مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل يدفع بوش الثمن؟

يثير تراجع شعبية الرئيس بوش لدى الأمريكيين انشغال المقربين منه الذين يستعدون لإطلاق حملة إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية Keystone

تستمر محاولات البيت الأبيض المحمومة للتّـقليل من شأن كذبة خطاب الرئيس بوش في يناير الماضي حول صفقة اليورانيوم التي زعم أن العراق اشتراها من النيجر.

إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن الكلمات الست عشرة التي استخدمها بوش لحشد التأييد لشن الحرب على العراق قد تكلفه غاليا.

خلال الأسبوع المنقضي، جاء رئيس الوزراء البريطاني إلى الولايات المتحدة لنجدة الرئيس بوش، وحاول في جلسة ممتازة للكونغرس بمجلسيه التأكيد على صحة معلومات المخابرات البريطانية التي استند إليها الرئيس بوش في خطابه عن حال الاتحاد في موفى يناير الماضي، وأكد أن التاريخ سيغفر للولايات المتحدة وبريطانيا، حتى وإن لم يتم العثور على أسلحة الدمار الشامل في العراق.

ولما لم تُـفلح هذه المسرحية البريطانية في إقناع الديمقراطيين الذين يكثفون هجماتهم يوما بعد يوم على لجوء الرئيس بوش لتضليل الشعب الأمريكي والكونغرس، جاء دور الإيطاليين في الفصل الثاني من مسرحية تأييد الحلفاء للرئيس بوش.

فقد وصل رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلُسكوني إلى مزرعة الرئيس بوش في تكساس ليقول، إن الحرب كانت مبررة لتحرير الشعب العراقي من دكتاتورية صدام حسين، وأنه لم يتم الضغط على المخابرات الإيطالية لتقديم معلومات تبرر شن تلك الحرب، وهي إشارة لا غبار عليها إلى أن مصدر كذبة خطاب بوش كان مسؤولا في المخابرات الإيطالية.

ولكن الشعب الأمريكي بدا يُـدرك من خلال ممثليه في الحزب الديمقراطي، ومن اهتمام وسائل الإعلام الأمريكية بتطورات “كذبة يناير”، أن الرئيس بوش كان راغبا في شن الحرب بأي ثمن وبطريقة “الغاية تبرر الوسيلة”.

فعلى الرغم من تحذير وزارة الخارجية له من أن تقارير المخابرات حول مزاعم اقتناء العراق لليورانيوم المشع لإعادة بناء برنامجه النووي ليست موثقة أو موثوق بها، لم يعبأ بوش إلا بما يساند توجهه المحموم نحو شن الحرب بمساندة نائبه ديك تشيني، الذي تشير إليه أصابع الاتهام بأنه مارس ضغوطا شخصية لتكون تقارير المخابرات في نفس الاتجاه بالتصعيد نحو شن الحرب، من خلال الزعم أن بوسع النظام العراقي شن هجوم نووي في غضون 45 دقيقة من اتخاذ القرار.

وفي إطار جهود البيت الأبيض لاحتواء الضجة المثارة حول “كذبة يناير”، التي استغلها الرئيس في حشد تأييد الكونغرس لشن الحرب لوقاية الولايات المتحدة من خطر محتمل ووشيك، اتخذ البيت الأبيض خطوة غير مسبوقة بأن نشر وثائق سرية تضمنها “تقرير معلومات أجهزة المخابرات الأمريكية الست” عن العراق، الذي يقع في تسعين صفحة، وأفاد بأن هناك دليلا قويا على أن العراق كان يسعى لشراء يورانيوم من إفريقيا لاستخدامه في برنامجه النووي.

وبنشر ذلك التقرير، ظن البيت الأبيض أن ما فيه يكفي لإثبات أن الرئيس بوش لم يُـبالغ في التنبيه إلى مخاطر التهديد النووي المحتمل من العراق، من خلال قدرته المزعومة على إنتاج أسلحة نووية في ظرف بضعة أشهر.

تصاعد الهجوم الديمقراطي

ولا يكاد يمر يوم إلا وتتعالى أصوات زعماء الديمقراطيين في الكونغرس بمجلسيه مطالبين بالكشف عن حقيقة ما حدث لتبرير الحرب، وما إذا كان الرئيس بوش قد ضلل الشعب والكونغرس.

وفي هذا الصدد، قال السناتور الديمقراطي كارل ليفين، “إن الأمر يتعلق بما إذا كانت حكومة الرئيس بوش قد تعمّـدت خلق انطباع زائف حول ما يُـشكّـله العراق من تهديد محـدق بالأمن الأمريكي لمجرد تبرير شن الحرب”.

وقال السناتور، إن السفير جوزيف ويلسن، الذي أوفدته المخابرات الأمريكية في فبراير من العام الماضي، هو دليل شخصي على تجاهل حكومة الرئيس بوش لتحذيراته من أن قصة شراء العراق لليورانيوم المشع ليست حقيقية.

وقال السفير ويلسن، الذي خدم في الغابون، إنه قدم تقارير بهذا المعني لوزارة الخارجية وللمخابرات الأمريكية، ومن الطبيعي أن يكون نائب الرئيس تشيني قد اطّـلع عليها.

أما السناتور الديمقراطي، جي روكفيللر، نائب رئيس لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، فقال، “إن هناك أسئلة كثيرة يتعيّـن أن تجيب عليها حكومة الرئيس بوش، وأن لجنة المخابرات عاكفة على التحقيق في الأدلة التي ساقها الرئيس لتبرير شن الحرب”.

وركّـز السناتور الديمقراطي بوب غراهام، الساعي لترشيح الحزب الديمقراطي له لانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، هجومه على نائب الرئيس ديك تشيني فقال، إنه هو الذي تولّـى مهمة القيام بزيارات متعاقبة لمقر المخابرات الأمريكية، ليُـلّـح مرة تلو الأخرى على تزويده بالمزيد من المعلومات حول صفقة اليورانيوم التي حاول العراق إبرامها مع النيجر، رغم معرفته بما قام به السفير ويلسن والتقارير التي قال فيها، “إن وثائق الصفقة ملفقة ولا أساس لها من الصحة”.

كذلك، طالب السناتور الديمقراطي جوزيف بايدن، أبرز أعضاء لجنة العلاقات الدولية بمجلس الشيوخ، بكشف حقيقة ما جرى قبل الحرب، والمبررات التي قدمتها حكومة الرئيس بوش لشن الحرب باعتبار العراق خطرا محدقا بالأمن القومي الأمريكي، وتساءل عن نوعية التخطيط لما بعد الحرب، إذا كانت تقديرات عائدات البترول العراقية لن تزيد عن 18 مليار دولار سنويا في أحسن الأحوال، بينما تُـنفِـق الولايات المتحدة 48 مليار دولار سنويا للقيام بدورها كقوة احتلال للعراق.

“كِـذبـة الرئيس”!

سيكون ذلك شعار الحملة التلفزيونية التي سيشنها الديمقراطيون على الرئيس بوش، والتي سيتّـهمونه فيها بأنه ضلّـل الشعب الأمريكي بشأن التهديدات والأخطار التي زعم أن العراق يشكلها على الأمن القومي الأمريكي.

فقد أعلنت اللجنة القومية للحزب الديمقراطي أنها تجمع التبرعات لتمويل تلك الإعلانات التلفزيونية، التي ستُـظهر الرئيس بوش في كذبة يناير، وهو يقول “لقد سعى صدام حسين في الآونة الأخيرة للحصول على كميات كبيرة من اليورانيوم من إفريقيا”، ثم يضيف الإعلان “ولكننا أدركنا الآن أن الرئيس لم يقل الحقيقة”.

ويشير الإعلان إلى تجاهل الرئيس بوش لتقرير السفير جوزيف ويلسن في فبراير من عام 2002 فيقول، “لقد تم إثبات زيف ذلك الزعم قبل حوالي عام، وعلمت به وكالة المخابرات الأمريكية، وعلمت به وزارة الخارجية الأمريكية، وكذلك البيت الأبيض، ولكنهم واصلوا القول بصحة الزعم”.

ويأتي إعلان الديمقراطيين التلفزيوني في وقت تعاني فيه إدارة الرئيس بوش من طائفة من المشاكل المتعلقة بالعراق. فمحاولات واشنطن الحثيثة لتدويل الاحتلال لم تسفر إلا عن مشاركة ووعود بمشاركة 13 ألف جندي من 17 دولة.

وقد دفع معدل الخسائر اليومية في الجنود الأمريكيين بالقائد الجديد للقيادة الوسطى لمخالفة رأي وزير الدفاع رامسفلد، حين صرح بأن ما يجري في العراق هو حرب عصابات منظمة، كما سيبدي مجلس الأمن تحفظا حول من يمثل العراق في الأمم المتحدة، رغم محاولة الولايات المتحدة إسباغ صفة شرعية على مجلس الحكم العراقي المؤقت، الذي لم ينتخبه أحد.

ولكن أهم ما يُـقلق البيت الأبيض هو تدنّـي شعبية الرئيس بوش، كما أظهر أحدث استطلاع للآراء أجرته شبكة سي إن إن ومجلة تايمز الأمريكية.

فقد هبطت ثقة الأمريكيين في الرئيس بوش إلى 47%، بينما أعربت نسبة 51% عن شكوكهم وتحفظاتهم حول الرئيس بوش، مما جعل من الممكن توقع المزيد من التدني في شعبية الرئيس في حال توصل أي من التحقيقات التي سيجريها الكونغرس إلى تورط الرئيس وكبار أعضاء حكومته في مجلس الأمن القومي، في تضليل الشعب والكونغرس لتبرير الحرب على العراق.

محمد ماضي – واشنطن

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية