مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 تكامل المغرب العربي: هدف أوروبي!

swissinfo.ch

مرة أخرى تتجدد الدعوة إلى تعزيز التعاون بين دول الإتحاد المغاربي الخمس في جميع المجالات .. لكن المطالبين هذه المرة لا يقيمون في الرباط أو في تونس أو في نواكشوط أو الجزائر العاصمة، بل هم أعضاء البرلمان الأوروبي المجتمعون في .. ستراسبورغ!

قبل عشرة أيام فقط من التئام القمة المغاربية في العاصمة الجزائرية، صادق البرلمان الأوروبي على قرار يدعو إلى إقامة شراكة متميزة (أو تفضيلية) بين الإتحاد الأوروبي وآتحاد المغرب العربي بما يعمق الشراكة الأوروبية المتوسطية التي انطلقت في برشلونة في منتصف التسعينات.

ولا تكمن أهمية القرار فقط في هوية النائبين اللذين أشرفا على إعداد التقرير المرافق له (وهما دانيال كوهين بنديت من الخضر وفيليب موريون من الحزب الشعبي الأوروبي)، ولا فيما جاء في ديباجته من تذكير مفصل بالمرتكزات القانونية والقرارات والمعاهدات التي تستند إليها العلاقة القائمة بين بلدان المجموعتين، بل في ما تضمنه من توجهات واضحة تؤشر لقرب افتتاح مرحلة جديدة في مسار هذه العلاقة.

ويلخص التقرير الذي صادق عليه النواب يوم الثلاثاء في ستراسبورغ (شرق فرنسا) بدقة محاور تصـّور مختلف التيارات السياسية الأوروبية لنوعية العلاقة التي يجب أن تكون قائمة بين الطرفين، وهو تصور يشمل طبيعة الإتحاد المغاربي الذي لا يمكن أن يقوم “بدون الإستقرار المستند بدوره إلى السلم الذي لا يمكن أن يتحقق بدون احترام حقوق الإنسان والديموقراطية وحقوق الإنسان” حسبما جاء في نص التقرير.

وقد حرص البرلمانيون الأوروبيون على تذكير حكوماتهم والسلطات الحاكمة في العواصم المغاربية بأن احترام البند الثاني من اتفاقيات الشراكة المتعلق بـ “حقوق الإنسان والديموقراطية ودولة القانون” يمثل عنصرا أساسيا في المعاهدات المبرمة بين بروكسيل وتونس والرباط والجزائر.

ومع تنويه التقرير إلى إجماع الدول المغاربية على التنديد بالأعمال الإرهابية التي حدثت في الحادي عشر من سبتمبر الماضي في الولايات المتحدة إلا أنهم اعتبروا – في محاولة ربما للتميز عن الموقف الأمريكي– أن مكافحة الإرهاب “لا يمكن أن تبرر بأي حال من الأحوال ممارسات منافية لاحترام حقوق الإنسان” حسبما ورد في نص التقرير.

أولويات التمويل ستتغير!

لكن التأكيد على ملف حقوق الإنسان في العلاقة بين بروكسل وعواصم الاتحاد المغاربي وما يرتبط به من “إعادة النظر في سياسية الهجرة وحرية تنقل الأشخاص مع بلدان المغرب العربي إضافة إلى استمرار تعميق الحوار ما بين الثقافات والأديان بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط” لم يكن جوهر القرار الذي صدر عن البرلمان الأوروبي.

فقد بدا واضحا أن الانشغالات الرئيسية لممثلي الشعوب الأوروبية تتمحور أساسا حول تعزيز الأمن والإستقرار والتنمية في منطقة المغرب العربي بعد أن ترسخ الوعي لدى صناع القرار الأوروبي خلال السنوات القليلة الماضية بحتمية انعكاس ما يحدث فيها سلبا أو إيجابا على الإتحاد عموما وعلى دوله الجنوبية المطلة على المتوسط خصوصا.

من هنا جاء التأكيد المتكرر في نص القرار على أهمية البناء المغاربي بالنسبة للطرف الأوروبي حيث اعتبر أن “توثيق العلاقات بين مختلف دول الإتحاد عنصر أساسي في تطوير مجمل الشراكة الأوروبية المتوسطية” وهو إقرار يشبه التحريض المباشر للحكومات المغاربية على تسوية خلافاتها والإرتفاع بمستوى التنسيق القائم بينها!

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل اتخذ منحى غير عادي عندما طالب البرلمانيون بتجديد إطار العلاقات بين الإتحادين الأوروبي والمغاربي ليتخذ شكل “عقد من أجل الإستقرار والتنمية” على غرار العلاقات القائمة حاليا بين الإتحاد الأوروبي ودول منطقة البلقان! بل أرفقوا مطلبهم باقتراح عملي سيثير بلا شك الكثير من اللغط في الأوساط السياسية والإقتصادية في عواصم الضفة الجنوبية من المتوسط.

هذا الإقتراح، يحث أصحاب القرار في الإتحاد الأوروبي على بذل جهود خاصة لـ “توجيه الإستثمارات بما يؤدي إلى دعم المشاريع الجهوية أو المشتركة بين دول المغرب العربي” ويدعو المفوضية الأوروبية أيضا إلى العمل على تعزيز البعد المتعدد الأطراف في برامج ميدا (MEDA) الممولة من جانب بروكسيل من أجل مزيد تطوير وتنمية التعاون الإقليمي!!

في انتظار بلورة الرؤية الأمريكية

في الواقع لا تعتبر الدعوات الصادرة عن جهات أوروبية سياسية أو اقتصادية لحث المسؤولين المغاربيين على تفعيل اتحادهم وتطوير تعاونهم في شتى المجالات جديدة أو غريبة، لكن تحولها إلى مثل هذا “التحريض” المهذب والصارم في نفس الوقت ظاهرة مثيرة، اعتبرها الإعلامي التونسي رشيد خشانة “مفارقة تاريخية لأن أوروبا والغرب عموما هو الذي يدفعنا إلى التقارب وإلى تحقيق الإندماج وليس قوى ذاتية من داخل بلداننا”!

لكن الوعي المعلن -بل المكرر إلى حد الملل- في كل مناسبة من طرف الزعماء والحكومات ورجال الأعمال والأطراف الإجتماعية بضرورة تنشيط الإتحاد المغاربي وتحويله إلى مؤسسة فاعلة وجادة يواجه بعقبتين رئيسيتين. تتمثل الأولى في الخلاف المزمن بين الجزائر والمغرب حول قضية الصحراء الغربية وترتبط الثانية بالموقف الأمريكي من هذه المنطقة الحيوية وما يعتمل فيها وحولها من تطورات.

ويرى محمود معروف الخبير في الشؤون المغاربية أن بإمكان الإتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا وإسبانيا اللتين ترتبطان بعلاقات جيدة مع المغرب والجزائر وجبهة البوليزاريو المساعدة في تنشيط الحوار والوساطات بين الرباط وتيندوف لكن الحوار المعلق الآن “لن يتم إلا بالضغط .. لكن هذا الضغط تمارسه الولايات المتحدة ألمريكية وليس الإتحاد الأوروبي!” حسب رأيه.

وعلى الرغم من إقرار السيد معروف بأن التوجه الأوروبي الجديد لدفع الدول المغاربية لمزيد من التنسيق والتكامل سيكون مفيدا لها فرادى أو مجموعات، إلا أنه يرى أن الدول الخمس “لا تصارع على أي أرضية مغاربية بل تستسلم للأطراف الخارجية فيما يتعلق بالتعاون فيما بينها” وهو ما يعني في رأي محاورنا المقيم في الرباط أن “عدم تبلور رؤية أمريكية نهائية للمنطقة (بعد أن أطلقت واشنطن مبادرة شراكة أمريكية مغاربية في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون) هو السبب الذي يؤخر قيام أي شكل من أشكال التعاون الحقيقي المغاربي حتى وإن كان بالصيغة الأوروبية المقترحة” حسب قوله.

 هل ستضغط أوروبا فعلا؟

وفي انتظار تبلور الرؤية الأمريكية وانعقاد القمة المغاربية في الحادي والعشرين من يونيو – حزيران الجاري، تستعد إسبانيا التي تترأس الإتحاد الأوروبي لعرض “خطة لمراقبة الحدود الخارجية للإتحاد” مصحوبة بـ “وثيقة استراتيجية لتقييم الخطر الإرهابي” على مجلس وزراء العدل والداخلية استعدادا للقمة الأوروبية المقبلة التي ستعقد في مدينة إشبيلية في موفى هذا الشهر والتي ستتصدر فيها قضايا الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا المباحثات.

وهو ما قد يعني تسليط المزيد من الضغوط السياسية والإقتصادية على العواصم المغاربية حتى تنتقل إلى مرحلة تجسيم الخطب وإنجاز الشعارات بما يساهم في تحقيق حد أدنى من التنمية ويعني -بالنسبة للإتحاد الأوروبي- تراجعا في عدد المهاجرين المتوجهين إلى الضفة الشمالية وتعزيزا للإستقرار السياسي والأمني في “الحديقة الخلفية” للإتحاد وهو ما سيساعد في رأي النخب القيادية في أوروبا على تراجع “الخطر الإرهابي” الذي يلوح به الجميع هذه الأيام.

ومع تنامي الهوس الأمني في البلدان الغربية، وتصاعد المخاوف في صفوف قطاعات من الرأي العام الأوروبي من المهاجرين، تتجه الحكومات الأوروبية التي تسيطر عليها تيارات اليمين يوما بعد يوم إلى التركيز في علاقاتها مع دول اتحاد المغرب العربي على ما يمكن أن يطمئن الناخبين ودافعي الضرائب، أي على كل ما من شأنه ضمان الأمن والسلامة والإستقرار قبل أي اعتبار آخر.

لذلك جاءت توصيات البرلمان الأوروبي هذه المرة في شكل خيارات محددة وبرنامج عمل متدرج وواضح المعالم للحكومات في أوروبا (المدعوة لتفهم انشغالات البلدان المغاربية التنموية والإقتصادية) وللسلطات الحاكمة في بلدان اتحاد المغرب العربي (المطالبة بتوحيد جهودها وتسريع خطوات تكاملها في شتى المجالات) على حد السواء!

كمال الضيف – سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية