The Swiss voice in the world since 1935

بعد استعادة راوة لم تعد “دولة الخلافة” قادرة على تقرير مصير العراقيين

مبنى مدمر في راوة في 18 تشرين الثاني/نوفمبر بعدما استعادتها القوات العراقية من ايدي الجهاديين. afp_tickers

وسط موجات الغبار والرمال، تبدو لافتة “ديوان الصحة-ولاية الفرات” شاهدة على انتهاء الحكم الإداري لتنظيم الدولة الإسلامية في راوة، آخر بلدات “الخلافة” التي لفظ فيه الجهاديون آخر أنفاسهم في العراق.

هذه هي السنة الرابعة التي يغيب فيها حمزة محمود (13 عاما) عن مقاعد الدراسة. فمنذ وصول الجهاديين في العام 2014 إلى راوة، الواقعة في وسط الصحراء العراقية الغربية قرب نهر الفرات، لم يلحق بأي عام دراسي.

حياته اليومية كطفل، كانت خلال ثلاث سنوات عبارة عن قرارات الحظر والمنع والأنشطة الأخرى التي يفرضها جهاديو تنظيم الدولة الإسلامية.

كان يجب على سكان البلدة الذين يبلغ عددهم نحو 20 ألف نسمة، والمناطق المحيطة التوجه بانتظام إلى الأكشاك الجاهزة المركبة عند مدخل البلدة في الشوارع المغطاة بالرمال التي تجلبها الرياح.

على تلك الأكشاك، وضعت لافتة كتب عليها “نقطة إعلامية”. هناك، يتم إعلام سكان “دولة الخلافة” بالهجمات الجديدة لتنظيم الدولة الإسلامية أو سيطرته على أراض، وكل الاعتداءات الدامية للتنظيم.

وفي العام 2014، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على ما يقارب ثلث مساحة البلاد. لكنه اليوم فقد السيطرة تماما على أي بلدة من بلدات العراق المأهولة بالسكان.

كان الجهاديون يذكرون أهل راوة دائما بالقواعد “الشرعية” التي يجب عليهم الالتزام بها.

-“20 جلدة”-

يقول محمود الذي يرتدي سترة صفراء اللون عليها العلم الإيطالي “كان واجبا على الرجال إطالة لحاهم وتقصير جلابياتهم، وإلا يجلدونهم 20 جلدة”.

من جهته، يشير عارف عايد (67 عاما) بجلابيته ولحيته البيضاوين إن “داعش عطل الكهرباء والتلفون والتلفزيون لثلاث سنوات”.

وأعلنت القوات العراقية الجمعة فرض كامل سيطرتها على راوة آخر البلدات التي كانت خاضعة لتنظيم الدولة الإسلامية في البلاد غربا بمحاذاة الحدود مع سوريا.

وتعتبر راوة الواقعة في محافظة الأنبار الغربية، آخر منطقة كانت تتواجد فيها هيكلية حاكمة وعسكرية وإدارية للتنظيم المتطرف، لكن لا تزال هناك جيوبا أخرى فر إليها عناصر التنظيم في المناطق المجاورة. وبذلك، يكون تقلص وجود التنظيم المتطرف، وخسر موطىء قدمه الثابت الأخير، من دون مقاومة تذكر.

ويؤكد مسؤولون عسكريون ومحليون أن الجهاديين يفرون عموما إلى سوريا قبيل وصول القوات العراقية التي أعلنت هذه المرة عن وصولها من الجهة المقابلة من نهر الفرات، من خلال دعوة السكان عبر مكبرات الصوت إلى رفع الأعلام البيضاء، والجهاديين عبر موجات الراديو إلى الاستسلام.

وقبل أيام من اقتحام القوات العراقية لراوة، قال قائمقام قضاء راوة في محافظة الأنبار حسين علي لوكالة فرانس برس إن “هناك هروبا جماعيا لعناصر داعش من المدينة باتجاه الحدود العراقية” مع سوريا حيث تتقلص مناطق سيطرته أيضا.

وأضاف علي أن هؤلاء هربوا “بعد تكبد التنظيم خسائر بسبب الضربات الجوية وكذلك القصف بالمدفعية على مواقعهم بالمدينة”.

وكالعادة، ترك الجهاديون وراءهم منازل مهدمة وآليات محترقة ومدمرة، كما بعض منازل الأهالي التي كان يستخدمها كمخابئ ومصانع له، لم تعد اليوم إلا ركاما بفعل الغارات الجوية.

-“لسنا دواعش”-

لا تزال الحفر الضخمة متفاوتة بين الأبنية الحجرية التقليدية الواقعة في المنطقة القريبة من الفرات.

ولكن ما وراء الأضرار المادية، هناك جروح لا تزال مفتوحة في قلوب أبناء المنطقة التي يسكنها السنة.

ولأن المنطقة الصحراوية تلك الممتدة من الحدود السورية إلى أطراف بغداد، كانت لفترات طويلة معقلا لجماعات متطرفة توالت في العراق لسنوات، يتم الآن إلقاء اللوم على السكان.

يقول عايد “لقد أخذوا عنا نظرة أن أهل راوة كلهم دواعش، بل العكس، نحن لو كنا مع داعش ما كنا بقينا هنا” عند وصول القوات الحكومية.

مع دخولها إلى المناطق الصحراوية الغربية للعراق، كانت القوات العراقية التي تضم غالبية شيعية، مسنودة بالحشد العشائري الذي يضم فصائل سنية من أبناء المنطقة.

يقول أحد مقاتلي الحشد العشائري محمد الجغيفي بابتسامة عريضة “لقد حسمنا المعركة بالنصر في راوة”.

ويضيف بنبرة الواثق “اذا ما وجدت معارك جديدة ضد داعش، فنحن حاضرون”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية