كابول تدفع دائما ثمن “تحريرها” غاليا
عَشِق أفغانستان وشعبها، درسَ تاريخها وجال في جغرافيتها، مُلم بتقاليدها وتضاريسها. انه عالم الاثنيات والأعراق السويسري بيير سونليفر الذي يعد من ابرز المتخصصين في الشؤون الأفغانية على الصعيدين السويسري والأوربي.
كيف ينظر أستاذ الاثنيات السابق في جامعة نوشاتيل إلى الوضع الراهن في أفغانستان التي يعرف ماضيها وحاضرها وقد يتنبأ بمستقبلها. في التحليل التالي يحدثنا الاستاذ سونليفر عن مراحل ” تحرير” كابول التي عادة ماتنتهي بتقييد سكانها..
يقول عالم الاثنيات السويسري Pierre Centlivres في تحليله لما تشهده العاصمة الأفغانية كابول حاليا من غارات أمريكية تلت حربا أهلية استغرقت عقدين ومجاعة تواصلت ثلاث سنوات:
” لقد تعلم سكان كابول الاحتراس من محرريهم. المتقدمون سنا من بينهم يتذكرون شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1929 عندما حصلت قبائلُ الباشتون، التي قدمت إلى مدينتهم من اجل الإطاحة بالمغتصب الطاجيكي حبيب الله الثاني، على إذن الملك الجديد المُنتصر بنهب العاصمة بعد أن أُفرغت صناديق الدولة من محتوياتها.
وبعد مضي خمسين عاما، في ديسمبر كانون الأول من عام 1979، دخل الجيش الأحمر الهارع إلى كابول من اجل إغاثة الحكومة الشيوعية آنذاك التي كانت تزعم أنها تواجه تهديد ” العصابات الرجعية والدُّمى التي تحركها الإمبريالية الأمريكية” في إشارة إلى المقاومة الإسلامية.
أفغانستان وعاصمتها دفعتا ثمن هذا التدخل غاليا ونتيجة إنقاذ كابول تمثلت في سقوط مئات آلاف القتلى والمُشوهين وفي نفي الملايين. أما سجون كابول التي كانت قد أُفرغت لوهلة فقد امتلأت مجددا على آخرها.
وفي عام 1992، أي بعد مضي ثلاث سنوات على مغادرة الجيش الأحمر لأفغانستان، حررت حركات المقاومة العاصمة كابول. ويا لتعاسة سكانها! نهاية النظام الشيوعي لن تكون سوى محنة إضافية في تاريخهم. فابتداء من فصل الصيف من نفس السنة، اندلع النزاع بين مختلف فصائل المجاهدين من اجل السيطرة على المدينة. وبعد أن عفت قوات الاتحاد السوفياتي السابق عن كابول، هاهي اكثر من نصف مساحتها تدمر من جراء النزاع الداخلي.
ويكمل عالم الاثنيات السويسري Pierre Centlivres حديثه بالقول :”لقد قضيتُ وزوجتي شهرا كاملا في كابول في صيف 1996. آنذاك، كان برهان الدين رباني (الذي ينتمي إلى العرقية الطاجيكية السنية وثاني رئيس لدولة المجاهدين في كابول بعد سقوط الحكم الشيوعي فيها في أبريل/ نيسان 1992) كان رئيس البلاد وحاكم كابول. وقتها، كانت مجموعات مجاهدين مسلحين، تجول في الشوارع بشعر ولحية طويلين. وفي وسط المدينة العصرية، اثر التحرر النسبي مقارنة مع النظام السابق، بدأت النساء ترتدين مجددا زي “البوركة”.
في عام 1996، واصلت كابول في تعداد آثار الصورايخ التي كانت تسقط بالصدفة على الأحياء السكنية والتي كان يطلقها مجاهدون مناهضون للنظام الشيوعي في أول الأمر، ثم دخل الصراع مرحلة “أهلية” حيث بدأت الفصائل تتناحر فيما بينها، واخيرا بدأت الصورايخ تطال كابول لكن هذه المرة كان من يطلقها مقاتلو حركة طالبان المجاورة.
وفي سبتمبر أيلول من نفس السنة، شرعت حركة طالبان الحاكمة حاليا في أفغانستان في تنفيذ ” تحرير ثاني” للعاصمة كابول. وكان هذا التحرير باهظ الثمن على سكان المدينة.. تماما مثل عمليات “التحرير” السابقة. الثمن كان البطالة وإلغاء شرس لمواطن العمل التي كانت تشغلها النساء ثم فرض قيود معنوية وثيابية، أي كل ما يتعلق بالثياب وكيفية ارتدائها، عليهن.
إن النزاع من اجل إحكام السيطرة على العاصمة كابول كان دائما يتم على حساب سكانها. وقد حمل كل تغيير في النظام من بداية الصراع المتواصل ليومنا هذا، تدهورا في الأوضاع والمزيد من الفقر والتعاسة والمعاناة.
كابول عاصمة وقعت تحت العقاب وفقدت جوهر دورها. فمركز السلطة بات، على الأقل إلى غاية أكتوبر تشرين الأول من عام 2001، في مدينة قندهار الجنوبية حيث يقيم زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر.
وهانحن نشهد الآن ملامح ” تحرير جديد” لكابول في شكل ضربات أمريكية مبرمجة ومتتالية. هانحن نشهد استئناف القتال. فهل سيعيش سكان كابول بعد ” تحريرهم الجديد””؟
بيير سونليفر- ترجمة اصلاح بخات
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.