مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ركود اقتصادي و قلق اجتماعي

نائب رئيس مجموعة كريدي سويس في طريقه للاعلان عن تسريح عدد كبير من العاملين Keystone

تلاحقت الأنباء في سويسرا حول تسريح عدد كبير من العمال، مما عكر الأجواء الاقتصادية، ودفع بشدة للمطالبة باتخاذ إجراءات حاسمة لوقف تدهور الحالة الاقتصادية.

ويعد الثلاثاء الأسود- كما أطلقت عليه وسائل الإعلام – علامة فارقة في العلاقة بين المواطن العادي والنظام الاقتصادي القائم.

لا شك في أن الإعلان عن شطب قرابة 4000 موطن عمل في يوم واحد وفي أكثر من شركة كبيرة كان صدمة للعديد من الذين يتعشمون في تحسين الأداء الاقتصادي هذا العام، هو بداية التفكير الجدي في الانطلاق نحو البحث عن أسباب هذا التدهور الذي يعتبره البعض مفاجئا، بينما يراه البعض الآخر نتيجة حتمية لما يمر به العالم الآن من تردد وعدم ثقة في الاقتصاد نتيجة الضبابية السائدة في سماء السياسة الدولية.

فقد تقلص حجم إجمالي الصادرات السويسرية إلى الخارج منذ مطلع هذا العام بنسبة 5%، وطالت قطاعات كانت تعد من أعمدة الاقتصاد الوطني من المفترض ألا تتأثر بالتغيرات الدولية، بل كانت تعتبر المحور الرئيسي الذي يتحكم في السوق الدولية.

ففي مجال الصناعات الكيماوية والصيدلانية تراجعت الصادرات منذ بداية العام بنسبة 11% وفي مجال صناعة النسيج 8%، كما انخفضت صادرات سويسرا من الساعات إلى كل من الولايات المتحدة والمانيا وايطاليا بنسب متفاوتة، ولكنها تعطي مؤشرات سلبية حول ما ينتظر هذا القطاع من تراجع.

وفي السوق المحلية هبطت التعاملات في أسواق العقارات بشكل مفاجئ وانعكس هذا على تصاريح البناء، التي تراجعت إلى النصف مقارنة مع هذه الفترة من العام الماضي.

ومع هذا التراجع الشديد في الصادرات وانعكاسه على مجالات مختلفة، فليس مستبعدا أن يرتفع معدل البطالة إلى 4%، وهي النسبة المخيفة التي لم تعرفها سويسرا منذ فترات بعيدة، كما أن معدل الاستهلاك سيواصل تراجعه ليستكمل هبوطه الذي بدأ في منتصف العام الماضي.

قلق يسود الرأي العام

ومن الطبيعي أن تنعكس هذه الاوضاع السيئة والانباء المتوالية عن فصل آلاف العاملين على الرأي العام، الذي أعرب في العديد من استطلاعات الرأي عن عدم اطمئنانه من المستقبل القريب.

حيث يرى الكثير من المواطنين ضرورة عدم اللجوء فورا إلى تسريح العمال، إلا بعد استنفاذ الفرص والمحاولات لدفع عجلة الاقتصاد من عثرتها، بينما يعتبر آخرون أن وجود برامج دعم اجتماعية للأسر المتضررة من البطالة أمر بالغ الأهمية.

في المقابل تتخوف أغلبية غير قليلة من انعكاسات الحرب المرتقبة على العراق على مواطن العمل، حيث ليس مستبعدا أن يتواصل الانهيار الاقتصادي نتيجة عدم الثقة في الاسواق، وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة، وتقلص الاستهلاك إلى الحدى الأدنى أو الضروريات فقط.
لكن آراء الجميع تطابقت في فقدان الثقة في الكوادر العليا ومن يعملون في مجال الاستشارات المالية، حيث يسود الاعتقاد بأن هؤلاء لا يحسنون أداء وظائفهم بشكل جيد، وأنهم لا يهتمون إلا بتقاضي الرواتب الكبيرة وحسب.

مخاوف وحلول

وتختلف المخاوف من البطالة على حسب القطاعات الصناعية المختلفة، حيث يمكن للعاملين في مجال معين أن يصيبهم القلق من المستقبل المجهول، مثل مجالات الصناعات الثقيلة والتعدينية وحتى المعلوماتية، التي كانت قبل وقت قصير أكثر المجالات أمنا من البطالة، بينما لا يرى العاملون في مجال الخدمات الطبية داعيا للقلق حيث أن الناس بحاجة إلى الرعاية والعلاج.

وقد تعطي خطة وزير الاقتصاد السويسري جوزيف دايس الشعور بأن تغيير الأوضاع الحالية يبدأ على عدة محاور، جزء منها على المدى البعيد وجزء آخر يتعلق بالسياسة الاقتصادية الراهنة.

فوزير الاقتصاد السويسري يضع في المرتبة الأولى الاهتمام بالاستثمار في البحث العلمي والتعليم خلال السنوات القادمة، للحفاظ على مكانة سويسرا العلمية والتقنية، وهو ما سيتكلف 17 مليار فرنك في الخطة الخمسية القادمة.

وبالتوازي مع الاهتمام بهذا المحور، يرى وزير الاقتصاد ضرورة تنويع اساليب جذب رؤوس الأموال إلى سويسرا، وتقديم مغريات مختلفة للمستثمرين سواء للمشاركة في المشاريع أو من خلال وضع ثرواتهم في بنوك سويسرا.

ويتماشى ذلك، مع الاهتمام بالشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، بتقديم تسهيلات مالية لها وإزالة العقبات البيروقراطية، التي قد تكون حائلا أمام نموها الاقتصادي، كما أنها يمكن أن دعما لسياسة التصدير السويسرية وسدا أمام واردات يمكن الاستعاضة عنها بالانتاج المحلي.

وما من شك في أن هذه الأزمة الاقتصادية – على الرغم من قسوتها – سيكون لها انعكاسات إيجابية، فهي ستساعد على العودة إلى التفكير بشكل جماعي في مواجهة المشاكل الاقتصادية والآثار الاجتماعية الناجمة عنها، والابتعاد ولو قليلا عن الانفرادية التي سادت لعقود طويلة.

تامر أبو العينين – سويس انفو

سجلت شركات روش وكلاريانت ومجموعة كريدي سويس البنكية خسائر فادحة عن العام الماضي.
أعلنت شركة سويس للطيران عن نيتها تخفيض حجم اسطولها الجوي وتسريخ عدد كبير من عامليها.
انخفضت البورصة السويسرية إلى أدنى مستوى لها منذ 1997.
تم الاعلان عن تسريح 3950 شخص هذا الأسبوع.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية