مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رصد مآسي الاحتلال الأمريكي للعراق

تأسس المركز الدولي لرصد الإحتلال في العراق بعد فترة وجيزة من سقوط بغداد International Occupation Watch Center

أنشأت بعض المنظمات الدولية المعنية بقضايا السلام والعدالة، مركزا دوليا لرصد الاحتلال في العراق بمعية نظيراتها العراقية.

السيدة إيمان أحمد مديرة المركز تحدثت لسويس إنفو في بغداد عن أهم فعاليات المركز ونشاطاته في الفترة السابقة.

فرضت وقائع الأشهر الأربعة عشر من عمر الاحتلال الأمريكي للعراق على عدد من المنظمات الدولية المعنية بقضايا السلام والعدالة، إنشاء مركز دولي لرصد الاحتلال في العراق بمشاركة نظيراتها من المنظمات العراقية.

وفي محاولة لتحليل نشاطاته، والاطلاع على ما قام به من فعاليات خلال الأشهر الماضية، التقت سويس انفو بالسيدة إيمان أحمد، مديرة المركز التي حدثتنا أولا عن الأهداف التي يسعى المركز الدولي لرصد الاحتلال إلى تحقيقها، فقالت: “يسعى المركز الذي أسسته تسعة جمعيات، ثلاث منها أمريكية، واثنتان يابانيتان، وواحدة من كل من فرنسا وكندا وإيطاليا ومنظمة أسيوية مقرها الفليبين، فضلا عن عشرات المنظمات التي تُـكوّن في مجملها شبكة دعم للمركز حول العالم، يسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف تتعلّـق بوضع العراق والعراقيين في ظل الاحتلال، والدفاع عن المصالح الاجتماعية والاقتصادية للشعب العراقي”.

أهداف المركز

وللتفصيل، تقول السيدة إيمان، إن من أهم أهدافنا، مراقبة السياسة الاقتصادية، وسياسة إعادة الإعمار تحت سلطة الاحتلال وبضمنها فعاليات الشركات الدولية، كما يهدف إلى الدفاع عن حقوق الشعب العراقي في السيطرة على موارده الطبيعية، خاصة النفط، فضلا عن مراقبة عمليات انتقال السلطة إلى العراقيين الجارية حاليا، والتعاون مع جماعات حقوق الإنسان لتوثيق الخروقات التي ترتكبها سلطات الاحتلال وقواته، وتلك التي ارتكبها مجلس الحكم الانتقالي العراقي، قبل حلِّـه، لحقوق الإنسان، وحرية التعبير عن الرأي، وحرية التجمع وتنظيم حملات التعبئة المحلية والدولية لإيقاف تلك الخروقات.

وبصدد واقع المرأة العراقية، تقول مديرة المركز “إننا نسعى إلى رصد وملاحظة التغييرات في حقوق المرأة العراقية تحت الاحتلال، ونشر هذه المعلومات والمساعدة في إقامة علاقات بين الجمعيات النسوية المحلية والدولية”.

كما يبحث المركز في آليات أشكال المقاومة العراقية السلمية وبرامجها وتكونها لتزويد المجتمع الدولي بصورة شاملة وواضحة عن ما يجري في العراق من مقاومة سياسية وسلمية للاحتلال، في الوقت الذي تتناول وكالات الأنباء ووسائل الإعلام المختلفة أشكال المقاومة المسلحة فقط، مهملة هذا الجانب رغم أهميته.

تأثيرات الاحتلال

ويرصد المركز تأثيرات الاحتلال الأمريكي على ظروف العمل والتشغيل ونشر المعلومات المتعلقة في هذا الصدد، والمساعدة في إقامة وتوطيد العلاقات بين جمعيات حقوق العمال العراقية والعالمية، كما يقدم صورة حقيقية عن ارتفاع معدلات البطالة في العراق، التي تجاوزت النسب المعقولة لتصل إلى مستويات خطيرة فعلا تصل إلى نحو 70%، خاصة بعد حل عدد كبير من المؤسسات الرسمية العراقية، العسكرية منها والمدنية، وتسريح مئات الآلاف من الموظفين.

كما يراقب المركز، والحديث لمديرته، تأثيرات الاحتلال على مجمل الحياة اليومية للعراقيين، بضمنها توفير ضروريات الحياة كالطعام والمياه الصالحة للشرب والمسكن وتقديم الرعاية الصحية والتعليم.

وللإجابة على سؤالنا بشأن الطريقة التي يتم من خلالها رصد تجاوزات قوات الاحتلال لحقوق الإنسان في العراق، تقول السيدة إيمان أحمد “إن رصدنا لتلك التجاوزات يتم من خلال تتبُّـعنا للأخبار، واتصالنا المباشر بالمجتمع العراقي، حيث نذهب مباشرة إلى مكان الحدث الذي تم فيه انتهاك حقوق الإنسان العراقي، ونقوم بتوثيق الحدث بالكامل والاطلاع على شهادات الشهود وتسجيلها على نحو دقيق وأمين”.

متابعة ميدانية

وكأمثلة على النشاطات الميدانية لفريق المركز الدولي لرصد الاحتلال، قام فريق من المركز مؤخرا بزيارة منطقة القائم في أقصى غرب العراق، حيث اطّـلع على تفاصيل مجزرة القائم التي ذهب ضحيتها 45 عراقيا من بينهم 18 من النساء والأطفال والباقين من الرجال الذين كانوا يحتشدون في عرس لأحد أبناء المنطقة، واستمع الفريق إلى الشهود من الأهالي والمسؤولين الحكوميين، حيث تم توثيق شهادة المسؤول الإداري في المنطقة، ومدير المستشفى، ومسؤول الشرطة العراقية في هذا الصدد، وكلها تؤكّـد أن التجمع كان مجرد عرس شعبي فحسب.

وتؤكّـد السيدة إيمان أن الفريق توصّـل إلى حقيقة مفادها أن إصابات الضحايا كانت مباشرة في الرأس والصدر والبطن، مما يدل على أن الضحايا تعرضوا لإطلاق نار من منطقة قريبة وبشكل مباشر.

كما قام فريق آخر بزيارة منطقة الغزالية السكنية غرب بغداد، حيث اقتحم المحتلون الأمريكيون أحد المنازل وأطلقوا النار بشكل عشوائي على أفراد الأسرة المؤلفة من الأب والأم والإبن وثلاث بنات، وطبقا لتقرير الفريق، فقد كانت نتيجة هذا الاعتداء الوحشي على النحو التالي: الأب يرقد حاليا في العناية المركزة في إحدى المستشفيات، جسد الأم مليء بالشظايا، البنت الكبرى البالغة من العمر 24 عاما ترقد في المستشفى وأجريت لها عمليتان جراحيتان، البنت الوسطى ذات السنوات الـ 16 ساقها مليئة بالشظايا وترقد في المستشفى، أما الثالثة التي لم تتجاوز السبع سنوات، فإن ساقها متورمة كونها مليئة بالشظايا وتحتاج إلى عملية فوق الكبرى، طبقا للتقارير الطبية، أما الإبن، وهو ضابط في الشرطة العراقية حاليا، فقد اعتقل وسيق إلى جهة مجهولة.

الحقوق .. “منتهكة بالكامل” !

وتقول مديرة المركز “إن نتائج زيارات الفرق الميدانية الموثقة تنشر في موقع المركز على شبكة الإنترنت، كما يتم إرسالها إلى المنظمات النظيرة المعنية بحقوق الإنسان.

وفي معرض إجابتها عن رؤيتها لحقوق الإنسان العراقي حاليا مقارنة بالسابق، وما الذي تحسن في مجال الحريات، وما الذي ساء، تقول “تحسنت القدرة على الحديث عن الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية، أما ما الذي ساء فهو كل شيء عدى ذلك”.

وتردف السيدة إيمان قائلة “إن الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي أنان قال مؤخرا، إنه سعيد أن الشعب العراقي اختار حكومته ذات السيادة، وبصرف النظر عن كون الحكومة الجديدة منقوصة السيادة أم مكتملة، فإننا في العراق، والحديث للسيدة ايمان، دهشنا لصدور هذا التصريح عن السيد أنان، لأننا نعرف جيدا أنه لم يكن لنا على الإطلاق أي رأي في مباشر أو غير مباشر في اختيار هذه الحكومة، مشيرة إلى أن العراقيين يعرفون تطورات الأحداث الجارية في بلادهم من خلال وسائل الإعلام فحسب.

وتؤكد أن جميع حقوق الإنسان المتعارف عليها في لوائح حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف وغيرها من المواثيق والأعراف الدولية منتهكة بالكامل من قبل قوات الاحتلال والقوى السياسية المرتبطة بها.

الانتهاكات والتجاوزات

وبصدد الإجراءات المتّـخذة من قِـبل المركز بشأن انتهاكات قوات الاحتلال ومجلس الحكم الانتقالي العراقي المنحل لحقوق الإنسان، توضح أن المركز حاول أكثر من مرة مساعدة ضحايا هذه الانتهاكات بمرافقتهم في متابعة الإجراءات لتعويضهم أو لعرض شكاواهم أمام المسؤولين الأمريكيين، كما نظَّم المركز عدة تظاهرات، وعقد مؤتمرات صحفية، وتحدث أعضاؤه إلى وسائل الإعلام المحلية والدولية لشرح هذه الانتهاكات.

وتضيف مديرة المركز “للأسف الشديد، لم نستطع أن نغير من الواقع شيئا، لأن الأمور تسير نحو الأسوأ، برغم أننا التقينا ببعض المسؤولين الأمريكيين عن السجون وبـ “مركز مساعدة العراقيين” الذي أنشأته سلطة التحالف المؤقتة، إلا أننا لم نحصل على استجابة حقيقية فعلية”، مشيرة إلى أن جهودهم كانت ضائعة لأن الأمريكيين لم يقوموا بأي إجراء إزاء الحالات التي عرضت لهم، برغم أنها كانت موثقة إلى الدرجة التي لا يمكن نقضها.

وبشأن التجاوزات التي حدثت في سجن أبو غريب وباقي السجون العراقية بحق الأسرى العراقيين المرتهنين لدى قوات الاحتلال، وما تتعرض له السجينات العراقيات في تلك السجون، تقول مديرة المركز الدولي لرصد الاحتلال في العراق: “لقد تابعنا الموضوع منذ ديسمبر الماضي، حيث سمح لنا بزيارة عدد محدود جدا من السجون الكثيرة المنتشرة في أنحاء العراق، فيما لم يسمح لنا بدخول سجون أخرى مثل أبو غريب، والتقينا بالسجينات ووثَّقنا شهاداتهن وكتبناها في تقرير رسمي، كما تم نشر بعض من تلك الشهادات على موقعنا في شبكة الإنترنت.

وتشير السيدة إيمان إلى أن هذا الموضوع شائك جدا، لأن فيه الكثير من الجوانب الاجتماعية والنفسية التي تتعلّـق بكرامة الإنسان وكبريائه الشخصي وسمعته الاجتماعية.

وتؤكّـد مديرة المركز أن قوات الاحتلال المسؤولة عن سجن أبو غريب الذي يضم آلاف المعتقلين لم تسمح لهم بدخول السجن، برغم أن المركز كرّر طلبه زيارة السجن مرات عديدة. لكنها توضح أنه سمح لهم بزيارة سجن الرصافة في بغداد من خلال جهد شخصي غير مباشر، وقد تمّـت زيارة العنابر والزنازين، حيث تم الاطلاع على حالة 13 سجينة سياسية في هذا السجن، وهناك أيضا عشرات السجينات متهمات بقضايا جرمية اعتيادية وقضايا بغاء.

وتضيف أن بعض هؤلاء السجينات كنَّ معتقلات لذواتهن، وبعضهن كن معتقلات بتهمة الانتماء إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، كما كان هناك عدد من النساء محتجزات كرهائن باعتبارهن شقيقات أو زوجات أو قريبات بعض المسؤولين في الحكومة العراقية السابقة، سواء في قائمة الـ 55 الشهيرة أو في مستويات لاحقة أو أشخاص اعتياديين مطلوبين.

“لا يسمن ولا يغني من جوع”؟؟

وعن أولويات المركز في هذه المرحلة، تقول السيدة إيمان بعد صمت: “أولوياتنا كثيرة، فما أفرزه الاحتلال من مشاكل متشعب وكثير، ولكننا نركّـز حاليا على الانتهاكات المباشرة والعدوان الصارخ، وخاصة القتل والاعتداءات المباشرة الأخرى مثل مجزرة عرس القائم، ومجزرة التاجي 30 كلم شمال بغداد، حيث تم تدمير 25 سيارة مدنية ودهسها بالدبابات بمن فيها”.

ولأجل عقد مقارنة عن أوضاع المجتمع المدني العراقي في ظل النظام السابق والوضع الحالي، تشير السيدة إيمان أحمد إلى أن المجتمع المدني العراقي يواجه مشكلات كبيرة ومعوقات جسيمة، وتوضح أن مؤسسات المجتمع المدني في ظل النظام السابق كانت واجهات حزبية، وكانت تعمل في هذا الإطار وبهذه الروح، أما في الوضع الحالي فالمشاكل مختلفة، وهي بالتأكيد أكبر وأعمق. فقد تعددت الأحزاب، وتعددت المنظمات والمؤسسات، أضف إلى هذا أن المجتمع العراقي يفتقر أساسا إلى الثقافة الخاصة بهذا الموضوع وبأهمية العمل العام، وهناك مشكلة التمويل، وخاصة بالنسبة للمنظمات المستقلة، لأن المنظمات التابعة لأحزاب حالتها مختلفة، فهي واجهات لأحزابها وممولة من قبلها، وهنا نعود إلى المربع الأول، المنظمات كواجهات حزبية، ولكن بنحو أكثر تشتتا واتساعا.

وتضيف مستعرضة المزيد من المعوقات، فتتحدث عن مشاكل وصعوبات الحياة من نقل واتصالات ومواصلات وانعدام الأمن وغيرها، مشيرة إلى تخوف الناس من المنظمات المدنية والإحساس العام بالإحباط وعدم جدوى العمل العام لدى المواطن العراقي.

وتقول “إننا غالبا ما نصطدم بتساؤلات الضحايا أو ذويهم بشأن مدى قدرتنا على تحقيق نتيجة بصدد قضاياهم، خاصة وأننا إزاء مشكلات كبيرة، يبدو أن مجرد الكتابة عنها وفضحها لا يُـسمن ولا يُـغني من جوع”.

العالم بحاجة لجهودنا

وأخيرا، تحدثت السيدة إيمان أحمد، التي تعمل بظروف صعبة للغاية من حيث شحة مصادر التمويل التي تحددها باشتراكات بعض المنظمات المؤسسة فقط، وهي لا تكفي إزاء كمّ المشكلات والانتهاكات التي يتحتّـم رصدها، مما ينعكس على ضعف الكادر وصعوبة حركته عن اهتمام كثير من المنظمات العالمية بتقارير هذا المركز.

وتقول “إنني أشعر بأهمية الجهود التي نبذلها من خلال ردود أفعال الناس في الخارج بشكل خاص، وألمس أن العالم بحاجة فعلية لجهودنا التي نوثّـق من خلالها انتهاكات حقوق الإنسان العراقي في ظل الاحتلال، حيث قامت بعض المجموعات والمنظمات الدولية بترجمة التقارير الصادرة عن المركز إلى لغات عدة حول العالم، الأمر الذي ساهم في نشر كثير من الحقائق المتعلقة بما يعنيه احتلال العراق من الناحية العملية للإنسان العراقي”.

مصطفى كامل – بغداد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية