مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المغرب: الخروج من الدوامة؟

المعاناة متبادلة في المغرب بين عائلات الضحايا وعائلات المتهمين Keystone

أثارت الأحكام التي صدرت ضد من تتهمهم السلطات المغربية بتدبير انفجارات الدار البيضاء الدهشة والاستياء في بعض الأوساط الشعبية والمدنية.

لكن السلطات تؤكد أن العدالة أخذت مجراها، وأنه يجب تطبيق القانون بالصرامة المطلوبة للتصدي للتطرّف.

في سجن عين برجة بالدار البيضاء، في أول ليلة بعد صدور الأحكام ضدهم، وقف المتهمون بتنفيذ الهجمات الانتحارية التي عاشتها المدينة في 16 مايو يهتفون ضد الظلم معلنين تمردا رمزيا ضد السلطات. فدفعوا حراس الزنازين ورددوا التكبير والتهليل، وواصل منذروهم في إلقاء موعظاتهم.

فجر يوم الثلاثاء 12 أغسطس، كان المتهمون الـ 87 الذين أدينوا بأحكام تراوحت بين الإعدام والعشرة أشهر سجنا قد صرخوا في قفص الاتهام في إحدى قاعات محكمة الاستئناف فور النطق بالأحكام مخاطبين هيئة القضاء والنيابة العامة “سندُمّـركم …”، هتفوها مدوية وقبل أن تعلن هيئة الدفاع قرارها الطعن في الأحكام.

خارج قاعة المحكمة وأسوار السجن، لقيت الأحكام دهشة في أوساط التيارات الأصولية والهيئات الحقوقية والإنسانية، إذ إضافة إلى الحكم بالإعدام ضد أربعة متهمين (وهم الذين كان من المقرر أن يكونوا من بين الانتحاريين الذين نفذوا الهجمات)، فإن المحكمة قضت بالسجن المؤبد ضد 39 متهما، والسجن 30 عاما نافذا لـ 15 متهما، من بينهم من تصفهم السلطات بمنظري جماعة السلفية الجهادية، و20 عاما سجنا نافذا ضد 15 متهما، وبقية المتهمين الـ 14 ما بين 10 أعوام و10 اشهر سجنا نافذا.

المطرقة والسندان

ولئن كانت جميع التيارات الأصولية المعترف بها والهيئات الحقوقية والإنسانية قد أعلنت في وقت سابق، وتُـعلن دائما إدانتها وتنديدها بالهجمات الانتحارية التي تعرضت لها الدار البيضاء في 16 مايو وراح ضحيتها 45 قتيلا وأكثر من مائة جريح، فإنها أيضا كانت تُـعلن حرصها على عدالة المحاكمة وإجراءاتها. لكن بعد صدور الأحكام، أعرب بعضها عن عدم فهمه لقسوتها، وأيضا إصرار القضاة على الحكم بالإعدام رغم الحملة الشعبية الواسعة التي تسعى لإلغاء هذا الحكم من العقوبات في المغرب.

وفي الجانب الآخر، فإن أهالي الضحايا الذين تابعوا بكثافة جلسات المحاكمة “الماراثونية” لم يشعروا أن الأحكام أشفت غليلهم. وكما قالت أرملة أحد الضحايا الذي كان رفقة إبنه في دار إسبانيا التي استهدفتها الهجمات، فإن العذاب الذي تعيشه ومعاناة فراق الأخ أو الزوج أو الإبن لا تُـزيلها أحكام حتى وإن كانت بالإعدام. وتقول نفس الزوجة إن آلام الإعدام لحظة، في حين أن آلامها ومعاناتها متواصلة منذ تلك الليلة الرهيبة وأن هذه الأحكام لن تعيد لها من فقدته.

على بُـعد 80 كلم من الدار البيضاء، كانت محكمة الاستئناف بالرباط تُـصدر هي الأخرى أحكاما تتراوح بين الإعدام والسجن. خمس سنوات نافذة ضد أفراد ما أطلق عليهم مجموعة أغادير، وهي المجموعة المكونة من 10 أشخاص نفذوا أعمال عنف في مدينة أغادير أدت إلى مقتل سائحة فرنسية.

بين القضاء والسياسة

البُـعد السياسي ينضح في قساوة الأحكام والإرباك الذي عاشته البلاد منذ تلك الليلة التي أرعبت المغرب من شماله إلى جنوبه، وهزّت المقولة المغربية بأن المغرب بلد آمن وبعيد عن فيروس العنف المستشري في الجوار أو المحيط.

فتَـحَـت ليلة الدار البيضاء أعيُـن المغاربة على واقع كانوا لا يرونه أو لا يريدون رؤيته، أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي السائد مؤهّـل لاجتذاب كل أنواع الانحرافات الاجتماعية والسياسية، وأن هامش الحرية الذي كان سائدا، وإن كان قد أخّـر إعلان وجود هذا الفيروس، إلا أن ذلك لا يعني حداثة وجوده لدرجة الانتعاش.

لم يفتح ملف الأحكام بأسره للنقاش الجاد، رغم مرور أكثر من 3 أشهر على تلك الليلة الدامية. فمنذ اللحظة الأولى، انقسم الرأي العام السياسي بين متهم التيارات الأصولية، بغض النظر عن المعتدلة منها أو المشاركة في المؤسسات التشريعية، وفي المقابل، ظهرت تيارات “حداثية” اعتبرت تلك الليلة لحظة الانقضاض على من يتصورون أنهم البديل لهم في الأوساط الشعبية المغربية.

لم يكن هناك صوت لطرف ثالث. فهذا الصوت كان ينتظر عما ستسفر عنه تداعيات تلك الليلة لعل القطاف يكون لصالحه السياسي أو خشية أن يصنف أنه مع هذا الاتجاه أو ذاك.

كانت ردة الفعل الإعلامية على الأحكام الصادرة في الدار البيضاء أو الرباط، صحافة تناولتها بتحفظ واستغراب من قساوتها، وصحافة اعتبرتها الحد الأدنى من العقاب لأُناس وتيار أرعب البلاد والعباد.

إلا أن الأحكام التي صدرت، بغض النظر عن قساوتها أو عدالتها، فإنها لن تغلق ملف العنف الأصولي، ولن تلغي وجود أزمة متعددة الجوانب في بلاد تعداد سكانها 30 مليون نسمة، في شرقها دولة شقيقة تُـعاني من نفس العنف منذ 12 عاما، وفي شمالها عالم يتمتّـع بالأمان والاستقرار والتقدم، عالم شكّـل للشباب المغربي جنة وأمانا وضمانا للمستقبل يُـحاول الوصول إليه عبر زوارق الموت العابرة أو الغارقة في مضيق جبل طارق.

محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية