الولاياتُ المتحدة وعامُ الفضائح السياسية
حينما طوى الأمريكيون الصفحة الأخيرة من عام 2007، تذكروا بالتأكيد كيف أنه كان عام الفضائح السياسية في البيت الأبيض.
فقد شهدت الشهور الأولى كشف النِّـقاب عن تورّط عدد كبير ممن عملوا مع الرئيس جورج بوش.
شهدت الشهور الأولى كشف النِّـقاب عن تورّط سكوتر ليبي، مستشار نائب الرئيس تشيني في الحنث باليمين والكذب على محكمة فدرالية وعرقلة العدالة والتحقيق في قضية الانتقام من السفير الأمريكي الأسبق في العراق جوزيف ويلسون، بسبب مجاهرته بانتقاد الحرب التي شنَّـها الرئيس بوش على العراق من خلال الكشف عن دور زوجته فاليري بالمي، كعميلة للمخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط للصحافة الأمريكية، مما حال دون استمرارها في مهامها، واضطر الرئيس بوش للتدخل بعفو رئاسي، للحيلولة دون سجن مستشار نائبه ديك تشيني.
ثم لاحقت لعنة نفس القضية مستشار الرئيس بوش للشؤون السياسية كارل روف، الذي كان يُـعدّ عقله المدبِّـر ومهندس انتخابات الرئاسة ويده اليمنى في البيت الأبيض، ليضطر إلى تقديم استقالته بضغوط شديدة من أعضاء الكونغرس من الحزبين.
كذلك، اضطر وزير العدل الأمريكي ألبرت غونزاليس إلى تقديم استقالته، بعد مطالبة اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ الأمريكي بعزله لتورّطه في قضية طرد عدد من ممثلي الإدّعاء العام من مناصبهم في وزارة العدل، لمعارضتهم لسياسات الرئيس بوش.
وتوّج عام 2007 إدارة الرئيس بوش بفضيحة جديدة قُـرب نهاية العام، تمثلت في الكشف عن تدمير شرائط المخابرات الأمريكية التي سجَّـلت عمليات إجبار عدَد من المتَّـهمين بالتَّـورط في عمليات الإرهاب، على الإدلاء بشهاداتهم باستخدام وسائل ترقى إلى التعذيب.
عام الحملات الانتخابية المبكّـرة
وعلى عكس النمط المعتاد في انتخابات الرئاسة الأمريكية، حيث تبدأ حملات السعي للفوز بترشيح الحزبين الجمهوري والديمقراطي لخوض معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية قبل عام واحد فقط من موعد إجرائها، شهدت بدايات عام 2007 سعيا مبكّـرا وبداية سابقة لأوانها، حيث بدأت الحملات الانتخابية قبل عامين من موعدها في شهر نوفمبر 2008.
ويرى المحللون السياسيون أن ذلك يعود إلى حالة الإحباط الشعبي الشديد من سياسات الرئيس بوش وتدنّـي شعبيته إلى 36% والرغبة العارمة في إيجاد بديل أكثر كفاءة وكياسة في التعامل مع العالم، حيث أظهرت كثير من استطلاعات الرأي العام خلال عام 2007 ارتفاعا لا يسبَـق له مثيل في المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في أكثر من 26 دولة في أنحاء العالم.
وقد ارتبط هذا التحوّل بنجاح الديمقراطيين في استعادة أغلبيتهم في الكونغرس بمجلسيه، وسرعان ما احتدمت المنافسة على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي بين السناتور هيلاري كلينتون والسناتور باراك أوباما، ومن خلفهما السناتور جون إدوارد، فيما شهدت الشهور الأخيرة من عام 2007 انقلابا في شعبية المرشحين عن الحزب الجمهوري، حيث تراجعت شعبية رئيس بلدية نيويورك الأسبق رودي جولياني، وقفز إلى المقدمة المرشح الجديد مايك هاكابي وتلاه حاكم ماساتشوستس السابق، مت رومني.
غير أن الانتخابات المحلية في أنحاء الولايات المتحدة أظهرت تحولا بين الناخبين الأمريكيين بشكل عام، بعيدا عن الحزب الجمهوري.
وفي هذه الأجواء المتفائلة بعودة الديمقراطيين إلى مِـقود القيادة في الكونغرس والأمل في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، تمكَّـنت النائبة الديمقراطية نانسي بيلوسي من أن تصبح أول زعيمة لمجلس النواب في التاريخ الأمريكي، كما ارتفعت أسهم آل غور، النائب السابق للرئيس كلينتون خلال عام 2007، بسبب جهوده الدؤوبة للتوعية بعواقب ظاهرة الاحتباس الحراري من جرّاء تلويث البيئة بالمخلفات الصناعية، ووصل تكريمه إلى حدّ فوزه بجائزة نوبل للسلام وجائزتي أوسكار عن فيلمه “الحقيقة غير المريحة”، الذي صوّر فيه آثار وأخطار الاحتباس الحراري في مناطق كثيرة من العالم.
بوش بين العراق وإيران
ومع تمتُّـع الديمقراطيين بالأغلبية في الكونغرس بمجلسيه والتزامهم للناخبين الأمريكيين بالضغط على إدارة بوش لتغيير السياسة الأمريكية في العراق وبدء سحب القوات الأمريكية من العراق، تصاعدت خلال عام 2007 المجابهة بين الرئيس وبين الكونغرس حول استراتيجية الرئيس في العراق وما رآه زعماء الكونغرس من الحزب الديمقراطي، كأخطاء فادحة في تلك الاستراتيجية، مما اضطر الرئيس بوش إلى انتهاج استراتيجية اعتمدت زيادة القوات الأمريكية في بغداد وضواحيها، بهدف تأمين العاصمة العراقية وتخفيض العُـنف الطائفي، لتمهيد المناخ لعملية مصالحة وطنية بأمل إمكان إسناد المهام الأمنية للقوات العراقية.
وسرعان ما تفاوتت أسُـس تقييم تلك الاستراتيجية الجديدة، فاتَّـهم الديمقراطيون بأنها فشلت، وتفنَّـنت إدارة بوش ومناصروها من الحزب الجمهوري في تبيان أوجه النجاح الذي حققته، إلا أن الديمقراطيين واصلوا استخدام أغلبيتهم في الكونغرس في المماطلة في توفير اعتمادات تمويل استمرار الحرب في العراق، إلى أن يحصلوا على تعهُّـد بجدول زمني للانسحاب، واضطر قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال ديفيد بتريوس إلى التعهد للجنة مشتركة في الكونغرس بسحب ثلاثين ألف جندي من العراق بحلول شهر يوليو عام 2008.
وبينما شهد عام 2007 تصاعُـدا متواترا في المجابهة بين الولايات المتحدة وإيران حول البرنامج النووي الإيراني، وأدرجت الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب واتَّـهمته بنشاطات لنشر أسلحة الدمار الشامل، ووصلت تلك المجابهة في بعض الأحيان إلى التلويح بشنّ حرب شاملة أو توجيه ضربات إجهاضية ضد المواقع النووية الإيرانية، بتحريض مستديم من إسرائيل للولايات المتحدة، وتحفيز متواصل من الولايات المتحدة للمجتمع الدولي، وخاصة داخل مجلس الأمن، لفرض المزيد من العقوبات الدولية على إيران، إذا بإدارة الرئيس بوش تضطر إلى اتخاذ إجراء مفاجئ لمنع إراقة ماء وجهها من خلال تقرير للمخابرات الأمريكية يُـثبت أن البرنامج النووي الإيراني قد توقَّـف بعد شن الحرب على العراق، وبالتالي، لم يعد هناك مُـبرر لشنِّ حرب على إيران، وإن استمرت إدارة بوش في طنطنتها الكلامية في التحذير مما تصفه بالخطر الذي يشكله الطموح النووي الإيراني على السلام العالمي.
شجون أخرى على الطريقة الأمريكية
وكما بدأ عام 2007 بإراقة دماء الأبرياء من الطلاب الأمريكيين والأجانب في جامعة فيرجينيا، حينما حصدت أرواحهم رصاصات طالب مختل عقليا، انتهت أيام عام 2007 بحادث اغتيال زعيمة المعارضة الباكستانية بي نظير بوتو، وهو حادث يرغم الإدارة الأمريكية على إعادة حساباتها بالنسبة لما يمكن أن يكون له من عواقب على مستقبل التعاون الأمريكي الباكستاني، فيما يسمى بالحرب على الإرهاب، حيث من المتوقع أن تشهد باكستان مرحلة ممتدة من الاضطرابات العنيفة، خاصة بعد مقاطعة نواز شريف، القطب الآخر في المعارضة الباكستانية، للانتخابات المقرر إجراؤها قريبا.
وعلى الصعيد الاقتصادي، شهدت الولايات المتحدة خلال عام 2007 هبوطا قياسيا في قيمة الدولار بالنسبة للعملات الرئيسية الأخرى، وانخفاضا في ثقة المستهلك الأمريكي في كفاءة الاقتصاد الأمريكي، خاصة بعد أزمة القروض العقارية التي انطوت على منح قروض ضخمة للأمريكيين لتمويل شراء منازل فخمة، دون توفر ضمانات لقدرتهم على دفع الأقساط الشهرية، مما أدى إلى استيلاء البنوك على عشرات الآلاف من تلك المنازل وطرحها للبيع من جديد بأسعار تقِـل كثيرا عن قيمتها، مما أسفر عن خسائر في قطاع القروض العقارية تُـقدر بألف ومائتي مليار دولار.
كما شهدت ولاية كاليفورنيا هجرة قسرية لحوالي مليون مواطن، بسبب حرائق الغابات في المناطق المحيطة بلوس آنجلوس وسان دييغو، وأسفرت عن تدمير أكثر من ألف منزل.
إن نظرة عامة على أحداث عام 2007 في الولايات المتحدة، تجعل أي أمريكي يتطلَّـع بشوق عارم إلى العام الجديد، لعله يحمل شيئا من التغيير والتفاؤل بواقع سياسي واقتصادي أفضل، رغبة في الخروج من النفق المظلم الذي أوقعت فيه إدارة الرئيس بوش الولايات المتحدة وشعبها، بل والعالم بأسره، من خلال سياسات إدارة بوش وممارسات رموز المحافظين الجدد في تلك الإدارة.
محمد ماضي – واشنطن
دبي (رويترز) – قال محللون في العالم العربي إن التقرير الذي طال انتظاره لديفيد بتريوس، قائد القوات الأمريكية في العراق، لا يقدم أفكارا جديدة لإنهاء نزيف الدم هناك، ويوحي بأن واشنطن خسِـرت الحرب، سواء ظلت قواتها في العراق أو رحلت عنه.
وفي مواجهة مطالب الديمقراطيين في الكونغرس وأعداد كبيرة من الناخبين الأمريكيين بإنهاء العمليات الأمريكية في العراق، أوصى بتريوس بخفض عدد القوات الأمريكية في العراق بنحو 30 ألفا في شهر يوليو القادم، منهيا مرحلة زيادة القوات الأمريكية في العراق، لكن دون تغيير يذكر في استراتيجية الحرب التي لا تلقى تأييدا من الرأي العام الأمريكي.
واقترح بتريوس خفض القوات الأمريكية إلى نحو 130 ألف جندي بحلول الصيف المقبل، وهو عدد الجنود قبل الزيادة التي أمر بها الرئيس الأمريكي جورج بوش هذا العام.
ويشعر محللون من شتى أنحاء العالم العربي بخيبة أمل في شهادة بتريوس أمام الكونغرس في واشنطن وفي شهادة رايان كروكر، السفير الأمريكي في العراق أمام الكونغرس، وقالوا إنها عرضت بشكل يخدم سياسة بوش ويحول دون أي تغير ملموس في التوجه.
وقال خالد الدخيل، أستاذ العلوم الاجتماعية في المملكة العربية السعودية “واشنطن تريد أن تعيد الموقف في العراق إلى الصفر إلى فترة ما قبل زيادة القوات، وهو ما يعني أنه لا تحسن، الأمور لا تتحرك قدما حقيقة”.
وقدم بتريوس وكروكر تقريرهما في جلسة استماع للكونغرس في وقت حساس من المناقشات الدائرة في الولايات المتحدة حول حرب العراق، التي تعهد بوش بالمُـضي قدما فيها، بينما يطالب الديمقراطيون الذين يسيطرون على الكونغرس الآن بضرورة إنهائها.
وقال بتريوس والسفير الأمريكي في العراق في شهادتيهما، انهنا لمسا تقدّما في العراق ودافعا عن قرار بوش زيادة القوات في صراع مستمر منذ خمسة أعوام، وتسبب في مقتل 3700 جندي أمريكي وعشرات الآلاف من العراقيين.
ويقول منتقدون رغم ذلك، إن أي نجاحات عسكرية لا تواكبها مصالحة بين الطوائف والأعراق العراقية.
وقال بتريوس، إن حجم أعمال العنف انخفض ويمكن تحقيق النصر في الحرب في نهاية المطاف، خاصة بعد أن انقلب زعماء عشائر في محافظة الأنبار، التي تقطنها غالبية سُـنية ضد تنظيم القاعدة، وكانت محافظة الأنبار من أكثر محافظات العراق اضطرابا.
وقال سليمان عواد إبراهيم، من مركز أبحاث الخليج، إنه شيء مثير للقلق أن تعتمد واشنطن على زعماء العشائر لإخراج القاعدة. وأضاف في تصريح لرويترز “كيف لعدد قليل من العشائر، وهي في الحقيقة ميليشيات في الانبار، أن تفعل ما لم يتمكن من القيام به 160 ألف جندي أمريكي. هناك شيء خطأ، الولايات المتحدة هي في نهاية الأمر القوة العظمى الوحيدة في العالم”.
“حين تفقد حكومة ما مصداقيتها لا بين الشعب المحتل، بل بين شعبها، من الصعب جدا أن تستعيد الثقة في أن تنجز مهمتها.”
وقال بتريوس في شهادته إن عددا كبيرا من المفجرين والتكنولوجيات التي يستخدمونها ضد القوات الأمريكية والعراقية، يجيئون من إيران وسوريا، جارتي العراق، وهما على علاقات سيِّـئة مع واشنطن.
وتقول سوريا، إنها تبذل قصارى جهدها للسيطرة على حدودها مع العراق. وقالت صحيفة الثورة السورية الرسمية، إن الولايات المتحدة غير قادرة على الاعتراف بأخطائها منذ غزو العراق عام 2003 أو تصحيحها.
وأضافت في تعليقها “من استمع إلى ديفيد بتريوس، وهو يتحدث عن التدخلات في الشأن العراقي، وأنها تزيد من مستوى العنف هناك يتأكد أن الأمريكيين لم يتعلموا أي شيء خلال الفترة السابقة وما زالوا في حالة مكابرة وعناد لن يوصل إدارة بوش إلا إلى دروب مغلقة.”
ومع تواصل العنف الطائفي في العراق وعدم رغبة واشنطن في تغيير المسار أو عدم قدرتها على ذلك، يقول بعض المحليين إنهم يخشون تقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام، كردي في الشمال وسُـني في الوسط على أن تسيطر على الجنوب أحزاب وميليشيات شيعية قريبة من إيران.
وقال مصطفى اللبادي، وهو محلل مصري وخبير في شؤون إيران “خيارات الولايات المتحدة في العراق مظلمة. حلفاؤهم الأكراد يريدون دولة منفصلة والشيعة موالون لإيران”.
“إذا انسحبت الولايات المتحدة من العراق، سيرزح تحت النفوذ الإيراني. الموقف الحالي أيضا في صالح إيران.. وأحد أهداف التقرير هو وضع إيران على مقعد الاتهام بأنها تستهدف القوات الأمريكية في العراق من خلال حلفائها المحليين”، وأضاف “الموقف يبدو كمباراة في الملاكمة يقوم الملاكمون فيها بالتحضين. أمريكا غير قادرة على الفوز بالضربة القاضية أو إحراز إي نقاط”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 سبتمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.