مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأردن على حدّ “السّـكـيـن التاريخي”.. مُـجـدّداً

يوم 3 أغسطس 2008، استقبل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في عمان رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس Keystone

يعيش الأردن هذه الأيام أحداث 2008 وكأنها تتداعى فصولاً في عام 1928! ولكن لماذا هذه القفزة إلى تاريخ يعود 80 سنة دفعة واحدة إلى الوراء؟ لأن الظروف تتشابه إلى حد مثير.

وحين يحدث ذلك، تميل ردّات الفعل إلى التشابه أيضاً، فيتوقّـف عن العمل القانون الذي وضعه عبد الرحمن ابن خلدون، والذي يقول إنه “حين تتغيّر الأحوال، يتغيّر الخلق وكأنهم وُلِـدوا من جديد”.

تكاد الأحوال في الأردن وحوله لم تتغيّر خلال هذه العقود الثمانية الماضية. ففي 25 يوليو 1928، وجد الأردنيون أنفسهم مدفوعين إلى عقد مؤتمر وطني للاحتجاج على المعاهدة الأردنية – البريطانية، التي منحت شرق الأردن الاستقلال اسميا وأبقت على الاحتلال فعلياً، لكن، كان للمحتجِّـين مطلب آخر لا يقِـل أهمية: “رفض شرق الأردن أي صلة له بحكومة فلسطين”.

هذا المطلب الأخير، كان سيفاً ذو حدّين، أحدهما موجّه ضدّ الحركة الصهيونية، التي كانت تطالب آنذاك بـ “حق الاستيطان اليهودي” في كل أنحاء فلسطين التاريخية، التي تضمّ دولة إسرائيل الحالية والضفة الغربية وغزة وشرق الأردن، والآخر كان هدفه بلورة إمارة مستقلة للأردنيين الشرقيين بزعامة الأمير الهاشمي عبد الله بن الحسين.

الآن، يقف الأردن على مُـفترق طُـرق مشابه. فكيانه، الذي يُـفترض أنه استقر بعد كل من اتفاق وادي عربة مع إسرائيل عام 1994 وقرار فك الارتباط مع الضفة الغربية عام 1974، طـُرح مجدداً على طاولة التشريح تحت العنوان القديم – الجديد: “الخيار الأردني”، وهي تسمية “حركية” تعني أن “الأردن هي الدولة الفلسطينية”.

ماذا قال روبرت؟

بداية، قصة التشريح هذه انطلقت من مقال نشره مؤخراً الكاتب الأمريكي روبرت كاغان، الذي يحتلّ على ما يبدو موقعاً استشاريا في طاقم المرشح الرئاسي الجمهوري الأمريكي جون ماكين. في هذا المقال، قال كاغان بوضوح “إن ماكين (في حال فوزه)، سيتبنى “الخيار الأردني” بصفة الأردن الوطن الطبيعي لملايين الفلسطينيين من سكانه، ولأنه يعتبر الحلّ الأمثل لقضية اللاجئين الذين سيكون عليهم الاختيار بين التوطين الدائم، وبين الاستيطان في الأراضي الفلسطينية شرق نهر الأردن”.

آنذاك، ردّ الملك الأردني عبد الله بالقول: “الأردن وُجِـد ليبقى. الأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين”. بيد أن هذا الردّ لم ينجح في لجم العاصفة السياسية والإعلامية، التي اجتاحت الأردن ولا تزال بعد استيقاظ “الخيار الأردني” من سُـباته، وهذا ليس فقط بسبب مقال كاغان (الذي نفى فيما بعدُ بشدة ما نُقل على لسانه أو ما نُسب له).

فالكل في الأردن وفلسطين بات يُـدرك بأن خيار الدّولتين الفلسطينية والإسرائيلية يلفظ أنفاسه الأخيرة (إن لم يكن قد لفظها بالفعل)، وهذا يدفع إلى السّـطح بسِـلسلة أخرى طويلة من الخيارات: الدولة الواحدة الديمقراطية، ذات القوميتين، كما يطالب الآن بعض الفلسطينيين؛ دولة القومية الواحدة، كما يطالب الليكوديون الإسرائيليون؛ الدولة الإسلامية على كل فلسطين، كما تدعو “حماس” (حتى الآن على الأقل).. إلخ.

لكن، هناك خِـيار رابع قد يكون الأخطر، لأنه الأقرب إلى التحقق: تحويل المملكة الأردنية الهاشمية إلى “المملكة الأردنية – الفلسطينية الهاشمية”، التي ستتكوّن من شرق الأردن و90% من أراضي الضفة الغربية، وتقوم بتوطين، ليس فقط لاجئي الضفة، بل أيضاً اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا.

لوهلة أولى، قد يبدو هذا المشروع المُـمكن صعبا،ً لأنه يتطلّـب إدخال تغييرات جِـذرية على بنية الكيان الأردني السياسية وتركيبة مجتمعه الديموغرافية، لكن تاريخ الأردن يعُـج في الواقع بمثل هذه الشقلبات الكيانية، فهو برز ككيان مستقل تحت اسم “إمارة عبر الأردن” في 15 مايو 1923. وفي مارس 1946، حوّلت المعاهدة الأردنية – البريطانية الأردن إلى مملكة، ثم في 25 مايو 1946، غيّر البرلمان اسم البلاد من “إمارة عبر الأردن” إلى “المملكة الهاشمية لعبر الأردن”. وبعد أن سيطر الجيش الأردني على الضفة الغربية في حرب فلسطين 1948 – 1949، غيّر الملك عبد الله اسم البلاد لتُـصبح “المملكة الأردنية الهاشمية”.

أول من كشف النِّـقاب عن خطة “المملكة الأردنية – الفلسطينية الهاشمية”، كانت صحيفة “القدس العربي”، التي نشرت في 4 يوليو 2008 تقريراً جاء فيه، أن “الأردن دخل على خط المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية للبحث في إقامة دولة فلسطينية مؤقتة في قسم من الضفة الغربية على أن تنضم هذه الأخيرة لاحقاً إلى المملكة الأردنية – الفلسطينية الهاشمية”.

ولفتت الصحيفة إلى وجود وثيقة باسم عوض الله – عريقات تؤيّـد هذا الطرح. والإشارة هنا، هي لباسم عوض الله، رئيس الديوان الملكي الأردني، وصائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين مع إسرائيل.

ردود ولا ردود

هذه التطورات المتلاهثة أطلقت ردود فعل متباينة على الساحة الأردنية. فالملك الأردني، كما أسلفنا، تحدّث بصفة عامة عن الأردن وفلسطين، وبالتالي، لم يدعم ولم يُـعارض مشروع المملكة الجديدة.

و”الإخوان المسلمون” الأردنيون لزَموا جانب الصّـمت، مع استمرار الحديث عن وجود جناحين في صفوفهما، أحدهما “متطرّف” يرفض قرار 1974 بفصل الضفّـة عن الأردن (وبالتالي قد يؤيِّـد المشروع الجديد)، والآخر، “معتدل” يقبل بقرار الفصل.

وكما مع “إخوان” الأردن، كذلك مع “إخوان” فلسطين. فحركة “حماس” لم تتّـخذ بعدُ موقفاً حاسماً إزاء هذه المسألة مُـكتفية بإطلاق العِـبارات العامة حول حقوق الشعب الفلسطيني والأمة.

الأطراف الوحيدة، اتي يبدو أنها تعترِض بقوّة على المشروع هي، كما يقول الناشط اليساري الأردني ناهض حتر، أجهزة الاستخبارات والمؤسسة العسكرية والبيروقراطية الأردنية، هذا إضافة إلى نخب سياسية واقتصادية جديدة تطرح مفهوم “الهوية الوطنية الأردنية المستقلة”.

ويُلخص حتر موقف هذه الأطراف الرافضة بالنقاط الآتية:

– اتفاقات أوسلو ووادي عربة أصبحت من الماضي، وثمّـة في الحاضر مقدّمات صِـراع متجدّد يضع فيه الإسرائيليون كل ثقلهم وراء خيار الوطن الأردني البديل.

– المشروع الجديد سيؤدّي إلى نحر كينونة الدولة الأردنية ومكانتها ودورها الإقليمي لصالح إسرائيل وتيارها في السلطة الفلسطينية. إنه انتحار وطني وسياسي، لن يقدم عليه الأردنيون مهما كانت التضحيات.

– ثمة مخاوف من أن لا يكون لدى النظام السياسي الأردني العزيمة السياسية الكافية للدفاع عن الوطن الأردني، خصوصاً وأن هناك إمكانية التحالف مع القوى الفلسطينية المرشّـحة لقيادة الخيار الأردني (السلطة الفلسطينية).

كاتب أردني آخر، هو محمد أبو رمان (صحيفة “الغد”) يُـبدي المخاوف نفسها: “نحن أمام مرحلة تاريخية حرِجة وحسّـاسة بالنسبة للأردن، ترتبط بجوهر أمنه الوطني. وأي علاقة إيجابية مطمئِـنة للأردن مع الإخوان المسلمين وحركة حماس، يجب أن تقوم على الإجابة على سؤال قرار فك الارتباط بما يتضمّـنه الجواب من موقف واضح حول مخطّـطات إلحاق الضفة الغربية بالأردن”.

كما هو واضح، كل هذه المواقف تُـعيد فتح ملف الكيان الأردني وطبيعته وحدوده وتكوينه على بساط البحث مجدداً.

وإذا ما كان من غير الواضح كيف ستستقِـر الأمور وعلى أي أساس، بسبب التعقيدات الشديدة المحيطة بهذه المسألة (سيطرة الإسلاميين على غزّة وصعود قوّتهم في شرق الأردن والصراع “الصامت” الفلسطيني – شرق أردنيا والصراعات الفلسطينية – الفلسطينية.. إلخ)، إلا أنه يمكن القول على الأقل بأن الكثير سيعتمِـد على ما ستُـقرره الإدارة الأمريكية الجديدة، بالتنسيق بالطبع مع إسرائيل وبعض الدوائر الأردنية والفلسطينية خلال الأشهر القليلة المقبلة.

الأردن عاد القهقرى إلى عام 1928؟ أجل، ويبدو أنه سيستقر عند حدود ذلك العام، إلى أن تقرر الإرادة الدولية “أمراً كان مقضياً”.

سعد محيو – بيروت

غزة (رويترز) – اجتمع مسؤولون من حركة المقاومة الاسلامية (حماس) مع مسؤول أمني أردني كبير سعيا لإصلاح العلاقات التي تعكرت منذ عام 2006 بسبب اتهامات أردنية للحركة الاسلامية بالتخطيط لشن هجمات في الأردن.

وقال اسماعيل هنية زعيم حكومة حماس المقالة في قطاع غزة يوم الجمعة 15 أغسطس 2008 ان الاتصالات التي شارك فيها مسؤولان من حماس ومدير المخابرات الأردنية محمد الذهبي قد تسهم في المصالحة بين حماس وحركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وقال في خطبة الجمعة بأحد مساجد غزة “هذه تطورات إيجابية وبداية نأمل لها النجاح. هناك قضايا كُبرى ومصالح مشتركة بيننا هنا في فلسطين وبين أهلنا في الأردن.”

وأكد مسؤولون أردنيون أن مسؤولين بالمخابرات اجتمعوا مع أعضاء بالحركة الاسلامية في الأسابيع الأخيرة لكنهم لم يدلوا بتفاصيل بشأن ما جرى مناقشته. ولم يفصح المسؤولون عما اذا كانت هناك اجتماعات أخرى مزمعة.

وقال هنية ان الأردن مهتم باحياء الاتصالات مع الحركة دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل.

وبدأ تدهور العلاقات بين حماس والاردن في عام 1999 عندما أجبر الأردن زعماء الحركة على تعليق أنشطتهم في المملكة في خطوة أدت الى رحيل الحركة عن الاردن.

وزاد التوتر في العلاقات في عام 2006 بعدما قال الاردن انه كشف شبكة من نشطاء حماس كانت تخطط لشن هجمات داخل الاردن وهو اتهام نفته الحركة.

وينظر الى الاردن الذي وقع اتفاق سلام مع اسرائيل في عام 1994 ويرتبط بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة والغرب على أنه طرف معتدل ومهم في الدبلوماسية الاقليمية.

وفي خطبته دعا هنية الدول العربية الى تسريع الجهود لانهاء الحصار الذي تقوده اسرائيل لقطاع غزة ولعب دور في محادثات المصالحة مع فتح.

وقال هنية “نداؤنا لهم ضرورة اتخاذ قرار عربي جريء وسريع باعادة فتح معبر رفح ورفع الحصار. الحصار والاغلاق يجب ألا يستمرا.”

وأضاف ان حماس “تتطلع الى مصالحة وطنية … على قاعدة لا غالب ولا مغلوب… مصالحة من شأنها أن تحمي وحدة الارض ووحدة الشعب.”

وباءت جهود المصالحة بين حماس وفتح بالفشل حتى الآن بسبب رفض كلا الجانبين تقديم تنازلات. وسيطرت حماس على قطاع غزة بعد قتال مع قوات فتح قبل نحو عام.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 15 أغسطس 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية