مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“تفجير سامراء يهدف الى إشعال حرب طائفية”

صورة التقطت يوم 24 فبراير 2006 لقبة مرقد الإمامين الهادي والعسكري في مدينة سامراء التي دمرها التفجير الذي نفذه مسلحون مجهولون قبل يومين swissinfo.ch

أطلقت الولايات المتحدة اسم "الصدمة والرعب" على عملياتها العسكرية التي شنتها على العراق في ربيع عام 2003 لاسقاط نظام صدام حسين..

لكن ورغم مرور نحو ثلاثة سنوات على تلك العمليات، فان هذا التوصيف لايزال مسيطرا على أرض الواقع في العراق..

أطلقت الولايات المتحدة اسم “الصدمة والرعب” على عملياتها العسكرية التي شنتها على العراق لاسقاط نظام صدام حسين، لكن ورغم مرور نحو ثلاثة سنوات على تلك العمليات فان هذا الاسم لايزال مسيطرا على أرض الواقع في العراق.

فالبلد يعيش كل يوم رعبا ممزوجا بصدمة كبرى لن يفيق منها مادام القتل العشوائي مستمرا يحصد النفوس قبل الأرواح ليحول الانسان العراق الى وحش كاسر، تطبيقا عمليا لمقولة فردريك نيتشه الشهيرة: “فليحذر من يحارب الوحوش أن يتحول الى وحش”.

ماجرى في سامراء من انتهاك لحرمة الامامين علي الهادي والحسن العسكري،هو ببساطة عمل منظم يهدف الى جر العراقيين الى حرب طائفية.

هذه الفتنة اندلعت بالفعل، وهدأت أو سكنت بعد تدخل مباشر وقوي من قبل الزعامات العراقية المختلفة رغم أنها هي التي أججت نار الفتنة مكرهة أو عن عمد أو عن جهل.

ويعتبر ماحصل في سامراء هو انتهاك لقداسة لها قيمتها في الوجدان الشيعي، ولدى عامة المسلمين، وخصوصا أهالي سامراء الذين كانوا أول من ندد به.

والمرقدان يخضعان منذ زمن بعيد للوقف السني، والفصائل المسلحة كانت تتجنب الاقتراب منهما حتى عندما كانت تسيطر على المدينة، الى أن وقعت الواقعة، وهي عمل دبر ونفذ بليل وأريد له أن يكون الشرارة لحرب تلد أخرى في العراق الجريح.

تحقيق دولي

ويقول مراقبون ومطلعون على الأوضاع داخل العراق إنه كان ينبغي أن تعلن الحكومة العراقية حظر التجوال في كافة المدن ليتسنى البحث عن الجناة والكشف عن ملابسات الحادث بهدوء وعقلانية، بدلا من اطلاق العنان لمظاهرات يشارك فيها الغوغاء الى جانب العقلاء، ويضيع فيها الحابل بالنابل، وافساح المجال لكي تحوم شبهات عديدة حول الجهة التي نفذت هذا العمل.

وهذا مادفع بسادن الروضة السيد رياض الكليدار الى الاعلان أن أهالي سامراء قرروا اغلاق كافة المنافذ من وإلى الحرمين، ومنع دخول الزائرين، والدعوة الى تحقيق تقوم به لجنة دولية من منظمة المؤتمر الاسلامي أو الجامعة العربية، أو الامم المتحدة بشرط أن لا تضم ممثلين عن الدول المشاركة في احتلال العراق. كما تضمنت الدعوة أيضا منع إزالة الأنقاض ومنع إعادة بناء القبة التي تضررت، للابقاء على ماينفع في التحقيق لكشف ملابسات الحادث.

اعتداء بهذا الحجم على قدسية الامامين علي الهادي وأبيه الامام الحسن العسكري، وسرداب غيبة الامام المهدي المنتظر، تطلب من وجهة نظر شيعية، ردا ضخما تمثل بخروج مظاهرات عارمة في العراق ودول أخرى أهمها ايران ولبنان. لكن هل حققت المظاهرات أهدافها في التعبير عن الغضب إزاء اتتهاك مقامات الأولياء من ذرية الرسول (ص)، أم أنها جاءت بنتائج عكسية؟

بالتأكيد فان الانتهاك للمقدسات في سامراء، نتج عنه انتهاكات لمقدسات أخرى في باقي المدن العراقية، وهتكا لكرامة الانسان وهدرا لدمه من دون اي تمييز. ففي البصرة مثلا تم تفجير مسجد بزعم أنه وهابي (!) مع ملاحظة أن “المساجد لله” وليست لطائفة أو مذهب أو مدرسة فكرية. كما أن الوهابية هي مدرسة وليست مقامات وأمكنة، ولن تتمثل في المساجد، بقدر ما تتمثل في أشخاص. وهذا النوع من التفكير يبيح لأصحابه قتل الأفراد بذريعة أنهم وهابيون، على الرغم من الفتوى الصريحة من المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني بتحريم مهاجمة المرافق “السنية”.

ومهاجمة مراكز الوقف السني كما حصل في البصرة أمر يبعث على الدهشة، فرئيس هذا الوقف أحمد عبد الغفور السامرائي كان أول من استنكر اعتداء سامراء، وتوجه راكبا الخطر الى المرقد، وهو قبل كل شيء مشارك بايجابية في العملية السياسية.

وقد بدت المظاهرات التي خرجت في العراق للرد على اعتداء سامراء وكأنها حاجة حكومية لتحشيد الشارع الشيعي للاصطفاف خلف الحكومة التي تعاني من مشاكل، ولدعم موقف الفاعليات السياسية التي تواجه صعوبات في تشكيل الحكومة المقبلة على أساس نتائج الاستحقاق الانتخابي الأخير.

محاصصة زلماي

فالواضح أن السفير الأمريكي زلماي خليل زادة صاحب نظرية المحاصصة الطائفية التي فرضها على “المعارضة العراقية السابقة” في مؤتمر لندن منتصف ديسمبر 2002 وتولى هو مهمة تجميع المعارضين على أساسها، لديه أجندة تختلف في الكثير من تفاصيلها عن أجندة الائتلاف العراقي الموحد(الشيعي).

وقد تجسد هذا من خلال المساجلات الكلامية بينه وبين زعماء الائتلاف خصوصا السيد عبد العزيز الحكيم ورئيس الوزراء ابراهيم الجعفري حول تشكيل الحكومة المقبلة، بل وحتى في تحميله وزر بعض الذي حصل في الأيام الأخيرة منذ اعتداء سامراء.

زلماي خليل زادة وضع خطا أحمر على وزارتي الداخلي والدفاع، وأعلن رفضه تسليمها لمن سماهم بالطائفيين، ونسق بشكل مباشر مع الرئيس “الكردي” جلال طالباني لكي لاتأتي الحكومة القادمة على أساس الاستحقاق الانتخابي، ما أزعج الائتلاف.

وإذا حصل ذلك وتشكلت حكومة اجماع وطني دون النظر الى حجم تمثيل الكتل السياسية في مجلس النواب القادم، فان شوكة الائتلاف ستضعف عما هي عليه الآن، وسوف تتعرض هيبته للجرح خصوصا وهو من جهته ليس في وضع يُحسد عليه بسبب خلافات داخلية حول المناصب، وتحديدا المنافسة بين الجعفري وعادل عبد المهدي حول رئاسة الوزراء.

إذن فان ماجرى في سامراء كان بمثابة “الهبة الالهية” للائتلاف، ولشخص رئيس الوزراء الجعفري ليستفيد منها وليقوم بانزال أنصاره الى الشارع لايصال رسالة الى السفير الأمريكي، والى الكيانات الأخرى المشاركة في العملية السياسية خصوصا السنة، عن قوة الأنصار وردة فعلهم إذا غضبوا.

مــآخذ وسيناريو

مايؤخذ على الحكومة وباقي الفاعليات الدينية والسياسية الاخرى أنها أغفلت، ربما عن غير عمد فلتان الشارع وجنوحه للتمرد والانتقام على ما تعرض له الشيعة سواء في عهد صدام أم في العهد الجديد من اغتيالات يقولون إن زعماء السنة لم ينددوا بها كما يجب.

لقد تعرض عدد كبير من المساجد للاعتداء، ومراكز الوقف السني أحرق بعضها، واتهم الحزب الاسلامي وعموم قادة جبهة التوافق، عناصر من التيار الصدري وقوات بدر، بالمسؤولية فيها، ويبدو أن “المخطط” – مثلما يتحدث البعض – كان يرمي الى الاجهاز نهائيا على شعرة معاوية بين هذه الأطراف وقوات بدر وعموم الائتلاف، و نسف العلاقة بين “السنة” والتيار الصدري، ما أدى الى أن يأمر السيد مقتدى الصدر أتباعه الى الامتناع عن ارتداء اللباس الأسود “الزي الصدري” لاحباط هذا المخطط.

الاعتداء في سامراء وما تلاه، نفذا بينما مقتدى الصدر خارج العراق في زيارة لعدد من الدول شملت الأردن وسوريا ولبنان، بعيدا عن تياره ويمكن أن يؤدي الفلتان الأمني الى قيام عناصر محسوبة عليه بمهمات ” قذرة” من قبيل الاعتداء على مساجد لأهل السنة وتحميل التيار الصدري المسؤولية.

لقد انتبه الصدر الى هذا السيناريو، فعمد الى قطع زيارته الى لبنان (التي كان مقررا لها أن تستمر عشرة أيام)، وأراد العودة الى العراق عن طريق سوريا أو الاردن فمنع من قبل “السلطة الأمريكية” في العراق، فغادر الى ايران ومنها دخل البصرة يحف به أنصاره وحواريوه ليدعو منها الى مظاهرة يشارك فيها السنة والشيعة تطالب بطرد الاحتلال، بعد أن رعى (عبر الريموت كونترول)،اتفاق شرف مهم بين تياره وجبهة التوافق والمدرسة الخالصية، مهد لاجتماع التهدئة الذي دعا له الجعفري بحضور كافة الأطراف.

فتش عن أمريكا؟

في العام الماضي، كان زعيم ما يسمى “تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” الأردني أبو مصعب الزرقاوي قد أمر بقتل الشيعة وشن حرب شاملة عليهم،الا أن هذه الأمر جوبه برفض قاطع من عدة فصائل عراقية مسلحة تقاتل ضد الأمريكان.

وأعلنت خمسة فصائل عراقية مسلحة هي جيش محمد، وكتائب القعقاع، والجيش الإسلامي في العراق، وجيش مجاهدي العراق، وألوية الناصر صلاح الدين، عبر بيان مشترك أن هدف المقاومة وضرباتها العسكرية هو الاحتلال وكافة أعوانه. كما حذر البيان بوضوح أن الدعوة إلى قتل عامة الشيعة “نار تحرق العراقيين سنتهم وشيعتهم”.

بيان الزرقاوي الذي أعلنه في 16 تموز 2005، لم يستثن السنة والطوائف الأخرى مهددا، ولعل أخطر ما ورد في الوثيقة (المؤلفة من 17 صفحة) هو الدعوة إلى إشعال حرب طائفية بين السنة والشيعة.

ربما لاتكون أي من الجماعات المسلحة العراقية وراء اعتداء سامراء، ويظل تنظيم الزرقاوي المتهم رقم واحد بسبب بيانه السابق، وعمليات أخرى قد تكون أقل ضررا على وحدة النسيج العراقي لكنها تحمل بصماته، طبعا دون استبعاد أمريكا نفسها والموساد.
وفي هذا السياق، تؤكد معلومات في غاية الأهمية أن العراق يضج بخلايا تقوم بعمليات قتل وتفجير وتتلقى تعليماتها “مباشرة من وكالة الإستخبارات المركزية CIA، وبعضها من الموساد” حسب تأكيدات عدد من المصادر.

وقد كشفت أحداث جدت في البصرة، وقصة معتقل الجادرية عن تورط أمريكيين وبريطانيين، فضلا عن مجموعات عراقية، بحوادث من هذا القبيل. هذه المعلومات (وقد سربتها مجلة أمريكية) تتحدث عن تأسيس السفير الأميركي السابق في العراق جون نغروبونتي عددا كبيرا من هذه الخلايا، وهو الذي قام بممارسات مشابهة في الهندوراس والسلفادور التي أسس فيها ما يُعرف بكتائب أو فرق الموت.

وتشير المصادر إلى أن عدد عناصر هذه الخلايا قد يكون تجاوز الـ 11 ألف عنصر تم دسهم قوات في مغاوير الداخلية، وفي لواء الذئب ولواء العقرب، وقد اعترف رئيس الوزراء العراقي الجعفري باكتشاف حالات تسلل عناصر مخربة في الداخلية.

وفي ضوء اتهامات أخرى موجهة لايران، وحتى للحكومة، فان الحاجة الى تحقيق دولي نزيه تظل قائمة، ربما ستساعد في لملمة جراح النفوس التي خربها فساد الساسة، وأسقطوا عليها خرافة لم يألفها العرقيون من قبل اسمها “الفتنة الطائفية” وهم يعيشون الصدمة والرعب على الطريقة الأمريكية كعنوان أساس لديمقراطية بشرت بها واشنطن… الشرق الأوسط الكبير!!!

نجاح محمدعلي – دبي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية