مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رهائن الصحراء: بين الخوف والأمل

لدى اختطافهم، كان السياح السويسريون الأربعة يتجولون في الصحراء الجزائرية بدون دليل Keystone Archive

أكد الرئيس الجزائري أنه مستعد لترك "مخرج" لمختطفي الرهائن الذين لا زالوا يحتجزون 15 سائحا أوروبيا من بينهم 4 سويسريين في الصحراء.

وعلى الرغم من استمرار وجود بصيص من الأمل في إنقاذ الرهائن، إلا أن الغموض الشديد الذي يلف القضية يثير مخاوف عائلاتهم.

بعد مرور ثلاثة أسابيع على تحرير الجيش الجزائري لـ 17 رهينة كانوا قد اختطفوا في الصحراء الجزائرية، أعلن الرئيس الجزائري في ستراسبورغ عن “استعداده لترك مخرج للإرهابيين من أجل إنقاذ الرهائن”.

وكذب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ندوة صحفية عقدها بُعيد إلقائه لخطاب أمام نواب البرلمان الأوروبي المعلومات التي أوردتها صحيفة “الوطن” حول تقسيم الرهائن إلى مجموعات صغيرة وأكد أن الوضع “مستقر” منذ مغادرته للجزائر مُوفى الأسبوع الماضي.

وأضاف الرئيس الجزائري: “إن الرهائن مُجمّعون في نفس المكان كما أن مثيري الشغب مُحاصرون مع الرهائن”. وعلى الرغم من انتقاده للظروف “المثيرة لشيء من الجدل” التي توجه فيها السياح إلى “مناطق صعبة من تلقاء أنفسهم” إلا أنه أكد أن السلطات الجزائرية “لا تعتزم التخلي عن الإهتمام بمصيرهم”.

“هناك أمل”

على صعيد آخر، وعلى الرغم من التغطية الواسعة لآثار الزلزال الأخير في الجزائر، إلا أن الصحافة السويسرية تظل صامتة حول مصير الرهائن الذين لا زالوا محتجزين في الصحراء. ويُفسر هذا الصمت بغياب معلومات موثوقة عن هذه القضية المُلتبسة والمعقدة وبالرغبة في عدم الإضرار بسلامة الرهائن المتبقين.

ففي 14 مايو وبعد مرور أقل من 24 ساعة على مغادرة وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر للعاصمة الجزائرية، تم تحرير 17 رهينة من بين 32 شخصا كانوا مُختطفين في الصحراء.

ومنذ ذلك الحين، وعلى الرغم من إعلانات متكررة عن “هجوم وشيك” ضد المجموعة التي لا زالت تحتجز عشرة ألمان وهولنديا وأربعة سويسريين إلا أنه لم ترد أية أنباء جديدة عن هؤلاء السياح الذين آختُطفوا في الفترة الفاصلة ما بين منتصف شهر شباط وآذار في منطقة محددة من الصحراء الكبرى الجزائرية.

وعلى هامش قمة الدول الثماني، التقى رئيس الكنفدرالية يوم الأحد في لوزان بنظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. وفي أعقاب اللقاء، قال باسكال كوشبان الذي اغتنم الفرصة لإثارة المسألة : “إنني مطمئن”.

وعلى الرغم من أن الرئيس الجزائري لم يتمكن من إعطاء أية ضمانة مُطلقة حول مصير السويسريين الأربعة المخطوفين إلا أن السيد كوشبان صرح لوكالة الأنباء السويسرية “نعم، لا زال هناك أمل”.

تعتيم كامل

وسائل الإعلام السويسرية – وعلى العكس من مما كان يُمكن أن يحدث في حالات اختطاف رهائن أخرى – تبدو متحفظة نسبيا حول هذه القضية. فهل يعود هذا إلى عدم توفر أية معلومات بحوزتها؟

يتحدث جون جاك روت رئيس تحرير صحيفة لوتون عن وجود “تعتيم إعلامي” وهو “أمر شبه تقليدي في حالات اختطاف رهائن” حسب قوله.

ويمضي جون جاك روت قائلا: “لكن هذا التعتيم مُضاعف. إذ هو قائم في برن مثلما هو الحال في الجزائر العاصمة. ومن وجهة النظر هذه فليس هناك أسوأ من الجزائر”.

وعلى الرغم من أن صحيفة “لوتون” تتعامل مع مُراسل على عين المكان، إلا أنه لم يتمكن أبدا من الحصول على “المعلومة الحيوية” التي كانت ستسمح ببلورة “طريق” بشكل موثوق وذي مصداقية.

لذلك لم تنشر الصحيفة، وهي الأهم على الساحة الإعلامية الناطقة بالفرنسية، سوى مقالات قصيرة تكرر نفس الأسئلة من قبيل: أين يُوجد الرهائن؟ ومن هم الذين يحتجزونهم؟

خوف العائلات

وفيما يرى البعض أن تحدّر المختطفين السويسريين الأربعة من الأنحاء الناطقة بالألمانية من البلاد قد يكون أحد الأسباب الكامنة وراء قلة الإهتمام بالموضوع في سويسرا الروماندية، إلا أنه من الملفت عدم وجود تحركات بارزة أو حملات تضامن قوية حتى في وسائل الإعلام الناطقة بالألمانية.

ويذكر فيرنر دي شيبر رئيس تحرير صحيفة Blick الشعبية الواسعة الإنتشار بأن محرريه التقوا منذ اندلاع القضية بعائلات المختطفين الأربعة، إلا أن هذا المصدر قد نضب بسرعة لأن “هؤلاء الناس خائفون على سلامة ذويهم” مثلما يشرح دي شيبر.

وفي وزارة الخارجية أيضا، هناك تأكيد على أن العائلات تلقت تعليمات. وتوضح دانيالا ستوفل “لقد قلنا لهم إن المعلومات التي يُمكن أن نقدمها لهم ليست مُوجهة إلى الصحافة”.

فهل يعني هذا أن العائلات مطلعة على أمور لا يعلم بها الجمهور؟ ترد المتحدثة باسم الخارجية بحزم: “لا يُمكن لي أن أقول لكم شيئا عن هذا الموضوع. خلية الأزمة تجتمع كل يوم تقريبا ونحن على اتصال منتظم مع العائلات”. وتضيف دانيالا ستوفل: “نحن لم نصدر أي تعليمات إلى وسائل الإعلام باستثناء أن الأولوية تتمثل في سلامة مُواطنينا الأربعة”.

ويؤكد رئيس تحرير صحيفة بليك أنه لم يتعرض إلى أي ضغط من جانب وزارة الخارجية ويقول: “بالنسبة لي، لقد ساعدوا على التضليل أكثر مما ساعدوا على الإعلام ولكنني لا أعتقد أن هذا كان مقصودا بالفعل”.

شكوك

ولا تثير أجواء التكتم (التي تصل إلى حد الإنزعاج) التي يشعر بها المرء في أروقة وزارة الخارجية استغراب جاك بو، الخبير السويسري في الشؤون الإستخباراتية الذي يقول: “عادة ما تكون المفاوضات حول اختطاف رهائن بطيئة وحساسة جدا. فمن المستحسن إهدار بعض الوقت بدلا من المخاطرة بتحرك خطأ. ومن الأفضل أن لا يكون هناك من يدفع من خلف ظهرك”.

ويضيف جاك بو: ” صحيح أننا لا نعرف حقيقة من هم هؤلاء المُختطفون، ولا أحد بإمكانه التأكيد بأن المختطفين هم المسؤولون فعليا عن التحكم والإدارة للعملية”.

وفي انتظار انجلاء الصورة نهائيا، تظل الرواية الرسمية متمسكة بأن الرهائن السبعة عشر الذين أُفرج عنهم يوم 14 مايو تم استنقاذهم من بين مخالب عناصر تنتمي إلى “المجموعة السلفية للدعوة والقتال” التي تقول السلطات الجزائرية إنها على علاقة بتنظيم القاعدة.

في المقابل، يُبدي عدد من المراقبين – داخل الجزائر وفي أوروبا- عن شكوكهم في هذه الرواية. وتُـورد سليمة ملاح – التي تنشط من باريس موقع “Algeria-watch”على شبكة الإنترنت – بعض المؤشرات المثيرة للريبة.

مخاوف

فعلى إثر استجواب رهينتين ألمانيتين محرّرتين مطولا من جانب قناة تلفزيونية محلية، تعرضا لانتقاد شديد من طرف ضابط رفيع المستوى في الشرطة الجنائية الألمانية الذي وجه إليهما اللوم “لكثرة كلامهما” حسب قول السيدة ملاح.

وتشير الناشطة الحقوقية إلى أن الصحافة الألمانية لم تكن تتحدث في الأيام التي سبقت حدوث الزلزال في الجزائر عن وجود مشاكل مع المختطفين بل عن “صعوبات بين برلين والجزائر العاصمة”. وهو ما يدفعها للإستنتاج بأن الحكومة الجزائرية لم ترغب في ترك الحكومات الأوروبية المعنية تتفاوض مباشرة مع المختطفين خوفا من اكتشاف “الملعوب” على حد قولها.

وفيما ترى صحيفة لبييراسيون الفرنسية أن اقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية (أفريل 2004) حوّل قضية الرهائن إلى ملف تجاذب جزائري-جزائري، تذهب “الحركة الجزائرية للضباط الأحرار” إلى حد القول (في مقال منشور على موقعها على شبكة الإنترنت) بأن الغربيين “آختُطفوا من قبل عناصر من الشرطة السياسية الجزائرية (DRS) ويوجدون حاليا في موقع عسكري في الجنوب”.

وبغض النظر عن مدى صحة هذه المزاعم ومهما كانت الهُوية الفعلية للمختطِفين، وعلى الرغم من تصريحات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يوم الثلاثاء في ستراسبورغ، فإن هناك مخاوف حقيقية على مصير بقية الرهائن الغربيين المحتجزين في الصحراء الكبرى الجزائرية.

سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية