصيلة إيجابية”
وبعد سنة من دخول قانون اللّـجوء الجديد حيِّـز النفاذ، أعلن المكتب الفدرالي للهجرة عن رِضاه عن “الحصيلة الإيجابية”، إذ ارتفعت نسبة اللاجئين الذين قدّموا أوراقا ثبوتية خاصة عند تقديمهم لطلب اللجوء بنسبة 9%، وارتفعت نسبة المشتغلين بين صفوف المقبولين مؤقّـتا من 37% إلى 40%.
وبخصوص القوانين الجديدة للجوء، تقول دونيس غراف، منسّـقة ملف اللجوء، والمسؤولة على قضايا حقوق الإنسان بمنظمة العفو الدولية بسويسرا: “إن تنفيذها لم يحترم لا القانون الدولي ولا القانون السويسري، وأن لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب قد أدانت سويسرا عدّة مرات، كان آخرها حالة الصحفي الكونغولي، الذي رفض المكتب الفدرالي للهجرة دراسة طلبه للجوء”.
ومن الحالات الحرِجة، التي تسبّـب فيها تنفيذ هذا القانون، تُـضيف المسؤولة بمنظمة العفو الدولية: “تعرّض العديد من العائلات والأطفال الذين يقيمون في سويسرا منذ 12 سنة، ويزيد إلى قطع المعونات الاجتماعية عليهم ويعيشون منذ عدّة أشهر على مساعدة طارئة تقدّر بثمانِ فرنكات في اليوم”.
وخلال سنة واحدة، بلغت الحالات الحرجة التي تسبّـب فيها تنفيذ هذه القوانين في الكانتونات الروماندية بمفردها، بما يوازي 948 حالة، وفيما يتعلق بالطّـرد التعسّـفي، تم تنفيذ 77% من الحالات، وامتدت فترة الإيقاف التي تسبق الطرد في الغالب، إلى 12 يوما فقط، مما حدّ من فُـرص الاتصال بالمحامين أو الاستعانة بتدخّـل الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان أو المعنية بشؤون اللاجئين.
عبد الحفيظ العبدلي – برن
يوم الجمعة 15 فبراير 2008، تقدم حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) بمبادرة شعبية موقّـعة من طرف 211.000 مواطنا سويسريا، تدعو إلى طرد الجانحين الأجانب.
والحزب، الذي يعتبر القوانين الجاري العمل بها غير كافية لمحاربة الجريمة، يسعى إلى تضمين الدستور الفدرالي نصّـا مفصّـلا بالجرائم، التي يعتبِـر أنها تُـبرر طرد الأجنبي بعد إكماله لمدّة العقوبة بشكل آلي ومن دون عرضه على القضاء.
ومن الجرائم التي يُـشير إليها نصّ المبادرة: القتل والاغتصاب والنهب المسلح والاتجار في المخدرات والاتجار بالجنس والتحايل من أجل الحصول على المساعدات الاجتماعية.
وتتضمّن المبادرة نصّـا جاء فيه: “كل شخص يرتكب إحدى الجرائم سابقة الذّكر، يُـطرد مباشرة إلى بلده”، وهذا بغضّ النظر عن وضعه الشخصي أو الوضع العام في بلده الأصلي، وهو ما يتعارض بشكل صريح مع اتفاقيات جنيف ومع العديد من المواثيق الدولية.
وظنا منه أن الكانتونات، إن تُـرك لها الخيار، لن تلتزم حرفيا بهذا النص، يسعى حزب الشعب السويسري إلى أن تكون هذه الأخيرة مُـلزمة في النهاية بتنفيذ هذا النص، إذا ما نجح في الاستفتاء الشعبي.
ولا يتوقّـف النص عند هذا الحد، بل إنه ينادي في مبادرته، بسحب حق الإقامة من العائلة التي ينحدر منها القاصر الذي يرتكب أحد الجرائم، ويطالب باعتماد نظام الجنسية لفترة تجريبية مؤقته تمتد لخمس سنوات.
وإذا ما نجح الحزب في تمرير هذا القانون، فإنه سيخلق وضعا أشبه ما يكون بنظام الميْـز العنصري.
تنص المادة 54 من القانون الجديد المنظّـم للهجرة على أن: “منح رخصة بالإقامة العادية أو الإقامة قصيرة الأجل، يمكن أن يكون مشروطا بحضور دروس تعلّـم أحد اللغات الوطنية أو الدورات الهادفة إلى التعرف على خصوصيات النظام السويسري، ويمكن لهذين الشرطين أن يضمنا في عقد اندماج، يوقع عليه مسبقا كل طالب للإقامة”.
بلغ العدد الإجمالي للأجانب المقيمين في سويسرا حتى موفى ديسمبر2007، ما عدده 1.570.965 مقيما أجنبيا، وهو ما يمثل 21% من مجموع السكان في البلاد.
الجنسيات الأجنبية الأكثر عددا في سويسرا هي على التوالي: إيطاليا (289.589) وألمانيا (201.889) وصربيا (187.365) والبرتغال (182.324) وفرنسا (77.433) وتركيا (72.633).
تراجع عدد الحاصلين على الجنسية السويسرية من 46.711 شخصا سنة 2006، إلى 43.889 شخصا سنة 2007.
بلغ عدد الذين هاجروا إلى سويسرا سنة 2007، زهاء 140.000 شخصا.
في عام 2007، بلغ عدد المهاجرين السويسريين 670.000 مهاجرا، 60،3% منهم يقيمون في الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي.
يبلغ عدد الأجانب الذين يُـطردون طردا تعسّـفيا بسبب الانحراف والجريمة، 450 أجنبيا في السنة، وأكثر الكانتونات إتِّـباعا لهذا الإجراء كانتون فو، تليه زيورخ ثم سانت غالن، وفي المقابل، أقل الكانتون ممارسة للطرد التعسفي، التيتشينو والجورا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.