مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تصويت “الخوف والجهل والخلط بين الأمور”

كانت كلمة "الصدمة" من بين أبرز النعوت التي استخدمتها الصحف السويسرية لوصف الحالة التي أحدثها تصويت 29 نوفمبر 2009 swissinfo.ch

اعتبرت العديد من الصحف السويسرية الصادرة صباح الاثنين أن الخوف والجهل والخلط بين الأمور، هي التي دفعت السويسريين إلى الموافقة على حظر بناء المزيد من المآذن في بلادهم.

وشدّد كتّـاب التعاليق والافتتاحيات أيضا على مسؤولية الحكومة الفدرالية والأحزاب السياسية ووجُّـهت إليها الانتقاد لحضورها المُـحتشِـم خلال الحملة التي سبِـقت التصويت.

ومن التعابير التي تكرّر ورودها في التحليلات والتعاليق التي حفَـلت بها الصحافة السويسرية الناطقة بالفرنسية، هناك “الخوف من الآخر” و”التصويت بالمعِـدة” (أو بالغريزة) و”اللامعقولية” و”الخلط بين الأمور”. وفي هذا السياق، ذهب فرانسوا مودو في افتتاحية صحيفة لوتون، الصادرة بالفرنسية في جنيف، إلى أن “مسلمي سويسرا لا يستحقّـون ظُـلم هذا التصويت العقابي المستوحى من الخوف والأوهام والجهل”.

صحيفة لاتريبون دو جنيف فسّـرت ما حدث بالإشارة إلى أن “البعضَ الذين تضرّروا من الأزمة بأشكال متعدِّدة، أودعوا في صندوق الاقتراع تصويتا يعبِّر عن احتجاج وتوجّـس أكثر مما يعبِّـر عن الحِـقد والارتياب”.

في المقابل، اعتبرت صحيفة لوكوتوديان جوراسيان، الصادرة في دوليمون بالفرنسية، أن ما حدث يعبِّـر عن “خوفٍ أو (شكٍّ) من تماسُـك دولة القانون لدينا بوجه تمازُج الثقافات، الذي يؤدّي إليه عالم تسوده العولَـمة”.

الإرهاب والبُـرقع

صحيفة لاليبرتي ذهبت إلى أن السويسريين الذين وافقوا على حظر بناء المآذن، حرّكتهم “مخاوف مُـرتبطة بأسلمة البلد واختلاطٌ سكّـاني يسير بسرعة كبيرة جدا”، واعتبرت اليومية الصادرة في فريبورغ، أن الذين أطلقوا المبادرة استغلّـوا هذا الخلط.

صحيفة لوجورنال دوجورا، استنكرت في افتتاحيتها، التي جاءت عنوان “هدف الخوف ضدّ مرْمَـانا”، الخلط القائم بين السكان المسلمين المقيمين في سويسرا و”الأصولية الدينية التي تهزّ العالم”، وعلى غِـرار العديد من الكتّـاب، أشار المعلِّـق إلى مسائل مثل الإرهاب والبُـرقُـع.

هذا الخوف يتأسّـس، حسب صحيفتي ليكربريس ولانبارسيال، تصدران بالفرنسية في نوشاتيل، على “الكليشيهات التي تنقُـلها صوَر إسلاميين متعصِّـبين وأصوليين”.

غلطة الأحزاب

الحكومة الفدرالية والأحزاب السياسية والأوساط الاقتصادية وأرباب العمل، إضافة إلى الكنائس، كانوا هدفا لسِـهام انتقادات المعلِّـقين في صحافة الاثنين 30 نوفمبر. لاليبرتي قالت “إننا لم نسمَـع أصواتهم كثيرا”، أما صحيفة 24 ساعة الصادرة في لوزان، فاعتبرت أن الحكومة كانت “خجولة جدا”، في حين “كادت الأحزاب التقليدية أن تغيب تماما” خلال الحملة.

من جهتهما، قالتا صحيفتا ليكبريس ولانبارسيال، “بدلا من الاعتماد على الحِـكمة الشعبية المستحيلة، كان الأولى بالحكومة الفدرالية والبرلمان أن يتحمّـلا مسؤولياتهما ورفض مبادرة من هذا القبيل”.

لاتريبون دو جنيف اعتبرت بدورها أن الحكومة الفدرالية والأحزاب تركا “المجال مفتوحا للخصْـم”، ووجّـهت صحيفة لوكوتوديان جوراسيان نفس الانتقادات معتبِـرة أن الأحزاب لم تأخذ “مُـشعِـلي الحرائق في حزب الشعب السويسري” بما يكفي من الجِـدّ.

في كانتون فالي، أعربت صحيفة لونوفيليست (تصدر بالفرنسية في سيون) عن استغرابِـها من الفوز الكبير الذي حققه حزب الشعب، رغم أنه كان يخوض الحملة “بمفرده ضدّ الجميع تقريبا، مستغِـلاّ الإسلاموفوبيا الرائِـجة وبالرغم من رفض الأغلبية الساحقة لوسائل الإعلام” للمبادرة.

ضربة لصورة البلد

العديد من كتّـاب الافتتاحيات في الصحف حذّروا من الانعكاسات المحتملة لنتيجة التصويت على صورة سويسرا، واعتبرت لوتون أن “مصداقيتها مهدّدة بالانهيار، نتيجة تصويت انفعالي، ذي بُـعد رمزي بلا شك، ولكن تداعياته لا حدّ لها”.

من جهتها كتبت صحيفة 24 ساعة: “إن حظر بناء المآذن يأتي ليُـضاف إلى قائمة مثيرة للانزعاج، تشمَـل قضايا اقتصادية وسياسية، تضع بلادنا في موقِـع ضُـعفٍ على الخارطة الدولية”، وأضافت أن الذين يُـمارسون مِـهنة الترويج لسويسرا في الخارج، “سيحتاجون إلى التوفّـر على عكّـاز حاج متين (في إشارة إلى ضرورة التنقّـل بين البلدان الإسلامية لإقناعها وشرح ما حدث) وإيمان لا يتزعزع”.

صحيفة لاتريبون دو جنيف لاحظت أن “العالم أجمع يعبِّـر اليوم عن استنكاره ويتساءل عن الدوافِـع السويسرية” الكامنة وراء هذه النتيجة، كما عبّـرت عن خِـشيتها من أن تكلِّـف هذه الإهانة للإسلام، غاليا، “انتقاما.. مقاطعة.. عقوبة…”.

من جهتها، قالت صحيفة لاليبرتي “في الوقت الذي نواجه فيه العديد من التحديات الأخرى، من الأزمة الاقتصادية إلى النزاع مع ليبيا، مرورا باختفاء السر المصرفي، يبقى الأمل قائما في أن الثمن لن يكون مرتفعا جدا”. أما صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ، الصادرة بالألمانية في زيورخ، فتوقّـعت أن “دبلوماسيينا سيكونون مدعوين للقيام بعمل كبير”.

السّـلم الدينية

مهما يكُـن من أمر، فالوقائع الماثلة اليوم، صلبة وصارخة. فقد اختار السويسريون بقرارهم حظر بناء المآذن، وسْـم ديانة بعينها، لكن هذا الموقف لا يتساوق برأي المعلِّـقين مع سويسرا البلد، الذي سعى دائما للبحث عن إحلال السِّـلم بين الأديان.

ومما يزيد في استغراب كتّـاب الافتتاحيات، هو أن المسلمين في سويسرا ليسوا من المتشدِّدين أو الأصوليين في أغلبيتهم الساحقة، كما أنهم مندمجون بشكل جيِّـد في المجتمع. ورأت صحيفة تاغس أنسايغر، الصادرة في زيورخ، في التصويت بـ “نعم” للمبادرة، “هزيمة مريرة للسّـلم الدينية”، كما اعتبرت أن سويسرا تظل مُـنشطرة بين رؤية عصرية ومنفتحة على العالم ورؤية تقليدية وقومية.

على كلٍّ، تطرح إعادة النظر هذه في السِّـلم الدينية مجددا مسألة الرغبة في تشكيل أمّـة (وهو ما يُـعبَّـر عنه في في سويسرا بكلمة Willensnation)، لذلك، اعتبرت صحيفة Südostschweiz، تصدر بالألمانية في خور بكانتون غراوبوندن، أنه من الضروري إعادة تحديد هذا المفهوم، لأن “الأفكار المُـسبقة والصورة الرومانطيقية عن الذات، أقوى بكثير من الواقع”.

هذا الجُـهد مطلوب من السويسريين، لكن المسلمين يحتاجون بدورهم إلى بذل جُـهد من جانبهم، حيث ترى صحيفة دير بوند، الصادرة في برن، أنه “يجب عليهم حلّ مشكلة الصورة (الرائجة عنهم) عبْـر المزيد من الانفتاح.

swissinfo.ch مع الوكالات

نجحت المبادرتان الشعبيتان المناهضتان لبناء مآذن جديدة في سويسرا ولتصدير العتاد الحربي السويسري في تعبئة الناخبين بحيث ارتفعت نسبة المشاركة إلى حوالي 53%، وهي أفضل نتيجة سجلتها عمليات التصويت على المستوى الفدرالي في عام 2009.

وحسب النتائج النهائية لعمليات تصويت يوم 29 نوفمبر 2009 الصادرة عن المستشارية الفدرالية:

– المبادرة الشعبية المناهضة لبناء مآذن جديدة في سويسرا، حظيت بموافقة 57,5% من الناخبين وغالبية الكانتونات بحيث رفضت أربعة كانتونات فقط من أصل الـ 26 التي تتكون منها الكنفدرالية تأييد الحظر الذي حظي بدعم حزب الشعب (يمين متشدد) وحزب مسيحي محافظ صغير. وتصدر قائمة الكانتونات المعارضة لبناء المآذن أبنزل – إينرهودن بنسبة 71,5%، متبوعا بغلاروس (68,8%) وسانت غالن (65,9%)..

– المبادرة الشعبية المناهضة لحظر تصدير العتاد الحربي السويسري قوبلت برفض 68,2% من الناخبين.

– تمويل النقل الجوي: حصل المقترح على تأييد 65% من الناخبين.

أما نسبة المشاركة حول المواضيع الثلاثة مجتمعة فبلغت 51,9%.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية