تراجع زخم التظاهرات في لبنان على رغم استمرار ازمة النفايات
تراجع زخم التظاهرات التي شهدتها بيروت خلال الاشهر الماضية على خلفية ازمة النفايات المستمرة في البلاد، لكن قلة من اللبنانيين لا تزال تواظب على النزول الى الشوارع ومطالبة المسؤولين بالتوصل الى حل نهائي لهذه المشكلة.
ويقول احد منظمي التحركات التي كان آخرها السبت لوكالة فرانس برس مبتسما “سنقول ان السبب في تراجع عدد المشاركين في تحركاتنا هو سقوط الامطار”.
ودفعت ازمة النفايات التي يشهدها لبنان منذ شهر تموز/يوليو، جراء اقفال مطر رئيسي كانت تنقل اليه النفايات جنوب بيروت، عشرات الالاف من اللبنانيين من مختلف التوجهات والطوائف للنزول الى الشارع بشكل غير مسبوق بعدما تكدست النفايات في الاحياء السكنية وعلى جوانب الطرق بشكل عشوائي.
ويقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الاميركية مكرم عويس لوكالة فرانس برس “يعاني اللبنانيون منذ سنوات من الظلم وقطع المياه والكهرباء (…) وانتهى الامر دائما بإيجاد بدائل، لكن وصول النفايات الى عتبة منازلهم شكل القشة التي قصمت ظهر البعير”، في اشارة الى خروج الالاف في تظاهرات خلال الصيف احتجاجا.
وبعد مضي اكثر من خمسة اشهر، لا تزال ازمة النفايات تراوح مكانها. ولم تتوصل الحكومة اللبنانية بعد الى ايجاد حل جذري، في وقت تنقل نفايات العاصمة الى مكبات عشوائية وتتكدس النفايات على جوانب الطرق وتحت الجسور في ضواحيها.
ويقول لوسيان ابو رجيلي (35 عاما)، احد الناشطين في حملة “طلعت ريحتكم” المدنية والتي نظمت ابرز الاحتجاجات خلال الاشهر الماضية، لوكالة فرانس برس “في البدء، لم ياخذنا المسؤولون على محمل الجد ولكن عندما خرج عشرات الالاف الى الشارع من دون رفع راية اي زعيم سياسي او ديني، شعروا بالخوف واطلقوا ضدنا حربا بلا هوادة”.
وتدرجت مطالب المتظاهرين في بيروت من حل ازمة النفايات الى الاحتجاج على الفساد في مؤسسات الدولة واداء الطبقة السياسية في لبنان. ويرى عويس ان التحركات “احرجت الحكومة التي فعلت ما بوسعها لخنقها”.
وبحسب منظمي التظاهرات، تعددت الوسائل المستخدمة للحد من زخم هذا التحركات الشعبية.
ويعدد اسعد ذبيان (27 عاما) وهو احد مؤسسي حملة “طلعت ريحتكم” لوكالة فرانس برس ابرزها، “كالحرب الاعلامية والاستخدام المفرط للقوة والتوقيفات وبناء جدار لمنعنا من الاقتراب من البرلمان” قبل ان يضيف “فعلوا كل ما بوسعهم لضرب هذا التحرك المدني المطالب بابسط الحقوق الاساسية”.
ويقول ابو رجيلي من جهته “بعد ذلك كله خبأوا النفايات بعد تنظيف العاصمة ونقلوها بعيدا عن اعين الناس”.
ويوضح الباحث في علم الاجتماع ملحم شاوول لوكالة فرانس برس ان كل هذه الاسباب تفسر تراجع زخم الحراك الشعبي لكنه يصر ايضا على بنية المجتمع اللبناني “الهجين والممزق دوما بين نظام سياسي تقليدي وحركات مدنية”.
ويقول “من الصعب جدا على المواطنين التحرك على مدى طويل وبالزخم ذاته خصوصا في مواجهة دولة شبه غائبة ومتعثرة”.
ولم تمنع الامطار مراد كرم (67 عاما) وهو اب لخمسة اطفال من المشاركة في تظاهرة السبت، على “غرار ما فعلت في كل التظاهرات التي اقيمت منذ بدء الازمة” وفق تعبيره.
ويقول لوكالة فرانس برس “اعتقد في قرارة نفسي ان اللبنانيين لن يحققوا شيئا لانهم عاجزون عن التوحد لوقت طويل حول قضية مدنية تعني المواطن”.
ويعترف منظمو التحركات المدنية بان تراجع زخم التظاهرات مرتبط باسباب داخلية ايضا، خصوصا بعد تعرضهم لانتقادات اعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لناحية افتقادهم لرؤية طويلة المدى وتعدد المطالب التي تم رفعها وعدم وجود قيادة موحدة.
ويوضح ذبيان في هذا الصدد “لقد سبقتنا الاحداث والناس توقعوا منا الكثير”.
وبحسب شاوول، “نزل الناس الى الشارع للمطالبة بحل ازمة النفايات، وهذا مطلب ملموس وواقعي، لكنهم انتهوا بالمطالبة باسقاط الحكومة والنظام الطائفي”، وهو ما انعكس سلبا على التظاهرات.
ومع تراجع اقبال اللبنانيين على المشاركة في هذه التحركات، يقول ذبيان “توقفت عن العمل طوال خمسة اشهر للتفرغ بالكامل الى هذه القضية وانفقت كل مدخراتي والنتيجة مخيبة جدا للآمال”.
ويبدو ابو رجيلي اكثر تفاؤلا، ويوضح “لم نفوت الفرصة لكننا بصدد بنائها بطريقة مختلفة وشيئا فشيئا” مضيفا “لا شيء بامكانه الحد من الدينامية التي تم اطلاقها”.
وتخصص الحكومة اللبنانية الاثنين جلستها لمناقشة اقتراح لوزير الزراعة اكرم شهيب يقضي بترحيل النفايات الى دول اخرى مع ما يرتبه ذلك من كلفة على خزينة الدولة.
وكان شهيب طرح في 10 ايلول/سبتمبر خطة لمعالجة وضع هذه النفايات عبر اقامة مطامر، لكن هذه الصيغة جبهت برفض المتظاهرين والجمعيات البيئية خشية الاضرار الناتجة من انشائها.