مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مشروع غامض وتساؤلات مثيرة

تريد الشركة الامريكية إقامة مصنعها في منطقة بعيدة عن كل مظاهر الصناعة ووسط حقول زراعية Berner Zeitung

اعلنت الدوائر الاقتصادية السويسرية أن احدى المؤسسات الأمريكية ترغب في إقامة مصنع للأدوية في "غالميتس" بكانتون فريبورغ.

وعلى الرغم من أن المشروع الجديد يوفر 1200 فرصة عمل، إلا أنه أثار موجة من الاستياء بين الاقتصاديين وحماة البيئة على حد سواء، بسبب الغموض الذي يغلفه منذ بداية الإعلان عنه.

أن تفكر شركة أدوية أمريكية في انشاء معمل جديد لها في سويسرا، خبر شد اهتمام الرأي العام بشكل كبير، وهو الذي دأب على أن يسمع كل يوم عن رحيل شركة للتصنيع إلى الخارج أو تسريح مئات العمال من وظائفهم، بل واعتبره البعض بداية العودة إلى سويسرا كساحة انتاجية، بعد ارتفاع عدد الشركات المهاجرة إلى شرق أوروبا أو آسيا، بشكل اصبح يشكل هاجسا حول مستقبل سويسرا الصناعي.

وبنفس حجم التفاؤل من افتتاح هذا المشروع، اثار الخبر مجموعة من التساءلات وعلامات الاستنكار والتعجب، من الساسة والاقتصاديين والبرلمانيين وجماعات الحفاظ على البيئة في آن واحد.

فليس من السهل في دولة مثل سويسرا تحافظ وتحرص على المساحات الخضراء بشكل كبير، أن تفرط بسهولة في مساحة شاسعة من الأراضي الزراعية وسط الحقول وبعيدا عن المناطق المخصصة للمصانع لإقامة منشآت ومبان عليها، حتى ولو كان المقابل هو فتح ابواب العمل لما لا يقل عن 1200 شخص في هذه الظروف الإقتصادية الصعبة، ومهما كان له من بريق اعتقد البعض أنه طغى على كومة كبيرة من التساؤلات وعلامات الاستفهام.

وقد رفضت جماعات الحفاظ على البيئة وحماة الطبيعة التضحية بأراض زراعية لإقامة معمل للأدوية، لا يعرف أحد ماذا سينتج وأية ابحاث سيجريها، ويرون بأنه يجب توضيح تلك النقاط في اسرع وقت ممكن، ولا يجب أن يكون غض الطرف عن أهداف المعمل والمشروع هو ثمن فتح وظائف جديدة، حتى وإن كانت معدلات البطالة في سويسرا قد بلغت الحد الأقصى لها منذ سنوات (4% حتى موفى يناير 2005)

الحد الأقصى من التسهيلات

وقد ساعد تعمد السلطات السويسرية اخفاء اسم الشركة الأمريكية (إلى حين) والتكتم الشديد في المفاوضات معها، على إضفاء المزيد من الإثارة على هذا الملف، ثم جاء الدور على التساؤل عن السبب في اختيار بقعة نائية في كانتون فريبوغ، على الرغم من أن معامل الأدوية والكيماويات تنتشر عادة في الجزء الشمالي من سويسرا والممتد من بازل إلى زيورخ، لأسباب تتعلق بالنقل وعمليات توريد الخامات والقرب من مراكز الأبحاث والمختبرات.

وقد يكون اخفاء اسم المؤسسة الأمريكية بسبب ضمان سرية المعطيات الذي اشتهرت به سويسرا، ومنعا لأية عروض منافسة من الكانتونات الأخرى التي يهمها أيضا فتح ابواب عمل جديدة لديها، أو أية منافسة من الخارج، لا سيما وأن ايرلندا كانت تأمل في استضافة الشركة على أراضيها، بعدما نجحت في استقطاب شركات أدوية أمريكية كثيرة إليها.

وامام إلحاح وسائل الإعلام لتوضيح ملابسات هذه الموافقة، كشفت الدوائر الإقتصادية في كانتون “فريبورغ” أنها منحت المؤسسة الأمريكية تسهيلات ضرائبية يسيل لها اللعاب، ولا يمكن لأية مؤسسة صناعية أن تفكر مرتين في العرض أو البحث عن مكان آخر بديل، حسبما جاء في تصريحات لينارد فافر مستشار لجنة الشؤون الاقتصادية في كانتون “فو” والتي نشرتها صحيفة “تاغس انتسايغر” بتاريخ 2 مارس الجاري.

توضحيات تولد تساؤلات

إلا أنه كلما توفرت معلومات عن تلك المفاوضات المثيرة بين المسؤولين السويسريين والشركة الأمريكية، كلما زادت الصورة غموضا وطفت تساؤلات أكثر على السطح.

فما أن تم الإعلان على منح الشركة إعفاء من الضرائب لمدة 10 سنوات كاملة، لتتمتع بذلك بالحد الأقصى الذي يسمح به القانون الفدرالي السويسري، وذلك بموافقة من وزير الإقتصاد جوزيف دايس، حسب مصادر بازلر تسايتونغ التي نشرتها بتاريخ 2 مارس الجاري، حتى سارعت وزارة الإقتصاد و نفت رسميا أن يكون وزيرها قد وعد بأية تفاصيل، وان ما تم في اللقاء بين الجانبين هو فقط عرض للمشروع والامكانيات المتاحة.

ثم يكشف النائب البرلماني اليميني بيتر شبولر أن قانون الإعفاء الضريبي سيتوقف العمل به اعتبارا من مطلع عام 2007، فعلى أي اساس قانوني تريد السلطات الاقتصادية في كانتون فريبورغ منح الشركة الأمريكية هذا الإعفاء الضريبي، إذا كان من المفترض أن تبدأ عملها في عام 2009؟،

وزارة الإقتصاد ردت على الفور بأن القانون يجب أن يستمر لعدة سنوات اخرى، كأحد عوامل الجذب للشركات الأجنبية، فتقف النقابات والشركات في حيرة، وتطالب أيضا بامتيازات ضرائبية مماثلة للشركات القائمة بالفعل، لتتمكن من البقاء على قيد الحياة.

سويسرا تشتري مواطن العمل!

وتأتي وقفة أمام هذه التسهيلات الضرائبية الجديدة للشركة الأمريكية، فهذا الإعفاء يعني أن سويسرا تخسر 23000 فرنك سنويا ثمنا لكل موطن عمل توفره لتلك الشركة أو غيرها من المؤسسات المستفيدة من هذا الإعفاء الضريبي، طبقا لحسابات أحد المحللين الإقتصاديين في صحيفة “دير بوند” في عددها الصادر في 3 مارس الجاري، ليظهر التساؤل الجديد، هل يستحق فتح 1200 موطن عمل التضحية بهذا المبلغ؟ وهل ستستفيد سويسرا من هذه الشركة بشكل يعوض تلك الخسارة الفادحة لخزينة الفدرالية؟ وهل ستكون تلك التسهيلات لجميع الشركات الأجنبية الرغبة في العمل في سويسرا؟

إلا أن هذا الإمتياز اثار حفيظة بعض البرلمانيين، لا سيما من التيار اليميني ومجموعة من الاقتصاديين ورجال الصناعة، الذين رأوا بأن التضحية بهذا المبلغ كبيرة ولا تتناسب مع حجم المشروع، لا سيما وأن الشركة الأمريكية لم تقدم ضمانات بأنها ستستمر في العمل في سويسرا بعد نهاية فترة التسهيلات الضرائبية الممنوحة لها، وضربوا على ذلك مثالا بما قدمه كانتون نوشاتيل من تسهيلات وخدمات مشابهة لبعض الشركات الأجنبية، التي اختفت قبل انتهاء مهلة العفو الضريبي بفترة وجيزة.

“غالميتس غيت” أم تستر على آمجين؟

ويتواصل سيل التساؤلات منهمرا، لا سيما بعدما تم الإعلان “على سبيل السهو والخطأ” عن اسم المؤسسة الأمريكية اثناء حديث أجرته الإذاعة السويسرية الألمانية DRS مع أحد المسؤولين في الجهاز الإقتصادي لكانتون فريبورغ، ليكتشف الرأي العام أنها “آمجين” AMGEN الأمريكية الضالعة في مجال التقنيات الحيوية في صناعة الأدوية وفي مجال تقنيات التحور الوراثي بالتحديد.

وهنا يتحول السؤال إلى مدى الضمانات التي تقدمها الشركة بأن ابحاثها لن تؤثر على البيئة الزراعية حولها، وهل ستكون منتجاتها طبقا لما يسمح القانون السويسري؟ أم ستشمل التسهيلات أيضا الجانب الصناعي والبحثي؟ إلى آخر كم هائل من التساؤلات التي لم يجب عليها حتى الآن أي مسؤول لا على مستوى كانتون فريبورع ولا على مستوى كتابة الدولة للشؤون الإقتصادية.

تامر أبو العينين – سويس انفو

فجأة، تحولت غالميتس من قرية هادئة وديعة في الريف السويسري، إلى حديث الرأي العام والدوائر الإقتصادية في ارجاء الكونفدرالية، والسبب هو رغبة احدى شركات صناعة الأدوية الأمريكية إقامة معمل لها هناك، بعيدا عن جميع مظاهر الصناعة، فأثار القرار سلسلة من التساؤلات حول اهداف المعمل وماذا سينتج بالتحديد، لماذا وقع الإختيار على تلك المنطقة بالتحديد.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية