مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تنجح سويسرا في إنقاذ الجهود العالمية لحماية الديمقراطية من الانهيار؟

القمة العالمية للديمقراطية مهددة بالانهيار. هذا الوضع يتيح لسويسرا وسياستها الخارجية الديمقراطية الجديدة.
القمة العالمية للديمقراطية مهددة بالانهيار. هذا الوضع فرصة سانحة لسويسرا وسياستها الخارجية الديمقراطية الجديدة. KEYSTONE/Copyright 2021 The Associated Press. All rights reserved.

ارتبطت القمة العالمية للديمقراطية بالمكانة التي يحظى بها الرئيس الأمريكي جو بايدن في السياسة الخارجية. إلا أن هذا المشروع الطموح يتعرّض الآن للانهيار. وهو ما يشكّل فرصة سانحة للسياسة الخارجية الديمقراطية الجديدة التي تنتهجها سويسرا. فيما يلي تحليل لهذا الوضع.

لقد كانت كل الدلائل في ديسمبر من عام 2021 تشير إلى انطلاقة جديدة. وفي ممرات وقاعات البيت الأبيض كانت السيدة الأولى قد أضاءت بالفعل المصابيح الصغيرة في أشجار عيد الميلاد المزيّنة. هذا بينما اتّخذ زوجها، الرئيس الأمريكي جو بايدن، موقعه المريح أمام شاشة عرض عملاقة في إحدى قاعات الاجتماعات، بالجناح الغربي من البيت الأبيض.

“مرحباً في أول قمة عالمية للديمقراطية”، هكذا رحّب بايدن بأكثر من مئة من نظرائه ونظيراته من جميع أنحاء العالم، حيث حالت جائحة وباء كورونا، دون سفرهم.ن إلى واشنطن لحضور القمة بصورة شخصية.

فبعد عام من انتخابه وبعد الهجوم على مبنى الكونغرس الأمريكي الذي أشعل سلفُ بايدن فتيلَه، والذي باء في النهاية بالفشل، كان الرئيس الأمريكي يشعّ ثقة: “بالنظر إلى التحديات المستمرة والمقلقة التي تواجهها الديمقراطية وحقوق الإنسان بصفة عامة على مستوى العالم بأسره، فإن الديمقراطية تحتاج إلى ريادة”، على حدّ وصف بايدن، معلناً القمة كنقطة انطلاق لهذا الكفاح من أجل عالم يتمتع بمزيد من الحرية.

تقرير سويس إنفو حول مشاركة سويسرا في القمة العالمية الأولى للديمقراطية عام 2021:

المزيد

واليوم، وبعد مرور عامين ونصف فقط على القمة الأولى، لم يعد هناك الكثير مما يمكن لمسه من تلك الثقة التي واكبت انطلاق القمة. ولا ينحصر السبب فقط في الاتجاهات الشمولية الآخذة في الازدياد في الكثير من أرجاء العالم.

فقد أصيب الانخراط الذي أبدته الولايات المتحدة في البداية، أيضاً بشلل واضح. وأبرز مثال على ذلك انتقال القمة الثالثة المقبلة إلى سول، عاصمة كوريا الجنوبية ـ حيث لا حضور يُذكر لأمريكا.

ولكن كيف وصل الحال إلى هذه الدرجة؟

“الديمقراطية أولاً”… منهج يهدّد الوحدة الوطنية

منذ البداية، لاحت فوق مبادرة بايدن غيوم سوداء: حيث لم يدعُ البيت الأبيض فقط ديمقراطيات راسخة ومستقرة مثل سويسرا، وأوروغواي، وكندا، أو جنوب أفريقيا إلى المشاركة في هذا التعاون العالمي، بل دعا كذلك أنظمة شمولية مقبولة أمريكياً، مثل بنغلاديش وباكستان والكونغو.

محتويات خارجية

ووفقاً لستيفن ويرتهايم، أحد كبار الباحثين في معهد كارنيغي بواشنطن، فإن جو بايدن ارتكب فضلاً عن ذلك نفس الخطأ الذي وقع فيه الرئيس الأسبق جورج دابليو بوش، “إذ ربط مفاهيمه الأخلاقية بآليات عسكرية، وأعتقد أنه يوحّد هذا البلد الذي يسوده الاستقطاب، بدفاعه عن ديمقراطيات بعيدة للغاية”. وكانت النتيجة بحسب فيرتهايم هي العكس، حيث ” أدّى مبدأ “الديمقراطية أولاً” إلى مزيد من انقسام الولايات المتحدة الأمريكية”.

ففئة قليلة من الشعب الأمريكي فقط هي من ترى أن “دعم الديمقراطية في الخارج” أمر هام وصائب، كما تبيّن دراسة أجراها “مركز بيو لأبحاث الرأي”، ذائع الصيت. حيث وصف 75% من المواطنين والمواطنات المستطلعة آراؤهم.ن “حماية الوظائف الأمريكية” كأهم أولوية في السياسة الخارجية، بينما اختار 20% “دعم الديمقراطية في الخارج”.

انعقد منتدى الديمقراطية في دورته الأولى من الثامن وحتى العاشر من ديسمبر عام 2021 في واشنطن، بمبادرة ودعوة من الرئيس الأمريكية جو بايدن. وقد أبدى مئة من رؤساء ورئيسات الدول والحكومات، في هذا الملتقى رغبتهم.ن في دعم الديمقراطية على المستويين المحلي والدولي.

جدير بالذكر، أنه بعد انعقاد القمة الثانية عام 2023 بصورة غير مركزية في كل من الولايات المتحدة وكوستاريكا وهولندا وزامبيا وكوريا الجنوبية، فإنه من المزمع عقد القمة الثالثة من الثامن عشر وحتى العشرين من مارس 2024 في سول. ويضم جدول الأعمال ملتقى للوزراء حول موضوع “الذكاء الصناعي والديمقراطية”، ومنتدى لمنظمات المجتمع المدني، وأيضاً قمة لرؤساء ورئيسات الدول والحكومات.

لكن حتى الآن لم يتضح إذا كانت هذه العملية سوف يٌكتب لها الاستمرار، بانعقاد قمة رابعة للديمقراطية العالمية، أم لا.

ويوضّح المؤرخ الأمريكي ويرتهايم في مقاله، الذي نشر بصحيفة “أتلانتيك” (Atlantic)، أنّ مبدأ “الديمقراطية أولاً” قد يأتي بنتائج عكسية في الكثير من مواقف الصراع، بل إنه قد يؤدي إلى تأجيج الصراعات عبر البحار.

ففي حالة أوكرانيا مثلا، “وضع خطاب بايدن حول ′الدفاع عن الديمقراطية′ (هذا الأخير) في موقف حرج: فإذا كانت الديمقراطية هي القيمة الأساسية المعرضة للخطر، فإن فكرة وضع القيادة الأوكرانية المنتخبة تحت أي ضغط، يعتبر أمراً غير مشروع، حتى وإن رغبت كييف في قبول بعض الأهداف الممكنة أو الشروع في مباحثات مع روسيا.”

كيلي رزوق
كيلي رزوق، مستشارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لشؤون قمة الديمقراطية، والمسؤولة عن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في مجلس الأمن القومي الأمريكي. WHITE HOUSE

ويستطرد ويرتهايم بالقول إن السبب وراء توغّل بوتين في أوكرانيا هو تقاربها مع مؤسسات غربية رداً على السياسة الروسية. فمثل هذا العدوان غير مشروع أو مقبول، وهذا بغضّ النظر عما إذا كان أحد الطرفين نظاماً شمولياً، والآخر ديمقراطياً. ويرى المؤرخ أن هناك تحديات مماثلة في موقف واشنطن من حرب إسرائيل ضدّ حماس في غزة، أو موقف تايوان من الصين.

من جهتها، صرّحت كيلي رزوق، مستشارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لشؤون قمة الديمقراطية، والمسؤولة عن مسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان في مجلس الأمن القومي الأمريكي، لموقع سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) بأنن قمة الديمقراطية العالمية أصبحت “بوتقة ومنصّة لممثلي وممثلات الحكومات، وللمجتمع المدني والقطاع الخاص، لتناول التحديات والإمكانيات التي تواجه الديمقراطيات اليوم.”

ولهذا السبب ونظراً للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 10 أبريل في كوريا الجنوبية، فإن الحكومة هناك حذرة للغاية بشأن استضافة الاجتماع المقبل بحسب قول سوك يونغ لي، الأستاذة بمعهد شرق آسيا، أحد معاهد الأبحاث المستقلة في العاصمة الكورية الجنوبية.

تعمل سوك يونغ لي كمنسّقة مشاركة في القمة العالمية للديمقراطية مع عدد من المنظمات الدوليّة من أجل إشراك المنظمات غير الحكومية واتحادات الشباب والشابات في القمة.

وتجدر الإشارة هنا إلى تقاعس العاصمة الكورية عن توفير الموارد والبنية التحتية اللازمة: فهي لم تكتفِ فقط بالاستغناء عن خدمات الترجمة، بل تكاد لا توفر قاعات اجتماع بتقنيات الحضور الشخصي والإلكتروني. إلا أن الأمر الأكثر فداحة هو رفض حكومة كوريا الجنوبية دعوة المشاركين والمشاركات في قمة هيئات المجتمع المدني إلى حضور اجتماع مع ممثلي وممثلات الحكومات.

هل قمّة الديمقراطية مهدّدة بالزوال؟

سوك يونغ لي
سوك يونغ لي، الأستاذة بمعهد شرق آسيا، وهو أحد معاهد الأبحاث المستقلة في العاصمة الكورية الجنوبية Paul Morigi/Paul Morigi

مع ذلك، لم يتّضح إلى الآن ما إذا ما كان سيتكتب لهذه الفعالية الاستمرار، بانعقاد قمة رابعة للديمقراطية العالمية، أم لا.

فهل أصبح عقد قمم للديمقراطية أمراً مهدداً بالتوقف؟ ترى سوك يونغ لي أن” الطاقة والديناميكية اللتين واكبتا انطلاق القمة من أجل الديمقراطية قد تلاشتا. ونحن لا نعرف كيف ستسير الأمور بعد هذه النسخة الثالثة، ذلك لأن الكثير من الدول قد فقدت حماستها هي الأخرى”،وتضيف أنه “قد يكون أمراً جيداً، إذا ما لعبت دولة مثل سويسرا بخبرتها الديمقراطية الطويلة والهامة، دوراً قيادياً أكبر في هذه العملية.”

وفي برن جاء رد فعل سيمون غايسبولر على هذه الإشارة من كوريا، إيجابياً ولكن بحذر، حيث صرّح غايسبولر، بصفته السفير المسؤول عن السياسة الخارجية الديمقراطية بالوزارة الخارجية الفدرالية، قائلاً: “إننا نسعى مستقبلاً إلى تعزيز الحوار السياسي حول الديمقراطية وإلى فعل المزيد على المستوى متعدد الأطراف. وهنا قد تكون القمة منصّة هامة، تصب في مصلحة أهدافنا للسياسة الخارجية”.

لكن مثل هذه المناسبات العملاقة لا تصبح ذات مغزى، إلا إذا كانت تصبو نحو تحقيق نتائج وأهداف بعينها، أي التوصل إلى نتائج ملموسة. وبحسب سيمون غايسبولر، فإن سويسرا قد أدّت حتى الآن الواجبات التي أوليت لها في إطار قمة الديمقراطية إلى حد كبير. حيث يشرح: “ففي مجال حقوق الإنسان قمنا بتحقيق هدف هام من خلال تأسيسنا لمعهد حقوق الإنسان الوطني السويسري. وفي مجال الديمقراطية الرقمية عزّزنا استخدام المنصات الرقمية، على سبيل المثال من خلال اعتماد التطبيق الإلكتروني لتقديم نصائح انتخابية، والمعروف باسم التصويت الذكي (Smartvote)، وذلك في العديد من البلدان بصورة تجريبية.”

فضلاً عن ذلك، فقد أسدت سويسرا “إسهاماً هائلاً للصندوق العالمي لدعم وسائل الإعلام الحكومية، وقد دعمت بذلك الديمقراطيات الناشئة من خلال تشجيع الإعلام المستقل”، وفق السفير.

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: بنيامين فون فيل

ما هي الأسباب التي تدفعكم.نّ إلى التفاؤل بشأن الديمقراطيّة حول العالم؟

لماذا تعتقدون وتعتقدن أنه لا يزال هناك أمل في وطنكم.نّ وفي العالم؟ ما الذي يجعلكم.ن متفائلين ومتفائلات بشأن الديمقراطية؟

76 إعجاب
92 تعليق
عرض المناقشة

فرص سويسرا لتعزيز الديمقراطية

إذا ما قارناها بغيرها، فإن سويسرا تحظى بظروف سانحة، قد تمكّنها من الاضطلاع بدور أكثر فعالية في تعزيز الديمقراطية العالمية. فبصدور الدستور الفدرالي الجديد عام 2000، أصبح هناك تكليف شعبي بـ “تعزيز الديمقراطية العالمية” (الدستور الفدرالي، المادة 54.4). علاوة على ذلك، فقد أصدرت الحكومة الفدرالية قبيل عدة أسابيع استراتيجية جديدة للسياسة الخارجية السويسرية للأعوام 2024-2027، والتي تلاحظ فيها “نبرة جديدة”، من اعتماد “سياسة خارجية ديمقراطية” مُبادِرَة.

هذا بينما يمكن للحكومة السويسرية، بعكس الحكومة الأمريكية، الاعتماد على التأييد الواسع بين صفوف الشعب: ففي عام 2021، صرّح 80% من المستطلعة آراؤهم.ن بصورة تمثيلية، أن قدَر سويسرا هو تعزيز الديمقراطية على مستوى العالم، وذلك بسبب تقاليدها الديمقراطية العريقة.

بناءً على ذلك، سوف تُمثَل سويسرا في قمة الديمقراطية المقبلة في سول، وذلك من خلال “وفد صغير لكنه يحظى بتأييد واسع”، وبرئاسة السفير سيمون غايسبولر،الذي صرّح، أن “رئيسة سويسرا فيولا أمهيرد سوف تلقي كلمة باستخدام تقنية الفيديو.”

ومن غير الواضح بعد، إلى أي مدىً سيتسنّى لرئيسة سويسرا مساعدة نظيرها في البيت الأبيض في الخروج من ورطته. 

*تحديث: أعلنت حكومة كوريا الجنوبية أنه سيتم دعوة أكثر من مئة مشارك ومشاركة من قمّة المنظّمات غير الحكومية لحضور الاجتماعات الوزارية في اليوم الأول وأن أعضاء وعضوات من الحكومة سيكونون وسيكنّ حاضرين.ات في المناسبة التي ينظمّها المجتمع المدني في اليوم الثاني من القمّة. كما أعلنت الحكومة الأمريكية أن وفداً برئاسة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن سيمثّلها في القمة.

تحرير: مارك ليفينغستون

ترجمة: هالة فرَّاج

مراجعة: مي المهدي/أم

المزيد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية