مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 خيارات شبه معدومة أمام صدام حسين؟

تزداد الآفاق ضيقا أمام الرئيس العراقي فيما ينظر شعبه بقلق إلى الاستعدادات الأمريكية لازاحته Keystone

من الصعب فهمُ كيفية معالجة القيادة العراقية لأزمتها مع الولايات المتحدة في ظل استمرار سياسة العناد والممانعة مُقابل إصرار أمريكي وإشارات علنية على حتمية تنفيذ القرار الأمريكي بشن حملة تستهدف تغيير النظام الحالي في العراق.

واللافت أن سلوك القيادة العراقية الحالي شبيه بسلوكها خلال الأشهر الستة من احتلالها للكويت أواخر عام 1990 وأوائل عام 1991. آنذاك، كانت كل المؤشرات تدل بوضوح على أن الحرب ستقع حتما.

وكانت الولايات المتحدة تفصح عن خططها للهجوم بينما كانت الأطراف الإقليمية تتصرف بذعر وتحاول ثني القيادة العراقية عن الاستمرار في الاحتلال، فيما كانت بغداد تتصرف وكأن لديها ضمانات بان كل الطبول التي كانت تقرع ستكون دخانا بلا نار وان الحرب مستحيلة.

وقد بادرت القيادة العراقية إلى الإفراج عن الرهائن الغربيين الذين كانت تحتجزهم كذروع بشرية في المواقع الاستراتيجية التي يحتمل تعرضها للقصف، وهو تصرف حمل معنى واحدا هو أن هناك ضمانات مؤكدة حصل عليها العراق بان الحرب لن تحصل. وفيما بعد ترددت أحاديث عراقية بان دولا وثيقة الصلة بالعراق قدمت تأكيدات بان الحرب لن تقع وان العراق تعرض بذلك لخدعة.

وما يجري اليوم شبيه إلى حد كبير بما حدث قبيل حرب عاصفة الصحراء. فالإدارة الأمريكية أفصحت عن هدفها وهو هذه المرة إزاحة النظام العراقي الحالي. كما أن تسريبات تتوالى من خلال الصحافة الأمريكية والعالمية تتحدث عن الخيارات المتاحة التي تجري دراستها لتنفيذ هذه المهمة، وهي تتراوح بين العملية الأمنية المعقدة لاغتيال الرئيس العراقي والحرب الشاملة التي يشترك فيها مئات الآلاف من الجنود مع قصف جوي مكثف، وهو ما سيعني تدميرا جديدا للمراكز الحيوية والبنية التحتية العراقية.

وتشير كل الأدلة إلى أن القرار الأمريكي متخذ، لكن أسلوب التنفيذ ما زال محل نقاش. ومع كل هذا، فان القيادة العراقية تتصرف وكأن كل ما يحدث هو قرقعة ليس إلا. فهل لدى العراق أوراق يستخدمها لتحاشي الضربة أو بالأحرى هل لدى الرئيس العراقي خيارات للنجاة من النوايا الأمريكية لإزاحته؟

الأوضاع الداخلية والمعطيات الاقليمية والدولية

الواقع الداخلي في العراق ليس بالذي يمكن للقيادة العراقية الاعتماد عليه في التصدي و”تسطير الملاحم” كما يقول المسؤولون العراقيون. فطبيعة العلاقة بين الحكم والشعب لا تترك مجالا للتعويل الرسمي على الدعم الشعبي، بل إن البعض يرى أن الإدارة الأمريكية ربما تراهن حتى على الأجهزة الأمنية العديدة التي يملكها الحكم العراقي، والتي يُتوقع أن تتفكك ورُبما تنقلب على النظام بمجرد توجيه ضربات قاصمة تشل قبضته الحديدية، وهو ما تفسره إجراءات احترازية مشددة اتخذها النظام مؤخرا داخل الأجهزة الأمنية وقيادة الجيش.

أما موقف الأطراف الدولية صاحبة التأثير مثل الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا، فإنها تبدو في طريقها إلى تأييد الولايات المتحدة أو على الأقل الصمت على أي قرار أميركي، خصوصا إذا ما جرى تمريره من خلال مجلس الأمن الدولي في ظل مساعي الإدارة الأميركية إلى تغيير مواقف هذه الأطراف على قاعدة المقايضة كل حسب مصالحه وحاجاته. وفي التصريحات الروسية الأخيرة حول تحاشي أي تشنج مع واشنطن بشان الملف العراقي دليل على هذا التحول.

وفيما يتعلق بالمواقف الإقليمية، فان تركيا لا تبدو بعيدة عن تقديم الدعم لأية خطوة أميركية مقابل تعهدات عديدة من واشنطن، لعل أهمها ضمان عدم قيام دولة كردية في شمال العراق. أما إيران، ورغم كل التوتر في علاقاتها مع واشنطن، فانها لن تجد مناصا من الحياد على الأقل. وفيما يخص الأطراف العربية، لا يبدو رفضها الرسمي العلني لتغيير النظام العراقي ذا تأثير عملي على تنفيذ المخطط الأمريكي.

وفي ظل مثل هذا الواقع، لا يبدو أمام الرئيس صدام حسين خيار آخر سوى الحذر الشديد من إعطاء ذريعة مباشرة للهجوم عليه، لكن هذا الحذر لن يضمن له سوى تأخير تنفيذ القرار الأمريكي وليس إلغاءه.

سالم مشكور- بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية