مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد غزة.. الأردن يُـواجه الإبحار في منطقة مضطربة

يظل الشارع الأردني وخاصة المؤيدون فيه لتيارات المعارضة شديد التأثر بما يحدث في قطاع غزة وفي الأراضي الفلسطينية عموما (الصورة: مظاهرة جرت في العاصمة عمان يوم 25 يناير 2008) Keystone

يُـجسّـد موقف الشارع والحكومة الأردنية تُـجاه السلام والوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أبرز أسئلة السياسة الخارجية الأردنية تُـجاه القضية الفلسطينية، ولا تقِـف المفارقات عند ذلك، بل تمتَـد إلى الموقف من حركة حماس، التي تحكم قطاع غزة حالياً.

وفيما تُـصر الحكومة الأردنية على التّـمييز بين الجانب الإنساني والسياسي من الملف، لا ينجح هذا التفريق في إقناع الشارع الأردني.

بينما كان العاهل الأردني يلقي خطاباً في جامعة برنستون يوم الجمعة 29 فبراير في الولايات المتحدة، محذِّراً فيه من خطورة عدم تحقيق السلام في الشرق الأوسط وانتشار التطرف والراديكالية في المنطقة، كان الجيش الإسرائيلي قد بدأ هجوما دامياً على قطاع غزة، الذي تسيطر عليه حركة حماس الإسلامية، ما أدّى إلى عشرات القتلى، عدد كبير منهم من المدنيين والأطفال والنساء.

وعلى الفور، بثت فضائية الجزيرة المشاهد والصور المُـفزعة من غزة، بصورة مكثّفة مع مقابلات وتعليقات حماسية، فبدأت المسيرات والاحتجاجات تملأ الشارع الأردني، انطلاقاً من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وصولاً إلى النقابات المهنية والأندية والبرلمان والجامعات والمدارس، وقد تخللت هذه الفعاليات هتافات غاضبة من الحكومات العربية ومن رهانها على مسار السلام، وأُحرق العلم الإسرائيلي وأُلقيت الخطابات الجماهيرية، التي تنعي النظام الرسمي العربي.

أزمة العلاقة مع حركة حماس

هذا المشهد بما يحمِـله من فَـجوة كبيرة بين موقف الشارع والحكومة الأردنية تُـجاه السلام والوضع في الأراضي المحتلة الفلسطينية، يُـجسّـد أبرز أسئلة السياسة الخارجية الأردنية تُـجاه القضية الفلسطينية، ولا تقِـف المفارقات عند ذلك، بل تمتَـد إلى الموقف من حركة حماس، التي تحكم قطاع غزة حالياً.

فبينما تُـصر الحكومة الأردنية على التّـمييز بين الجانب الإنساني والسياسي، فمِـن جهة تُـعلن عن مساعدات طبّـية وغذائية وإنسانية لقطاع غزة، ومن جهة أخرى تُـعلن وقوفها الكامل مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مواجهة حماس، إلاّ أنّ هذا التفريق لا ينجح في إقناع الشارع الأردني، وقد برز ذلك بوضوح عندما استولت حركة حماس مؤخراً على شاحنة مساعدات أردنية في غزة، كانت الحكومة الأردنية قد أرسلتها إلى هيئة الهلال الأحمر الفلسطيني (المقربة من حركة فتح)، وبمجرد ما دشّن الإعلام الرسمي الأردني حملة إعلامية ضدّ خطوة حماس، انطلقت أصوات إعلامية أخرى تُـدافع عن موقف حماس وتُـبرره.

يرى الخبير الاستراتيجي في العلاقات الدولية والشؤون الإسرائيلية، د. حسن البراري، أنّ الأردن يؤيِّـد الرئيس عباس – على الرغم من ضعفه ومن أزمة حركة فتح – لأسباب إستراتيجية وأمنية، في مقدمتها الخِـشية من أنّ انهيار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية سيؤدّي إلى فراغ كبير تملؤه حركات إسلامية، ما يهدّد الأمن الوطني الأردني، وكذلك لأنّ عباس يقبل بمسار التسوية السِّـلمية وصولاً إلى إقامة دولة فلسطينية على أراضي عام 1967، وهو “المسار الذي تعتبِـره الدبلوماسية الأردنية بمثابة مصلحة إستراتيجية عليا”، على النقيض من موقف حركة حماس، الذي يقع في الخندق الإقليمي (الإيراني – السوري)، ما يتضارب مع المصالح الأردنية، على حدّ تعبير د. البراري.

الأزمة بين الحكومة الأردنية وحركة حماس ترتبط بالتركيبة السكانية الداخلية الأردنية أيضاً، إذ تشكل جماعة الإخوان المسلمين، الحليفة لحركة حماس، ثقلاً كبيراً في الشارع الأردني من أصول فلسطينية، وهو ما دفع بتيار عريض داخل مؤسسة الحُـكم إلى التّـحذير من تنامي نفوذ حماس وأدوارها داخل المجتمع الأردني من أصول فلسطينية، ما قد يعود بالأردن إلى أجواء عام 1970، عندما دخل الجيش الأردني في صِـراع مسلح مع المنظمات الفدائية الفلسطينية على أراضيه، أدّى إلى إخراجها ومقتل الآلاف من الأشخاص، ولا يخفي مسؤول أردني رفيع هذا الهاجس، بربطه النشاط الجديد لحركة حماس بمحاولة مدّ النفوذ إلى أوساط الأردنيين من أصول فلسطينية.

أبواب التسوية مواربة

وإذا كانت الحكومة الأردنية قد جعلت رِهانها الرئيسي على التسوية السلمية على اعتبار أنّها الخيار الذي يخدم المصالح الحيوية والإستراتيجية الوطنية، فإنّ المُـعضلة الأساسية تبدو في عدم جديّة إسرائيل في تقديم تنازلات حقيقية للفلسطينيين.

وفي هذا السياق، يرى مسؤول أردني رفيع أنّ “الآمال لا تزال معلـّقة على قيام الإدارة الأمريكية بضغوط كبيرة على إسرائيل لإقامة الدولة الفلسطينية الموعودة”، إلاّ أنّ العديد من المراقبين يشكِّـك في مدى الضغط الذي يُـمكن أن تمارسه الإدارة الأمريكية على الإسرائيليين.

يقول د. حسن البراري في تصريح خاص لسويس إنفو، “إنّ هنالك فارقاً بين مقاربة الملك عبدالله الثاني ومقاربة والده الراحل في التعاطي مع إسرائيل”.

فالملك الحسين كان يعتمِـد على علاقاته المباشرة والخاصة بقادة إسرائيل وبالشخصيات النافذة هناك، ويوظِّـف هذه العلاقات مباشرة بِـما يخدم الأردن. أمّا الملك عبد ال،له فيبتعد عن التعقيدات الداخلية الإسرائيلية إلى الرّهان على تقوية علاقة الأردن بالإدارة الأمريكية، ما يُـعزز مصالح الأردن الإستراتيجية ويشكِّـل مدخلاً للتأثير على السياسة الأمريكية تُـجاه المِـنطقة بصورة عامة، والقضية الفلسطينية بصورة خاصة، ومن ذلك، الضغط على إسرائيل من أجل تقديم مزيد من التنازلات.

غير أنّ البراري يرى بأنّ هذه المقاربة، على وجاهتها منطقياً، لا تعمل بالنجاح المطلوب في كافة الاتجاهات، “فالأردن، وإن كان قد نجح في تمتِـين علاقته بالولايات المتحدة في السنوات الأخيرة بما يخدم مصالح الأردن من دعم الاستقرار وتقديم مزيد من المساعدات المالية والعسكرية، إلاّ أنّ الإدارة الأمريكية الحالية أقرب إلى طروحات اليمين الإسرائيلي بشأن التسوية السلمية، مِـما يُضعِـف جهود العاهل الأردني ويجعل من التأثير الأردني محدوداً على السياسة الأمريكية أمام جهود ومواقف اللوبيات الإسرائيلية من ناحية، واليمينية الأمريكية المُـهيمنة من ناحية أخرى، والتي ترفع شعار (إسرائيل أولاً)”.

لا تكاد تجد لدى المسؤولين الأردنيين أي إجابة على البدائل الإستراتيجية، فالخطاب الرسمي الأردني يكتفي بالتحذير من الكوارث الانفجارات، دون تقديم إجابات مُـقنعة في حال فشلت جهود التسوية؟

يناقِـش هذا السؤال، المُـحلل والمعلق السياسي في صحيفة الرأي اليومية الأردنية، سامي الزبيدي بتصريح خاص لسويس أنفو: “الأردن يحاول استخدام مِـصداقيته في الولايات المتحدة والغرب في الترويع من فشل عملية السلام ونتائج ذلك الكارثية، إلاّ أنّه لا يمتلك بدائل إستراتيجية، لغياب إستراتيجية عربية تشكِّـل الحد الأدنى المطلوب لحماية الأردن والفلسطينيين واللبنانيين، أي الحلقات الصغيرة في المعادلة الإقليمية”.

ويضيف الزبيدي: “فعلى الرغم من الدور الأردني المِـحوري في النظام العربي، إلاّ أنّ الأردن في المحصِّـلة، هو دولة ذات بُـنية ضعيفة، اقتصادياً واستراتيجياً، تواجهُ باستمرار معضِـلات اقتصادية وإستراتيجية، دون أن تتوافر على ثروات طبيعية، بل تعتمد بصورة أساسية على الدّعم الخارجي. فالمساحة الحيوية الحقيقية المُـتاحة للأردن، هي الدفع باتجاه تحقيق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية، ما يخدم مصالِـحه، أمّا الحديث عن بدائل وأوراق ضغط، فهذه لا تتوافر إلاّ من خلال الحدّ الأدنى من التضامن العربي الغائب في المشهد الإقليمي حالياً”.

ربما يضع الزبيدي أصبعه على موضع حسّاس يُمثل سؤالاً أساسياً، ليس على مستوى السياسة الخارجية الأردنية، بل القُـدرة على البقاء والاستمرار، سواء على المستوى الأمني، إذ يقع الأردن في منطقة تعصف بها الأخطار والتحديات من مختلف الجهات، وهو مَـهمَـا تميـّز في استقراره السياسي وقدراته الأمنية، يبقى دولة صغيرة محدودة الموارد، أم على المستوى الاقتصادي، إذ يعاني الأردن من ظروف اقتصادية حرِجة، بخاصة مع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية والسِّـلع الأساسية وتدهور قِـيمة الدولار المربوط بالاقتصاد الأردني، ما يجعل رِهان الأردني أساسياً للخروج من أزمته الاقتصادية، هو على الدور الإقليمي وما يمكن أن يجلبه من مساعدات للأردن، وهو ما يدفع به إلى تقوية علاقته بالولايات المتحدة ودول الخليج العربي، لكن في المقابل، يجعل من السياسات الأردنية، غير مرغوبة شعبياً في لحظة تاريخية تجتاح فيها موجة الغضب والإحباط، الشعوب العربية وهي تشاهد ما يحدث في العراق وفلسطين وتعتقد بغياب العدالة الدولية!

محمد أبو رمان – الأردن

عمان (رويترز) – شارك الآلاف من أعضاء النقابات المهنية والأحزاب والإسلاميين الأردنيين يوم الأحد 2 مارس في مسيرة ضخمة احتجاجا على الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، مطالبين الحكومة بطرد السفير الإسرائيلي من عمان.

وهتف المشاركون، الذين ضمّـوا أطفالا ونساء وساروا من أمام مجمع النقابات المهنية إلى مجلس النواب، باسم حماس وضدّ الحكام العرب الذين اتّـهموهم بالتقاعُـس عن حماية أهل غزة.

وحمل المشاركون لافتات، كُـتب عليها “خافوا الله يا حكّـام.. أطفال غزة ما بتنام… الله أكبر والنصر لحماس والقسام والله أكبر والهزيمة لليهود والأمريكان… واهتف سمِّـع كل الناس، الأردن كله حماس”.

وقال حمزة منصور، وهو نائب عن حزب جبهة العمل الإسلامي “الشعب الأردني يعيش القضية الفلسطينية دقيقة بدقيقة، لأننا الأقرب إليها… لكن المؤسف ان الحكومة الأردنية لا تعبِّـر عن الشعب الفلسطيني ولا تنطق باسمه، لذلك نحن نُـدين مواقف الحكومة الأردنية التي لا زالت تتمسّـك بمعاهدة الذل والعار”.

ووقّـع الأردن وإسرائيل معاهدة سلام في عام 1994.

وأضاف منصور “الناس يكادون ينفجرون الآن وعلى الحكام أن يلتقطوا الإشارة، قبل أن ينفجر الشارع”.

وأحرق المشاركون في المسيرة الأعلام الإسرائيلية والأمريكية والدنمركية، وسيروا حمارا عليه العلم الإسرائيلي.

وقتلت القوات الإسرائيلية يوم السبت 61 شخصا، نصفهم تقريبا من المدنيين في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في أدمى يوم للفلسطينيين منذ الثمانينات. وقتل أيضا جنديان إسرائيليان أثناء معارك مع نشطاء بغزة.

وعلّـق الرئيس الفلسطيني محمود عباس مفاوضات السلام مع إسرائيل يوم الأحد، مطالبا بإنهاء هجوم غزة.

وكان العاهل الأردني الملك عبد الله قد أدان يوم السبت 1 مارس التصعيد العسكري الإسرائيلي، واصفا إياه بأنه “خطير وينتهك جميع الأعراف الدولية”، وحذر من “الآثار الكارثية” لسياسة الحصار والاعتداءات الإسرائيلية على أمن واستقرار المنطقة.

وشارك طلبة من جامعات أردنية يوم الأحد في مسيرات، مطالبين الدول العربية والغربية بالتدخّـل لمنع الاعتداءات الإسرائيلية على غزة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 2 مارس 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية