مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

طريقة سويسرية للبحث عن السلام

Keystone

تضمن التقرير السنوي لمؤسسة السلام السويسري مؤخرا الخطوط العريضة لنشاطها خلال العام الماضي ونبذة عن تطلعاتها المستقبلية.

ومن المؤكد أن الجمعية ستواصل العمل بنفس الأسلوب المتمثل في الكشف المبكر عن الصراعات المحتملة واقتراح الوسائل الكفيلة بتفاديها… إن أمكن.

يرى فريتس شتاهلين، رئيس مؤسسة السلام السويسري، في مقدمة التقرير السنوي أن النجاح الذي حققته حتى الآن، يحملها مسؤولية مواصلته في السنوات القادمة، التي ستكون – حسب توقعاته – مليئة بالأحداث التي تتطلب تدخلا سريعا قبل فوات الأوان.

وتعتمد المؤسسة في عملها على رصد بؤر الصراعات حول العالم والمشاكل الدولية، التي يمكن أن تتحول إلى نزاع مسلح. وتحاول من خلال دراسات وتحاليل يعدها الباحثون التابعون لها، تقديم بعض الأفكار والمقترحات العملية لنزع فتيل الأزمة في الوقت المناسب. وفي كثير من الأحيان، تسعى لفتح باب الحوار بين طرفي الخلاف، على أمل طي صفحته والتوصل إلى حلول يقبل بها الطرفان أو الأطراف المتنازعة.

وتتعاون المؤسسة مع الجامعات ومراكز البحث المعنية بقضايا السلام والأمن في العالم كمركز للتدريب وجمع المعلومات وإعداد الدراسات، حيث يقوم خبراؤها – إلى جانب عملهم في الأبحاث – بإعطاء دورات تدريبية للمهتمين والطلبة والباحثين. ويساهم المكتب الفدرالي للعلوم والتربية في هذا المجال بشكل ملحوظ، وذلك على الصعيدين المالي والتنسيقي.

من أفغانستان .. إلى البلقان

ومن أبرز أنشطة المؤسسة ما تقوم به في أفغانستان، على الرغم من صعوبة الأوضاع هناك. فهي التي بادرت بإنشاء “منتدى المجتمع الأفغاني المدني” لدعم نشاط المنظمات المحلية غير الحكومية وتوجيهها نحو أسلوب العمل الأمثل، كما أشرفت على إدارة مؤتمرين في العاصمة كابول في شهر مايو الماضي حول نفس الموضوع.

وتحاول المؤسسة ربط الجانب الاقتصادي بالحياة الاجتماعية في أفغانستان حيث خصصت مؤخرا مؤتمرا دولياللبحث في كيفية دفع عجلة الحياة الاقتصادية في البلاد للقضاء على البطالة والفقر هناك، وذلك بتمويل ودعم من وزارتي التجارة والمالية في سويسرا.

ولإستكمال الصورة، تطرقت المؤسسة في نشاطها في كابول إلى أوضاع الشباب الأفغان على اعتبار أنهم مستقبل البلاد، حيث رأت أن ترتيب مؤتمر يضم 240 شاب أفغاني من المقيمين في مختلف الدول ولقائهم مع نظرائهم في الداخل، سيعمل على تقريب الصورة بين من يعايشون الواقع بمشاكله، والآخرين الراغبين في مساعدة بلادهم. وفي هذه الحالة لا يقتصر الدور السويسري على ترتيب اللقاء، بقدر ما يمتد إلى التوعية ومحاولة فتح أبواب استفادة كل طرف من الآخر.

أما في منطقة البلقان، فقد تحركت المؤسسة بشكل أكبر وشمل برنامج عملها مساهمات مختلفة في مراحل إعادة الأعمار في البوسنة والهرسك، وإقليم كوسوفو، كما أعد خبراؤها مجموعة من التقارير والأبحاث حول “استقرار صربيا وجيرانها”، ودراسات عن تطورات الأوضاع الداخلية في ألبانيا.

“مراكز استشعار عن بعد”

وللمؤسسة باع كبير في الشأن الأفريقي، ولها مكاتب “استشعار عن بعد” في كل من أنغولا وبوروندي ورواندا وموزمبيق ومدغشقر، وإريتريا وإثيوبيا والصومال والسودان، حيث أعدت دراسات وأبحاث مختلفة حول صراعات القارة ومشاكلها وفرص تجاوزها أو حلها.

وعلى الرغم من التساؤلات التي يثيرها اهتمام المؤسسة الواضح بالقارة السمراء التي لا تتوقف فيها الصراعات المزمنة، إلا أن “سويس بيس” ترى أنها ليست صاحبة سلطة أو تأثير على صنع القرار في الدول المعنية، وأنه من المفترض أن يقتصر دورها على توضيح المخاطر أو التنبؤ بالمشاكل وتنبيه أطراف النزاع قبل فوات الأوان.

أما إذا اندلعت الحرب رغم كل التحذيرات، فإن مهمتها تتحول إلى كيفية دعم المدنيين بعد أن تسكت أصوات المدافع، مثلما تقوم بذلك في كوسوفو أو في البوسنة والهرسك وأفغانستان.

عربيا اقتصر عمل “سويس بيس” حتى الآن على اسرائيل والمناطق الفلسطينية، حيث تعتقد المؤسسة ان نشر ثقافة السلام هو من أحد وسائل دعم الاستقرار في المنطقة. كما تنظم من حين لآخر ندوات تسعى من خلالها إلى توعية الأجيال الشابة في المنطقة بضرورة القبول بالآخر.

ومن المحتمل، حسب مصادر في “سويس بيس” أن تتجه اهتماماتها في الفترة القادمة إلى بغداد، بعد إجراء تقييم جدي للعمل الذي قامت به في افغانستان، وبعد استقرار الأوضاع في العراق بشكل ملموس، يتيح لها العمل بأمان وسلامة.

نموذج يمكن تكراره

ومن أهم الملفات التي توليها “سويس بيس” عناية خاصة، ملف تأثير مشاكل البيئة على الاستقرار، مثل انتشار الجفاف والتصحر أو الخلاف على استخدام الثروات الطبيعية، حيث تحذر الجمعية من تراجع مصادر المياه في إفريقيا والشرق الأوسط، وتطالب دائما بالتنسيق بين الدول المعنية لمواجهة الأزمة القادمة قبل انفجار الأوضاع.

ومن الملفت أن المؤسسة اكتشفت في سياق أبحاثها واتصالاتها أن اغلب الحكومات الافريقية لا زالت غير مدركة لحجم المشكلة والكارثة التي يمكن أن تحدث، ما لم تتحرك الدول قبل فوات الآوان.

المهمة التي تقوم بها مؤسسة السلام السويسري ليست السهلة، لا سيما وأن المشاكل وبؤر الصراعات تتزايد بشكل كبير حول العالم، وتتخذ يوما بعد يوم أبعادا معقدة بسبب تداخل الاهتمامات وتضارب المصالح، وتزايد إملاءات الدول الكبرى التي لا تُرد.

إلا أن الرغبة في السلام والبحث عنه والسعي إليه هدف محمود يجب أن يتواصل مهما واجهته العراقيل والصعوبات. وإذا كانت محاولات مؤسسة السلام السويسري الحثيثة قد نجحت في مناطق وفشلت في أخرى، فهي اجتهادات يُمكن أن تكون حافزا للآخرين لاتخاذ نفس النهج في نزع فتيل النزاعات وضمان الإستقرار.

تامر أبو العينين – سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية