مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الاعتماد على النفس واستعادة الثقة في الذات”..

توفر جمعية "انتماءات" فرصة للمهاجرين المقيمين في لوزان لممارسة بعض الهوايات مثل لعبة الشطرنج swissinfo.ch

هذا الشعار يلخص الرؤية التي تأسست عليها جمعية "انتماءات" بكانتون فو التي تستعد للإحتفال بمرور خمس عشرة سنة على انطلاقتها المتواضعة في بداية التسعينات من القرن الماضي.

جمعية “انتماءات” تبذل جهودا حثيثة من أجل بناء جسور التواصل بين الأجانب والمجتمع المحلي، كما تقدم خدمات متنوعة لتذليل المصاعب المتعددة التي يواجهها المهاجرون.

مرت خمس عشرة سنة تقريبا على تأسيس جمعية “انتماءات” بكانتون فو، وهي عبارة عن ورشة عمل كبيرة، تبذل جهودا حثيثة من أجل بناء جسور التواصل بين الأجانب والمجتمع المحلي، وتقدم خدمات متنوعة لتذليل المصاعب، ومعالجة الآثار النفسية والاجتماعية التي يعاني منها هؤلاء القادمون من وراء الحدود.

لقد أجبرت الحروب والكوارث الطبيعية والاضطهاد السياسي العديد من الأجانب المقيمين حاليا بسويسرا على مغادرة ديارهم، فأصبحوا بسبب ذلك، طالبي لجوء، أو مقيمين بصفة مؤقتة، لا يعلم نهارهم ما يخبأه غده، وينتابهم الخوف من العودة إلى الجحيم الذي تركوه وراءهم، وينهشهم القلق من مستقبل لم يكشف عن تباشيره بعد، فهم مبتورون عن مجتمعاتهم الأصلية، ومنبوذون مهمّشون من المجتمع المضيف.

تعددت الخدمات والأهداف متماثلة

منذ البداية، أدرك العاملون في جمعية “انتماءات” عمق هذه المعاناة، وآثارها النفسية المدمّرة، المترتبة على الهجرة والتهميش والإقصاء الاجتماعي، فنوّعوا من وسائل عملهم ومستويات تدخلهم.

لذلك جندوا المختصين النفسيين، واعتنوا بالمجال الاجتماعي، وتفرّغوا للعمل الميداني، وللتدخل الفوري لمعالجة المصاعب اليومية، ومتابعة الأوضاع الفردية، تاركين لغيرهم من الأحزاب والمنظمات الإنسانية الخوض في الموضوعات القانونية والإجراءات الإدارية المتعلقة بمسألة الإقامة وغيرها.

وانسجاما مع هذا الاختيار تعددت مجالات عمل الجمعية، دون أن تفقد وحدة الهدف والمقصد والمتمثل في “تمكين الأجانب من الاعتماد على النفس واستعادة ثقتهم في أنفسهم، فلا يضطرون لرهن كرامتهم بالبقاء عالة على الآخرين”.

مراكز الرعاية الاجتماعية

أسست الجمعية فضاءات مفتوحة يرتادها المهاجرون الذين يعانون من أمراض نفسية وعزلة وعدم استقرار وبطالة…وهي عبارة عن فضاءات للالتقاء وتجاذب أطراف الحديث والتعارف، بالإضافة إلى الاستفادة من الخدمات المتواضعة التي يقدمها المركز مثل المشروبات ووجبات الأكل المجانية، ودروس في اللغة المحلية واللغات الأجنبية كالإنجليزية والعربية والأسبانية. وتهدف هذه الفضاءات إلى “وقاية الأجانب من الآثار السلبية للهجرة، وتجنب تحوّل تلك المصاعب إلى حالة مرضية قد تؤدي بصاحبها إلى الانحراف والإجرام والإدمان على المخدرات أو الانتحار”، يقول السيد جون باولو كونلي، مدير ومنشط هذا الفضاء “إننا لا نسعى إلى منع تعرض المهاجر إلى مصاعب، فهي جزء من الحياة اليومية لكل فرد، لكن نريد ألا تتحوّل تلك المصاعب إلى مصدر للقلق وللاضطراب وعدم الاستقرار، إذ أن ذلك لا يساعد الأجنبي على الخروج من الحالة التي هو فيها “، وعندما سألنا السيد باولو لماذا لا يتم التصدي مباشرة لمصدر المشكلة عبر العمل على تغيير الوضع القانوني والاجتماعي الذي ينظم إقامة الأجانب، أجابنا بدبلوماسية “هناك جهات أخرى تهتم بذلك، أما نحن فنركز اهتمامنا على تعزيز قدرة هؤلاء على مواجهة تلك المشكلات بأنفسهم”.

جيش من المترجمين الفوريين

تضع الجمعية 87 مترجما فوريا يتكلمون 46 لغة في خدمة الأجانب، وتسهر على تدريبهم وتكوينهم لفترة تمتد على سنة كاملة، ثم تتعهدهم بورشات عمل يشرف عليها مختصون في مجال التواصل في مجتمع متعددة الثقافات. وتستفيد من هذه الخدمة، بالإضافة إلى الأجانب، المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية.

ويكون تدخل المترجم ضروريا عندما يتعذّر التفاهم بين الطرفين لسبب لغوي أو لاختلاف بين الثقافات، كالتباين في النظر إلى قضية الضرب غير المبرح كوسيلة لتربية الأطفال، إذ في الوقت الذي تعد فيه هذه الظاهرة عنفا وسوء معاملة، وتعديا على حقوق الطفل في سويسرا، تعتبر في ثقافات أخرى أمرا متعارف عليه اجتماعيا، وبالتالي فعلى المترجم الوسيط توضيح هذا الاختلاف الثقافي والاجتماعي.

كذلك يحتاج المهاجر الذي يجهل قوانين البلاد ونظمها إلى من يأخذ بيده، فيوضّح له ما استشكل عليه منها، ويساعده على شرح موقفه وتبليغ الجهات الرسمية وجهة نظره.

وحول أهمية العنصر الثقافي ودوره الوقائي الحيوي في مجال العلاج الطبي، يروى الدكتور عبد الحفيظ منصر، وهو مترجم فوري يعمل مع جمعية “انتماءات” حادثة انتحار شاب عراقي فيقول: “طُلب مني أن أحضر إلى أحد المصحات النفسية بالمنطقة، وعندما وصلت، وجدت شابا عراقيا يعاني من اضطراب نفسي، ويكثر الكلام عن ديونه، ورغبته في التخلص منها في أقرب وقت ممكن، وبحسب خبرتي بالثقافة العربية والإسلامية، أعلمت الطبيب بأن الشاب عازم على الانتحار، ولكن الطبيب تجاهل ما قلت له، وعلمت في الأسبوع التالي، أن الشاب قد انتحر”.

أفكار مسبقة تسمم العلاقات

إن ما يعشش في عقول الأجانب والمجتمع المحلى على السّوى من أفكار مسبقة لا يساعد على التعاون والتواصل. وهذه التصورات تأسست في أكثر الأحيان في غياب معرفة دقيقة بالثقافات الأخرى، ونسجت من وحي ما ترسب عبر الزمن من مغالطات، وحملات مغرضة، ومعلومات خاطئة ويتطلب تغيير ذلك بذل جهود كبيرة وحوار متواصل وفرص التقاء.

من جهتها، لا تدخر جمعية “انتماءات” جهدا في هذا السياق، وتسعى إلى أن تكون جسرا للتواصل، وفضاء للحوار ومجالا للتقارب، وترى في ذلك أساسا لنجاح المجتمع المتعدد الثقافات والأعراق.

ولهذا الغرض وضعت مشروعا متكاملا يهدف إلى إعادة الاعتبار ولفت النظر إلى المساهمة الفعالة للأجانب في جميع القطاعات في الكانتون الذي يقيمون ويعملون فيه، وسيتم تنفيذ هذا المشروع بحسب فيفيان مارشلو، مسؤولة الإدارة بالجمعية، من خلال ثلاثة مراحل، تنظم في البداية لقاءات مع المجموعات المهاجرة لضبط طبيعة مساهماتها، وثانيا، تشكيل ورشات لصياغة مشروعات محددة، وأخيرا عرض تلك المشروعات على العموم بمناسبة اليوم العالمي للهجرة في شهر ديسمبر القادم.

وفي معرض تقييمها لمساهمة الأجانب في كانتون فو، تقول السيدة مارشلو “يمكن أن نلاحظ تلك المساهمة على مستويات عديدة، فبفضلهم تحافظ سويسرا على نموها الديمغرافي، وتحقق القطاعات الاقتصادية نموا كبيرا، ويضفون على الساحة الثقافية ثراء وتنوّعا، ويسدّون النقص في قطاع الوظائف داخل المستشفيات والمدارس، ويدفعون مثل غيرهم الضرائب”، وتضيف مازحة “ولهم مساهمة متميّزة في المجال الرياضي”.

الاندماج لا الذوبان

يحرص العاملون في هذه الجمعية على تجنب استعمال الكلمات الغامضة والتعابير التي يمكن أن تثير الاختلاف داخليا أو يساء توظيفها خارجيا، ومن بين هذه الكلمات تعبيرة “الاندماج”.

وبرغم احتفاء الأحزاب السياسية، خاصة اليسارية منها بهذا الشعار، فإن السيدة مارشلو تنفي أن تكون للجمعية رؤية محددة في المسألة، لكنها تؤكد رفضها لدعوة الاستلاب والاغتراب أو ذوبان الهوية الثقافية للأجانب، وترى أن الاندماج جهد مشترك، يقطع فيه كل طرف خطوة تجاه الآخر. فلا اندماج – حسب رأيها – “من دون تواصل وقبول بالآخر مثلما هو لا كما نريد أن يكون”.

إجمالا، يمكن القول أنه مادام الإطار الاجتماعي العام من قوانين وإجراءات إدارية تحاصر الأجنبي وتضيّق عليه، فإن الأمر سيظل حبرا على ورق، فالإرادة السياسية مفقودة، والموارد المرصودة ضئيلة، والقوانين المطبقة تشدد الحصار.

الجمعية أمام مفترق طرق

تعتبر المرحلة القادمة محددة لمستقبل هذه الجمعية، فبعد هذه السنين الطويلة من العمل، يسود شعور داخلها بأن السلطات المحلية لا تقدر بالشكل الكافي الجهود المبذولة. وفي الوقت الذي تواجه فيه “انتماءات” المزيد من الملفات الصعبة، تطالبها السلطات بالمزيد من التقشف في الإنفاق على الخدمات التي تقدمها.

في المقابل، يتساءل البعض عن جدوى العمل الذي يقومون به، في ظل تشديد قوانين الهجرة والتضييق المتعمّد على المقيمين الأجانب، إذ يعتقد على نطاق واسع أن الأمور تسير إلى الأسوأ، وأن أعدادا كبيرة من الأجانب سيضطرون في النهاية إلى الالتجاء إلى الإقامة غير الشرعية بعد استنفاذ كل السبل القانونية لتسوية أوضاعهم.

بالإضافة إلى ذلك، تمر الجمعية بمرحلة انتقالية، حيث تنتظر تعيين مدير جديد لها على إثر استقالة المديرة السابقة. وستكون الإدارة المقبلة على موعد مع ملفات عديدة تتعلق بتعزيز الوضع المالي، وتكييف برامج عمل الجمعية مع التحوّلات التي تشهدها ظاهرة الهجرة في سويسرا.

ومن الخيارات المطروحة على الجمعية إما التخصص الدقيق كالاقتصار على الخدمات الصحية في مجال الطب النفسي، أو الانفتاح أكثر في التعامل مع ملف الأجانب، وذلك بالسعي إلى التأثير على اتخاذ القرار فيما يتعلق بالأجانب، والتنسيق أكثر مع الهيئات والمؤسسات ذات الاهتمام المشترك.

عبد الحفيظ العبدلي – لوزان

– منذ القدم، أجبرت أعداد كبيرة من البشر للهجرة والنزوح لأسباب مختلفة، بعضها اختياري، وبعضها الآخر اضطراري. ومع بداية القرن الماضي، ارتبطت ظاهرة النزوح أساسا بالحروب والكوارث الطبيعية، والتي يكون أغلب ضحاياها من المدنيين الأبرياء. وبحسب إحصاءات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، يعد السكان المهجّرون بالملايين في العالم، فقط 5% منهم يصلون إلى حدود البلدان الغنية، ومع ذلك يسود شعور قوي لدى سكان هذه البلدان، بأنهم يتعرضون إلى “غزو الأجانب”، وتزيد الحكومات في تأجيج هذا الشعور بتعليقها كل مشاكل المجتمع من بطالة وإجرام، ونقص السكن على مجذب الأجانب.

– تبلغ نسبة الأجانب المقيمين في سويسرا حوالي 20%، أغلبهم من أصول أوروبية، ويمثلون 25% من اليد العاملة فيها. وتعد هذه البلاد أرض هجرة منذ القدم، فهي دولة غنية، وتتوسط القارة الأوروبية، وتستضيف العديد من المنظمات الدولية، وتجعل من حقوق الإنسان أحد مرتكزات سياستها الخارجية. ولكن، في السنوات الأخيرة بدأت الحكومة السويسرية تعيد النظر في القوانين المنظمة للهجرة، وتُوّج ذلك باستفتاء شعبي أقر قوانين صارمة سنة 2006.

– وفي محاولة للتخفيف من آثار تلك السياسات على الأجانب الموجودين في كانتون فو، تنشط جمعية “انتماءات” من أجل التقريب بين المجموعات المهاجرة والمجتمع لمحلي، وربط جسور الحوار والتبادل الثقافي، وكذلك إلى تمكين الأجانب الذين يعانون من آثار التعذيب أو العنف من الحصول على العلاجات النفسية الضرورية، واستعادة الثقة بأنفسهم ودفعهم إلى الاعتماد على قدراتهم الذاتية وحفظ كرامتهم.

يبلغ عدد الأجانب بكانتون فو 190.000 نسمة حاصلون على رخصة إقامة من صنف C (دائمة) أومن صنف B (تُجدد سنويا) وهو ما يمثّل 28.2% من مجموع سكان الكانتون، ويقدر عدد الطلبة من كل هؤلاء بـ 13.000 طالبا.

يبلغ عدد طالبي اللجوء في كانتون فو 2.950 فرد، ويقدر عدد المتحصلين على إقامة مؤقتة من صنف F بـ 3200 فرد.

يبلغ إجمالي سكان الكانتون 650.000 ساكن، كما يناهز عدد رعايا الكانتون المقيمين في خارج سويسرا 50.000 فرد.

تشير التقديرات إلى أن عدد الأجانب المقيمين في الكانتون بشكل غير شرعي، يتراوح ما ما بين 12.000 و15.000 شخص.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية