ماكرون يزيد من أعباء الموازنة بالاجراءات الهادفة إلى تهدئة الاحتجاجات
يقول محللون أن الاجراءات التي وعد بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لمساعدة العائلات ذات الدخل المتدني وانهاء احتجاجات “السترات الصفراء”، ستزيد من اعباء الموازنة وربما تسيء الى صورته.
تولى ماكرون (40 عاما) الرئاسة في أيار/مايو 2017 على وعد بخلق بيئة مناسبة للأعمال وميزان مدفوعات جيد، لينهي العجز المزمن في الموزانة والمستمر منذ السبعينات.
غير أن خبراء الاقتصاد يقدرون أن كلفة الاجراءات التي أعلن عنها في كلمة إلى الشعب الاثنين يمكن أن تصل إلى 11 مليار يورو (12,5 مليار دولار) — وهو رقم كبير بالنسبة للبلد الذي يجد صعوبة كبيرة في الالتزام بقواعد الاتحاد الأوروبي فيما يخص الموازنة.
وسيتم رفع الحد الأدنى للأجور العام المقبل، كما سيتم الغاء الضرائب على العمل لوقت إضافي، كما سيتم الغاء زيادة الضريبة التي فرضت على المتقاعدين هذا العام.
وقالت صحيفة “ليه ايكو” الثلاثاء إن “الصورة الايجابية لايمانويل ماكرون في بروكسل بأنه شخص يحافظ على الموازنة ستتضرر بشدة”.
وتبلغ التكاليف الاجمالية للإجراءات التي تم الاعلان عنها الأسبوع الماضي لمساعدة محتجي “السترات الصفراء” وهم فقراء من البلدات الصغيرة أو المناطق الريفية بشكل خاص، 15 مليار يورو على الأقل.
وبموجب قواعد الاتحاد الأوروبي التي تحكم العملة الأوروبية الموحدة، فإن فرنسا ملزمة بالحفاظ على عجز الموازنة تحت نسبة 3% من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما فشلت فيه فرنسا مرارا حتى 2017.
وكان العام الماضي أول عام منذ أكثر من عقد ينخفض عجز الموازنة حيث لم يتجاوز 2,6% – بفضل إجراءات خفض التكاليف ونمو اقتصادي اكبر من المتوقع.
وخفضت الحكومة التوقعات للعام المقبل إلى 2,8%، حتى قبل بداية الاحتجاجات التي من المتوقع أن تلحق اضرارا بالاقتصاد الذي يشهد تباطؤا في النمو.
وصرح وزير البيئة فرانسوا دي روجي لإذاعة كلاسيك الثلاثاء “في المرحلة الأولى ستحدث زيادة في عجز الموازنة. يجب أن نكون واضحين. أنه أمر واضح ومسألة أولوية”.
واضاف “نحن لا نقول أن الديون الطويلة الأجل لا تمثل مشكلة. ولكن الأولوية الأبرز هي عدم مناقشة ذلك مع بروكسل ولكن مع الشعب الفرنسي”.
وذكر خبراء اقتصاديون الاثنين أن الاجراءات التي أعلنها ماكرون من المرجح أن تزيد عجز الموازنة إلى نسبة تتراوح بين 3 و3,5% من إجمالي الناتج المحلي.
ويمكن أن تزيد نسبة إجمالي الديون إلى أكثر من 100% قياسا مع إجمالي الناتج المحلي للمرة الاولى، أي أكثر بكثير من السقف الذي حدده الاتحاد الأوروبي بنسبة 60%.
– هدية لإيطاليا؟ –
قال ماكرون سابقا أنه يرغب في اصلاح وتعزيز منطقة اليورو، داعيا الدول الأعضاء فيها إلى الالتزام بالقوانين.
ووجدت إيطاليا نفسها في مأزق بعد أن واجهت حكومة الائتلاف الشعبوي من حزب الرابطة اليميني المتطرف و”حركة الخمس نجوم”، صعوبة في الحصول على موافقة بروكسل على موازنتها التي تتضمن انفاقا كبيرا.
ورفضت المفوضية الأوروبية في بروكسل، المسؤولة عن مراقبة موازنات دول الاتحاد الأوروبي، خطط الانفاق لانها ستزيد من الديون الايطالية الهائلة ولن تحقق النمو المنشود.
ويمكن أن يؤدي انتهاك فرنسا للقوانين إلى فتح جبهة جديدة في الخلاف حيث تقول ايطاليا أنها ليست الوحيدة التي انتهكت القواعد في محاولتها لدفع الاقتصاد للنمو مجددا.
كما سيؤثر قرار ماكرون زيادة الانفاق العام على نظرة زعماء دول الاتحاد الأوروبي الآخرين اليه خصوصا في ألمانيا وهولندا والدول الاسكندنافية التي سعت لفترة طويلة إلى دفع فرنسا لكبح انفاقها العام.
وطالما اعتبر ماكرون أن الإدارة المالية القوية مهمة جدا لكسب المصداقية في أوروبا خصوصا مع المستشارة الالمانية انغيلا ميركل.
وقال كالوم بكرنغ الاقتصادي في بنك بيرنبرغ الخاص “لقد تحول من ملاك إلى ضحية بشكل سريع جدا”، مشيرا الى تغير صورة ماكرون منذ انتخابه في ايار/مايو 2017.
إلا أن بكرنغ دعم الوسطية وقال أن المعونات التي وعد بها ماكرون لا تعني ان الرئيس يتراجع عن اجندته الأكبر التي تهدف إلى جعل فرنسا مكاناً افضل للشركات والأعمال.
ووعد ماكرون كذلك بعدم إعادة فرض ضريبة على ذوي الدخل المرتفع كان ألغاها في 2017 لاستقطاب المستثمرين، وسيواصل خفض ضرائب الشركات والاستثمار في التعليم في أماكن العمل.
وقال بكرنغ “طالما واصل اصلاحاته الداعمة للنمو فإن الاقتصاد الفرنسي سيكون قويا مع مرور الوقت رغم التباطؤ الدوري الآن”.
وأضاف “بالطبع علينا الآن أن نراقب كم سيخسر من قدرته على فرض اصلاحات إضافية لدعم النمو إلى جانب الاصلاحات التي قدمها”.