مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

خـمـسـون عـامـا من الـنـجــاح

تسعى هيلفيتاس إلى أن تبقى البسمة على الوجوه لأطول فترة ممكنة من خلال دعمها لبرامج التنمية بعيدة المدى (المصدر: جمعية هيلفيتاس) swissinfo.ch

تحتفل جمعية "هيلفيتاس" يوم 18 يونيو بمرور 50 عاما على تأسيسها، كأول منظمة سويسرية غير حكومية تعمل في مجال التنمية.

وعلى الرغم من النجاحات التي صاحبتها خلال نصف قرن وانتشارها في 22 بلدا من الدول الفقيرة، إلا أنها تريد تقليص مشاريعها، لتكون أكثر نجاعة في المناطق المستحقة للدعم.

في الوقت الذي كانت أوروبا تستعيد فيه عافيتها من تبعات الحرب العالمية الثانية وتسير بخطوات سريعة في مراحل إعادة بناء، فكرت مجموعة من حوالي 20 من المثقفين والأكاديميين السويسريين الذين يتمتعون بسعة الأفق في ضرورة عدم إغفال معاناة الدول النامية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، فظهرت الجمعية السويسرية للتعاون الدولي “هيلفيتاس” إلى الوجود بفضل جهود واحدة مثل “ريغينا كيغي- فوخسمان” عالمة الاجتماع التي شجعت عددا كبيرا من المؤيدين للدخول إلى المنظمة، تعبيرا عن قناعتهم بضرورة تقديم مشروعات تساعد في تحسين الظروف المعيشية في مثل تلك الدول.

وقد وضعت الجمعية منذ السنوات الأولى لعملها بداية من 1955 مجالات توفير مياه الشرب والتغذية وسبل التعليم الأولي والمهني وكيفية تأمين مصدر ثابت للدخل ونشر قيم السلام والمحبة كأهداف يجب الوصول إليها في الدول التي تعمل فيها.

وكانت أولى الخطوات في قرى نيبال، والتي تعتز “هيلفيتاس” بأنها من أنجح المشروعات القائمة حتى اليوم، ثم انتقلت إلى موزمبيق ومالي ودول غرب إفريقيا بالتدريج، قبل أن تتحول إلى أمريكا الوسطى واللاتينية ووسط آسيا.

نجاحات متعددة

ويصل عدد الدول التي تنشط فيها جمعية “هيلفيتاس” اليوم إلى 22 بلدا، حيث نجحت في أن توفر الماء الصالح للشرب لأكثر من ربع مليون شخص، وفي تشييد 202 قنطرة ومعبرا للمشاة والسيارات في المناطق الوعـرة، وتأهيل حوالي 135 ألف إنسان للعمل في المجال الفلاحي، إلى جانب أكثر من 4000 برنامج لدعم جمعيات المزارعين، سواء من الناحية التقنية أو الإدارية أو في مجالات التسويق وإعادة التأهيل والتدريب.

كما اهتمت الجمعية بتدريب 8500 شخص يشتغلون في مختلف المهن التقنية أو كمعلمين، إلى جانب التدريب على بعض النواحي الإدارية، وتمكنت من محو أمية 20500 شخص في مناطق مختلفة من العالم.

وتعتمد “هيلفيتاس” في تمويلها على اشتراكات الأعضاء البالغ عددهم اليوم 40 ألف شخص، وعلى متبرعين دائمين يصل تعدادهم إلى 43 ألف شخص، بالإضافة إلى 16 مجموعة عمل تطوعية منتشرة في مناطق مختلفة.

وقد بلغت ميزانيتها في عام 2005 حوالي 60 مليون فرنك، 85% منها تذهب مباشرة إلى مشروعات التنمية؛ نصفها في آسيا والربع إلى إفريقيا السمراء والبقية إلى أمريكا الوسطى واللاتينية، و4% منها لمصروفات الدعاية والتعريف بالأنشطة سواء من خلال الإعلانات أو الفعاليات المتخصصة التي تتناول مشكلات محددة في الدول النامية.

الهدف: مشروعات طويلة المدى

ويقول السيد فيرنر كولينغ مدير الجمعية في حديثه إلى سويس انفو، بأن أسلوب العمل في المشروعات المختلفة يتم من خلال التواصل مع الجمعيات والمنظمات المحلية في الدول المعنية، ثم يقوم الفرع الرئيس في سويسرا بتكليف شخص أو اثنين بالتوجه إلى عين المكان ودراسة الاحتياجات المطلوبة وتقييم مدى نجاح المشروع، وفق أهداف الجمعية، التي تسعى إلى تحويلها إلى مشاريع مستديمة أو بعيدة المدى، وليست آنية أو وقتية.

ويؤكد السيد كولينغ على أن الفرق كبير بين ما تقوم به “هيلفيتاس” والمنظمات الأخرى مثل “كاريتاس” أو “الخبز للجميع”، التي تهتم أساسا بالعمل في أوقات الأزمات والكوارث، إلا أن هذا لا يمنع من التعاون المشترك معها، لاسيما في مجال تبادل الخبرات والمعلومات، وذلك كله لصالح المتضررين، كما شدد في أكثر من موضع على أن الجمعية “محايدة سياسيا ودينيا وليست لها أهداف خفية”، حسب قوله.

ومن بين مصادر الدخل التي تعتمد عليها “هيلفيتاس”، بيع منتجات من إنتاج الدول النامية، تساهم من خلالها في التعريف بالمشروعات التي تنجزها هناك، وتعمل أيضا على توعية الرأي العام بالمشكلات التي تعيشها تلك المناطق.

وتفخر الجمعية بأنها توفر فرص عمل ثابتة لحوالي 600 فرد في البلدان التي تعمل فيها، إلى جانب 56 وظيفة في مكاتبها في سويسرا المتوزعة بين مناطقها اللغوية الثلاثة. أما نجاحها الرئيسي فيتمثل حسب قول مديرها السيد فيرنر كولينغ في “ثقة مختلف الأطراف الرسمية وغير الرسمية فيها وفي برامجها ومشروعاتها”، ويضيف في حديثه مع سويس انفو: “لقد ساهم خبراؤنا في تأسيس الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية التابعة لوزارة الخارجية، بل إن بعض العاملين السابقين معنا هم الآن من كوادرها، كما استفادت العديد من منظمات ومؤسسات الإغاثة من خبراتنا”.

فقط للدول الأكثر احتياجا

وقد يلاحظ المرء غياب الدول العربية من قائمة البلدان التي تنشط فيها “هيلفيتاس”، إلا أن هذا لا يعني بأن الجمعية لا ترغب في العمل فيها، وإنما لأن الدول العربية “لديها من القدرات والإمكانيات البشرية والمعرفية ما ليس متوفرا في دول إفريقيا جنوب الصحراء أو بعض المناطق في آسيا وأمريكا اللاتينية”، حسب رأي السيد كولينغ، الذي يشير إلى أن العراق مثلا كان من بين اهتمامات “هيلفيتاس” في بدايات عملها من خلال مشروع لمحو الأمية في بعض القرى، ولكنه لم يستمر لأكثر من عامين، ومشروع آخر للتأهيل المهني في قرية حفوز بالقرب من مدينة القيروان التونسية استمر لمدة 15 عاما حتى 1968، ثم تسلمته الحكومة التونسية.

ولا شك في أن هذه الأنشطة في تلك المجالات وفي مناطق مختلفة يكون مصحوبا بمشكلات أو صعوبات في الأداء، لا يرغب السيد كولينغ في وصفها بالفشل؛ إذ يرى بأن الاختلاف في التعامل من بلد على آخر قد يعرقل سير المشروع، ويجعل برنامجه أبطأ مما كان الخبراء يعتقدون، كما يؤكد على أن المشكلة الكبرى تتمثل في أن بعض الدول لا تدرك أهمية المشروعات بعيدة المدى وأنها تحتاج إلى صيانة ورعاية، وهو ما يتطلب وقتا طويلا كي تدخل تلك “الثقافة” في التطبيق العملي.

ومع أن أسوأ الأمثلة على صعوبة تطبيق وتنفيذ المشروعات كانت في غواتيمالا، إلا أن الجمعية لم تيأس وهي تواصل عملها هناك منذ أكثر من 30 عاما.

استراتيجية جديدة

وبما أن النجاح الذي تحقق في المرحلة السابقة يُـلقي بالمزيد من المسؤولية على “هيلفيتاس”، فقد اتجه التفكير إلى بلورة إستراتيجية جديدة في مشروعاتها المستقبلية، حيث ترغب في التركيز على برامج التنمية المستديمة وتقليص عدد الدول التي تتواجد فيها إلى 15 مع حلول عام 2010.

ومن المتوقع أن يتم التركيز مستقبلا على العمل في بعض المناطق التي لا تزال تحتاج إلى دعم ومساعدة لاسيما في القارة الآسيوية، وقد تستبدل المنظمة مناطق بأخرى، إذ تدرس حاليا احتمالات القيام ببعض المشروعات في كولمبيا أو أكوادرو أو بعض بلدان وسط آسيا.

نصف قرن من العمل التنموي، تحولت فيه “هيلفيتاس” من مجموعة من المتطوعين، إلى أول منظمة غير حكومية في سويسرا، لها ميزانية سنوية تصل إلى 60 مليون فرنك وإلى مرجع للعديد من المنظمات والجمعيات الأخرى التي تريد أن تنتهج نفس الأسلوب.

ويمكن القول أن التجربة التي خاضتها هيلفيتاس عكست جزءا من التقاليد السويسرية في مساعدة الآخرين ودعمهم، حتى وإن كانوا على مسافة كبيرة مثل ما هو الحال بين جبال الألب ومرتفعات الهيمالايا.

تامر ابو العينين – سويس انفو

بدأت هيلفيتاس عام 1955 في نيبال ثم في الكاميرون 1964.
وفي السبعينيات في باراغواي وغواتيمالا وبوتان وإثيوبيا وموزمبيق وسريلانكا ولويسوتو ومالي.
في الثمانينات أضافت هايتي والفلبين وجزر الدومينيكان إلى اهتماماتها.
وفي التسعينيات بنين و قيرقيزيا وكولومبيا وتنزانيا وفيتنام
وفي الألفية الجديدة أدخلت أفغانستان وبوركينافاسو ولاوس والسنغال.

تحتفل “هيلفيتاس” في 18 يونيو 2005 بذكرى مرور نصف قرن على إنشائها. وتعتمد المنظمة في تمويلها على اشتراكات الأعضاء التي لا تقل عن 50 فرنك سنويا. وقد بلغت قيمة أكبر تبرع حصلت عليه 1.3 مليون فرنك وهو إرث لاسرة من بازل نذرته للمنظمة لتمويل مشروعات في كولومبيا. وتؤكد “هيلفيتاس” على أن حيادها السياسي والديني من أهم أسباب نجاحها إلى جانب اهتمامها بالمشروعات طويلة المدى.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية