مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإحتلال غير الشرعي للمباني المهجورة.. هل ينتهي؟

مبنى " لاتور" المهجور في جنيف بعد إخلائه من السكان غير الشرعيين من قبل الشرطة يوم 10 يوليو 2007 Keystone

عرفت مدينة جنيف يوم شغب ومظاهرات بعد اقدام الشرطة بأمر من النائب العام في الكانتون على إخراج مجموعة من الشباب المحتل لبناية مهجورة في قلب المدينة.

تنفيذ أوامر النائب العام دانيال زابيلي اعتبرتها عدة تيارات يسارية “نقضا لهدنة” مع محتلي البنايات المهجورة في المدينة، في الوقت الذي أوضح فيه هو بأن أمر الإخلاء لا يشمل سوى البنايات الحاصلة على ترخيص البناء أو الترميم.

شهدت شوارع بعض أحياء مدينة جنيف يوم الثلاثاء 10 يوليو مظاهر عنف ومشادات بين عناصر شرطة مكافحة الشغب وعناصر من محتلي البنايات القديمة المهجورة أو المتعاطفين معهم، تذكر بأعمال الشغب التي رافقت المظاهرات المناهضة لقمة الثماني في عام 2003 .

أعمال الشغب التي انطلقت بعد توقيف الشرطة لحوالي 11 من السكان غير الشرعيين في بناية “لاتور” انتهت بمواجهات بين قوات الأمن وحوالي 200 من المتعاطفين معهم وخلفت أضرارا مادية بعد تحطيم العديد من واجهات المحلات التجارية.

عملية إخلاء أم تحقيق في الهوية؟

العملية التي بدأت في حدود العاشرة صباحا من يوم الثلاثاء 10 يوليو تمثلت في اصطحاب الشرطة لحوالي 11 من سكان البناية الى مركز الشرطة للتحقق من هوياتهم. ويقول الناطق باسم شرطة جنيف باتريك بوهل “إن العملية تمت بدون أعمال عنف”.

لكن ما إن غادر السكان مركز الشرطة حتى تم الإسراع في وضع حواجز لمنع الدخول الى البناية، كما عمدت مصالح الكهرباء والماء إلى قطع التيار الكهربائي والماء عنها، وتم إخلاء الأثاث المتبقي على متن شاحنة نقل.

هذه التطورات أثارت قلق حوالي 150 من المتعاطفين مع سكان البناية المهجورة الذين سارعوا بالتحول على عين المكان لمتابعة العملية، وتساءل أحدهم “إذا كان الأمر يتعلق فقط بعملية تحقق من الهوية، لماذا هذه الحواجز؟”.

تحول في سياسة المدينة ام نقض لهدنة؟

مدينة جنيف عرفت منذ عدة أعوام ظاهرة لجوء الكثير من الأشخاص إلى الإقامة في عدة بنايات مهجورة بسبب أزمة السكن الخانقة، لكنها تحولت إثر ذلك إلى مراكز لإيواء المشردين ومن لا ملجأ له وبالأخص من الشباب.

سلطات المدينة انتهجت منذ مدة ما اصطلح على تسميته “بالهدنة” بين السلطات القضائية ومحتلي هذه البنايات المهجورة الذين شكلوا طوائف لها طقوسها وقواعدها الخاصة حيث يعيش أفرادها في تآزر وتضامن تام فيما بينهم. وكان المسؤولون في المدينة (ومعظمهم من اليسار) يعللون هذا الموقف بالإشارة إلى أنه “لا فائدة من إخراج سكان غير شرعيين من بناية لكي تبقى فارغة”.

لكن العديد من المراقبين اعتبروا أن الطريقة التي شرع في انتهاجها النائب العام الجديد دانيال زابيلي منذ توليه هذا المنصب للتعاطي مع هذا الملف، تنبئ بحصول تحول في موقف السلطات القضائية من الاحتلال غير الشرعي للمباني المهجورة رغم إرادة مالكيها.

أما النائب العام دانيال زابيلي فيؤكد أنه “مازال على سياسة سلفه”، ويذكّر بأن هذه المجموعة تم استجوابها في شهر يناير الماضي بعد ان توصلت النيابة العامة بشكوى قضائية من مالك البناية بغرض الاستماع الى مواقف أعضائها ومطالبتهم بمغادرة البناية بمحض إرادتهم.

كما علل الإقدام على اتخاذ هذه الخطوة بأن محتلي البنايات المهجورة بطرق غير شرعية لم يعودوا يرضخون لمغادرتها حتى ولو حصلت تلك البنايات على ترخيص من السلطات المعنية لإعادة البناء أو الترميم.

وفما يتعلق ببناية “لاتور” التي شهدت مواجهات يوم 10 يوليو الجاري، يقول محامي صاحب الملك الأستاذ ايدرلان “إن هذه البناية ستتحول الى عمارة تأوي 16 شقة ومحلين تجاريين تتحكم الدولة في أسعار إيجارها”.

هل جاء الدور على البقية؟

العملية التي قام بها النائب العام يوم الثلاثاء الماضي في حق سكان بناية “لاتور” ترى فيها عدة أحزاب يسارية وحزب الخضر مناورة مقصودة، إذ اعتبرت “مجموعة جنيف للعمل النقابي” مثلا أنها “سمحت بحماية مصالح صاحب البناية الذي استغل في الماضي عمالا بطريقة غير مشروعة”.

أما الخضر فقد أدانوا ما أسموه “خبث المناورة التي أدت الى إخراج السكان بدون سابق إنذار”، ويرى الشيوعيون من جهتهم أن “النائب العام استغل غياب الوزير المكلف لاوران موتينو في إجازة لكي يقوم بعملية تطهير لهذه البؤر التي تأوي أصوات الاحتجاج الاجتماعي”.

وهذا ما دفع العديد من المتعاطفين مع سكان بناية ” لاتور” إلى تنظيم تظاهرة بعد ظهر الثلاثاء تحولت الى مواجهات مع شرطة مكافحة الشغب واستمرت حتى حدود العاشرة مساء. وقد خلفت تلك المناوشات عدة حرائق وأدت إلى تكسير زجاج العديد من المحلات التجارية وتحطيم مكتب للشرطة البلدية.

ويتخوف مراقبون من أن تؤدي المظاهرة المتوقعة ليوم الخميس 12 يوليو الجاري من أجل مناصرة ودعم سكان تجمع سكني غير شرعي آخر يعرف باسم “رينو” إلى تجدد المواجهات العنيفة مع الشرطة.

ويعتبر تجمع “رينو” أقدم بناية محتلة بطريقة غير شرعية في جنيف وهي تمثل رمزا لهذه الحملة التي يقوم بها الشباب المهمش للاحتجاج ضد جشع أصحاب الأملاك العقارية الذين يفضلون إبقاء المباني شاغرة للترفيع في أسعار العقارات وقيمة الإيجار في مدينة يصعب فيها العثور على شقة سواء تعلق الأمر بالشراء أو بالإيجار.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

تعود عملية احتلال المباني في مدينة جنيف للتسعينات من القرن الماضي بحيث جعلت من جنيف ثاني مدينة في العالم بعد كوبنهاجن بها أكثر من 140 مبنى محتل من قبل أكثر من 1000 شخص يعيشون في طوائف لها طقوسها وعاداتها ونظمها الخاصة بها.

بداية احتلال المباني في التسعينات كانت بمثابة احتجاج ضد المضاربات التي كان يمارسها ملاك العقارات للرفع من أسعار العقار او الإيجار. وكان المشاركون في هذه العمليات من المسيسين اليساريين الذين يفضلون العيش في طوائف ومجموعات صغيرة تتقاسم عددا من القيم والمعايير والأفكار السياسية.

وكان الدافع الأكبر الذي يجمع بين هؤلاء هو رغبتهم في رفض دفع إيجار لا يتوافق مع الوضع السائد سوق العقار. ورغبتهم في مواجهة تكتيك أصحاب ملاك العقار الذين يفضلون ترك مباني بأكملها فارغة بغرض بيعها بأسعار عالية عندما يكون الوقت مناسبا.

لكن حركة احتلال المباني المهجورة لم تعمل فقط على فرض سياسة تراعي أسعار الإيجار وتحد من المضاربات العقارية، بل أدت في الوقت نفسه إلى بروز طريقة ونمط عيش يتميز بالتضامن والتسيير الذاتي لحي بأكمله. كما سمحت بظهور تيارات ثقافية وفنية وفكرية بديلة لا زالت آثارها ظاهرة في جنيف لحد اليوم وبالاخص في بعض المباني مثل “سكوات رينو” الذي يعتبر اقدم مباني محتلة في قلب المدينة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية