مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا تغيرت أيضا بعد 11 سبتمبر

Keystone

تأثرت سويسرا – على غرار بقية بلدان العالم – بالانعكاسات المباشرة وغير المباشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

فقد تضررت العديد من القطاعات الاقتصادية وتعزز التعاون الأمني مع الولايات المتحدة واتخذت عدة إجراءات وقائية إلا أن الجالية العربية والإسلامية لم تتعرض لاعتداءات أو مضايقات تُذكر.

مع حلول الذكرى الثانية للهجمات التي ضربت الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001 عادت وسائل الإعلام السويسرية إلى التوقف عندها ونشر تحاليل ومعلومات حولها لكن مع فوارق هائلة عما عرفته سويسرا قبل عامين.

ففيما استمرت الإدانة الشديدة للعمل الإرهابي الذي أدى إلى مقتل المئات من الأبرياء يلحظ المراقب تراجع التأييد الشعبي لمجمل السياسات الأمريكية وخاصة بعد إقدام واشنطن على خوض حربين في أفغانستان والعراق جوبهت برفض واسع من طرف السويسريين.

ويدا واضحا أن محاولة الولايات المتحدة التفرد بالقرار الدولي والقفز على الأمم المتحدة قد أفقدتها شحنة التعاطف الواسع والتلقائي الذي عبر عنه السويسريون في أعقاب الهجمات التي غيرت الكثير من الأشياء والمسلمات في حياة الأمريكيين والسويسريين أيضا.

الأمن أولا وأخيرا

في الفترة التي تلت أحداث نيويورك وواشنطن مباشرة تركز قلق خبراء الأمن في سويسرا على عدة محاور من بينها احتمال وجود ما بات يعرف بـ”الخلايا النائمة” في الكنفدرالية وكيفية رد فعل المسلمين والعرب المقيمين في البلاد، لا سيما بعد بداية الحرب الأمريكية في أفغانستان ومدى استخدام الجماعات الإرهابية للساحة المالية السويسرية كما طرحت احتمالات نشوب حرب بيولوجية أو تعرض المفاعلات النووية السويسرية لهجمات إرهابية.

لكن وبمرور الوقت تأكدت السلطات الأمنية أن سويسرا لا تضم أي نوع من “الخلايا النائمة”، وأن رد فعل العرب والمسلمين المقيمين فيها على ما حدث جاء متوازنا، وأنه لم يجنح إلى التطرف أو المغالاة، وهو ما طمأن السلطات والرأي العام السويسري بصفة عامة.

من جهة أخرى، اكتشفت السلطات أنه في حال تعرض سويسرا لهجوم بيولوجي أو جرثومي فإن الأمصال المتوفرة لديها لا تكفى إلا لمليون ونصف من السكان، وهو ما يعني ضرورة ملحة لإنتاج ما يكفي لتطعيم جميع المقيمين في سويسرا في حالات الطوارئ.

أما خطر احتمال تعرض المفاعلات النووية السويسرية لهجوم، فقد استبعده الخبراء، لأن الكنفدرالية ليست مستهدفة من قبل أية جماعة “إرهابية”، علاوة على أن المنشآت النووية السويسرية محصنة بشكل جيد.

وفي الأشهر التي تلت الهجمات شهد التنسيق الأمني بين سويسرا والولايات المتحدة تطورا نوعيا تُـوج بتوقيع المدعي العام للكونفدرالية فالنتين روشاخر ووزير العدل الأمريكي جون أشكروفت ومساعد وزير الإقتصاد والمالية الأمريكي كينيث دام في شهر سبتمبر 2002 في واشنطن على الإتفاقية التي أطلقت عليها حكومتا البلدين وصف “ترتيب على المستوى العملياتي”.

وتعلق الأمر حينها بإنشاء مجموعات عمل تتركب من خبراء تقنيين سويسريين وأمريكيين في واشنطن وبرن للإشراف بشكل مشترك على إجراء العديد من التحقيقات المرتبطة بعمليات الحادي عشر من سبتمبر.

وفي تلك المناسبة توقع فالنتين روشاخير (المبادر بإطلاق الفكرة التي لقيت ترحيبا كبيرا لدى الإدارة الأمريكية) أن يتم تحقيق “تشاور أفضل” بين أجهزة الشرطة والقضاة في البلدين وشدّد في تصريحات أدلى بها آنذاك لسويس إنفو على أن تبادل المعلومات بين الجانبين سيتم من الآن فصاعدا “بشكل أسرع”.

العرب والمسلمون

وعلى غرار ما عرفته الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية، تعرض بعض المسلمين المقيمين في سويسرا إثر أحداث 11 سبتمبر الإرهابية مباشرة إلى مضايقات إلا أنها اقتصرت على التحرش اللفظي وإرسال رسائل عدوانية إلى بعض المراكز الإسلامية.

وقد عبر عدد من ممثلي الجالية الإسلامية آنذاك عن قناعتهم أن تلك التصرفات لا تمثل إلا قلة ضئيلة من السويسريين فيما شددت الحكومة السويسرية بقوة منذ وقوع الهجمات على أن الدين الإسلامي لا علاقة له بما حدث.

وعلى عادة سويسرا، تميزت الإجراءات الوقائية التي اتخذتها السلطات الأمنية بالتكتم الشديد والإبتعاد عن الأضواء الإعلامية. فقد تم تفيش عدة بيوت في مناطق متفرقة من البلاد واستجواب أشخاص من جنسيات عربية وإسلامية يُشتبه في إمكانية وجود علاقة بينهم وبين تنظيمات إرهابية لكن لم يُعلن عن آعتقال أو توجيه تهم محددة إلى أي شخص.

على صعيد آخر، شدد التقرير السنوي لعام 2002 الذي تصدره الشرطة الفدرالية عن الأوضاع الأمنية في البلاد على أن “نشاطات الإسلاميين في سويسرا تتم عموما وفقا لما يسمح به القانون”. كما أكد مسؤولون على أن “لا أحد من الإسلاميين المقيمين في سويسرا متورط في أعمال إرهابية”.

وفيما يتعلق بالتيارات المناصرة لعمليات إرهابية، أكد التقرير الذي صدر في شهر مايو 2003 على أنها “تشكل أقلية صغيرة في سويسرا، وأن سويسرا تُستعمل بالدرجة الأولى كمنطقة عبور او اختباء لهذه العناصر”.

وفيما يرى البعض أن تداعيات “11 سبتمبر” قد ألقت بظلالها على وضع المسلمين في سويسرا، يلاحظ آخرون أن ظواهر “التشنج والعصبية” في التعامل مع قضايا المسلمين المقيمين في الكنفدرالية، تستند إلى أفكار مُسبقة وصور نمطية سلبية كرستها الأحداث الأخيرة، وأغلب ما تروجه العديد من وسائل الإعلام من مضامين مثيرة بل مخيفة ومنفرة عن المسلمين عموما.

ومع أنه يُفترض أن تكون محاولات الحوار التي أطلقها مسلمو سويسرا منذ عدة أعوام – من خلال المنظمات والهيئات التي تمثل معظم الجاليات المكونة لهم – مع الرأي العام ووسائل الإعلام والسلطات المحلية والفدرالية قد ساعدت على تصحيح السلبيات إلا أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أعادت عقارب الساعة إلى الوراء.

وبدا أن هول الصدمة أنسى بعض الجهات ما برهن عليه مسلمو سويسرا الذين يزيد عددهم عن 300 ألف شخص من رغبة أكيدة في الإندماج إيجابيا في المجتمع الذي يعيشون فيه، من خلال ما قدموه من تنازلات في قضية المقابر ومشكلة الذبح الحلال، وعبر حرصهم على تنظيم فعاليات ثقافية – تشهد إقبالا لا بأس من جانب السويسريين – لتقديم الإجابة عن أية تساؤلات تدور بخواطر الخائفين أو المتوجسين من الإسلام.

آنعكاسات على الساحة المالية

على الصعيد الإقتصادي، لا شك في أن كارثة 11 سبتمبر قد غيرت معالم أشياء كثيرة في العالم من أهمها تحويل التباطؤ الذي كان قارا في الاقتصاد العالمي حينذاك إلى ركود وكساد.

لكن الأهم من ذلك هو المضاعفات البعيدة الأمد التي خلفتها على المراكز المالية الرئيسية في العالم كسويسرا حيث تقول أوساط مطلعة إن كارثة 11 سبتمبر قد أعطت دفعا جديدا لهذه الحملة، كما أعطت ذخيرة جديدة للأطراف المنافسة التي لا تُضمر الخير للمركز المالي السويسري.

وقد واجهت سويسرا في العامين الماضيين بدعاوى متعددة – من بينها مكافحة تمويل الإرهاب – ضغوطا مستمرة من طرف واشنطن (وبروكسيل أيضا ولكن لاعتبارات أخرى) لرفع السرية المصرفية عن المتهربين من دفع الضرائب في الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، وليس عن المتهمين بغسل الأموال وبالإرهاب فقط.

لذلك يمكن القول أن كارثة 11 سبتمبر قد خلطت الأوراق مجددا، بالنسبة للمركز المالي والاقتصادي السويسري على غرار المراكز الرئيسية الأخرى في العالم.

وتشهد على ذلك، النتائج الضحلة أو حتى السلبية التي حققتها كبريات الشركات والمجموعات السويسرية، ما عدا “نستلي” و “نوفارتيس”، خلال النصف الأول من عام 2002 وبالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، وعدم التفاؤل بالمستقبل القريب الذي ظل ملازما لأوساط المال والأعمال إلى وقت قريب.

يجدر التذكير بأن الأنظار اتجهت إلى سويسرا بشدة بُعيد 11 سبتمبر، عندما أكدت السلطات الأمريكية أن محمد عطا الذي تعتقد أنه من منفذي الهجوم على مركز التجارة العالمي مر بمطار زيوريخ واشترى من سوقه الحر مطواة، وورود احتمالات بإقامة بعض الأشخاص الذين لهم صلات بتنظيم القاعدة في الكنفدرالية واستعمالهم لساحتها المالية في تعاملاتهم مستفيدين من السرية المصرفية.

تشديد الرقابة المصرفية

ولم تتوان السلطات السويسرية في التعامل مع نظيرتها الأمريكية فيما يتعلق بملف الساحة المالية، وحرصت على دراسة قائمة الحسابات البنكية التي تعتقد واشنطن بأنها تدعم الإرهاب أو على علاقة بتنظيم القاعدة وحركة طالبان بكل عناية.

وقد التزمت برن التزاما صارما بتجميد حسابات الأشخاص والهيئات التي ترد في القائمة الصادرة دوريا عن مجلس الأمن الدولي وشملت حسابات تابعة لحركة طالبان، ولأعضاء في تنظيم القاعدة والعديد من الودائع المشتبه فيها، انتظارا لأن يثبت أصحابها براءتهم من التهم المنسوبة إليهم بضلوعهم في تمويل الجماعات الارهابية.

وفي هذا السياق تلقى المكتب الفدرالي السويسري المنسّق لعمليات مقاومة غسيل الأموال المكتسبة بصفة غير مشروعة وأموال الإرهاب، 652 ملفا بشبهة غسل الأموال خلال عام 2002، مقابل 417 ملفا في عام 2001 .

وللمرة الأولى في عام 2002، زاد عدد الودائع المشبوهة التي تلقاها المكتب من القطاعات غير البنكية أو المصرفية، على عدد الوشايات التي بلغته عن طريق البنوك والمصارف، حيث تم تسجيل زيادة بلغت 6،3% بالمقارنة مع عام 2001.

وينسب خبراء الشرطة الفدرالية السويسرية هذه التطورات لتشديد إجراءات الرقابة في مجال غسيل الأموال، وليس لحدث كهجمات 11 سبتمبر، الذي أدى إلى تصعيد ملحوظ في الولايات المتحدة وخارجها في إجراءات الرقابة، ليس على حركة أموال الجريمة المنظمة وحسب، وإنما على أموال الأوساط المشبوهة بالإرهاب أيضا.

ويؤكد الخبراء الأمنيون أن هذه الأرقام تعكس – رغم الزيادة الحادّة في عدد شبهات غسيل الأموال – أوجها إيجابية بالنسبة للكنفدرالية حيث أنها تمثل إشارة واضحة على أن الأراضي السويسرية لا تعمل كمركز دولي لمحاولات غسل الأموال القذرة أو أموال الإرهاب.

لا للهيمنة الأمريكية !

ومن الملفت أن تطورات العامين الماضيين لم تحدث تغييرات دراماتيكية في علاقة السويسريين بالعالم الخارجي. إذ لم يبدوا – على عكس نظرائهم الأمريكيين أو البريطانيين – خوفاً من التهديدات الخارجية مثلما كشف عن ذلك مؤخرا التقرير الأمني السنوي الذي تصدره الأكاديمية العسكرية السويسرية بالتعاون مع مركز الدراسات الأمنية التابعان للمعهد الفدرالي التقني بزيورخ.

ففي شهر أبريل الماضي أعرب نحو 88% من سكان سويسرا عن إحساسهم بالأمان الشديد في سويسرا. ومع أن شعور سكان الكنفدرالية بهذا القدر من الأمان في عالم يموج بالمخاطر (من الأعمال الإرهابية إلى الحروب إلى مرض السارس) يبدو مستغربا، إلا أن انقشاع الضبابية التي هيمنت على الأوضاع الدولية في الفترة التي سبقت حرب الولايات المتحدة على العراق أقنعت الأغلبية بأن الأمور أصبحت اكثر وضوحاً.

في المقابل ظلت الأوضاع الدولية مهيمنة على تفكير السويسريين. وبدا لافتاً أن هذا الشعب الذي ظل لعقود طويلة رافضاً لمبدأ الانضمام إلى الأمم المتحدة (التحقت الكنفدرالية بها رسمياً في 10 سبتمبر 2002)، أبدى اقتناعا قوياً بدورها في تطبيق القانون الدولي. وقد عبر 65% منهم عن هذا الرأي في شهر فبراير، لترتفع تلك النسبة بصورة مثيرة إلى 79% في شهر أبريل الماضي.

وقد ساهم كثيراً في تشكيل هذا الموقف رؤية السويسريين المتشككة في الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة على الساحة الدولية، إذ لم يبدِ سوى 20% رضاه عن أداءها.

كما أظهرت نتائج التقرير أن اتجاه الرأي العام السويسري لا يؤيد مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”، بمعنى أن القضاء على نظام قمعي مثلا لا يبرر الالتفاف على القانون الدولي، وأن مبدأ السيادة الوطنية يجب الحفاظ عليه بدون استثناء، وأعرب 90% منهم عن اعتقادهم بأن القانون الدولي يجب أن يكون المحك في العلاقات الدولية.

رفض للإملاءات

على صعيد آخر، يمكن القول أن المخاوف الأمنية والضغوط الأمريكية قد فرضت على المسؤولين السويسريين تحديات قانونية غير عادية لامست بعض الأسس التي ترتكز عليها العلاقة بين السلطة والشعب في الكنفدرالية وخاصة ما يتعلق بحماية البيانات الشخصية للمواطنين.

وفي هذا السياق يقول هانز بيتر تيور المكلف بملف حماية المعطيات الخاصة بالمواطنين في تقريره السنوي الأخير، أن أحداث 11 سبتمبر لم تغير من مفاهيم حماية البيانات الخاصة للمواطنين، ويرى أن استخدام الإدارة الأمريكية تحت رئاسة جورج بوش لمصطلحات مثل “محور الشر” ليس سوى لفرض المزيد من السيطرة على كافة المستويات.

ويضيف هانز بيتر تيور، أن من أمثلة فرض الولايات المتحدة لقوانينها على الغير، مطالبة واشنطن لشركات الطيران من جمع بيانات شخصية جدا عن جميع المسافرين إلى الولايات المتحدة، بداية من التعرف على الهوية الدينية، ووصولا إلى عادات الطعام والشراب وأرقام بطاقات الائتمان البنكية. وقد وافقت شركة الطيران السويسري “سويس” مرغمة على الالتزام بالطلبات الأمريكية، على الرغم من إدراكها تماما بأن ذلك مخالف للقوانين السويسرية.

وفي افتتاحية التقرير السنوي للجنة الفدرالية لحماية المعطيات الخاصة حذر هانز بيتر تيور قائلا “إننا سنجد أنفسنا في مواجهة حقيقة ثابتة، وهي أن الولايات المتحدة تريد التستر وراء محاربة الإرهاب لفرض إملاءات على الدول المختلفة، حتى ولو كانت تتعارض مع استقلالية قوانين تلك البلدان”.

لذلك، فمن المتوقع أن لا يظل فرض الحصول على البيانات الخاصة للمسافرين إلى الولايات المتحدة الحالة الوحيدة للتدخل الأمريكي في قوانين الدول الأخرى. وهو ما دفع اللجنة للقول “إن خطرا كبيرا يحدق بالنظام الليبرالي في سويسرا”، وهو النظام الذي يكفل الحرية للأشخاص مع ضمان سرية خصوصياتهم.

وخلاصة القول أن الحياة اليومية للسويسريين لم تشهد تغييرات جوهرية جراء أحداث واشنطن ونيويورك لكنها بدأت تتأثر – بشكل مباشر وغير مباشر – بالقوانين والمطالب الأمريكية الجديدة وهو ما يعزز أجواء التوجس (والعداء أحيانا) للولايات المتحدة في صفوف قطاعات مهمة من سكان الكنفدرالية.

سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية