مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

زلزال الحُسيمة يوقظ هواجس مـنسية..

مظاهرة احتجاجية في إمزورن شمالي المغرب يوم 26 فبراير 2004 بسبب تأخر وصول المساعدات إلى إقليم الحسيمة بعد الزلزال العنيف الذي هز المنطقة يوم 24 فبراير Keystone

أكدت تداعيات الزلزال العنيف الذي ضرب منطقة الحسيمة المغربية يوم 24 فبراير الماضي التباين الشاسع بين سكان الأقاليم الشمالية والسلطات المركزية.

واتضح أن التهميش والإهمال الذي عُوملت به المنطقة منذ استقلال المملكة في منتصف الخمسينات من القرن الماضي لازال ماثلا للعيان.

الزلزال وقع فجر الثلاثاء 24 فبراير وأسقط أكثر من ستمائة قتيل ومئات الجرحى وعشرات المنازل التي أصبحت ركاما أو تخلخلت لتصبح غير صالحة للسكن. وخلف أيضا أجواء من الرعب والهلع الذي لم ينته حتى الآن، وتجسد في خروج السكان إلى العراء رافضين العودة إلى منازلهم.

كل ذلك كان من فعل الطبيعة، لكن المواطنين وجدوا في تعاطي السلطات مع الكارثة التي حلت بهم استمرارا لسياسات تعايشوا معها منذ استقلال البلاد، تنتعش الآمال بتبديها وتتبدد، والسنون لا تحمل لهم تغييرا إيجابيا ممنهجا.

كانت الساعات الأولى التي أعقبت الزلزال قاسية على المواطنين، فالبنيات التحتية والتجهيزات في مختلف الميادين والقطاعات ضعيفة ومتهالكة وشبة مفقودة. الدولة مرتكبة والأجهزة المعنية شبه غائبة، وبالتالي غياب ما يحتاجه الموطنون في محنتهم من إسعافات أولية وخيام وأغطية ومواد غذائية وطبية.

كان مواطنو المنطقة يشعرون أنهم وحدهم، لا أحد معهم حتى التلفزيون الرسمي، لم يبث أنباء كارثتهم إلا بعد عشر ساعات من وقوعها في حين كانت القنوات الإسبانية والفرنسية توالي بث تقاريرها من المنطقة وعن المنطقة.

وإذا كان المواطنون المنكوبون قد انشغلوا خلال الساعات الأولى في انتشال ضحاياهم وإنقاذ من بقي تحت الركام أو رعاية من أصيب بجرح أو وفاة قريب، فإن الكيل فاض بهم بعد ذلك وأطلقوا صرخاتهم استنكارا واحتجاجا.

كانت الدولة مُدركة لمخاطر ما يمكن أن تؤدي إليه أية مواجهة من المنكوبين. وصدرت تعليمات صارمة لرجال الأمن بعدم المس بأي مواطن أو تجمع والاكتفاء بتطويق أي احتجاج جماعي حتى لا يتحول إلى اضطراب.

حضور العاهل المغربي للمنطقة المنكوبة خفف كثيرا من حدة التوتر. فقبل حلوله تكثفت عملية المساعدات وانتظمت عملية التوزيع، لكنه أعاد للواجهة سؤال العلاقة بين المنطقة والسلطات المركزية.

إهمال مُتفق عليه!

كانت أحداث عرفها شمال البلاد نهاية الخمسينات، إشارة على تباعد بين السكان هناك والسلطات المركزية في الرباط أوصلها إلى حد القطيعة وإلى تواطئ متفاهم عليه بعدم الاحتكاك الإيجابي والسلبي، ليس فقط بسبب اختلاف الاستعمار بخضوع الشمال المغربي إلى الحماية الإسبانية وطبيعتها وخضوع بقية الأقاليم إلى الحماية الفرنسية وآلية علاقته مع مستعمراتها.

كان التفاهم قائما على أساس إهمال السلطات المركزية للمنطقة وتنميتها وغض النظر عن كيفية تدبير السكان لمصادر عيشهم. فنشط التهريب بأنواعه وساعد على ذلك استمرار الاحتلال الإسباني لمدينتي سبتة ومليلية اللتين حولتهما إسبانيا إلى منطقتين حرتين تعتمدان في تسويق ما تستوردانه على السوق المغربي. كما انتشرت زراعة المخدرات وكادت أن تصبح المصدر الرئيسي لدخل معظم السكان في تلك المناطق.

كان الأمن والاستقرار المتفاهم عليه المحور الذي لا يفرط به أي من الطرفين لصالح الآخر. فالسكان لا يمسون الدولة وأجهزتها ومؤسساتها ولا يتدخلون في مسارها. وبالمقابل، تعفي الدولة المواطنين من “رعايتها” وممارسة سلطاتها المباشرة على حياتهم اليومية، لذلك لم يولي اهتماما كبيرا لمقاطعة الملك الحسن الثاني لمناطقهم.

كما أن الطبيعة الجغرافية القاسية للمنطقة من جبال وعرة وشحة مصادر الرزق وسهولة اللجوء للجبال أو البحار بعيدا عن أعين السلطة، قد جعلت سكان المناطق الشمالية المغربية أكثر حساسية فيما يرتبط بعلاقتهم مع “الآخـر” أيا كان.

بصيص أمل

حين تولي الملك محمد السادس عرش البلاد 1999، ظهرت بوادر علاقات مُختلفة بين المنطقة والسلطات المركزية، فخصها أول جولة تقليدية له في الأقاليم المغربية. ووجد مواطنون أن ملكهم الشاب يقترب منهم يصافحهم ويعانق أطفالهم. وبعد ذلك اختار إحدى مدنهم (طنجة أو تطوان) ليمضي فيها بعضا من أيام الصيف.

بدأت المنطقة تلمس أن مشاريع أعدت منذ 1998 بدأت تأخذ طريقها نحو التنفيذ، من طرقات تربط بين مدنه وتسهيلات للاستثمار والتنمية وتصحو على أحاديث عن مشاريع تنموية ضخمة مثل الميناء المتوسطي الذي قدر أن يكون الأضخم في حوض البحر المتوسط، وإقامة منطقة صناعية حرة في الجغرافية الفاصلة بين المضيق وسبتة.

كانت هذه إشارات أن منطقة الشمال المغربي ستولد تنمويا من جديد، لكنها إشارات لم يتلوها ما ينعش الآمال ويجسدها فعلا ماديا يلمسه المواطن في حياته اليومية. فما تحتاجه المنطقة مكلف ويحتاج إلى ثورة في ميدان الاستثمارات الداخلية والخارجية غير متوفرة. وتساهم التطورات الإقليمية والعالمية في إبعادها عن المنطقة ليواصل مسار الحياة الذي تعيشه المنطقة وتيرته دون تبديل.

صرخات السكان المنكوبين من زلزال الحسيمة، كانت صرخات كل الشمال المغربي استنكارا لتهميش طال أمده وأبقى منطقتهم في عوز دائم. وكانت إعلانا عن ضرورة إعادة النظر في علاقة التجاهل المتبادل. وقد تحمل إقامة الملك محمد السادس في خيمة إلى جانب المنكوبين وقوافل المساعدات من مختلف الأقاليم المغربية وعدا بعلاقة مختلفة مستقبلا.

محمود معروف – الرباط

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية