اليوبيل الذهبي لـ”مدينة السلام”
أحيت جنيف الذكرى الخمسين لتوقيع اتفاق سلام الهند الصينية الذي كان منطلقا للدور الذي لعبته جنيف كمدينة السلام.
واجمع المتدخلون على أن تلك المناسبة دشنت عودة الدبلوماسية السويسرية إلى لعب دور الوساطة بين القوى الكبرى، وهو دور يود البعض استمراره في الوقت الحالي.
لم يكن التحدي الأكبر الذي واجهته مدينة جنيف عند استقبالها في 26 أبريل من عام 1954 لآلاف المندوبين ولأكثر من 2000 صحفي وتقني، شاركوا وتابعوا المؤتمر الدولي للسلام حول صراع الهند الصينية، تأمين الأمن لهؤلاء المشاركين في أول مؤتمر دولي تحتضنه المدينة، بقدر ما كان تأمين السكن الملائم لهم والإستجابة لرغبات الوفود المختلفة.
هذا ما أوضحه رئيس بلدية جنيف كريستيان فيرازينو لدى افتتاحه للملتقى الذي نظم يوم 26 أبريل بمناسبة مرور 50 عاما على ما عرف باتفاقيات جنيف لعام 1954.
وقد سمح الملتقى الذي حضره عدد من الشخصيات التي عايشت الحدث، وبعض المؤرخين وممثلي السلطات الفدرالية والمحلية، بإلقاء الضوء على الدفعة التي مثلها تنظيم هذا المؤتمر الدولي بالنسبة لدور جنيف كمدينة السلام التي احتضنت المؤتمرات الدولية الكبرى ومفاوضات السلام الهامة.
ولئن كان المؤرخ الفرنسي جون لاكوتير قد ذكر بأن مؤتمر السلام في جنيف حول الهند الصينية سمح لفرنسا بالتخلص من كابوس التورط في المستنقع الفيتنامي بعد استسلام القوات الفرنسية في معركة ديان بيان فو في السابع مايو، والتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار بين رئيس الوزراء الفرنسي بيار مينديز فرانس ورئيس الوزراء الفيتنامي فام فاندونغ، فإنه يأسف في المقابل لكون هذه الهدنة لم تستغرق اكثر من خمسة أعوام لكي تستأنف المعارك من جديد، ولكن مع القوات الأمريكية هذه المرة، لتنتهي باتفاق باريس عام 1973.
جرأة الدبلوماسية السويسرية
ويعتبر المؤرخ السويسري أنطوان فلوري تنظيم مؤتمر السلام حول الهند الصينية في عام 1954، في وقت كانت تعرف فيه العلاقات الأمريكية السوفياتية توترا مشحونا، “تحديا يكمن في لعب دور الوسيط بين القوتين العظمتين”.
وأجمع المُتدخلون في هذا الملتقى على أن تنظيم هذا المؤتمر، رغم معارضة الولايات المتحدة الأمريكية، وتحقيق النجاح النسبي فيه بإبرام اتفاق وقف إطلاق النار بين فرنسا وفيتنام، سمح بتكريس “سياسة الحياد النشط” التي انتهجها المستشار الفدرالي ماكس بوتي بيار، خاصة وأن سويسرا دُُعيت قبل عام من ذلك للمشاركة في قوات مراقبة الهدنة بين الكوريتين، وهي المهمة التي لازالت تقوم بها لحد اليوم.
كما سمحت هذه البداية بتكريس الدور الدولي للدبلوماسية السويسرية الذي تميز بتنظيم القمة التي جمعت في قصر الأمم بجنيف خلال العام الموالي قادة الدول الكبرى الأربع، ايزنهاور وبولغانين وإيدغار فور وأنطوني إيدن، لمناقشة مستقبل ألمانيا.
وقد تعاقبت اللقاءات الدولية الهامة التي احتضنتها جنيف، نذكر منها لقاءات جورباتشوف ريغن، والأسد كلينتن، ومؤتمرات دولية حول يوغسلافيا السابقة وفلسطين وغيرها.
لكن البعض يبدي حسرة على عدم الاستفادة من تلك التجربة لتطبيقها اليوم. وقد عبر عن هذا الموقف الصحفي ومدير نادي الصحافة السويسري جي ميتان في مؤلف أصدره بهذه المناسبة بعنوان “جنيف مدينة السلام”. ويوضح ميتان في كتابه الجديد أنه كان لسويسرا آنذاك “تصور واضح وفعال لسياستها الخارجية، ولم تكن تحتمي وراء مفهوم عقيم للحياد”.
ويرى المؤلف أن نجاح تنظيم مؤتمر دولي بهذا الحجم في ظرف زمني قصير لا يتعدى شهرين، يعود لـ”التعاون والتفاهم الذي كان قائما بين السلطات المحلية والفدرالية آنذاك مقابل مشاعر الغيرة والتشكيك وعدم التفاهم السائدة اليوم”.
كما يعتبر أن عامل نجاح مؤتمر عام 1954، رغم قلة الخبرة، يعود إلى “الرغبة في الانفتاح على العالم الخارجي على عكس الإحساس المتزايد اليوم بالانغلاق على النفس”. ولا شك أن ظهور مبادرة جنيف بعد نشر هذا الكتاب قد يقلل نوعا ما من حدة هذا الحكم.
تكريس لوجود الصين كقوة عظمى
وإذا كان الجانب الفيتنامي يرى في مؤتمر جنيف حول الهند الصينية “فرصة كرست استقلال فيتنام وسمحت لدبلوماسية نظام هوشي مينه باكتساب خبرة استفاد منها في مفاوضات باريس مع الأمريكيين عام 1973″، كما جاء على لسان مدير معهد العلاقات الدولية بوزارة الخارجية الفيتنامية فام سانه شاو، فإن المؤرخ السويسري انطوان فلوري يرى أن أكبر إنجاز تمثل في “جلوس شوانلاي لأول مرة في مؤتمر دولي كممثل لقوة عظمى”.
وقد تولى عدد من الشخصيات المهتمة بمجال الثقافة والتنمية والمساعدة الإنسانية، من بينهم رئيس دائرة التعاون والتنمية السويسرية فالتر فوست ووزير الثقافة والإعلام الفيتنامي فام جوانغ نغي، في الجزء الثاني من الملتقى، مناقشة كيفية التحول من مرحلة محو الاستعمار إلى مرحلة التعاون والتنمية.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.