مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مجزرة بيت حانون بين غضب مكتوم وصمت مطبق

أفراد عائلة ينتحبون موتاهم في مستشفى بيت لاهيا بقطاع غزة يوم 8 نوفمبر 2006 Keystone

تابع السويسريون في صمت وجمود خلال الأيام الأخيرة الغضب المدمر الذي قام به الإسرائيليون في قطاع غزة.

وفي الوقت الذي ارتفعت فيه أصوات استنكار داخل الأوساط الشعبية، التزم السياسيون السويسريون الصمت التام.

تطرقت إحدى اليوميات السويسرية صباح الأربعاء 8 نوفمبر لما يجري في قطاع غزة، في مقال منقول عن وكالة أنباء تحت عنوان “القوات الإسرائيلية تنسحب من بيت حانون”، وبعد ذلك مباشرة تطرقت للحصيلة: 52 قتيلا فلسطينيا، وهدم 40 منزلا، وإلحاق أضرار بـ 400 آخرين، ومقتل جندي إسرائيلي. وأضافت اليومية بأن “الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته ضد الفلسطينيين في مناطق أخرى”.

فهذه الأحداث، التي حظيت بتغطية إعلامية مكثفة في بداية الاجتياح الجديد، لم يعد القارئ يجد لها أثرا بعد ستة ايام من البداية عبر صفحات الجرائد إلا من خلال أخبار موجزة منقولة عن وكالات الأنباء الدولية، مثل رويترز وأسوشايتد برس وغيرها.

وفي الوقت الذي قتل فيه 18 فلسطينيا صباح يوم الأربعاء بالقرب من بيت حانون، نتيجة لقصف مدفعي إسرائيلي، أوردت الصحف السويسرية على مواقعها عبر شبكة الإنترنت مقالات تحت عنوان “حماس تعلن عن هدنة”. لا شك في أن الكثير من متصفحي الإنترنت سوف لن يعيروا اهتماما كبيرا لمثل هذا النبأ. ونظرا لأن أحدا لم يعد اليوم قادرا على فهم ما يجري في الشرق الأوسط فهما جيدا، أصبح الجميع يتجنب الخوض في الموضوع، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتطورات لا زالت جارية.

ما لا يجوز البوح به

عندما تفرض أحداث غزة نفسها على مائدة النقاش، يقابلها الجميع بهز الرأس وبالجمود وبعدم الاهتداء لأي رأي.

أحد السويسريين، الذين إشتغلوا قبل فترة في إحدى التعاونيات الزراعية اليهودية، (كيبوتس) يقول: “ألا يدرك الإسرائيليون بأنهم يفقدون كل أوجه التعاطف معهم”؟ فتدخل القوات الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة لم يعد يراعي أية احتياطات.

ويتساءل سويسري آخر “إنهم يعتبرون ذلك دفاعا عن النفس، ولكن لماذا لا يجرؤالصحفيون – على صفحات جرائدهم – على تسمية ما يجري بأنها عمليات قتل ومجازر”؟ وكتب صديق له في رسالة الكترونية “إنني شاهدت على التو، مرة أخرى عبر شبكة سي إن إن هذه الصور، 18 قتيلا و60 جريحا من مدنيين وأطفال. لقد فاضت عيوني بالدموع… بأي حق يحاصر هؤلاء الفلسطينيين، ليس فقط الى حد الاختناق، بل في تجاهل كلي لكل القوانين والمعاهدات؟ يبدو أنهم لم يستخلصوا العبر من تاريخهم؟ ألا يتحمل المسؤولية الكبرى من يعاتب الآخرين على ارتكاب انتهاكات يقوم هو بارتكابها ضد آخرين؟ هل من حق دولة ما زالت تذكٌِر بمآسي مثل معسكرات الاعتقال في وارسو، أن تعمل على تحويل قطاع غزة الى وضع مماثل؟

إن من يطرح مثل هذه التساؤلات علانية، سرعان ما يُـتهم بأنه معاد للسامية. ونظرا لأنه لا أحد يرغب في أن يُـتهم بذلك، يتجنب الجميع طرح مثل هذه الأسئلة، ولهذا السبب، يلتزم السياسيون في معظم بلدان العالم (بما فيها سويسرا) الصمت، مخافة ان يتعرضوا للهجوم بعد التعبير عن مواقف من هذا القبيل، بل إن وزيرة الخارجية ميشلين كالمي – ري، المعروفة بمواقفها المنتقدة، انضمت الى الإجماع الحكومي على ممارسة الصمت، وأصبحت تخشى التجرؤ على اتخاذ موقف علني بخصوص تصرفات الجيش الإسرائيلي.

أما أصوات المنتقدين، فقد أصبحت خافتة. فالأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان على سبيل المثال، طالب إسرائيل بالتزام التريث. ونظرا لأن إسرائيل لا تخشى أن تفرض عليها اية عقوبات، فإنها لا تأبه لأية انتقادات دولية توجّـه إليها.

أما الرئيس الأمريكي جورج بوش، فيعيد ترداد ما يقوله الساسة الإسرائيليون، من أن ما يجري يدخل في إطار ممارسة “حق الدفاع عن النفس”.

هذه التبريرات المتكررة، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، أصبحت بنظر القارئ والمستمع والمشاهد في سويسرا وفي شتى بلدان العالم، أشبه ما يكون بمسرحية هزلية دائمة التكرار. وأمام وضعية مماثلة، لا يجد المرء بـدا من الاستسلام.

“كتبت لنا النجاة”

إن من يعرف قطاع غزة ويعرف سكانه، تدفعه تلك الصور الى الإحباط. لقد كتب عليهم ألا يهب أحد لنجدتهم. بعد أيام من بداية الاجتياح، تمكنت من الاتصال بإحدى سكان بيت حانون. قالت لي: “لقد نجينا، منزلنا لا زال قائما لحد الآن، ولكن ابن عم زوجي قتلوه”.

كارين فينغر – برن

(ترجمه من الألمانية وعالجه محمد شريف)

شارك عشرات الالوف من الفلسطينيين يوم الخميس 9 نوفمبر في تشييع جنازة 18 شخصا قتلوا في قصف اسرائيلي شهدته غزة في يوم وصفته إحدى الفصائل بأنه “يوم مأساة تفوق الخيال”.

قال مسؤولون فلسطينيون وشهود ان قذائف المدفعية الاسرائيلية قتلت 18 مدنيا بينهم نساء واطفال في بلدة بيت حانون بشمال قطاع غزة يوم الاربعاء 8 نوفمبر في هجوم أثار توعدا فوريا بالانتقام من جانب جماعات النشطاء. وكان ذلك أكثر الهجمات التي تشنها اسرائيل على الفلسطينيين دموية منذ أربع سنوات.

وأثار الهجوم على بيت حانون انتقادا في كل أنحاء أوروبا والشرق الاوسط يوم الاربعاء. غير أن ردا مبدئيا من جانب الولايات المتحدة لم يوبخ اسرائيل التي يستعد رئيس وزرائها ايهود اولمرت للقاء الرئيس جورج بوش في واشنطن يوم الاثنين 13 نوفمبر. وأبدى الاتحاد الاوروبي صدمته البالغة ووصفته منظمة المؤتمر الاسلامي بأنه جريمة حرب.

من جهته، أمر وزير الدفاع الاسرائيلي عمير بيريتس الجيش باجراء تحقيق في الهجوم وبوقف قصف غزة لحين اكتمال التحقيق. وقالت الوزارة ان بيريتس سيتلقى النتائج يوم الخميس 9 نوفمبر.

ومن بين القتلى 13 من عائلة واحدة بينهم سبعة اطفال وأربع نساء. وقد لقي بعض القتلى حتفهم أثناء النوم، فيما هرع اخرون الى خارج المنزل الذي تعرض للقصف للبحث عن مكان امن.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية