مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأدب الأردني ضيف على مهرجان سولوتورن

swissinfo.ch

استضافت أيام سولوتورن الأدبية ثلاثة من الكتاب الأردنيين، للتعرف على أعمالهم ومحاولة استكشاف الأدب الأردني الذي يتم تقديمه لأول مرة في سويسرا.

وقد قامت السفارة السويسرية في عمان بالتعاون مع مؤسسة بروهيلفيتسيا بتنسيق هذه المشاركة، من أجل دعم التواصل بين الأدباء العرب والسويسريين.

حرص مهرجان ايام سولوتورن الادبية على أن يقدم الجديد لعشاقه بمناسبة دورته الثامنة والعشرين التي تواصلت من 26 إلى 28 مايو الجاري.

فإلى جانب دعوته للأديب جون مايكل غوتزي من جنوب أفريقياالحائز على جائزة نوبل للآداب، خصص إحدى أمسياته لتقديم الأدب الأردني إلى المشهد الثقافي السويسري، وهي المرة الأولى التي يتعرف فيها القارئ السويسري على افكار وتطلعات وخلفيات الحركة الأدبية في المملكة الهاشمية.

بداية، لا بد من التنويه إلى أن جهود السفارة السويسرية في عمان كانت حاسمة لجهة إعداد وتنظيم هذه الأمسية في سولوتورن. إذ قال السيد باول فيدمر، سفير الكنفدرالية لدى الأردن لسويس انفو بأن زيارة بعض الأدباء السويسريين إلى عمان عام 2004 كانت ناجحة، ولوحظ اقبال الكتاب الأردنيين والمثقفين على التعرف علي الحركة الأدبية السويسرية، ومن ثم جاءت الفكرة برد هذه الزيارة، حيث يتوجه ادباء أردنيين أيضا إلى سويسرا لتقديم أنفسهم، وقد وقع الإختيار على مهرجان أيام سولوتورن الأدبية لأنها تظاهرة تتميز باستقطاب نخبة من المثقفين والمهتمين بالأدب العالمي.

وقد استضاف المهرجان الأديبة والصحفية سميحة خريس المتخصصة في أدب الروايات، والكاتب إلياس فركوح الذي يجمع في أعماله بين القصة القصيرة والرواية والمقالات النقدية، والأديب والشاعر ابراهيم نصر الله، في محاولة لتمثيل الساحة الأدبية الأردنية بما تحمله من أطياف عرقية ودينية مختلفة، من الصعب أن تتواجد في بلد عربي بحجم الأردن وتاريخه.

ويقول هارتموت فيندريش، وهو باحث سويسري متخصص في الأدب العربي الحديث أشرف على إدارة الأمسية، “إن الأوروبيين متشوقون للتعرف على مميزات الأدب الأردني والقواسم المشتركة بينه وبين الكتاب في بقية الدول العربية الأخرى”، ويعتقد فيندريش بأن “هناك اختلافا بين المدرسة الأدبية الأردنية وغيرها في العالم العربي”.

لكن الصحفية والأديبة الأردنية، سميحة خريس قالت بأن “الأديب الأردني هو أولا وأخيرا كاتب عربي، لأنه يشترك مع نظرائه العرب في اللغة والقضايا العامة، حتى وإن كان هناك فارق بسبب البعد الجغرافي، أو خصوصية بحكم العادات والتقاليد، أو خصوصية الكاتب نفسه بحكم شخصيته هو”.

أما ابراهيم نصر الله، الذي نشأ في الأردن لأبوين فلسطينيين، فقد اعتبر أن “الأدباء في الأردن هم جزء من الحركة الأدبية العربية ككل التي هي بدورها جزء من مكونات الأدب العالمي والحركة الفكرية التي تشمل كل التوجهات”.

في المقابل، يعتقد إلياس فركوح، بأن “الحركة الأدبية الأردنية تأثرت بأحداث سياسية جسيمة، لأن الأردن دولة حديثة ولدت في ظروف تاريخية معقدة، بعد انهيار الخلافة العثمانية واثناء الإنتداب البريطاني الفرنسي ثم النكبة”، ولذا فإن الأدب الأردني ارتبط بما وصفه “الهم” الذي عاشته المنطقة بأسرها وتأثرت به الأردن بشكل خاص، ويقر فركوح بأنه “لم يكن ممكنا لحركة أدبية تعيش في خضم كل هذه الأحداث من دون أن تتأثر بها بشكل قوي”.

لغة واحدة وخصوصيات إقليمية

في الوقت نفسه، حاول هرتموت فيندريش أن يعثر من خلال مداخلات الأدباء على فرق بين أعمالهم وبين الأعمال الأدبية العربية الأخرى ولكن بدون جدوى، وعندما ألح في السؤال على هذه الخصوصية، أكدت سميحة خريس على أن المشتغلين بالادب العربي يجمعهم الكتابة بلغة واحدة وهي الفصحي، أما الإختلاف فليس لغويا، حسب رأيها، ولكن بتأثير العادات والتقاليد والتركيبة الإجتماعية التي يمكن أن تكون حاضرة أيضا داخل القطر الواحد، أو ربما بحكم الإحتكاك بلغات أجنبية أخرى مثلما هو الحال في شمال افريقيا مع الأدب الفرنسي.

وبنما اتفق معها ابراهيم نصر الله في هذا الرأي، حرص إلياس فركوح على تأكيد أن إحباطات العالم العربي كانت لها بصماتها على المؤلفين العرب، واختلف هذا التأثير من بلد إلى آخر، “لكنها اشتركت جميعها في تصوير الإحباطات التي منيت بها الأمة وتحديدا منذ عام 1967″، حسب قوله، لكنه قارن بين الأدب المكتوب باللغة الفرنسية مثلا أو الإنكليزية فإنه مكتوب بلغة واحدة وان اختلفت الخصوصية تبعا للعادات والتقاليد.

من شعر المخيمات إلى أدب الإحباط

الإعمال التي قرأها الأدباء الأردنيون في سولوتورن ترجمها إلى الألمانية هارتموت فيندريش وإدوارد بدين (وهو أستاذ جامعي من أصل عربي) كانت جميعها منتقاة بعناية فائقة.

فالأشعار التي قرأها ابراهيم نصر الله تحدثت عن معاناة الفلسطينيين من ابناء المخيمات، وهو نفسه اعترف أمام الحضور بأنه عاش لسنوات طويلة لم يكن العالم بالنسبة له يتجاوز بوابة المخيم الذي شب فيه. ولم يكن يحلم بأنه سيأتي اليوم الذي يقرأ فيه بعضا من أعماله على ضفاف نهر الآر السويسري أو في سفوح جبال الألب.

أما إلياس فركوح فقد اختار جزءا من قصة قصيرة، يعكس فيها رؤية جيل كامل من العرب تعلق بالأبطال والرموز اعتقد أنهم قادرين على تحقيق المعجزات، واستعان ببعض أسماء نجوم السينما العربية للتعبير على أن هذه القوة، لم تكن سوى تمثيلا، في إشارة إلى وهم القوة الذي خدعت به بعض الأطراف الشعوب العربية ثم توالت عليهم الهموم والنكبات الواحدة تلو الأخرى.

في المقابل، اختارت الأديبة سميحة خريس أن تقرأ جزءا من روايتها “دفاتر الطوفان”، وهي عمل أدبي متكامل يتحدث عن نشأة العاصمة الأردنية عمان في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، واختارت خريس أن يكون الجماد في الرواية هو المتحدث وهو الذي يصف الوقائع وكيف يتفاعل الناس معها.

وتقول الأديبة سميحة خريس، بأن فترة إنشاء عمان كانت سنوات هامة جدا، لأن المدينة جمعت بين النازحين من كل حدب وصوب، وخليطا من أعراق وأديان مختلفة توحدت جميعها على ضرورة العثور على حل وسط يضمن للجميع العيش في آمان وسلام مهما كانت الأصول العرقية والهوية الدينية، ولذا فإن الجماد (بطل الرواية) هو الثابت في هذه المتغيرات وهو الذي يرصد التغيرات التي تحدث في هذا المجتمع الوليد والفرق بين تفاعل أطيافه المختلفة.

الكلمة الصادقة

لقد كشفت الأمسية التي خصصت للأدب الأردني في مهرجان سولوتورن مرة أخرى أن الأدب العربي يحظى باهتمام كبير في الأوساط الفكرية والأدبية السويسرية.

فهو يعتبر من ناحية أحد أوجه التعرف على جزء من حضارة الشرق التي اصبح الإطلاع عليها من أهم أولويات الرأي العام الغربي، ومن ناحية أخرى لأن المثقفين يرون أن الثقافة بشكل عام تنقل صورة عن المجتمعات العربية تشمل مختلف الجوانب الدينية والإجتماعية والسياسية والفكرية أيضا، وبالتالي يمكن من خلالها فهم كيفية تفكير هذه المجتمعات أو الإقتراب منها.

وقد يساعد تكرار هذه النوعية من الأمسيات – التي عادة ما تلاقي نجاحا كبيرا – على التواصل بين الشعوب من خلال المعاني النبيلة والمفاهيم المشتركة التي لا يختلف اثنان على أهميتها للتفاهم بين مكونات الإنسانية في وقت لا زال البعض يصر على الإعتقاد بأن القوة فقط هي لغة الحقيقة، بينما تكشف الكلمة الصادقة كل الحقيقة.

سويس انفو – تامر أبو العينين – سولوتورن

سميحة خريس، صحفية وأديبة أردنية لها 9 روايات، حصلت على جائزة أبو القاسم الشابي التونسية لعام 2006.
إلياس فركوح، ناشر وكاتب، حصل على جوائز أدبية عديدة تكريما لأعماله في القصة القصيرة.
إبراهيم نصر الله، ولد في مخيم الوحدات بالقرب من عمان له 11 رواية منها “الملهاة الفلسطينية”، وأعمال شعرية مختلفة.

في أول تقديم للأدب الأردني إلى الساحة الثقافية السويسرية، تعرف الجمهور على أعمال 3 كتاب يمثلون شريحة هامة من الكتاب الأردنيين.
يؤكد المؤلفون الأردنيون على أن أعمالهم هي جزء من الإنتاج الفكري العربي، وإن كانت له خصوصية العادات والتقاليد والبيئة، لكنه يشترك مع الأدب العربي في اللغة والقضايا المصيرية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية